الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مفكرونا والعمى الأيديولوجي بقلم:د. نزار بدران

تاريخ النشر : 2015-03-26
  مفكرونا والعمى الأيديولوجي

د. نزار بدران

  هنالك قواعد للفكر يلتزم بها المفكرون والمثقفون في العالم، لتحليل وشرح مشاكل الشعوب، قواعد هي بمثابة ثوابت لا يحيدون عنها، فمنها مثلاً حق الشعوب في تقرير مصيرها، أو الحق بحكم ديمقراطي. حق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم، تحريم التطهير العرقي وغير ذلك. كل هذه الأشياء مُتفق عليها وموثقة في معاهدات دولية ومنصوص عليها في عشرات الكتب، وأي مُطلع ومهتم بأمور الناس يعرف ذلك، بشكل خاص الكتاب السياسيون والاجتماعيون والصحفيون وغيرهم من المفكرين. لكن بعضهم يستثني من هذا المنطق العام بعض شعوب الأرض، ويفصّلون لها تفسيرات وقوانين خاصة، لا علاقة لها بأي مفهوم قانوني إنساني.

  أمثال هؤلاء كثرة كاثرة من المفكرين الغربيين، الذين يدافعون عن حق جزر القُمر أو شعب كوريا الشمالية بالحرية، ويتسابقون لمطالبة السودان بإعادة المهجرين، ويطالبون ملكة بريطانيا بالاعتذار عما حصل في أستراليا قبل قرون، ويدعمون حق كوسوفو بالاستقلال وتقرير المصير، وحق أوكرانيا بالخروج من السيطرة الروسية، ويناضلون ضد التطهير العرقي في كرواتيا والبوسنة، وإنهاء الفصل العنصري في أفريقيا الجنوبية.

  كل ذلك رائع ويُشكرون عليه، ولكنهم عندما يصلون إلى القضية الفلسطينية، يعلنون أولوية الحفاظ على يهودية الدولة (إسرائيل) وينحازون إليها، على حساب حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم، وهو حق مؤسس وثابت في كافة مواثيق الأمم المتحدة. حتى أصبح النقاء العرقي أو الديني الذي يحاربونه في أصقاع الأرض، مجرد وِجهة نظر. كما أن اضطهاد الأقليات في العالم والتمييز العنصري، يصبح هو أيضاً موضوع أخذ وردّ، عندما يتعلق الأمر بسكان فلسطين الأصليين.

 لحسن الحظ هناك قلة من الكتاب الغربيين. وكثيرون غيرهم، يحترمون القاريء ويلتزمون بمعايير الكتابة والأمانة، ولكن مفكري الفئة الأولى، يشكلون حالياً طرفاً مؤثراً بحكم مناصبهم الإعلامية وارتباطهم باللوبي الصهيوني.

  هذه الآفة للأسف ليست حكراً على الإعلام الغربي والمثقفين الغربيين، ولكنها أصابت أيضاً جزءاً مهماً من الكتاب والمفكرين العرب، أصحاب الأسماء اللامعة والمعروفة، التي تقود في كثير من الأحيان اتجاه الرأي العام.

  عندما اندلعت الثورات العربية في تونس ثم مصر، اتفق الجميع في تحليلاتهم على حق الشعوب العربية بالتحرر من الاستبداد، وبناء مجتمع تعددي حر، مصدر السلطة بيد الشعب، ونمنا وأصبحنا ونحن نتابع هذه الأحداث، وهذه الأقوال على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد والتي في بعض الأحيان كانت أقرب لإعطاء التوجيهات للعمل اليومي، وتصورنا أنه لحُسن حظنا (النادر الحصول) لدينا طبقة مثقفة من الكتاب والمفكرين والسياسيين المعارضين ذوي الرأي السديد والهمة العالية، في إمكانهم إعطاء هذه الثورة العارمة بعدها الحقيقي والأصيل، في انتظار انتصار الثورة وبدء تبلور قيادات ثورية.

  ولكن فوجئنا بعد ذلك وبسرعة بالانقلاب الكامل على ما قيل وكُتب بعد انطلاق الثورة السورية، التي لم تكن إلا استمراراً للربيع العربي، وكل مواطن سوري وعربي كان أصلاً في انتظار هذا الحدث في سوريا وغيرها، لشدة الحماس والإعجاب بالثورتين التونسية والمصرية وبعدهما الليبية.

  بعض المفكرين وقادة الرأي، انقلبوا بين ثورة وضحاها إلى مدافعين عن أعتى نظام عربي، وأول نظام دمر مدينة عربية وهي "حماة" في العام 1982 لقمع الحراك الشعبي، وساهم بحصار وطرد الثورة الفلسطينية من لبنان، ولم يُعرف عنه أي انفتاح ديمقراطي. أصبح الحراك الشعبي السلمي عند هؤلاء المفكرين مؤامرة تحيكها إسرائيل والغرب الاستعماري، وأصبح التلويح بتقسيم الوطن، إن استمر الحراك، واقعاً ممكنا يجب تفاديه.

  محور المقاومة والممانعة كما يسمى، يحمل بالنسبة لهم قدسية خاصة، لأهدافه السلطوية  الأولوية على حق المواطن السوري بالعيش بحرية واختيار قياداته. نسَوْا تماماً المبادئ العامة الإنسانية، وذلك لصالح اتجاهات إيديولوجية هي بالأصل غير فعالة، إن نظرنا من منظار ما حققه هذا المحور لقضية تحرير فلسطين.

  الانتماء القوموي المُسيطر على الفكر، هو في الحقيقة مصدر هذا التناقض، لا سيما حين يحدد "المفكر العربي" انتماءه الأيديولوجي كبوصلة عمل، كل ما يسير باتجاهها صحيح، وعكس ذلك خطأ.

  هذه البوصلة القوموية، تدفع نحو وضع كل عمل ثوري، لا يكون في اتجاه الكفاح ضد الاستعمار والصهيونية في خانة الاتجاه الخطأ، ومن هذا المُنطلق دعم المفكرون القومويون الثورة المصرية، ووقفوا ضد الثورة السورية، مع أن الثورتين حملتا نفس الشعارات وانطلقتا لذات الهدف.

  ما لم يفهمه هؤلاء المفكرون، أن المواطن العربي أثبت من خلال إطلاق ثوراته وربيعه، أن تناقضه الأساسي هو مع أنظمته الجاثمة على صدره، والكاتمة لأنفاسه منذ عشرات السنين؛ وهو مستعد للتضحية بكل شيء، وذلك ما أثبته حجم التضحيات التي قدمها الشعب السوري للوصول إلى الحرية، واستعادة حقه ليكون مصدر السلطة، من دون أوصياء أو "قادة مُلهمين" أوصلوه إلى الهلاك.

 إن أولوية مطلب الحرية والعدالة والكرامة، هي التي لم تكن بحسبان مفكرينا. على أن مبدأ محاربة الاستعمار والصهيونية وتحرير فلسطين، هو في قلب كل مواطن عربي، ولكن ترتيب الأولويات لهذا المواطن تختلف عنها عند هؤلاء المفكرين، وهذا ما أدى إلى تناقض المفكرين مع أنفسهم، بينما الشعوب العربية الثائرة لم تتناقض مع نفسها، وهي تدرك تماماً أن حريتها وحقها في الديمقراطية واختيار قادتها هو محور نضالها. وتدرك كذلك أفضل من هؤلاء المثقفين بأن تحرير الأوطان من الاستعمار واسترجاع فلسطين لا يمكن تحقيقه في ظل التجزئة وأنظمة الاستبداد، وحتى لو رفعت عالياً شعارات العداء لإسرائيل وأمريكا والعالم كله.

  هؤلاء المفكرين سواء أكانوا في الغرب أم عندنا هم كالذي يضع نظارة ملونة لن يرى الأشياء على حقيقتها وبألوانها الطبيعية، إلا إذا أزاحها عن عينيه وفتحهما واسعا.

طبيب عربي مقيم في فرنسا

 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف