الأخبار
17 شهيداً في مجزرتين بحق قوات الشرطة شرق مدينة غزةمدير مستشفى كمال عدوان يحذر من مجاعة واسعة بشمال غزة"الإعلامي الحكومي" ينشر تحديثًا لإحصائيات حرب الإبادة الإسرائيلية على غزةغالانت يتلقى عبارات قاسية في واشنطن تجاه إسرائيلإعلام الاحتلال: خلافات حادة بين الجيش والموساد حول صفقة الأسرىالإمارات تواصل دعمها الإنساني للشعب الفلسطيني وتستقبل الدفعة الـ14 من الأطفال الجرحى ومرضى السرطانسرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قراءة في كتاب "الدراية - الفريضة المصيرية الغائبة في التراث"بقلم:عبدالله دعيس

تاريخ النشر : 2015-04-16
قراءة في كتاب "الدراية - الفريضة المصيرية الغائبة في التراث"بقلم:عبدالله دعيس
عبدالله دعيس:
قراءة في كتاب "الدراية - الفريضة المصيرية الغائبة في التراث" لمؤلفه عثمان صالحيّة
(الدراية – الفريضة المصيرية الغائبة في التراث، الشفاعة أنموذجا مفصلا) كتاب صدر عام 2014 ويقع في 604 صفحات من القطع الكبير لمؤلفه الأستاذ عثمان صالحية.
يلحظ الأستاذ عثمان صالحية المشاكل التي تتخبط فيها الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر، ويعود إلى تاريخ الأمة الطويل، يتحسس فيه مواطن الوجع وعوامل الضعف والوهن، ويقرر بحكم خبرته الطويلة في الحياة، أن يضع أنامله على مصدر الخلل وأصل العلّة، لعله يستطيع أن يرشد الأمة، التي ضلت الطريق، إلى حبل النجاة الذي إذا تعلقت به لحقت ركب البشرية، وتخلصت من ظلام الجهل والتخلف والتبعيّة.
يرى المؤلف أن كتب التراث الإسلامي، مثل كتب التاريخ والتفسير والسنّة، تزخر بالروايات التي لا يقبلها العقل أو المنطق السليم، أو ربما تتعارض مع بعض الحقائق العلميّة. ويعتب على الذين يقبلون هذه الأخبار دون تدقيق ولا تمحيص ولا يعملون عقولهم بها، فتتفرق الأهواء بهم، وقد يقودهم هذا إلى الضلال والبعد عن المنهج السليم الذي جاء به الإسلام. فالإسلام لا يعارض العلم، فلا يمكن أن يعارض نصا من القرآن الكريم أو حديث ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم العقل والفطرة السليمة أو حقيقة علمية ثابتة، فما دام الذي خلق الكون هو الذي أنزل هذه الرسالة، فلا يمكن أن يكون هناك تعارض ولا إشكال.
لذلك فإن المؤلف يقترح أن تعرض جميع النصوص الإسلامية بما فيها الحديث الشريف على العقل والمنطق، وتدرس دراسة واعية قبل أن تُعتَمد كدليل شرعيّ، بغض النظر عن صحة سندها أم ضعفه؛ فصحة السند في رأيه لا تغني عن هذه الدراسة التي يسميها "الدراية". فالرواة، مهما بلغوا من العدالة والحفظ قد يخطئون أحيانا، وقد تصلنا نصوص صحيحة السند لكنها لا تتوافق مع المنطق السليم. ويرى المؤلف أن التراث الإسلامي بحاجة إلى إعادة تقييم ودراسة ضمن هذا العلم الذي يعرّفه ويضع شروطه، فيقول في مقدمة الكتاب أن الدراية "تعني إخضاع متونها للدرس والفحص والتمحيص، طبقا لقواعد ضبط وربط صارمة مشروعة، لا تدع مجالا للجرأة الجاهلة أو الجرأة الغاشمة، للعبث في دين الله، أو العبث بشرعه وأحكامه، وأصوله وفروعه. وذلك كأن كانت تلك المتون تخالف قطعي القرآن، أو يكذبها الواقع المدرك المحسوس، أو تناقض السنن الكونية أو القوانين الإلهية أو الطبيعة البشرية، أو تناقض أحاديث متواترة فعلا، أو يناقض بعضها بعضا، أو يناقض الحديث نفسه، إلى غير ذلك من المتناقضات القطعيات الواضحات."
ثم يخبرنا الكاتب أن من يتصدى لهذا العلم ومن يحمل مسؤولية هذه الأمانة هم الصفوة المختارة من أبناء الأمة، وحتى لا نسيء فهمه يعرفنا عنهم باللغة الإنجليزية (Elite) والتي يجب أن تكون منظمة غاية التنظيم، كما يقول المؤلف، ومسلحة بالمبدأ (ideology) تسليحا عميقا مستنيرا، شاملا منظومته العقائدية والتشريعية.
إن ما يطرحه المؤلف في هذا الكتاب لهو أمر ضروري، فتنوير العقول وتحريرها من الجهل، وتنقية التراث مما علق به من شوائب الماضي ومكائد الوضّاعين والمتآمرين لهو عمل جليل وجهد مطلوب ممّن تحمّل أمانة هذا العلم وخاض غماره، وهو قد يكون لبنة أخرى تضاف إلى الجهود الجبارة التي بذلها علماء التفسير والحديث والفقه منذ فجر الإسلام إلى وقتنا الحاضر، والذين أحاطوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعناية والبحث والتدقيق في أسانيد الأحاديث ومتونها وبينوا لنا الصحيح من العليل، وصنفوها فأحسنوا التصنيف، واجتهدوا أيّما اجتهاد، فلم يحظ أي علم في تاريخ البشرية بالاهتمام والدقة التامة كعلم الحديث، ويشهد على هذا المصنفات والبحوث والشروح التي لا حصر لها على امتداد التاريخ الإسلامي. لكن العمل البشريّ لا بد أن يشوبه النقصان، وفي كل عصر تتفتح العديد من العلوم ووسائل البحث التي ربما لم تكن متوفرة للسابقين، فلا بد من الاستمرار في هذا النهج للمحافظة على السنّة المشرفة التي لا يستقيم لنا دين دونها.
ليت الكاتب، توقف عند هذا الحد، حد الإرشاد إلى ضرورة هذا العلم وتنبيه المختصين به إلى ضرورة البحث والتمحيص، وربما مشاركتهم بما آتاه الله من وعي وعلم في هذا العمل المهم. لكن المؤلف تخطى الحدود التي رسمها وقالها في مقدمته ولم يلتزم بها، بل نصّب نفسه ليكون بدل الصفوة المختارة أو ال(elite) التي ذكرها وانبرى لهذا العمل بنفسه. فبدأ بنبش صفحات التاريخ، ونصبّ نفسه حكما على المؤرخين والمفسرين والفقهاء وعلماء الحديث على مرّ العصور، يصحح هذا، ويخطّأ هذا، ويحكم على نيات ذاك، وكأنه ألمّ بكل هذه العلوم وفهمها أكثر من جميع العلماء على مرّ العصور والسنين، فوقع في أخطاء جسيمة، أخرجت هذا البحث عن دوره ومبتغاه.
خلال قراءتي المتأنِّية لهذا الكتاب، بكل موضوعية وبقلب متفتح متلهف للعلم والمعرفة وحريص على أمّة الإسلام وتراثها، وجدت أن الكاتب أخفق كثيرا، وتكونت لديّ ملاحظات عديدة لا مجال لذكرها جميعا، لكن لا بد من ذكر بعضها، وإثارة بعض التساؤلات المهمّة. وأنا أرى أن المؤلف أخفق من جانبين:
أولا: أن الكاتب لم يلتزم بأسلوب البحث العلميّ ولا أصوله، وكان بعيدا كل البعد عن الطرح العلميّ الموضوعيّ المنظم, الذي قد يجلب المتلقي ويسوقه إلى الاقتناع بالأفكار المطروحة.
• فالكاتب لم يذكر المراجع التي اعتمد عليها في عرضه لعلم الدراية، ولم يذكر التعريفات التي ذكرها العلماء القدماء والمعاصرون لهذا العلم، وقدّم العلم وكأنه شيء طارئ جديد أو أنه فكرته الخاصة. مع أن دراسة متن الحديث، عدا عن سنده، علم معروف لدى علماء الحديث له قواعده وأصوله.
• لم يذكر الكاتب الدراسات السابقة في هذا المجال إلا ذكرا عابرا دون أن يوضح أسماء المؤلفين، وتاريخ نشرهم لأبحاثهم كما هو معتمد في الأبحاث العلمية.
• لم يخرّج المؤلف الأحاديث التي أوردها في كتابه، بل اكتفى بذكر أن الحديث جاء في صحيح مسلم أو صحيح البخاري أو غيرها من الكتب، ولم يبيّن للقارئ أين يجد هذا الحديث إذا أحب الرجوع إليه في المصدر، فلربما كانت هناك روايات أخرى أو شروحا للحديث من المفيد الاطلاع عليها. وكان يذكر أحيانا أن الحديث في البخاري دون أن يبيّن إذا كان في صحيح البخاري أو ربما في تاريخ البخاري! وكان أحيانا يذكر اسم الصحابيّ الذي روى الحديث دون أن يبيّن في أي كتب الحديث ورد، وتصنيفه من حيث صحة السند.
• لم يرتّب الكاتب أفكاره، ولم يقسم البحث بطريقة جيّدة، بل كان يكرر نفسه في أماكن متعددة ويدور حول نفس الموضوع.
• اللغة التي استخدمها الكاتب، ليست لغة علميّة بتاتا، بل هي لغة هجوميّة تهكميّة مليئة بالألفاظ المهينة التي لا تليق ببحث علميّ وتستخف بمن قد يعارض افكار المؤلف، ويصفهم بألفاظ لا يجوز استعمالها خارج المقاهي والحارات. من الأمثلة على ذلك: "ما هذه الولدنة؟" صفحة 147 ، "ما هم إلا الدراويش أو المهابيل الذين يبلل بصاقهم لحاهم." ص 151 ، "وليس له من سبيل غير الحزازير لتقرير مصير عباده الخنازير!!" ص 274 يقول ذلك في حق الله سبحانه وتعالى. فأين أدب الحديث، والتواضع والوقار أمام حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويكرر كلمات مثل :الهلوسة والهبل والسخافة والولدنة وغيرها كثير.
• لم يلتزم الكاتب بالمنهج الذي وضعه لنفسه في مقدمة الكتاب، بل راح يدرس الأحاديث بعيدا عن الشروط التي وضعها، ويردها كما اتفق دون مراعاة لإختصاص. فالكاتب أصبح خبيرا بعلوم القرآن والحديث وكذلك علوم الكون والأحياء الدقيقة، وأصبح يقرر ما يوافق العلم وما لا يتفق مع العلم الحديث دون الرجوع إلى المصادر العلمية لهذه العلوم أو إلى المختصين بها.
ثانيا: وقع الكاتب في العديد من المغالطات والهفوات والزلّات التي أفرغت كتابه من مضمونه وجعلته بعيدا كل البعد عن الموضوعيّة. سأحاول أن أشير إلى بعضها نظرا لكثرتها:
• في عنوان الكتاب قرر أن الدراية فريضة، وأنها كانت غائبة في التراث الإسلامي، مع أن الدراية علم، وهو موجود في التاريخ الإسلامي وله أصوله، التي قد تختلف عمّا طرحه المؤلف، لكنه لم يشر إلى ذلك.
• عمد الكاتب في بداية الكتاب إلى التشكيك بمن يحملون الشهادات العلميّة في مختلف الاختصاصات، خصوصا حملة شهادات الدكتوراه، ووصفهم بالجهلة الذين يعلمون كل شيء عن لا شيء، فألغى دور العلم والأبحاث العلميّة، وترك الباب مفتوحا لمن هبّ ودبّ ليفتي في رأيه في مختلف العلوم التي تحتاج إلى اختصاص دون علم أو دراية حقيقيّة. وهذا ما فعله المؤلف عندما تصدّى لعلم ليس من اختصاصه، وذلك حسب السيرة الذاتية التي أوردها لنفسه على غلاف الكتاب.
