الأخبار
ارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزة
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قراءة في ديوان ارتداء الجسد للشاعر منير النمر بقلم:رأفت السنوسي

تاريخ النشر : 2015-03-29
قراءة في ديوان ارتداء الجسد للشاعر منير النمر بقلم:رأفت السنوسي
دراسة

كتابة الأنا ... قراءة الذات

قراءة في ديوان ارتداء الجسد للشاعر منير النمر

للشاعر والناقد المصري / رأفت السنوسي

كل أنتاج أدبي هو صياغة ما لذات المبدع، وتعبير عن رغباتها وتطلعاتها، وتحقيق للذة التي يشترك فيها القارئ عندما يكتشف المتعة وطرائقها وراء تلك الكتابة أو هذا المنتج الإبداعي، وحسب رؤية "سيجموند فرويد" الذي لا يفرق بين "الذات والأنا" في النسق الإبداعي الذي يرى أن الإبداع يشبه إلى حد كبير أحلام اليقظة وبالتالي يمكن دراسته على اعتبار أنه حقل مهم لتفسير الأنا / الذات وتجلياتها في النصوص والأفكار واللوحات التشكيلية وحتى الموسيقى، وبناء عليه نجد اهتماما واسعا في الدراسات الأدبية بدراسة الذات سواء في الشعر أو الرواية، ونجد تأصيلا لها في الدراسات الأدبية عند القدماء العرب وإن كانوا بالطبع لا يستخدمون الذات أو الأنا فهو مصطلح حديث نوعا ما.. انتشر في حقل علم النفس والأدبيات الحديثة، وعند عبد القاهر الجرجاني يستخدم النفس أو العين، فنفس الشيء أو عينه هى ذاته وجوهرة ومصدر تصريفه على الوجهة المميزة وأضيف المفيدة والمبدعة في الفن فيقول: "الذاتي لكل شيء ما يخصه ويميزه عن جميع ما عداه".

لهذا كان مدخلنا لقراءة ديوان "ارتداء جسد" لمنير النمر عكس ما يمكن أن يشي به العنوان وتصديره لكلمة "الجسد" التي هي منبع الغرائز والشهوانيات  فـ"ألانا / الذات" تعبر أكثر عن الروح والمثاليات، وهذا ليس شططا مني كقارئ لهذا الديوان، ولكن لكثرة تجليات "الذات/ الأنا" بشكل لافت حتى أن الشاعر قد أوردها صراحة في العديد من القصائد وعبر عنها بطرائق عدة منها (أنا) و(تاء المتكلم) والغنائية في عموم الديوان، ويبدأ النص الذي يحمل عنوان الديوان ارتداء جسد بقوله:

"أنا أخضر متحرر من كل ذاكرتي، ومن جسدٍ

أطال بقاءه عمري العليل

أنا قادمٌ من ظلمةٍ لا شيء يعرفها سواي".

فها هو منير النمر يتحرر من جسده في متن القصيدة، الذي يزعم ارتداءه في العنوان، وهذا ليس تناقضا بقدر ما هو اشارة إلى أن الجسد ليس جسدا بالمفهوم المباشر الفيزيقي بقدر ما هو "الجسد /الإرث"، "الجسد/ القيود" والمانع للانطلاق نحو اعادة تشكيل الواقع المثقل بالهزائم والتناقضات، وهنا يتجلى إحساسه بالحيوية الخلاّقة التي تجتاح ذات الشاعر، وعبّر عنها بقوله (أنا أخضر) في جملة خبرية يقينية كناية عن الخصوبة والتجدد؛ لذا وجب عليه التحرر من الذاكرة الجمعية، وما ثقلت به من موروثات قمعية لا تتفق وهذا النماء الذي تطمح له روحه وذاته، ولو اتكأنا على علامة الـ(أنا) التي تناثرت في الديوان بشكل لافت، لاتضح لنا احساسه اليقيني بقدرة ذاته على اعادة الاكتشاف والمعرفة، فتتجاور الحقول المتناقضة، فالظلمة وهى تعبير عن انعدام الرؤية تتجاور مع المعرفة في (أنا قادم من ظلمة لا شيء يعرفها سواي)، و (كانت ينابيعي مقدسة هناك، وكنت فيها سائلا بعضي عن اللاشئ والظلمات)، وفي قصيدة (ما أنا) وقد استفسر عن "الأنا/ الذات" بـ (ما) لغير العاقل وليس بـ (من) للعاقل على اعتبار أنها شيء لم يتضح كنهه بعد، فهو مازال في طور التشكيل المعرفي للوجود. يقول:

 "حجرية أشكالنا.. قمعية نبضاتنا

ألواننا قتلٌ قديم مثقل الرغبات

..............................

بشر أنا أم ذكريات...، ما أنا يا ربُّ قل لي ما أنا ؟"

ولعل ظهور "الأنا/الذات" المضطربة يتضح جليا هنا في هذا النص وتشتد الحيرة بالشاعر فلا يجد ما يتوسل به لمعرفة ذاته وأناه فيناشد ربه صراحة أن يلهمه المعرفة، أو يخلصه من حيرته وأسئلته المبهمة:

"أنا حاكم.. أو ناسك.. أو عابد، أو راقصة

أنا فكرة قتّالة أو حاضرة

أم ذكريات..، ما أنا يا رب قل لي ما أنا ؟!!"


تتصارع ذات الشاعر في سعيها لامتلاك المعرفة بنفسها أولا، ومن ثم معرفة العوالم التي تتفاعل مع الذات المبدعة ثانيا، وهذا الشعور بالتفرد خلق لدي الشاعر حالة من الاغتراب والتشتت داخل ذاته وتجاه المجتمع أيضا :

"غرباء نحن والصدى المسكون في دمنا غريبُ

وعلى جفون الملح يشربنا الأسى والذكريات

على مداه صليبُ"

وتعددت صور "الأنا/ الذات" فهي ذات مبدعة متسائلة متشككة وذات حالمة محبة وذات قومية لا تنسلخ من امتدادها العربي (الجغرافي والتراثي)، ويظهر ذلك بوضوح في مجموعة من القصائد لـ"غزة" ولـ"مصر" في ثورتها و"بيروت عاصمة الإله" كما ينعتها، ومنشدا في "ثورة الياسمين" بـ|تونس"، وهي في كل ذلك ذات محرضة على الحياة، وعلى التميز والتفرد..، يقول: "كن كما شئت إلها في السماء الأبدية/

كن كما شئت إلها جسدَ الأرضَ ..............

فأنا في أرضي الصغرى إله من سماء ومطر"

 

وقد عكس الديوان صورا كثيرة لذات الشاعر كان أبرزها صورة "الذات العاشقة" ففي قصيدة "سأرتشفكِ" يقول:

"ما زلت أجلس في عينيك مرتشفا

همّي وملتحفا بالعطر أحزاني

أشمُّ في وجهك الشاكي حلاوته

وأرقّص النهد بحراً فوق شطآني"

فالشاعر يرسم ذاته في حضرة محبوبته بصورة الواثق، وقد تخلى عن حيرته لكأن الحب والحب وحدة يمنحه اليقين، ويمنح الذات كينونتها، فيتيه في النشوة، ويدرك العالم من خلال أنثاه، ويردف بالحب السلام والرؤية التي يفتقدها في صور ذواته الأخرى.

قالوا قديما بأن كل ما هو ذاتي كل ما هو جميل ورائع؛ لأن الكتابة عبر اكتشاف الذات التي هى نواة العالم تمنحنا البصيرة والمعرفة؛ لذا كانت "قراءة الذات" وتحسس طرائقها في الإبداع مدخلا مشروعا عندما نقرأ ديوان "ارتداء جسد" للشاعر المجتهد منير النمر، فهو يكتب للاستبصار والمتعة معا، ووفق صور وأخيلة غير فاقعة اللون أو مزعجة التركيب، فقد جاءت تصاويره مشهدية ضرورية في النصوص، لا زيادة فيها تهلهلها، ولا نقص يغومضها، واتكأ الشاعر على تراكيب سلسة في بناء الجملة الشعرية وبحساسية خاصة، جعلت من استخدامه للّغة استخداما خاصا يتناسب مع تجربته الإبداعية.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف