الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

المجتمع السنغامبي قبل تعرفه على الإسلام: دراسة تاريخية بقلم:د. عبدالله عيسى

تاريخ النشر : 2015-04-01
المجتمع السنغامبي قبل تعرفه على الإسلام: دراسة تاريخية بقلم:د. عبدالله عيسى
عندما جاء الإسلام إلى إفريقيا في بداية الفتح الإسلامي، لم تكن هذه الأخيرة خالية من أية حركة تعبدية؛ فقد تحدث أوائل المؤرخين، والجغرافيين، والرحالة العرب الذين زاروا المنطقة عن وجود أشكال مُتعدّدة من العبادات والآلهة المحلية، التي لم يكن لها ارتباط بالديانات السماوية.
وفي إطار هذه العبادات المحلية، عبد بعض الأفارقة الشجر والحجر، والأحياء والأموات من البشر وفق طقوس تعبُّدية مخصوصة كان يتم التقرب من خلالها إلى عدد هائل من الآلهة ـ المفترضة ـ عبر تقديم عدد كبير من القرابين الحيوانية والبشرية والنباتية، أو غيرها من أصناف القرابين والأضاحي التي كانت تُشكل جسراً مشتركاً، ربط إفريقيا مع باقي ما عرفته قارات العالم في هذا الميدان قبل وبعد نزول الرسائل السماوية، هذه الأخيرة التي يعتبر الإسلام آخرها وأكثرها بُعداً عن التحريف، وأقواها تميزاً في ممارسة الدعوة إلى الله عز وجل، من خلال رفضه لوساطة أيِّ كهنوتٍ قد يحتكر المعرفة الدينية، ومن خلال فتحه باب الدعوة أمام كل مُحسِن وعالم وفقيه وتاجر دون إمكانية الرجوع إلى جهة رسمية ما، أو سلطة فقهية ما.
ونعتقدُ أنَّ النجاح الذي عرفه الإسلام في السنغامبيا، يرجع في قسم كبير منه إلى المشاركة الجماعية الحُرَة في نشر هذا الدين بالحوار، والمعاملة الحسنة البعيدة عن مبدأ العنف والصراع، حيث نسج المسلمون هناك علاقاتٍ طيبةً ـ في عمومها ـ مع السكان إلى حدِّ أنَّ التعايش بين المسلمين وغيرهم من الأرواحيين صار يبدو عادياً في كثير من القرى والمدن والغابات. ففي قرية "بالي" الأرواحية بمالي، كان للمسلمين خمسة مساجد، وما كان طارئاً في بالي، كان طارئاً في غيرها من مدن وقرى إفريقيا جنوب الصحراء، التي كان لها وضع ديني متميز وغامض بالنسبة لمؤمنين بالرسالات السماوية.
فما هي حيثيات ذلك الوضع الديني الذي عرفته شعوب السنغامبيا قبل ظهور الإسلام بينهم؟ وما هي المراحل والأشواط التي قطعها هذا الدين في سبيل الوصول إلى شعوب فضائنا الجغرافي، من أجل إحداث تحول عقائدي يتم بموجبه الانتقال من الأرواحية إلى الإسلام؟
يبدو من خلال فحص واستقراء بعض النصوص، أنَّ الفرد السنغامبي كان يعبدُ ما يحلو له من نباتات وحيوانات وكواكب. وفي ذات المسعى، احتلت الأصنام مكانة مرموقة لدى مجموع أرواحيي إفريقيا جنوب الصحراء، سواء عند الزنج والبجة في الشرق، أو عند زغاوة في الوسط، أو عند السودان في الغرب. ويظهر أنَّ أشكال تلك الأصنام وطبيعتها تختلف من مجموعة إلى أخرى؛ حيث نجدها عند البعض على شكل تماثيل بشرية، وقد تكون من طين أو حجر أحياناً، وكثيراً ما تكون من خشب لأن المنطقة كانت كثيرة الغابات، وتوفر بالتالي الكثير من الأخشاب.