• عمد الكاتب إلى التشكيك في الأحاديث النبويّة عن طريق الاستهتار بعلم الحديث، حتى الأحاديث المتواترة شكك بها، ونصّب نفسه حكما عليها.
• ذكر الكاتب العديد من المعلومات دون أن يتحقق من صحتها أو يذكر دليلا على صحة كلامه. مثال على ذلك يقول الكاتب أن ناشر كتاب "تحرير المرأة" هو الشيخ محمد عبده وليس قاسم أمين كما هو معروف. فما الدليل على ذلك؟ وما هو مصدر هذه المعلومات؟
• قام المؤلف بمهاجمة علم تفسير القرآن، وأوهم القارئ أن التفسير لا داعي له ما دام الذي يقرأ القرآن يفهم العربية. وتعرض للمفسرين بالقدح والذم، فلم يكتف بذكر أن بعض المفسرين أوردوا العديد من الإسرائليات والقصص التي لم تثبت صحتها، ولم يذكر أنهم في كثير من الأحيان نبهوا إلى بطلان الروايات التي أوردوها، ولم يذكر التفاسير التي لم تعتمد على هذه الروايات، بل قدح في علم التفسير وحكم على نيّات المفسرين وشكك في إخلاصهم.
• يقول المؤلف في ص 30 أن علم الدراية لا يمكن له أن يحقق أهدافه إلا عن طريق الدولة. وأنا أتساءل: هل سيكون لهذه الدولة إشراف على الفكر وتقنينه في مسار معيّن؟ وهل من الممكن أن يكون هناك إبداع إذا كانت الدولة هي التي توجه الفكر؟ وأين حرية الرأي والتعبير؟
• يشير الكاتب إلى أن أساس الرفض والقبول للأحاديث يجب أن يكون واحدا. وأقول للمؤلف: أنت تناولت الأحاديث الشريفة بالرفض والقبول حسب فهمك لها، وفهم الفرد لا بد أن يعتريه النقص والقصور أحيانا، فما يمنع غيرك من تناول الأحاديث حسب فهمهم هم لها؟ وبذلك لن يكون هناك أساسا واحدا أبدا. وهل تستطيع منع غيرك من الخوض في صحة متن الحديث ما دمت أبحت ذلك لنفسك؟
• يقرر الكاتب أن الأحاديث النبوية الصحيحة تبقى ظنيّة، فكيف تصحّ عباداتنا بها ما دامت كذلك؟
• ما المقصود بالصفوة المختارة، ومن يحدد من هم الصفوة ويختارهم، وما الشروط التي يجب أن تنطبق على هذه الصفوة؟ وهل يعتبر المؤلف نفسه من هذه الصفوة التي تنقح الحديث وتقبل ما شاءت وترد ما تشاء؟ وما الذي أهّله ليكون منهم؟
• أليست الدراية تعتمد على عقول الناس الذين قد يتفاوتون في فهمهم للأمور أو حتى فهمهم للآيات القرآنية؟ كيف نردّ حديثا صحيحا لأنه لا يوافق فهمنا في الوقت الحاضر، وقد تتكشف أمور في المستقبل لا نعلمها، فالعلم لا يتوقف وفوق كل ذي علم عليم، وما يعتبر حقيقة علمية قد يثبت خطأه في المستقبل.
• يقول المؤلف أن عدالة الراوي تعتمد على موازين بشرية قد تختلف فيها وجهات النظر، أليست الدراية أيضا تعتمد على موازين بشرية قد تختلف فيها وجهات النظر؟
• يصف الكاتب في صفحة 68 ويكرر ذلك لاحقا في كتابه، القراءات القرآنية بأنها مزعومة، ويشكك في صحتها، مع أن القرآن وصلنا متواترا بقراءاته المختلفة. فإذا كانت هذه القراءات مزعومة كما تقول، فأين القرآن الكريم؟ إن المصحف الذي لدينا مكتوب حسب رواية حفص عن عاصم لأنها كانت الرواية المعتمدة أيام الدولة العثمانية، أما في المغرب فالناس يتلون رواية ورش عن نافع. فإذا كانت هذه الروايات مزعومة، فليدلنا المؤلف على القرآن الكريم حتى نقرأه كما صح لديه؟ هذا كلام خطير جدا يشكك بالقرآن الكريم نفسه، وليس فقط بالسنة النبويّة كما فعل في كتابه.
• يهاجم الكاتب بشكل كبير الأحاديث الشريفة التي تذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم أَنسي شيئا من القرآن الكريم ويردها دراية ويصف ذلك بالكذب والبهتان الذي لا يصح عن رسول الله. لكن ألم يقرأ قول الله تعالى: "ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير."
• قرر الكاتب أنه لا يجوز اعتماد أحاديث الآحاد مهما كان عددها في موضوع العقيدة، لكنه لم يورد آراء العلماء بذلك، ولم يستدل على ذلك من القرآن الكريم، بل اعتبرها مسلّمة لا بد من التسليم بها. من حق القارئ أن يعلم الآراء المختلفة بهذا الموضوع.
• يكرر الكاتب في مواضع كثيرة من الكتاب في معرض حديثه عن الشفاعة، أن الإنسان يدخل الجنة بعمله فقط، ويحصر رحمة الله في نقطتين يحددهما هو. والله سبحانه وتعالى يقول في قرآنه أن "رحمته وسعت كل شيء."
• يقوم الكاتب برفض الأحاديث وردها بطريقة تهكميّة وكأنه امتلك زمام الأمر ونصّب نفسه حكما عليها، مع أنه قال في مقدمة الكتاب أن من بقوم بذلك هم الصفوة، فهل هو هذه الصفوة؟
• يقرر الكاتب بعض الأمور الغيبية دون الرجوع إلى كتاب أو سنة. فمثلا يقول أن أبا طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم كان المسلم رقم واحد في مكة، وينعته ب"رضي الله عنه" فما دليله على هذا؟
• يستهين الكاتب بعلم الحديث، ويعتقد ويرى أنه لا ضرورة لنقل الحديث وروايته، ويسفّه كتب الحديث، ويرى أن علماء الحديث هم الذين حوّلوا الحديث إلى خبر آحاد عندما دوّنوه، بينما كان الناس قبل ذلك ينقلون الحديث عن طريق تطبيقه في واقع حياتهم. وبذلك فإن المؤلف يحاول أن ينسف كل الجهود التي بذلها علماء الحديث على مرّ العصور للحفاظ على سنّة الرسول صلى الله عليه وسلّم.
• يطعن الكاتب في بعض صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتهمهم بالنفاق وإظهار الإسلام وإبطان الكفر، ويتهمهم بالتآمر لتدمير الإسلام وضربه من داخله. ويذكر من هؤلاء: عبد الله بن سلام، وكعب الأحبار ووهب بن منبه وتميم الداري ومعاوية بن أبي سفيان. ولا يورد دليلا على نفاق هؤلاء إلا بعض الأحاديث التي نسبت إليهم ولا يعجبه متنها. ويشكك أيضا بالأحاديث التي رواها أبو هريرة رضي الله عنه.
• يرفض الكاتب العديد من الأحاديث دراية، حسب فهمه هو لها. فمثلا يرفض حديث "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم." لأنه يفهمه على أنه نهي من دخول ديار الكفّار، مع أن الحديث قد يفهم على النهي عن دخول مساكن الأقوام الذين عذبهم الله وأهلكهم فيما مضى. ويقول أن هذا الحديث قد وضع ليعطل الجهاد في سبيل الله!
• يرفض الأحاديث التي تدعو إلى قيام ليلة القدر ويقول، بدون دليل، أن ليلة القدر مرت مرة واحدة فقط في التاريخ، ويقول أن فكرة قيام ليلة القدر هي فكرة تخريبية هدامة، لا تشيع عند المسلمين غير الهلوسة، والهبل، والترخص من الدين. ويقول مستهزئا بليلة القدر: "ومما يزيد الطين بلّة في موضوع ليلة القدرة هذه، أن جملة من الأحاديث قد طلبت من المسلمين أن يتحروها في العشر الأواخر...." ونسي الكاتب أو تناسى أن ليلة القدر ذكرت في القرآن الكريم ونزلت سورة باسمها وقال تعالى: "تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر" بصيغة الفعل المضارع.
• يرد الكاتب الأحاديث التي تتحدث عن صلة الرحم وأنها تطيل العمر أو تدفع البلاء، بحجة أن الأجل محتوم. هذا فهم غير صحيح للقدر، فالله سبحانه يعلم منذ الأزل أن عبده سيصل رحمه، فيكتب له العمر المديد ويدفع عنه الأذى، وإلا فما فائدة الدعاء إذا.
• يرد بعض الأحاديث التي يزعم أنها تخالف العلم، مثل حديث غمس الذبابة في الشراب. أتساءل: هل قام الكاتب بالأبحاث العلميّة أو اطّلع على خفايا علم الأحياء حتى يردّ الحديث، أليس من الأجدر أن يترك هذا للمختصين في هذا العلم ولا يقحم نفسه فيه؟ ويردّ الكاتب الأحاديثالتي تبيّن أن للتمر فوائد طبيّة، ويقول مستهزئا أن التمر مادة مغذية، أكله ينعش الديدان ولا يقتلها. هلّا أخبرنا المؤلف عن البحث العلميّ الذي اعتمد عليه في هذه المعلومة؟
• يرفض المؤلف حديث "بني الإسلام على خمس" زاعما أن هناك أركانا أخرى للإسلام لم يذكرها الحديث. من المعلوم أن هناك الكثير من الفرائض التي لم يذكرها الحديث وذكرت في القرآن الكريم أو في أحاديث أخرى، لكن هذا لا يعني أن نكذّب حديثا صحيحا ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ونرده اعتباطا هكذا. إن الجرآة على تكذيب الأحاديث تعادل جرأة الذين وضعوا الأحاديث ودسوها على الرسول صلى الله عليه وسلم.
• يرد حديث "لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم" فقط لأنه لا يرق له أن المسلم لا يرث الكافر. إذا أراد كل شخص أن ينكر الحديث الذي لا يعجبه لا يبفى من الإسلام شيئا.
• وفي معرض كلامه عن الحديث الذي يبيّن فضل قول سبحان الله والحمد لله صفحة 273 يقول الكاتب عنه "إجرام ما بعده إجرام!" أين الإجرام في ذكر الله سبحانه وتعالى يا شيخ؟ وهل أنت من يقنن مقدار الحسنات التي يعطيها الله لعباده؟
• يقف الكاتب بقوة في وجه الأحاديث التي تبيّن واسع رحمة الله ومغفرته، فكل حديث ورد فيه أن الصلاة أو العمرة أو الحج أو الصدقة تكفّر عن السيئات، رفضه ورده.
• يعمد الكاتب إلى تسفيه علماء المسلمين ووصمهم بالجهل وأحيانا بالخيانة والتآمر ضد الإسلام، ولم يستثن فرعا من فروع العلم. فسفّه المفسرين، وأصحاب كتب الحديث والفقهاء, واتهم الإمام أحمد بن حنبل أنه كانا عميلا للسلطة العباسية ويلعب دورا ضد المعتزلة في مؤامرة على الأمة الإسلامية. فهل يقتنع عاقل بمثل هذا الكلام الباطل. وذكر الإمام مالك وابن تيميّة وابن قيّم الجوزية وغيرهم من علماء المسلمين، حتى لم يبق أحدا يُعتدّ به. إن التشكيك بهؤلاء العلماء هو تشكيك بعلمهم، وتشكيك بالإسلام نفسه الذي حملوه إلينا ووصلنا بفضل جهودهم وتضحياتهم.
يقول بحق الإمام أحمد بن حنبل ص 415: "فهل يا ترى كان عدم الانضباط في شخصية أحمد بن حنبل هو الذي أغرى به السلطات العباسية كي يسخروه، ليلعب لحسابها، دورا كبيرا وخطيرا في حياة الأمة والسلطة؛ وذلك كي تستريح السلطة العباسية من المعارضين والطامعين في الحكم والسلطان، وأن تجعل الرعايا يموج بعضهم في بعض."
• وينتقد الكاتب أهل السنة والجماعة، ويردد "الذين يسمون أنفسهم أهل السنة والجماعة" وينتقد غيرهم من المذاهب والفرق الإسلامية، وينتقد المعتزلة مع تأثره الواضح بأفكارهم ومناهجهم، فلا يعجبه قول المعتزلة: "إن الحسن ما حسّنه العقل، والقبيح ما قبّحه العقل." مع أنه يقوم بالأمر نفسه عند تعامله مع الأحاديث الشريفة فيقبل ما حسّنه عقله ويرفض ما قبّحه عقله.
• يكذّب الكاتب جميع الأحاديث التي تتعلق بالمعجزات الحسيّة للرسول صلى الله عليه وسلم لأنها غير مقنعه له، دون دليل على ذلك.
• يرى الكاتب أن أعمال الناس وابتعادهم عن منهج الله لا علاقة له بما يصيبهم من القحط والجفاف ويكذب الحديث الشريف الذي يقرّر ذلك. ألم يهلك الله الأقوام السابقة بالقحط وبالظواهر الطبيعية الأخرى؟ أليست سنة الله باقية كما يقرر القرآن الكريم؟
• يستهزئ الكاتب باسم محمد وأحمد وما شابهها من الأسماء في معرض رفضه لحديث خير الأسماء مع عبّد وحمّد ويصف هذه الأسماء ب"المعزوفة المضحكة."
• يرفض الكاتب الأحاديث التي تحرّم الوشم ويصف الوشم بأنه عملية تجميليّة بحتة. ويعتمد في ذلك على أنّ العلّة في تحريم الوشم هو تغيير خلق الله، وهو يرى أن الوشم ليس تغييرا لخلق الله. وهل يجب أن يكون لكل أمر محرم علّة يدركها كل شخص ويقتنع بها؟ فهل إذا انتفت المضرة من أكل لحم الخنزير، يصبح حلالا وتنسخ آية تحريمه؟
ما ذكرته فيض من غيض، وملاحظات قليلة من أخطاء ومغالطات كثيرة وكبيرة جدا وقع بها الكاتب الذي تصدى للحديث الشريف والتراث الإسلامي بعلمه القاصر المحدود. ففي الوقت الذي تحافظ به الأمم على تراثها وإرثها الحضاري، وتعنى بنصوص وضعيّة وتضفي عليها هالة من القداسة، ولا تسمح بتغييرها وتحريفها، يريد منّا الكاتب أن نراجع بسذاجة وقلة خبرة ودراية أحاديث المصطفى عليه السلام ونردها ونرفضها كما اتفق. فالدستور الأمريكي مثلا، عمل بشري كتبه مجموعة من الأشخاص، وهو لا يخلو من الخطأ والتناقض، ومع ذلك يحافظ عليه الأمريكيون ويقدسونه ولا يعدّلوه إلا بعد عمليّة معقدة يشترك بها الخبراء ويصادق عليها ممثلو الشعب بأغلبية مطلقة. فكيف نقوم بشطب أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى، بأهوائنا!
لا شك أن علم الحديث علما مهما يجب أن نستمر بالعناية به وحفظه. والكاتب أراد أن يسهم بهذا، وقد دفعه إلى ذلك حرصه على التراث الإسلامي وغيرته على دينه وأمته. وهذا تماما ما فعله علماء الحديث في القرنين الثاني والثالث الهجريين لمّا تضاربت الروايات وكثر الوضّاعون. فهذا العمل يجب أن يستمر وأن يتصدى له علماء الأمة نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحفاظا على الحديث الشريف الذي هو المصدر الثاني من مصادر التشريع. لكن تسفيه هؤلاء العلماء ونسف جهودهم ومحاكمتهم حسب فهم شخص واحد أو عصر من العصور، لهو ظلم وامتهان لحقهم وتدمير لعلم الحديث الذي أوصل إلينا الحديث الشريف، وبين الغث من السمين.
15/4/2015
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف