الأخبار
بعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكريا بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيينمسؤولون أميركيون:إسرائيل لم تضع خطة لإجلاء المدنيين من رفح..وحماس ستظلّ قوة بغزة بعد الحربنتنياهو: سنزيد الضغط العسكري والسياسي على حماس خلال الأيام المقبلة
2024/4/23
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

صنع القرار السياسي في مصر بقلم:د.عادل عامر

تاريخ النشر : 2015-03-30
صنع القرار السياسي في مصر بقلم:د.عادل عامر
   صنع القرار السياسي في مصر

الدكتور عادل عامر

شهدت مصر خلال السنوات العشر الأخيرة  تراجعا في دورها الإقليمي والدولي بما لا يتناسب مع مكانتها الجغرافية والسياسية والبشرية. فبعد زيارة الرئيس محمد مرسى إلى العديد من البلدان، أصبحت معطيات السياسة الخارجية المصرية في وجهة نظر البعض تأخذ شكلا  مغايرا يمكن من مؤشراته استنباط بعض الإيجابيات.وعلى الرغم من أن السياسة الخارجية المصرية لا تزال تتسم الآن بالمركزية وبالبطء الشديد كما يراها البعض الآخر، فإن- في الحقيقة- تقييم منهج السياسة الخارجية المصرية للنظام الحاكم الآن أمر لا يمكن الحكم عليه، وأن ما يحدث من تناول لأوجه السياسة الحالية ما هي إلا إرهاصات أولية غير خاضعة للتقييم.

أولا- تحديات السياسة الخارجية المصرية:

اتفق المشاركون على أن ثمة العديد من التحديات التي تواجه السياسة الخارجية المصرية، بل وتقف عقبة أحياناً أمام صانعي القرار الخارجي. ومن هذا المنطلق، بدأ السيد عمرو موسى، أمين عام الجامعة العربية السابق ، حديثه بأن أكبر تحديات السياسة الخارجية المصرية هي تراجع المنطلقات التنموية على اختلافها في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،  فضلاً عن الزيادة السكانية التي تنذر بمشاكل تنموية واقتصادية كبيرة، في ظل التراجع الذي شهدته مصر في الفترات الأخيرة. وتكمن صعوبة التصدي لها في كيفية إعادة بنائها ودمجها في الوقت الذي أصبح فيه النظام الخارجي شديد التحرك عن ذي قبل، خاصة بعد الموجات الثورية، وأبعاد جديدة للعلاقات، على المستويين الدولي والإقليمي، مثل تداعيات الأحداث في سوريا ، والعلاقة بين السنة والشيعة.

قبل الثورة كانت تفتقر إلى التوازن، بل وشهدت اختلالا فادحا في القيم وفى الأهداف، وكان التحدي الأكبر لها هو تدهور الحالة الاقتصادية الذي يرجع إلى قدر من التبعية الاقتصادية والعسكرية، وافتقارها للعمل على تزكية وترسيخ الاستقلال الوطني بسياسات داعمة، وكان التحدي الآخر في المحاولة للربط بين الرخاء والسلام، ولكنها وصلت في النهاية إلى رخاء فاسد وسلام مزعوم. أن عقبة عدم وجود مؤسسية فاعلة في صنع السياسة الخارجية المصرية بل وإدارتها بالاعتبارات والآراء الشخصية، دون مراعاة للظروف المجتمعية والاحتياجات الضرورية الفعلية، مما كان له بالغ الأثر على نتاج السياسات المصرية على كافة الأصعدة الإقليمية والدولية ، مما أدى بمكانة مصر إلى التراجع والتردي.

أن عدم الوضوح والشفافية، بل المسارات الضبابية التي انتهجتها السياسة الخارجية المصرية جعلت هناك المزيد من علامات الاستفهام حول ماهية العلاقة مع العديد من الفواعل الدوليين، بل ومختلف القضايا الحيوية والمصيرية على الساحة المصرية، ولا تزال مساعي إعادة صياغة الدور المصري في علاقته بدول الجوار الإقليمي والجغرافي.ان الموقف المتراجع السابق للخارجية المصرية بسبب تجاهلها لأداور كان المنوط بها إقامتها، وغيابها عن ملفات هي الأكثر أهمية بالنسبة للأمن القومي المصري، وعلى رأسها ملف مياه حوض النيل. ولا تزال الأوضاع يشوبها العديد من التحديات ترجع إلى غياب الإدراك الفعلي بواقع الدولة المصرية وطبيعتها الجيوسياسية المختلفة، وضرورة أن يكون لها دور محوري وداعم في قضايا المنطقة، فضلاً عن حالة التدهور في العوامل الداخلية للدولة. أن الحاجز المنيع أمام تشكيل سياسة خارجية مصرية هو جهاز بيروقراطي مستبد يعوق أي فكرة تنموية، وأصبحت سمته الأساسية الفساد الإداري، فنتج عنه وضع داخلي هو الأسوأ في تاريخ مصر الحديثة.

 أن أقصى التحديات أمام صناع قرار السياسة الخارجية هو البعد الاقتصادى الداخلي الذي ينطق عن حالة التدهور والتأخر، محاطاً بسياسات بالية تزيد من تدهوره وتعقد مساراته.وبذلك، فإن المشاركين اجمعوا على أن التحدي الأشد وطأة على أكتاف السياسة الخارجية المصرية هو الجانب الاقتصادى بكل أبعاده، لما له من بالغ الأثر على جوانب حياتية أخرى اجتماعية وثقافية وغيرها .

ثانيا- أولويات التحرك في السياسة الخارجية المصرية:

بعد انطلاق مصر برئاسة نظام مدني لأول مرة، فإنه من المفترض أن ترسم ملامح ولو أولية لماهية أولويات السياسة الخارجية في اتجاهاتها المختلفة، وذلك مع الأخذ في الحسبان الدور المحوري لمصر في موقعها العربي والإسلامي والإفريقي.وفى هذا السياق، وضع المشاركون بعض الأولويات للسياسة الخارجية المصرية التي من المفترض أن ينطلق إليها صناع القرار في المرحلة الراهنة. مع ضرورة الترابط الإفريقي بمحاذاة الهويات المصرية الأخرى العربية والإسلامية، و أوضح أنه لا بد من وضع أولويات تنطلق منها الخارجية المصرية في القارة الإفريقية وساحة الشرق الأوسط، وتحديد أولوية العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن عدم إغفال الدور المصري في قضية النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، بجانب تحديد نظرة مصر في مسألة أمنها القومي.ويجب ضرورة إيجاد وإنتاج سياسة فعالة تعمل من أجل بلورة مشروع وطني مصري حضاري حقيقي يكن معبراُ عما يجب أن تكون عليه السياسة الخارجية المصرية، منطلقة من دافع داخلي على قدر الدولة المصرية المحورية.المهم  التركيز على الجاليات المصرية في الخارج والعاملين بالخارج، وضرورة التواصل معهم، لأنهم في المرحلة الحالية أصبحوا يشكلون فئة كبيرة يعتد بها، وهى الممثل الأول لمصر في الخارج، وأعرب عن تأييده لمقابلات الرئيس مرسي مع الجاليات المصرية أثناء زياراته الخارجية، بالإضافة إلى ضرورة الإبقاء على السلام مع إسرائيل، وإعادة فتح حوار مع الولايات المتحدة ، وتحريك عملية السلام في الشرق الأوسط، وخلق سبل للتواصل والتفاعل مع دول الربيع العربي .مع إعادة قراءة معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية في إطار سياقها الواقعي، ومسألة زيادة حجم القوات، وإعادة قراءة العلاقات المصرية- الفلسطينية. في حين أن د. نافعة دعا إلى تغيير على مستوى السياسة الخارجية مثلما يجب أن تتغير السياسة الداخلية للدولة، ووضع تصور واضح من صانعي القرار مع الأخذ في الحسبان جيوسياسية الدولة المصرية، وإدراك الامتداد الأمني. أن الأولوية للوضع الراهن هو التصدي للفساد البيروقراطي بكل أنواعه، لأنه مفسده لكل شيء من حوله في المجتمع. في حين أشار الولي إلى إن الأولوية يجب أن تذهب إلى إصلاح الجانب الاقتصادى بشكل واسع وشامل . لذلك، كانت الأولويات المطروحة من النخبة المشاركة تتراوح مابين البعد الداخلي بالتركيز على الجانب الاقتصادى باعتباره المؤثر فى صانعي القرار بطريقة مباشرة، وما بين الأبعاد الخارجية في علاقة مصر بدول الجوار الجغرافي والإقليمي والحضاري، والتي يجب أن تعيد صياغتها من البداية بعد فترات قطيعة وتراجع دامت لسنوات كثيرة.

ثالثا- متطلبات انطلاق سياسة خارجية جديدة:

لابد من ترتيب الوضع الداخلي، ثم التوجه إلى الكيفية التي نغير بها النسق العالمي والوضع في الشرق الأوسط والأدوار الإقليمية للفواعل الدولية الأخرى التي انضمت إلى الساحة السياسية، وعدم الارتكان إلى السياسة الضعيفة، أو انتهاج سياسة المقامرة، وضرورة إعادة البناء في ظل عدم تبنى سياسة المغامرات، بل وأخذ المبادرة لإقامة حوار استراتيجي، خاصة في العلاقات المصرية- الأمريكية بسبب الاستفهام حول طبيعة هذه العلاقة في الفترة القادمة.

 أن تصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن مصر ليست حليفة وليست عدوا يعنى أن تعريفا استراتيجيا جديدا سوف يظهر بالنسبة للعلاقات المصرية- الأمريكية،  ومن الممكن أن يشكل هذا تغيراً شاملاً في طبيعة العلاقة بين البلدين، ومدى تأثيراتها السياسية والاقتصادية على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومن الضروري أخذه في الحسبان.

 أن السبيل لذلك هو تمثيل كافة التيارات السياسية الفعالة في المجتمع على كافة أيديولوجياتها، لأن مسئوليتها أمام مشروع يضم كافة قوى المجتمع سيجعل هناك واقعا داخليا قويا يحرك سياسة خارجية حقيقية وفعالة.

 أن التعامل مع كافة القضايا ومشاركة الناس في صنع السياسة الخارجية، من خلال البرلمانات، والمراقبة الفعالة لحركة الشارع، هو السبيل لإقامة إستراتيجية وطنية شاملة وفعالة، وليست مجرد ردود أفعال لفعل قوى وسياسات أخرى، وأنه لاستمرار السلام مع إسرائيل علينا فتح الباب لمراجعة معاهدة السلام، التي أصبحت مطلبا شعبيا، في ظل الاضطرابات الحدودية في الفترة الراهنة. وهو ما اتفق عليه د. سليمان من منظور واقعي لما أصبح عليه دور وتأثير كل من مصر وإسرائيل في النظام الإقليمي والدولي. إذا لم تنجح الدولة في إيجاد نظام سياسي قادر وفعال، يعبر عن مصر بكل تفاصيلها ويدرك البعد القيمى للدولة المصرية، فلا يمكن إقامة سياسة خارجية واضحة ومتحركة. 

أن الحل هو تضافر جهود جميع المصريين لمواجهه ومكافحة الفساد بكافة صوره وأشكاله، لأنه لا يمكن لشخص بمفرده أن يعيد مصر إلى صفوف الدول المرموقة، ويعيد إليها قدرها ومكانتها.

 لابد من معالجة كافة المشاكل الاقتصادية الداخلية التي تعد بدروها وآثارها السلبية السبب الرئيسي في تراجع صانعي القرار للسياسة الخارجية المصرية.

اتسعت الفجوة بين الواقع المعاش و توقعات الشعب المصري لحقبة ما بعد مبارك بعدما بددت القيادة المصرية للمرحلة الانتقالية كل التوقعات بتحول سريع وكامل من الاستبداد إمع الولاياتية تلك القيادة المتمثلة في : المؤسسة العسكرية المغرقة في المحافظة مع النشطاء الذين كانوا في قلب ميدان التحرير منذ عام وللمفارقة هم غير فاعلين سياسيا بدرجة مؤثرة أما الطرف الثالث في القيادة يتمثل في حركات الإسلام السياسي والتي يثير صعودها أسئلة أكثر ما يعطي أجوبة حيث أن تلك القوى لا تعبر عن مفهوم واحد للإسلام وتشارك في السلطة وتمارسها لأول مرة ومن ثم من المحتمل أن تقع تناوشات بين الأحزاب الإسلامية فيما بينها وكذلك في قلب الحزب الواحد في سبيل التعبير عن الفكرة الإسلامية .

ومن جانب الولايات المتحدة فإنها تملك ثمة دور لتلعبه في عملية التحول التي تمر بها مصر ولكن هذا الدور محدود؛ وذلك لكون الشعب المصري يتهم الولايات المتحدة بمساندة النظام السابق بالرغم من كون الرئيس أوباما قد حث مبارك على التنحي في 2/2011 هذا وقت تخطت شعبية الولايات المتحدة في مصر  أدنى مستوياتها  في ظل إدارة بوش لترتفع مع إدارة أوباما ولكنها ظلت تحت 20% !  

هذا على المستوى الشعبي أما العلاقات الأكثر ديمومة للولايات المتحدة فهي مع المؤسسة العسكرية ولكن ليس كل شيئا ورديا هنا أيضا ! ؛ فعلى مر ثلاث عقود من المساعدات العسكرية لمصر  لم تكن مقدرة بدرجة كافية من كلا الجانبين حتى أن الضباط الأمريكيين الذين خدموا في مصر يصفون علاقتهم مع قرنائهم المصريين بأنها رسمية وتفتقر إلى الدفء والثقة بخلاف العلاقة مع نظرائهم في المنطقة . وفي الراهن تبدوا علاقة أمريكا مع المؤسسة العسكرية المصرية آخذه في الانهيار وبالنسبة للقيادة المدنية الحالية والساسة القادمون يبدو أنهم عازمون على تقليص العلاقات مع  الولايات المتحدة . وعلاوة على ذلك تأتي عملية التحول في مصر في وقت تعاني فيه الميزانية الأمريكية من قيود كثيرة ويشوب التوتر العلاقة بين البيت الأبيض والكونجرس بهذا الخصوص وأيضا تأتي في وسط عام الانتخابات الأمريكية بما يمثله من حالة عدم يقين تجعل من وضع إستراتيجية أمريكية للعلاقة مع مصر  تكون قابلة للتنفيذ

 وتحظى بالقبول لدى المصريين  أمر بعيد المنال طبيعة العلاقة بين البلدان الثلاث ستحدد ما سيكون عليه الوضع الإستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط في مقبل الأيام وبغياب نشاط دبلوماسي فعال من الولايات المتحدة سيزيد التوتر بين حلفاءها  الثلاث مما قد يترتب عليه ضرر بالغ بالمصالح الأمريكية في المنطقة. بالرغم من كون مصر لديها خطط عسكرية إلا أنها لم تحدد بوضوح خريطة مصالحها القومية وكذلك لا تملك إستراتيجية لدمج القدرات التي يتمتع بها جهاز مخابراتها مع المؤسسات  المدنية في الدولة

وبالرغم من كون تشكيل هذه الإستراتيجية هي حق ومسؤولية المصريين في آن : إلا أنه على الولايات المتحدة أن تهتم ببنائها وذلك لأن هذه الإستراتيجية ستربط بين جناحي الحكم في مصر العسكري والمدني وأيضا لأنها ستمنع القادة المدنيين من الاعتماد على الجيش والمخابرات من أجل الحفاظ على السلطة. وذلك ب الاستثمار في برنامج التعليم والتدريب العسكري الدولي وبالنسبة للحكومة ينبغي تدريبها على طريقة السيطرة على الحشود الكبيرة وتبني تهج مختلف في التعامل مع المتظاهرين فالحوادث التي جرت في الشهور التسع الأخيرة تنم عن عدم قدرة القوات المصرية على السيطرة على الحشود الكبيرة بدون اللجوء للقتل ومثال ذلك:  الحوادث التي تكررت في محيط ميدان التحرير في خريف 2011 والتي مات فيها عشرات المتظاهرين وأصيب فيها المئات كأحداث شارع محمد محمود حيث وزارة الداخلية و أحداث شارع القصر العيني وأحداث ماسبيرو حيث مبنى الإذاعة والتلفزيون المصري  هذه الأمثلة تسلط الضوء على كون مساعدة القوات المصرية ينبغي أن يتجاوز تزويدها بالمعدات إلي تدريب الشرطة المصرية على نهج مختلف من التعامل وكذلك ينبغي  السعي نحو بناء توافق بين القادة السياسيين في مصر كل هذه الآليات قد تثمر نتائج خلاقة . عدم اليقين السياسي في مصر ولد عدم يقين اقتصادي حيث أُعيق الاستثمار وفر رأس المال خارج مصر ومن هنا تأتي أهمية فصح الولايات المتحدة عن نيتها في التفاوض حول  إنشاء منطقة للتجارة الحرة مع مصر هذه المبادرة لن تقتصر أهميتها فقط على توجيه مستقبل التنمية الاقتصادية في مصر وإنما ستروج لتأثير القيام بمثل هذا العمل بين أولائك العاطلين بسب عملية التحول السياسي بدل انتظار صانعي القرار الاقتصادي في مصر  وعموما المساهمة في بلورة هذه الفكرة ستمنع من انزلاق مصر نحو اقتصاد ذو طابع اشتراكي . . والفارق بين القائد العسكري والقائد السياسي فيما يتعلق بصنع القرار يتلخص فى أن الأول يتخذ قراره تحت ضغط عصبي ونفسي يؤثر بلا شك على وضوح رؤيته للميدان وللتغيرات الطارئة، أما الثاني فمن المفترض أنه يتخذ قراراته فى ظروف أكثر هدوءًا وإن كان فى ميدان أكثر عمقًا واتساعًا. وصانع القرار - أيّا كان - هو إنسان، والإنسان بطبعه يميل إلى التوازن «الإنسان الطبيعي بالطبع!»، وهذا التوجه يخدم الإنسانية بوجه عام، إلا أنه من ناحية أخرى يؤدى إلى تضليل صانع القرار عندما لا تتمشى حالة بعينها مع التوازن العقلي.

 ومع ذلك سيدفع التوازن العقلي صانع القرار دائمًا إلى الركون لمثل هذه المسلمات، بما قد يترتب عليه تضليله وتعميته، فربما لا تكون له علاقات طيبة مع دولة ما، إلا أن هجوم دولة ثالثة على هذه الدولة لا يعنى دائمًا أن مصالحه تتحقق بتحالفه مع هذه الدولة الأخيرة، وغنى عن الذكر مدى تأثر عامل الاقتناع الشخصي بالحالة النفسية لصانع القرار، فلا شك فى تأثير عقدة الشعور بالنقص أو عقدة الشعور بالعظمة أو بالاضطهاد إلى كوارث فى اتخاذ القرار، وتلك الحالات النفسية تمتلئ بها صفحات تاريخ الدول والعلاقات الدولية، ومن أخطر الأمراض النفسية تأثيرًا على صانع القرار هو اقتناعه الذاتي بأن الثبات وعدم التغيير هو أساس الاستقرار السياسي، فى حين أن الاستقرار السياسي إنما يعنى مقدرة النظام السياسي على استيعاب التغير بدون عنف كذلك ينعكس عدم الثقة بالنفس فى عدم ثقة صانع القرار بالمحيطين به، فلا يلقى بالاً لآرائهم ونصائحهم، بل وربما يعمد إلى اتخاذ القرار المضاد لهذه الآراء والنصائح بشكل آلي وبالتلازم العقلي بين عدم ثقة فى مستشاريه وعدم صحة نصائحهم. يتجلَّى دور منظمات المُجتمع المدني في رصد و توثيق الانتهاكات و التعسفات و المشكلات التي يتعرَّض لها المواطن، و الدفاع عن المواطنين، وهو دور يقوم به المواطنون أيضاً بشكل فردي، و قد ساعد على ذلك وسائل الإتصالات المُتاحة، و الصحافة الشبكية، و التدوين و برامج التواصل الإجتماعي، وعرض تجاوزات الدولة تجاه المواطن على مسمع و مرآى عالمي (مثل تعداد المدنيين المُدانين عَسكَرياً – تعذيب المواطنين في أقسام الشرطة – توثيق أحداث العُنف التي تتعرض لها المُظاهرات و الإعتصامات)، مما يتسبب أحياناً في إحراج أجهزة الدولة. وتجلَّى دور الرأي العام الجماعي في أقوى مشاهده عندما قام الشعب بعمل ثورة، أدت إلى تغيير (سطحي) في النظام القائم. و بعد تنحي مُبارك انقسم التجمع التحريري إلى إعتصامات صغيرة للضغط على أجهزة الدولة بهدف تحسين الأوضاع. بشكل عام: تتحسَّب الأنظمة للرأي العام في ظل تزايد الإخفاقات السياسية، أو وجود أزمات و ضغوط اقتصادية أو نفسية. و عندما تزداد المعارضة الداخلية، تجد قرارات قيادية شديدة الانفعالية مثل اعتقال المعارضة أو تصفيتهم السياسية أو الجسدية. وتُحاول الدولة جاهدة القيام بتحجيم دور منظمات المجتمع المدني، بزجها في معارك قضائية لتصفيتها و تشتيت قواها (كالحملة التي تتعرض لها تلك المُنظمات حالياً) في مصر لا يُمكن إغفال أمر هام، وهو اعتماد صناعة القرار على أعلى سُلطة في الدولة (رئيس/مجلس عسكري) منذ انقلاب يوليو 1952 وحتى يومنا هذا، و الاختلاف الذي يطرأ تدريجياً على تلك العملية هو: مدى تأثير البيئة المحيطة بصانع القرار على القرار، ما بين تغوُّل بعض المؤثرات و تراجع أخرى.