والملاحظ أنَّ الأصنام لعبت دوراً كبيراً في حياة السكان، فكانوا يقدمون لها الطعام والقرابين، وكانت هناك أصنام ترمز إلى الأمراض والحروب والأسلاف والعدل، وأصنام خاصة بالشيوخ، وأخرى بالنساء، وضعت في معابد لا يدخلها الرجال. بيد أنَّ أهالي السنغامبيا لم يترددوا في مقايضة أنواع من أصنامهم بسلعٍ كانت تأتي بها السفن البرتغالية إلى المنطقة.
ومن مظاهر الأرواحية أيضاً، عبادة الكواكب والحيوانات؛ وخاصة الثعبان. وأورد البكري بهذا الشأن مثالاً عن جماعة من السودان، كانت تُقدس هذا النوع من الزواحف. من ثمة، دأب السكان المحليون على عبادته، وتقديم الطعام والشراب له، وتعليق نفائس الثياب والمتاع على مدخل المغارة حيث كان يعيش، معتقدين أنَّ الثعبان وحده يملكُ القدرة على إنزال المطر، وأنَّه المسؤول عن حمايتهم من كل مكروه، وحراسة كنوزهم، بل كان مصدر السعادة والشقاء، ومانح النجاح والفشل.
وغير خافٍ، أنَّ تقديس الثعابين لم يكن خصوصية سنغامبية فحسب، وإنما كان معروفاً أيضاً في عدد من البلدان خلال العصر الوسيط، مثل الصين والهند، حيث كانت تحظى بنفس التعظيم. وذات الأمر يصح بالنسبة لمصر القديمة، حيث كانت تُعبد آلهة في صورة حية (كوبرا)، تلعب دور حماية الفراعنة، وتحضر في احتفالات تتويجهم، إلى جانب آلهة أخرى.
فوق هذا وذاك، لم تكن عبادة النار والكواكب غائبة في الديانة الأرواحية، ولكن يظهر أنَّ الشمس حظيت فيها بمنزلة خاصة. ومن هنا، تكرر ذكر تعظيمها لدى كثير من شعوب السنغامبيا، ولا سيما بمدينتي أدوغست وشواطئ خليج غينيا.
ودون الخوض في التفاصيل الدقيقة المقترحة بهذا الشأن، يُمكننا القول إجمالاً، إنَّ هناك ارتباطاً وثيق بين الأرواحية وعبادة الملوك بالسنغامبيا، فكانت الرعية تعتقد أنهم قدموا من السماء؛ أي أنَّ لهم طبيعة إلهية تجعلهم قادرين على جلب النعمة والنقمة، كالحياة والموت والعافية والمرض، مما منح الملوك سلطة مطلقة على الرعية التي أحاطتهم ـ نتيجة لذلك ـ بكثير من مظاهر العبادة والتعظيم، واعتقدت بالتالي أنّهم لا يأكلون مثل البشر. وتفادياً لأي مساس بهذا الاعتقاد، كان بعض الملوك يأكلون خفية، وكان آخرون يوهمون الناس أنَّ غذاءَهم يقتصر على كأس من الخمر في اليوم، بينما كان منهم من يتظاهر بأنّه لا يأكل البتة، مثلما هو الأمر عند "زغاوة".
بيد أنَّ الملكية المقدسة هذه ـ رغم مظاهر الخضوع المطلق فيها ـ كانت لها ضوابط صارمة، تمس على الخصوص مسألتي القدرة والعدل، فقد لاحظ البكري أنَّ الماندينغ في الضفة الجنوبية من نهر غامبيا يقتلون ملكهم، ويستبدلونه بأحد أفراد أسرته إذا تبين لهم عجزه عن ممارسة السلطة بسبب تقدم بالسن، أو مرض عضال.
وبالمقابل، تظل قُدسية الملك عند الأرواحيين السنغامبيين قائمة بعد وفاته؛ إذ يدفن بطقوس خاصة، ويحظى بالعبادة والقرابين، إلى درجة تسمح بمقاربتهم بمنزلة الفراعنة عند قدماء المصريين.
وبعد الوفاة يدخل الملوك في إطار الأسلاف الذين كانوا يُعبَدون أيضاً، وكانت عبادتهم تشكل إحدى دعائم الديانة الأرواحية في السنغامبيا قبل دخول الإسلام إليها، فالأجداد بالنسبة للسنغامبيين هم المسؤولون عن وضع أسس تقاليد الجماعة وأعرافها، وربوا خَلَفَهم على تلك الأعراف والتقاليد، وموتهم لا يعني بالنسبة لأبنائهم وأحفادهم الفناء، وإنما تبقى أرواحهم بعد انتقالها إلى عالم آخر تُراقب تصرفات الأبناء، فمن حاد منهم عما سنُّوه له من تقاليد أوقعوا به الشر، ومن التزم أحاطوه برعايتهم، مما جعل السنغامبيين يتقربون إلى أسلافهم بالذبائح عند قبورهم، فهذا تفكير ديني يعكس في نظرنا مجموعة من القضايا:
 التقسيم الاجتماعي لشعوب السنغامبيا القديمة.
 أنَّه لم يكن الإنسان السنغامبي بدائياً كما يحلو للبعض نعته.
 وأنَّ الفرد السنغامبي نظّم أموره الدينية وفق عقلية معينة، كما نظّم من شؤونه السياسية والاقتصادية؛ حيث انفتح على العالم المجاور بواسطة تجارة الذهب والعبيد.
وفي هذا المنحى، غالباً ما تقترن الأرواحية في السنغامبيا بظاهرة السحر والعرّافة لشرح بعض ضوابط الحياة الاجتماعية مثل الزواج والطلاق، والسلم والحرب، والمرض والاستشفاء، والحمل والولادة، والعلاقة بين أفراد العشيرة، وارتبطت العرّافة ارتباطاً وثيقاً بالسحرة؛ إذ ساهم العرّاف في حل بعض المشاكل اليومية، والحفاظ على التنظيم الاجتماعي السائد، فعزز المفاهيم السائدة، وأيّد الحُكم القائم، وساعد في حل الخصومات، فإذا كان القصد من السحر هو تحقيق خير، أو إلحاق شر، فالقصد من العرّافة هو الكشف عن أمر مجهول بمساعدة الأرواح، واستمدت العرّافة قوتها من اعتقاد السنغامبيين فيها.
هذه إذاً هي صورة الأرواحية في السنغامبيا بمختلف عناصرها ومظاهرها، وهي صورة قد تتغير تفاصيلها قليلاً أو كثيراً من جماعة إلى أخرى، وحتى داخل الجماعة الواحدة نفسها. لهذا، فإنَّ أغلب الأصنام والآلهة والشعائر التي استعرضناها، إنما تهم جهة بعينها، على الأقل من خلال المصادر. ورغم ذلك، فإنَّ الأرواحية السنغامبية تجمعها قواسم جوهرية مشتركة، تضفي عليها نوعاً من الانسجام على مستوى النظرة إلى الحياة والكون. وعلى الرغم من تدين السنغامبيين الشديد، وارتباطهم بدينهم، وملامح العنف البادية على ممارساتهم الدينية؛ فإنَّ لتلك الديانة فلسفة سامية ظهرت جلياً في النظم السياسية والاجتماعية المحلية.
وتدعونا هذه الخلاصة إلى طرح سؤال هام ـ سنعمل على مناقشته في دراسة أخرى ـ وهو: عندما اعتنق الفرد السنغامبي الإسلام هل تخلى بشكل كُلي عن عقيدته الأرواحية هذه؟ أم أنَّه احتفظ ببعض مظاهرها؟ وما أثر هذا الاحتفاظ على مستقبل الإسلام في السنغامبيا؟
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف