أبا جهاد سلاماً سلام
بقلم : صلاح صبحية
أبو جهاد يدق اليوم أبوابنا ، يسألنا لماذا انطفأت جذوة الثورة في داخلنا ، فماذا نجيب أبا جهاد ، نخجل من أنفسنا أمام سؤالك أبا جهاد ، فلقد تغيرت مفاهيم كثيرة منذ أن رحلت عنا ، فلم تعد فلسطين هي فلسطين، وأصبح القطاع الغربي يقبع على رصيف الذاكرة ، لم يعد أول الرصاص ديدنا اليومي ، ولم يعد أول الحجارة إبداعنا النضالي ، ولم نعد ثواراً في حركة التحرر الوطني ، كل ما تعلمناه منك في معسكرات التدريب وفي قواعد الثورة على تخوم الوطن شرقاً وشمالاً محته مفاهيم جديدة آمنت بحق الوجود لمن وجهت رصاصتك الأولى إليه ، وكأنك اليوم تقف في قفص الاتهام ، لماذا حملت بندقيتك منذ أن كنت شاباً وقاومت الاحتلال ، لماذا حولت حجارة وطنك إلى قنابل موقوته تنفجر في وجه الاحتلال ، لماذا جعلتَ شعبك يدفع كل هذا الثمن من الشهداء والجرحى والأسرى وقد ضاع الهدف الذي ناضلت من أجله ، إننا نفتخر بك اليوم ، لكننا في داخلنا شطبنا أول الرصاص وأول الحجارة ، لقد ضاع الطريق منا ، ودخلنا في متاهة لا نعرف كيف الخروج منها ، وتربعنا على كراسي الملك ، بعد أن كنت ملكاً ثوريّاً تتربع على تراب الأرض ، أصبحنا نأكل طعامنا في صحاف من ذهب وفضة ، بعد أن كنت تأكل طعامك أنت والفدائيين في معسكر الهامة من قصعة واحدة تدّل على رجولة الرجال ، لقد أصبحنا حاشية من الفاسدين والمفسدين ، بعد أن كنتَ واحداً من الثوار والمقاتلين تزرع في نفوسهم حبّ الوطن والثورة وتذكي فيهم عزيمة الإصرار لتسديد رميهم في وجه الاحتلال ، فكانت دلال المغربي تعود إلى حيفا ويافا بإرادة الثوار ، وكان لها ما أرادت ، عودة شريفة ليدفن جسدها في تراب الوطن ، واليوم يريدون أن ينزعوا جسد دلال من أرض الوطن ، لأنك أخطأت أبو جهاد عنوان النضال ، فلم تعد حيفا ويافا أرضاً فلسطينية ، هي أرض الغرباء ، أرض من شدّوا رحالهم إليها من كل الآفاق ، وأقاموا وطنا قومياً لهم نفتخر به ونحن ننشد نشيدهم الوطني ، ونقول لهم صباح مساء لكم منا السلام .
إننا نخجل منك أبا جهاد الآن ، لأنك آمنت بحق العودة إيماناً حقيقياً ، فأعددت مراكب العودة إلى أرض عكا وحيفا ويافا ، وأنت في ذات الوقت تعلن ، لا صوت فوق صوت الانتفاضة ، لا صوت فوق صوت أطفال الحجارة ، لكننا اليوم لم يعد حق العودة إلى حيث كنت تريد ، إلى اللد والرملة ، حق العودة أصبح اليوم التهجير إلى بقاع الأرض عبر قوارب الموت ، فالصوت اليوم الذي لا يعلو فوقه صوت ، أيها الفلسطيني أهجر مخيمك ، ويمم شطرك نحو بلاد ليست بلادك ، واشطب من ذاكرتك أبجدية لغتك الأولى ، وتعلم لغة السلام التي تمنح بها السلام لمن اغتصب أرضك ، فالفلسطيني أصبح رقماً في نشرات الإحصاء اليومية ، كم بقي في مخيم اليرموك ، عشرون ألفاً ، عشرة آلاف ، كم عدد الذين غادروا مخيماتهم إلى الأرض المنخفضة في الشمال ، مائة ألف ، مائتي ألف ، نصف مليون ، فنشرات الإحصاء تفرح بأعدادنا التي تنقص في مكان وتتزايد في أمكنة أخرى ، هي العودة التي يردونها لنا .
إننا نخجل منك أبا جهاد ، نخجل منك من فيتنام إلى الجزائر ، ونخجل منك الآن أكثر ، لأنّ درب آلامنا لم يعد درب آلام السيد المسيح ، فقد قطعنا الحبل السّري ما بين بيت لحم والقدس والناصرة ، وحملنا صليبنا الخشبي وابتعدنا عن الجُلجلة ، وما عاد لنا سيوف تُستل من أغمادها ، وما عادت لنا كلمات حرّة تفكُ سرّ حيرتنا التي نعيشها الآن ، وحده الظلام الذي يخيّم على كينونتنا المتفككة ، ولم يعد القمر يحمل سرّ ثورتنا ، لأننا فقدنا البصر والبصيرة في زمن الحاجة إليهما ، فلا تلمنا أبا جهاد إن أصبحنا قاعدين عن الجهاد .
حمص في 16/4/2015 صلاح صبحية
بقلم : صلاح صبحية
أبو جهاد يدق اليوم أبوابنا ، يسألنا لماذا انطفأت جذوة الثورة في داخلنا ، فماذا نجيب أبا جهاد ، نخجل من أنفسنا أمام سؤالك أبا جهاد ، فلقد تغيرت مفاهيم كثيرة منذ أن رحلت عنا ، فلم تعد فلسطين هي فلسطين، وأصبح القطاع الغربي يقبع على رصيف الذاكرة ، لم يعد أول الرصاص ديدنا اليومي ، ولم يعد أول الحجارة إبداعنا النضالي ، ولم نعد ثواراً في حركة التحرر الوطني ، كل ما تعلمناه منك في معسكرات التدريب وفي قواعد الثورة على تخوم الوطن شرقاً وشمالاً محته مفاهيم جديدة آمنت بحق الوجود لمن وجهت رصاصتك الأولى إليه ، وكأنك اليوم تقف في قفص الاتهام ، لماذا حملت بندقيتك منذ أن كنت شاباً وقاومت الاحتلال ، لماذا حولت حجارة وطنك إلى قنابل موقوته تنفجر في وجه الاحتلال ، لماذا جعلتَ شعبك يدفع كل هذا الثمن من الشهداء والجرحى والأسرى وقد ضاع الهدف الذي ناضلت من أجله ، إننا نفتخر بك اليوم ، لكننا في داخلنا شطبنا أول الرصاص وأول الحجارة ، لقد ضاع الطريق منا ، ودخلنا في متاهة لا نعرف كيف الخروج منها ، وتربعنا على كراسي الملك ، بعد أن كنت ملكاً ثوريّاً تتربع على تراب الأرض ، أصبحنا نأكل طعامنا في صحاف من ذهب وفضة ، بعد أن كنت تأكل طعامك أنت والفدائيين في معسكر الهامة من قصعة واحدة تدّل على رجولة الرجال ، لقد أصبحنا حاشية من الفاسدين والمفسدين ، بعد أن كنتَ واحداً من الثوار والمقاتلين تزرع في نفوسهم حبّ الوطن والثورة وتذكي فيهم عزيمة الإصرار لتسديد رميهم في وجه الاحتلال ، فكانت دلال المغربي تعود إلى حيفا ويافا بإرادة الثوار ، وكان لها ما أرادت ، عودة شريفة ليدفن جسدها في تراب الوطن ، واليوم يريدون أن ينزعوا جسد دلال من أرض الوطن ، لأنك أخطأت أبو جهاد عنوان النضال ، فلم تعد حيفا ويافا أرضاً فلسطينية ، هي أرض الغرباء ، أرض من شدّوا رحالهم إليها من كل الآفاق ، وأقاموا وطنا قومياً لهم نفتخر به ونحن ننشد نشيدهم الوطني ، ونقول لهم صباح مساء لكم منا السلام .
إننا نخجل منك أبا جهاد الآن ، لأنك آمنت بحق العودة إيماناً حقيقياً ، فأعددت مراكب العودة إلى أرض عكا وحيفا ويافا ، وأنت في ذات الوقت تعلن ، لا صوت فوق صوت الانتفاضة ، لا صوت فوق صوت أطفال الحجارة ، لكننا اليوم لم يعد حق العودة إلى حيث كنت تريد ، إلى اللد والرملة ، حق العودة أصبح اليوم التهجير إلى بقاع الأرض عبر قوارب الموت ، فالصوت اليوم الذي لا يعلو فوقه صوت ، أيها الفلسطيني أهجر مخيمك ، ويمم شطرك نحو بلاد ليست بلادك ، واشطب من ذاكرتك أبجدية لغتك الأولى ، وتعلم لغة السلام التي تمنح بها السلام لمن اغتصب أرضك ، فالفلسطيني أصبح رقماً في نشرات الإحصاء اليومية ، كم بقي في مخيم اليرموك ، عشرون ألفاً ، عشرة آلاف ، كم عدد الذين غادروا مخيماتهم إلى الأرض المنخفضة في الشمال ، مائة ألف ، مائتي ألف ، نصف مليون ، فنشرات الإحصاء تفرح بأعدادنا التي تنقص في مكان وتتزايد في أمكنة أخرى ، هي العودة التي يردونها لنا .
إننا نخجل منك أبا جهاد ، نخجل منك من فيتنام إلى الجزائر ، ونخجل منك الآن أكثر ، لأنّ درب آلامنا لم يعد درب آلام السيد المسيح ، فقد قطعنا الحبل السّري ما بين بيت لحم والقدس والناصرة ، وحملنا صليبنا الخشبي وابتعدنا عن الجُلجلة ، وما عاد لنا سيوف تُستل من أغمادها ، وما عادت لنا كلمات حرّة تفكُ سرّ حيرتنا التي نعيشها الآن ، وحده الظلام الذي يخيّم على كينونتنا المتفككة ، ولم يعد القمر يحمل سرّ ثورتنا ، لأننا فقدنا البصر والبصيرة في زمن الحاجة إليهما ، فلا تلمنا أبا جهاد إن أصبحنا قاعدين عن الجهاد .
حمص في 16/4/2015 صلاح صبحية