ذكريات بعيدة:1 ـ (من رفح إلى خن يونس)
أذكر أثناء سكننا في مخيم رفح، وبينما كنت ألهو حول خيمتنا ـ وحيث عدتُ للداخل ـ أنّ عمتي الوحيدة، وكانت في التاسعة من عمرها وسبق أن ذكرت اسمها.. واجهتني عند باب الخيمة مستبشرةً قائلة: "مبروك جالك أخو " فضحكت لها غير متفهم لما تقول؛ وقد كنت في الرابعة من عمري! غير أني شاهدت جدتي في الداخل وهي تلفّ جسماً صغيراً يصدر بكاءً، بينما هي تتمتم بكلمات لا أفهمها.. وكان هو أخي الوليد (عيسى) الذي أصبح طبيباً.. ويقيم الآن في ليبيا. كما أذكر يومها أنّ أبي عائداً من دكانه، جاء لنا بالشيكولاتة يوزعها على من حضر ابتهاجاً بالمولود الجديد!
وسوى ذلك أو بعده أذكر أيضاً في رفح بيتنا الذي بناه والدي بالطوب المصنوع من الطين، على طريقة بيوت القرية القديمة.. وكم كنت سعيداً وأنا أتفرّج على أعمامي وهم يجبلون الطين خلطاً بالماء، ويصنعون منه الطوب حتى إذا جفّ أقاموا به الجدران وأنشأوا البيت وجعلوا له الباب والشباك.. ثم حوّطوه بفناء صغير! كما أذكر مركز توزيع الحليب حيث كنت أحيانا أرافق عمتي وأختي الكبرى؛ لاستلام ما يخصنا منه بواسطة بطاقة تصرفها لنا وكالة غوث اللاجئين التي سبق أن ذكرتها. كما أذكر فرناً كنا نعدّ فيه خبزنا غير بعيد عن مسكننا، وكان لأحد أهالي قريتنا واسمه إدريس، وقد استمر هذا الفرن قائماً زماناً طويلاً..
هذا وآخر ما أذكر من مقامنا في رفح يوم رحيلنا عنها في السابع من سبتمبر/ إيلول 1951ـ كما هو في مذكرات الوالد ـ وحيث تمّ نقلنا مع العفش بما فيه الخيمة الكبيرة في شاحنة نقلتنا جميعا.. وكنت مع أبناء عمي نقف في خلفية السيارة ممسكين ببعض العفش، بينما الوالد والعم محمود يجلسان في الأمام بجوار السائق.. وكانت السيارة تعلو بنا وتهبط بشدة تنخلع لها قلوبنا نحن الصغار، كلما مرت فوق أحد المطبّات أو الحفر الكبيرة في الشوارع غير المعبّدة جيداً.. وكان بجانبي أحد أبناء العم الأكبر مني سناً، فكان ينادي محذراً بأعلى صوته كلما مررنا بمطبّ أوعند قاطع السكة الحديد، مدخلنا إلى الغرب جهة خان يونس.. فأتشبث جيداً بأحد الأمتعة أو بحائل قفص السيارة؛ خوفاً من الوقوع! حتى وصلنا المدينة.. وتم نصب خيمتنا في مكان يدعى الحصوة كما أسلفت.. مضافة إلى ما يسمى (مخيم خان يونس)
ـــــــــــــــــــــــــــ يتبع
أذكر أثناء سكننا في مخيم رفح، وبينما كنت ألهو حول خيمتنا ـ وحيث عدتُ للداخل ـ أنّ عمتي الوحيدة، وكانت في التاسعة من عمرها وسبق أن ذكرت اسمها.. واجهتني عند باب الخيمة مستبشرةً قائلة: "مبروك جالك أخو " فضحكت لها غير متفهم لما تقول؛ وقد كنت في الرابعة من عمري! غير أني شاهدت جدتي في الداخل وهي تلفّ جسماً صغيراً يصدر بكاءً، بينما هي تتمتم بكلمات لا أفهمها.. وكان هو أخي الوليد (عيسى) الذي أصبح طبيباً.. ويقيم الآن في ليبيا. كما أذكر يومها أنّ أبي عائداً من دكانه، جاء لنا بالشيكولاتة يوزعها على من حضر ابتهاجاً بالمولود الجديد!
وسوى ذلك أو بعده أذكر أيضاً في رفح بيتنا الذي بناه والدي بالطوب المصنوع من الطين، على طريقة بيوت القرية القديمة.. وكم كنت سعيداً وأنا أتفرّج على أعمامي وهم يجبلون الطين خلطاً بالماء، ويصنعون منه الطوب حتى إذا جفّ أقاموا به الجدران وأنشأوا البيت وجعلوا له الباب والشباك.. ثم حوّطوه بفناء صغير! كما أذكر مركز توزيع الحليب حيث كنت أحيانا أرافق عمتي وأختي الكبرى؛ لاستلام ما يخصنا منه بواسطة بطاقة تصرفها لنا وكالة غوث اللاجئين التي سبق أن ذكرتها. كما أذكر فرناً كنا نعدّ فيه خبزنا غير بعيد عن مسكننا، وكان لأحد أهالي قريتنا واسمه إدريس، وقد استمر هذا الفرن قائماً زماناً طويلاً..
هذا وآخر ما أذكر من مقامنا في رفح يوم رحيلنا عنها في السابع من سبتمبر/ إيلول 1951ـ كما هو في مذكرات الوالد ـ وحيث تمّ نقلنا مع العفش بما فيه الخيمة الكبيرة في شاحنة نقلتنا جميعا.. وكنت مع أبناء عمي نقف في خلفية السيارة ممسكين ببعض العفش، بينما الوالد والعم محمود يجلسان في الأمام بجوار السائق.. وكانت السيارة تعلو بنا وتهبط بشدة تنخلع لها قلوبنا نحن الصغار، كلما مرت فوق أحد المطبّات أو الحفر الكبيرة في الشوارع غير المعبّدة جيداً.. وكان بجانبي أحد أبناء العم الأكبر مني سناً، فكان ينادي محذراً بأعلى صوته كلما مررنا بمطبّ أوعند قاطع السكة الحديد، مدخلنا إلى الغرب جهة خان يونس.. فأتشبث جيداً بأحد الأمتعة أو بحائل قفص السيارة؛ خوفاً من الوقوع! حتى وصلنا المدينة.. وتم نصب خيمتنا في مكان يدعى الحصوة كما أسلفت.. مضافة إلى ما يسمى (مخيم خان يونس)
ـــــــــــــــــــــــــــ يتبع