الأخبار
قطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيراني
2024/4/18
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

لقاء بعد سنين بقلم : حماد صبح

تاريخ النشر : 2015-03-26
لقاء بعد سنين بقلم : حماد صبح
سلمان محمد إبراهيم عودة ! كيف هذا ؟! وأمام اسمه وصفان متتابعان :" الشهيد المجاهد " ! سكن أحمد أمام شاشة الحاسوب يسرح بفكره وخياله في دهاليز ماضٍ بعيد . كم من السنين انقضت عليه ؟ أربعون ؟ اثنتان وأربعون تقريبا . محمد إبراهيم عودة زميله في الصف الثالث الابتدائي . سلمان ابنه . اختفى محمد من المدرسة دون أن ينتبه أحمد لاختفائه . كل عام كانت إدارة المدرسة تعيد توزيع التلاميذ على الصفوف . لا يتذكر عنه شيئا بعد الصف الثالث . وقدر بعد أن تذكره تاليا أن أسرته قد تكون انتقلت إلى مكان آخر . ويكتشف الآن أنها انتقلت إلى جباليا ، إلى مخيم اللاجئين فيها مثلما توضح سيرة الابن الشهيد .وقبل انتقالها إليها كانت تسكن في منطقة القرارة . ومن هناك كان محمد يقطع عدة كيلومترات إلى المدرسة في دير البلح . تابع أحمد قراءة السيرة مصححا نحوها وإملاءها ومقوما أسلوب عباراتها ، وحاذفا منها ، ومضيفا إليها من قصاصات الصحف التي تحدثت عنه وقت استشهاده لإعداد سيرة من صفحة ونصف أو أكثر قليلا لنشرها في سلسلة كتب عن الشهداء . وعرف من معلومات السيرة أن زميله ، بل صديقه ، فكل من زاملناهم في الماضي نشعر بأنهم أصدقاء أعزاء حين نتذكرهم أو نلتقيهم صدفة؛ لا زال حيا . نجا من كل ما قاسته جباليا من أهوال الاحتلال ، وهي التي فجرت بروق ورعود الانتفاضة الأولى وعواصفها ، وضحت بمئات الشهداء وآلاف الجرحى والسجناء . عاش محمد واستشهد ابنه سلمان في هجوم مع رفيقين له على مستوطنة نيتساريم مثلما تروي سيرته . في الحياة من المصادفات كل غريب عجيب . كان من الأناشيد المقررة على الصف الثالث نشيد " الجندي " ، وفيه يخاطب جندي أمه قائلا : أماه حان ذهابي لساحة الميدان × وهبت روحي وجسمي لخدمة الأوطان . وترد عليه أمه مشجعة : بني اذهب سريعا ...
وأثناء تتابع التلاميذ على تسميع النشيد قال المدرس فجأة : نريد واحدا في دور الأم .
وتلفت التلاميذ إلى بعضهم ، وغلبهم الصمت والوجوم ، وارتفع صوت المدرس : من يقوم بدور الأم ؟!
ولم يتحرك أحد . كلهم يرون القيام بدور الأم ( المرأة ) حطا لكرامتهم ، ويخشون أن يعيرهم به زملاؤهم .
ووجد أحمد نفسه يشير إلى تلميذ يجاوره ويقول : كامل يقوم بدور الأم .
فهب كامل واقفا يصرخ : أنا امرأة ؟! طيب . والله لأخلي كلبنا يقطعك تقطيعا .
ومثل بيديه عملية التقطيع ، وكرر : طيب . سترى .
وكان لأسرة كامل كلب أبيض أغضف الأذنين شرس يرعب المارة خاصة الصغار . واعتاد أحمد تحاشي عدوانيته العنيفة بالتضحية بنصف الرغيف الذي يأخذه معه إلى المدرسة دون غموس ، فيلقيه إليه قطعة قطعة ، وكلما التقم قطعة هر وزام حتى تأتيه القطعة التالية إلى أن يبتعد وراء أحمد عن البيت ، وتهدأ شرته مع نهاية نصف الرغيف ، ويكون أحمد اشترى سلامته بجوعه ، ومع ذلك كان لا يفوت توديعه بنبحة تخرج مثل طلقة أخيرة كأنه ينبهه إلى أن مفعول الرشوة مؤقت ، ولن يحدث أي تغيير في طبيعته العدوانية .

كرر المدرس : نريد أما . أختار بنفسي ؟! أو استعمل الناشفة ؟!
وضرب الطاولة بعصا اللوز العقداء التي يحضر له بعض تلاميذ مناطق الكروم غيرها كلما أبلى واحدة على جلود التلاميذ .
وانفرجت الشدة الغماء ! هرول محمد من آخر مقعد في السطر الملاصق لجدار الصف الشرقي ، وقبل أن يقف قبالة التلميذ الذي سيمثل دور الجندي صرخ المدرس : صفقوا له !
وخفض صوته بعد الأمر بالتصفيق ، وقال شيئا لابد أنه سيء .
وصفق التلاميذ في حرارة وقوة ما سبق أن صفقوا بمثلهما لأروع الإجابات . أنقذهم محمد من موقف ضيق عليهم صدورهم وخافوا أن يجبرهم المدرس عليه . وإكراما زائدا لمحمد أمرهم بالتصفيق له ثانية بعد قيامه بدور الأم .
وتأفل سنين وسنين ، ويشاء الله أن يقوم محمد بالدور حقيقة لا تمثيلا . لا ريب في أنه قال لابنه سلمان : بني اذهب سريعا ...
كاتما ما الله به عالم من الخوف والقلق عليه . وقرر أحمد أن يتصل به
. وفي اليوم التالي ، حوالي العاشرة ، دخل الآذن على أحمد وأخبره أن رجلا يريد أن يراه ، فقدر أنه محمد ، وأوقف الحاسوب وذهب للقائه . وجده واقفا في أول القاعة التي ينتظر فيها زائرو المؤسسة ، وهي رحبة على يمين الممر الذي تقوم مكاتبها كلها على يمينه أيضا . اندفعا يتعانقان . تعانقا ثلاث مرات ، وكلما قطعا عناقا سأل كل واحد الآخر عن حاله . واصطحبه أحمد من يده إلى مكتبه ، وهناك راحا يتأملان بعضهما في ابتسام واشتياق . أحسا أنهما طويا كل سنين الفراق وعادا إلى الصف الثالث .
قال أحمد : أعزيك في سلمان . ابننا كلنا .
وغيرت التعزية لون وجه محمد وقال متأثرا : رحمه الله .
سأل أحمد : كم سنة مرت على تلك الأيام ؟
_ عمر . سبحان من جعلنا نرى بعضنا ! سألت مرة عنك قريبا لي في دير البلح . قال إنك درست في سوريا .
_ وأنت ؟
_ اكتفيت بالتوجيهي . ولدي أيمن تخرج في "الإسلامية "، وأخته إيمان تخرجت في "الأقصى" .
وهم أحمد أن يقول : وسلمان استشهد في السنة الثانية من دراسته الجامعية ، لكنه فطن لما في من إهاجة لحزن محمد .
ولما سأله محمد عمن رزقه الله من الأبناء ذكر عددهم وجنسهم ومهنهم ، فانفتحت عينا محمد واسعتين وسأل : ابنك جمال الذي يعمل في مكتب " البيت للهندسة المعمارية " ؟
_ ابني ، وكنيتي أبو جمال . هو أكبر أولادي .
_ تصدقني ؟! حين رأيته تذكرت وجهك . اشترينا من المكتب خريطة بيتنا الجديد . تحب أن أفاجئك ؟
وانتظر أحمد المفاجأة صامتا مثبتا عينيه في وجه محمد الذي تابع مجيبا : اشتريت نصف دونم ، اسأل أين ؟! في القرارة . ليس بعيدا عن مسكننا القديم . البيت في مرحلته الأخيرة .
_ خبر يسرني كثيرا .
_ لم أنس القرارة . أين تسكن الآن ؟
_ قريبا من سكني القديم . اشتريت دونما وبنيت فيه .
_ عدنا جيرانا . ولو بعيدين شيئا .
_ قريبون قلبا .
_ عندما نسكن في البيت سأخبرك .
وأخبره بعد حوالي شهرين ، بعد يومين من صدور أول كتب سلسلة الشهداء، فذهب إليه ، وسلمه نسخة من الكتاب ، ففتحه على سيرة ابنه ، وقرأ سطورا ، وسقط الكتاب من يده ، وراح ينشج مغطيا وجهه بيديه .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف