حكاية دموع أمي
_____________
الدموع في عيون أمي تروي حكاية لا تنتهي كما بدأت , فقد كانت البداية بصبية احبت ابن عمها واحبها , حين كانوا يعيشوا في كنف الجد ببيته الكبير , بظل أسرة ممتدة , انه أجمل الرجال في نظرها , يده الصلبة تساند يدها الرقيقة بتحمل
الأعباء , فهو يملأ لها ركوة الماء من البئر , ويوقد لها النار لتعد الطعام ,وهي ترخي حبال تعبه في حنين شعاع عينيها , بكلمة او بنظرة تجعله يقوى على الصعاب , لانت الحياة حين لمست حبهم .
عدت السنوات الشيء الثابت فيها ظلال الحب الدائم الذي أضاء اركان بيتنا ,نشأنا على فيض حب تدفق بجنبات حياتنا , رزقا ابي وامي من ثمار الحب الكثير من الاولاد والبنات , فهم عزوة وسند للحياة وداعم بالايدي التي تُخضّر الارض وتجني الخير , الى جانب تعليمنا بالمدارس كنا جنباً الى جنب مع والدينا بالعمل المتواصل , انها حياة الفلاح الفلسطيني , يعطي الفلسطيني الأرض لأنه منغرس
فيها وكأن في جذور الزيتون شيء من الروح , من روح والده وجده , شيء من التاريخ , لكنه لم يزل يرسم حاضره ويبني صروح مجد غده , يده تقلب مع خيرات الارض حكاية
الاجيال ووصاياهم , كبرنا على هذه الارض دخلت مرحلة التعليم الثانوي , وكنت امشي مسافات طويله يومياً لأصل لمدرستي في القرية مجاورة .
لكن لا تستقيم الايام , اتت الحرب لتسلب منا كل ذلك , لم نجني من خسارتنا بالمعركة الا الأنهزام , بأثر الأنهزام قتلت الخسارات المتتالية السهول والجبال , قتلت قوت النهار , ومرقد الليل الحالم , قتلت كل ما فينا من أمل , لم يبقى الا البحث المضني عما يسد الجوع بعد ان صودرت الارض التي كانت الدخل والغذاء وكل ما نملك لنقتات , ونعيش لم يعد لابي على هذه الارض رزق ولم يبقى من الملك الا حب ترهقه الأيام بمرارة العيش .
وعندما ضاقت سبل الرزق كان المخرج الوحيد بسفر أبي للعمل بالكويت , فعندما يضع ما نملك سنضطر للعمل عند منّ يملك , بعد ان كنا اسياد سنبحث عن احد السادة
ليستأجرنا , ومع ذلك اخلص أبي في عمله وأدى العمل بكل أمانة واتقان .
وفجأة انقطعت أخباره , صمت قاتل يعبر في توالي الأيام , وكان بالصمت بعض من كلام , فيه رساله وفي عيون المارة نظرة تقول شيء , وكأن الخبر لم يعد ينتظر اليقين .
الى ان أتى أحد المغتربين من الكويت لزيارة اهله بفلسطين , كان يعمل مع أبي ,اجتمع بالمسجد كبار رجال القرية وطلبوا حضوري , كنت اخطوا بخطوات متثاقلة ,وعلى وجهي وجوم يلمحه المارة فيبادلونه بالأسف , قرأت بعيونهم بعض الأخبار ,
وكانت معانيها اكبر من الحدث , ففيها نظرة للايام الكئيبة القادمة , ولما ينتظرني انا وعائلتي من أحزان , كم هي اليمة مواساتهم قبل البوح بدواعي المواساة , ليس كل شفقه او عطف مريح , البعض منه مقلق , والبعض منه يسلب الروح
الكبرياء , فيقابل بالرفض , وصلت للمسجد دخلت وسلمت اقترب مني احد الرجال ووضع يده على كتفي , نعم يكفي أعلم : رحل ابي وانه مجلس عزاء , ومع الزائر ظرف فيه
بعض المال , كل شي … كل ما بقي من أبي , لن يعود , بعض المال من أجله فقدنا حضن أبي بأخر ايامه , المال حال دون اكفاءنا من عناقه , او سماع وصيته عند الاحتضار , حتى ان ثرى فلسطين الغالي لن يضم جسده , توفي ودفن بارض الغربة .
انها نهاية حكاية دموع أمي , لن تجف بسكون الليل الدموع , لكن في الصباح تتوارى خلف جهد النهار , لتكمل بسواعدها ما بدأه أبي , امامها أصرار يحجب ما خطته على وجنتيها الدموع من آثار .
بقلم: الكاتبة اسراء عبوشي
_____________
الدموع في عيون أمي تروي حكاية لا تنتهي كما بدأت , فقد كانت البداية بصبية احبت ابن عمها واحبها , حين كانوا يعيشوا في كنف الجد ببيته الكبير , بظل أسرة ممتدة , انه أجمل الرجال في نظرها , يده الصلبة تساند يدها الرقيقة بتحمل
الأعباء , فهو يملأ لها ركوة الماء من البئر , ويوقد لها النار لتعد الطعام ,وهي ترخي حبال تعبه في حنين شعاع عينيها , بكلمة او بنظرة تجعله يقوى على الصعاب , لانت الحياة حين لمست حبهم .
عدت السنوات الشيء الثابت فيها ظلال الحب الدائم الذي أضاء اركان بيتنا ,نشأنا على فيض حب تدفق بجنبات حياتنا , رزقا ابي وامي من ثمار الحب الكثير من الاولاد والبنات , فهم عزوة وسند للحياة وداعم بالايدي التي تُخضّر الارض وتجني الخير , الى جانب تعليمنا بالمدارس كنا جنباً الى جنب مع والدينا بالعمل المتواصل , انها حياة الفلاح الفلسطيني , يعطي الفلسطيني الأرض لأنه منغرس
فيها وكأن في جذور الزيتون شيء من الروح , من روح والده وجده , شيء من التاريخ , لكنه لم يزل يرسم حاضره ويبني صروح مجد غده , يده تقلب مع خيرات الارض حكاية
الاجيال ووصاياهم , كبرنا على هذه الارض دخلت مرحلة التعليم الثانوي , وكنت امشي مسافات طويله يومياً لأصل لمدرستي في القرية مجاورة .
لكن لا تستقيم الايام , اتت الحرب لتسلب منا كل ذلك , لم نجني من خسارتنا بالمعركة الا الأنهزام , بأثر الأنهزام قتلت الخسارات المتتالية السهول والجبال , قتلت قوت النهار , ومرقد الليل الحالم , قتلت كل ما فينا من أمل , لم يبقى الا البحث المضني عما يسد الجوع بعد ان صودرت الارض التي كانت الدخل والغذاء وكل ما نملك لنقتات , ونعيش لم يعد لابي على هذه الارض رزق ولم يبقى من الملك الا حب ترهقه الأيام بمرارة العيش .
وعندما ضاقت سبل الرزق كان المخرج الوحيد بسفر أبي للعمل بالكويت , فعندما يضع ما نملك سنضطر للعمل عند منّ يملك , بعد ان كنا اسياد سنبحث عن احد السادة
ليستأجرنا , ومع ذلك اخلص أبي في عمله وأدى العمل بكل أمانة واتقان .
وفجأة انقطعت أخباره , صمت قاتل يعبر في توالي الأيام , وكان بالصمت بعض من كلام , فيه رساله وفي عيون المارة نظرة تقول شيء , وكأن الخبر لم يعد ينتظر اليقين .
الى ان أتى أحد المغتربين من الكويت لزيارة اهله بفلسطين , كان يعمل مع أبي ,اجتمع بالمسجد كبار رجال القرية وطلبوا حضوري , كنت اخطوا بخطوات متثاقلة ,وعلى وجهي وجوم يلمحه المارة فيبادلونه بالأسف , قرأت بعيونهم بعض الأخبار ,
وكانت معانيها اكبر من الحدث , ففيها نظرة للايام الكئيبة القادمة , ولما ينتظرني انا وعائلتي من أحزان , كم هي اليمة مواساتهم قبل البوح بدواعي المواساة , ليس كل شفقه او عطف مريح , البعض منه مقلق , والبعض منه يسلب الروح
الكبرياء , فيقابل بالرفض , وصلت للمسجد دخلت وسلمت اقترب مني احد الرجال ووضع يده على كتفي , نعم يكفي أعلم : رحل ابي وانه مجلس عزاء , ومع الزائر ظرف فيه
بعض المال , كل شي … كل ما بقي من أبي , لن يعود , بعض المال من أجله فقدنا حضن أبي بأخر ايامه , المال حال دون اكفاءنا من عناقه , او سماع وصيته عند الاحتضار , حتى ان ثرى فلسطين الغالي لن يضم جسده , توفي ودفن بارض الغربة .
انها نهاية حكاية دموع أمي , لن تجف بسكون الليل الدموع , لكن في الصباح تتوارى خلف جهد النهار , لتكمل بسواعدها ما بدأه أبي , امامها أصرار يحجب ما خطته على وجنتيها الدموع من آثار .
بقلم: الكاتبة اسراء عبوشي