 هذا التدرُّج يظهر جليَّاً في مراجعة تاريخ صناعة القرار ما بين عهد عبد الناصر و السادات و مبارك، و مقارنته بالوضع الحالي، الذي لم يختلف كثيرا عن عهد مُبارك، و لما كانت دراسة التاريخ مُملة للكثيرين، فسأهتم بالحديث عن العوامل المؤثرة في صناعة القرار المصري بشكل عام مع عرض أمثلة. أؤكد أن صناعة القرار في مصر يغلب عليها الطابع الفردي فقط، أما التأثير المؤسسي فهو تأثير هامشي. وقد تعددت أشكال المجموعات الاستشارية لرئيس الدولة و صانع القرار الرئيسى ، مما أسهم فى عدم تطابق الأدوار الفعلية فى عملية صنع القرار السياسى ،فقد شهدت حقبة عبدالناصر مجلس قيادة الثورة ثم ألغى ، وشهدت مجلس الرئاسة ثم ألغى ، ونص الدستور على مجلس الدفاع الوطنى.وفى حقبة السادات ظهر مجلس الأمن القومى ، وبعض المستشارين الرسميين لرئيس الدولة ، أما حقبة الرئيس مبارك فقد شهدت استبدال مسمى مجلس الأمن القومى ـ ضمنياً ـ بالمجموعة السياسية التى لازالت تجتمع بين حين وآخر حسب دعوة رئيس الدولة.

وقد برزت المركزية الشديدة فى عملية صنع قرار السياسة الخارجية ، حيث تتركز هذه العملية فى السلطة التنفيذية بصفة عامة ، وتتركز أكثر فى قمة هذه السلطة ، بعيداً عن المشاركة الواسعة من القاعدة -الجماهير-.وهى سمة مشتركة للحقب الثلاث ، وإن كانت بنسب مختلفة بعض الشىء وفى بعض القرارات ، وهى قضية تتعلق بالتطور الديمقراطى فى الدولة.

ومن خلال دراسة عملية صنع قرار السياسة الخارجية فى مصر خلال الخمسين عاماً الماضية تأكدت حقيقتان ،الحقيقة الأولى هي ملائمة منظور البيئة النفسية لصانع القرار الرئيسي وهو رئيس الدولة لتحليل عملية صنع القرار فى مصر وبلدان العالم الثالث فى ضوء السمات المشتركة.والحقيقة الثانية تتمثل فى أن الخروج من دائرة مركزية القرار فى يد رئيس الدولة ، لايتم إلا بالممارسة الديمقراطية الحقيقية ، وعندما توجد ممارسة ديمقراطية ، يصبح منظور 'البيئة الموضوعية' هو الأكثر ملائمة من منظور 'البيئة النفسية' ، فطالما أن الممارسة الديمقراطية لم تتسع خارج الحدود المتاحة حالياً بالهامش الضيق الذي يتم الحديث حوله ، فإن تركيز التحليل على المدخل 'الشخصانى' والبيئة النفسية لرئيس الدولة هو الأكثر ملائمة وواقعية دون تجاهل المدخل الموضوعي تماماً.أما التركيز على المدخل الموضوعي واعتباره أساس التحليل فلن يصل بنا إلى نتائج سوى تأكيد ماهو شائع حول محدودية دور الأجهزة والمؤسسات
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف