الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

يوسف القعيد فى روايته يحدث فى مصر الان بقلم: السيد الهبيان

تاريخ النشر : 2015-03-06
يوسف القعيد فى روايته
يحدث فى مصر الآن
السيد الهبيان
يحتل الكاتب المصرى "يوسف القعيد" مكانة لا بأس بها وسط الروائيين المصريين ..الذين تتسم أعمالهم الإبداعية بالمحاولات الجادة التى يقدمونها ..فى مجال الحقل الروائى..لكنه يحيد عنهم إلى حد ما..فى انتمائه الفكرى بعرض رؤاه السياسية من خلال أعماله ..مؤكدا التزامه بأيدلوجية معينة تكشف عنها مضامين رواياته..وهو ما قد يبدو فى روايته"يحدث فى مصر الآن".. التى قدمها بعد ست روايات سبقتها هى "الحداد"."أخبار عزبة المنيسى"."أيام الجفاف"."البيات الشتوى"."الأسبوع سبعة ايام"."طرح البحر". عرض فيها لشخصيات بسيطة..تمثل عامة الريفييين..الذين يتعاملون مع الأحداث بعفويتهم وبساطتهم..طامحين إلى الحصول على أكبر قدر من الاستفادة التى ترضيهم..على المستوى الحياتى..الذى يحدد وضعهم الاجتماعى.مع الأخذ فى الاعتبار إضفاء الأهمية على موقعهم الوظيفى ..فى مجال العمل الحكومى..وبنى مضمونها على حدث حقيقى تمثل فى زيارة الرئيس الأمريكى "نيكسون" لمصر ..سنة 1974 وأثناء تولى الرئيس "انورالسادات" الحكم ..باختلاف عن الأطر التقليدية للأعمال الروائية..إذ انتهج المباشرة الصريحة التى تبعد عنها المضامين السياية .. وتعتمد على الإسقاطات الرمزية وبيان معاادلها الذى يوضح ماهيتها..واختار عنوانها ــ يحدث فى مصر الآن ــ الذى يشبه عناوين المقالات الصحفية..كما يبدو من ظاهره.. بالإيحاء إلى الحال.. رغم أن زمن الرواية يعرض لما قبله.. وكذا الرؤية التى طرحها.
بيد أن العنوان وحده ليس هو المغاير لما يتوافق مع الأعمال الأدبية.. فثمة عناوين لقصص وروايت لامجال لذكرها فى هذا التناول ..تبدو بعيدة كل البعد عن الانتماء للعمل الذى حملها..لكن ليس ثمة مقارنة تحتم الاستشهاد بالمثل.
فالشكل الذى بدت به الرواية ..يغاير تماما الأشكال التى توصف بالتقليدية.. وأيضا تلك التى بدت فيها محاولات تجديد .. وقطعت شوطا طويلا فى مجال التجريب ..لأن ما يتلاحظ فى الشكل منذ البداية .. أنه قد يكون مغايرا للمألوف الذى ينتهجه الكثير من الروائيين..كالبادى بوضوح فى صفحاتها .. كما يؤكده تتابع عرض الوقائع التى تلق الضوء من زوايا مختلفة على النماذج الإنسانية التى بدت فيها بصورها الطبيعية..وتصرفاتها الحقيقية دونما رتوش وتخيلات تبعد بها عن واقعها.
فهو من البداية يدعو القارىء إلى أن يشترك معه فى خلق الرواية التى يزمع كتابتها ..متخليا عن كل مايعتمد عليه الروائى فى وقف اهتمام القارىء على متابعة أحداث روايته..بتشويق يشده لنهايتها.. وذلك بوضعه نهاية الرواية فى صفحاتها الأولى.. ثم إشارته بأنها لم تبدأ بعد ..ويتبع ذلك بوضع المشاهد التى تبدو على مسارح أحداثها ..بنفس الصورة التى وقعت بهخا فى الحقيقة.. ودونما فرق بين المسرح العام الذى حدده الكاتب فى قرية "الضهرية".. مسرح الرواية والتى تفاعل أهلها مع الحدث.. والأماكن الأخرى التى كان يتحتم الانتقال إليها لمعرفة التطوارات التى واكبته حتى انتهى.
بدا التركيز على طبقة معينة من الناس تعيش فى ريف مصر.. تعانى من ىقهر مفروض عليها ..ولا تعرف موعد الخلاص منه.. يضع الإنسان البسيط وسط عتمة ابدية ..يعانى منها وهو يحلم بأمل ميت..يفتح له باب الخروج إلى الضوء.. حيث يستطيع الرؤيا بوضوح.. ويبدو له كل شىء على حقيقته.. فربما استطاع حينئذ أن يضع نهاية لذلك الواقع الأليم الذى يعيشه..ولا يستطيع الخلاص منه..وبعد ذلك سيكون بإمكانه ان يبنى لنفسه أسس الحياة التى يمكنه أن يعيشها ..من منطلق يتيح له مراجعة من يريدون إرغامه على الخضوع والاستسلام.. لتصرف يجحف حقه فى الرفض أو القبول.. فيحقق بذلك التحول الاجتماعى الذى يرنو إليه..كى ينتشله من قاع سراديب الحياة المدفون فيها ويطفو فوق سطحها.
عرض "يوسف القعيد" لمثل هذه الطبقة من خلال نموذج لها يعيش فى القرية التى نسج منها مضمون روايته..بتركيز على الإنسان الذى يعيش فى الريف وعلاقاته بالآخرين.. وذلك من خلال خطى صراع ..لا علاقة لأى منهما بالأرض..رغم كونها محور حياة أهل القرية..ومصدر رزق لمالكها أو مؤجرها.
الخط الأول يتمثل فى محاولة التخلص من قضية قتل العامل الزراعى"الدبيش عرايس"..الذى يمثل الشخصية المحورية فى الرواية.. حتى لايدان كل من تورطوا فيها.
والخط الثانى يتمثل فى الاهتمام بزيارة الرئيس الأمريكى"نيكسون" لمصر..تلك الزيارة التى قام بها عام 1974..وما حدث من استعدادات لها أثناء مرور موكبه بالقرب من قرية "الضهرية" احدى القرى المصرية.. وهو فى طريقه للأسكندرية.. حسب برنامج الزيارة.
فقدم الكاتب روايته من منطلق رؤيا واقعية لاتفتقد الأصالة..تلقى الضوء على الإنسان المعدم الذى يعجز عن مواجهة من هو أقوى منه سلطانا بالنسبة لوضعه فى المجتمع..ومدى تحكم ذلك الأقوى منه.. وقدرته على تحويل أى خطر يتهدده بسبب ذلك الإنسان المعدم..أو يلحق به الضرر.. إلى مايتوافق مع مصلحته ..كأنما لاتكفيه حالة الفقر التى تسيطر عليه وتمنعه من إبداء أية مقاومة.. إذ أن ذلك تكون نتيجته الحرمان من الطعام..جاعلا من فول "أبى ذر الغفارى":" عجيب لمن لايجد القوت فى بيته كيف لايخرج على الناس شاهرا سيفه".. أنسب ما يحق على ذلك الإنسان المعدم.. فوضعه فى صدر وايته.. التى تبدو شخصياتها وهى تتحرك من خلال وضعها الذالتى ..لتمارس حياتها وهو مشدودةإلى طبيعتها.. باستسلام تام لمصائرها القدرية المرسومة لها من قبل الآخرين.
أبرز هؤلاء الشخصات "الدبيش عرايس" الذى يمثل الشخصية المحورية فى الرواية.. عامل زراعى أجير "من يومه وهو عليل بصدره وبطن رجليه ونظره".. لكنه رغم ذلك يقضى النهار كله فى العمل .." من بكة الشمس لغروبها وهو منكفىء على رأسه".. لأن عليه أن يوفر القوت الضرورى لزوجته "صدفه" ..وأطفاله الثلاثة.."الدبيش الصغير"..و"غباشى".. و "نور" ..لذلك فهو كأجير "كل يوم عند مالك ..قوة ذراعه هى رأسماله الوحيد..العملب والرزق لم يكن ثابتا ..لابد من إخفاء المرض عن الناس لكى يضمن العمل كل أيام الأسبوع..لأن البقالين فى البلد لايعطون للفقراء شكك أبدا".
ورئيس مجلس القرية الذى يبدو "منسق الهندام وياقة قميصه الأبيض منشاه..وجلد ذقنه الحليق يبدو لامعا.. منصبه يخول له اتخاذ أية قرارات فى حدود القرية".. ويكون التانفيذ من خلال المصالح التى يشرف عليها..و"معاون نقطة البوليس ..وهو " ضابط شاب فى شوق دائم للمسرات الليلية فى المدن"..و طبيب الوحدة "الذى يرى أن الحياة فى الريف صعبة بالنسبة له ولمن مثله..وينتقد الحكومة بسبب تقصيرها فى حقه وحق زملائه..ثم يقترح أن يضاف لمرتباتهم بدل التعامل مع أنصاف البشر من الفلاحين".. أبدى رغبته فى مصاهرة أسرة غنية ..وجد أنها تستطيع مساعدته فى فتح عيادة خاصة كمحاولة لزيادة دخله.
من البديهى أن اية مقارنه بين "الدبيش عرايس" وهؤلاء الثلاثة ..من خلال كونه عامل زراعى أجير معدم.. وهم بوضعهم وسلطاتهم فى القرية ..ستكون نتيجتها أن لا شىء بالنسبة لهم.. وذلك ماكان يمثله حقيقة فى حياته .. لكن تغير الأمر بومته.. فقد صارا لزاما عليهم أن يقضوا على أية محاولة ..يتمخض عنها الوصول ألى المكان الذى دفنت فيه جثته.. حتى لايمكن الوصول إلى أسباب الموت التى تحمل اإدانة لهم..والذى حدث"عندما بدأت ديوك الفجر تؤذن مات العامل الزراعى فى المستشفى.. وجد الكل نفسه فى ورطة.. رئيس مجلس القرية..طبيب الوحدة...الضابط..نوبتجى الاستقبال بالمستشفى .العسكرى.الساعى..سائق سيارة اإسعاف. نقلت جثته فى هدوء دون علم أحد إلى المشرحة. . وفى ذات الوقت عليهم أن يعملوا على نجاح استقبال موطب الرئيس الأمريكى "نيكسون"..عندما يمر بالقرب من القرية.. طمعا فى أحلام توهموا تحقيقها بعد انتهاء الزيارة.
بعد ذلك انقطع الخيط الموصل إلى المكان الذى دفنت فيه الجثة.. حتى تظل حادثة الوفاة بلا دليل يكشف عنها ويؤكدها.. إذ ستكون ثمة إدانه ضد كل هؤلاء.. لكن "بدأت مباراة رمى فيها الكل التهمة على الآخرين..ولكن الضابط بعد أن حشر نفسه بداخل ملابسه الرسمية..تصلب جسمه..قال أنه سيتصرف فورا. .. أعد نشرة عن هروب متهم رهن التحقيق من النقطة".. حاول العسكرى الذى تسلم النشرة أن يوضح له أنه المسئول رسميا عن هروب المتهم الذى لم يهرب..طمأنه الضابط".. الحكاية تمثيل فى تمثيل وبشكل غير رسمى زثم أننا المؤلين عن الحكاية دى قبلك"..وعندما احتار فى كتابة اسم ورقم القضية على الدوسيه الذى يضم كل الأوراق.. المدون فيها الإجراءات الخاصة بالتحقيق.. كتب على الغلاف" قضية بدون رقم ولم يتحدد لها إسم بعد..لأن القصد بالنسبة لها من البداية أن تظل مطموسة المعالم كى لايدان الذين تورطوا فيها.
بيد ان الضابط بعد كتابة ديباجة التحقيق توقف عندما أدرك أن عليه أن يبدأ بسؤال الطبيب..لأنه هو الذى تعرض لاعتداء العامل الزراعى "الدبيش عرايس".. وهذا الاعتداء جعل رئيس مجلس القرية يتصل بمعاون النقطة الضابط ليبلغه به.. ويطلب منه القيام بتأديبه فقط جزاء تهجمه على الطبيب.ز واعتدائه عليه دون اتخاذ إجراء رسمى.. فهم الضابط المقصود ..ووعد رئيس مجلس القرية بانه سيفعل مايريده منه ..بمجرد إرسال العامل إليه.. لكنه وجد العامل عندما يصل غليه بحالة سيئة..جعلته لايتحمل أية طريقة من طرق التأديب ..التى يتبعها عادة مع من يريد أن يريه.."أن عين الحكومة حمراء".. فأشار بوضعه فى الحجز ..ثم عاد إلى مكتبه.
لكن فى منتصف الليل أبلغه العصكرى النوبيتجى بان العامل ساءت حالته.. "امر الضابط بنقله بدون حري إلى المستشفى العام الموجود بمدينة "المنوفية" عاصمة المركز التى تتبعه القرية.." لكن العامل مات وأثبت تقرير المستشفى حول سبب موته.."حالة ضرب أدت إلى وفاة".. ثم دفنت جثته فى مكان لايعرفه أحد.
بعد ذلك قام الضابط بكتابة نشرة عن هروبه وذهب إلى قرية "الضهرية" .."انتظر حتى نزل الطبيب من الفيلا فى العاشرة ..ووصل رئيس القرية من الإسكندرية .. اخبرهما بالأمر ..بدا الانزعاج على وجهيهما..ضحك الضابط..قال أنه ضبطهما متلبسين بلحظة ضعف نادرة الحدوث.. أكد لهما أن كتفيه لايحملان ثلاثة نجوم فقط..بل يتسعان لحمل الكرة الأرضية نفسها".
ثم بدا التحقيق فى خطين..الأول اعتداء العامل الزراعى "الدبيش عرايس" على الطبيب..والثانى حول واقعة هروبه من غرفة الحجز بالنقطة الثابتة.. لكن الطبيب رفض أن يكون طرفا فى التحقيق..الذى أراد الضابط أن يجريه بصورة شكلية ..ليلفت الأنظار عما حدث للعامل الزراعى.. "قال أن الأسئلة فى التحقيقات لاتوجه إلا إلى جانى أو مجنى عليه.. أو شهادة إثبات أو نفى.. هو ليس أحد هؤلاء الأربعة.. ماحدث للعامل الزراعى لادخل له فيه." .وفاته قضاء وقدر..والهروب من النقطة إهمال.." القول أن الطبيب مجنى عليه إهانة يرفضها بحسم.. العامل الزراعى ليس ندا له"لكنه اتفق أخيرا هو والضابط ورئيس مجلس القرية.. على أن يكتب تقريرا بناء على طلب من رئيس مجلس القرية..بشرط أن يكتب رئيس مجلس القرية مثله ..وبعد ذلك يبنى الضابط تحقيقه على ما سيكتبان.
أوضح الضابط "احتمال أن التحقيق يصبح رسميا مازال قائما"..قبل أن يتركهما للبدء فى كتابة ماتفقوا عليه ليبدأ تحقيقه.. وبعد أن انتهيا من الكتابة أرسلا إليه ماكتباه.."وضع الضابط تقرير رئيس القرية ..ومذكرة الطبيب أمامه متصورا أن همومه انتهت" ..لكن واجهته مشكلة الاستعداد لمرور موكل الرئيس "نيكسون" .."لأنه يعد المسؤل عن الأمن فى المنطقة".. وفى ذات الوقت لايمكنه أن يقوم يإبلاغ رؤسائه بواقعة "الدبيش عرايس" والتحقيق الذى يجريه بشأنه.. لذلك فقد كان عليه أن يعمل كبهلوان كما أشار عليه صديقا العمر..رئيس مجلس القرية وطبيب الوحدة..فمضى فى إجراءاتا التحقيق..بجانب الإشراف على استعدالدات الأمن..مما يجعل الناس يظنون أن القضية خطيرة لها بعد سياسى.."لأن هناك جهة عليا تشرف على التحقيق".
بدا اهتم الكاتب بوضوح فىالتركيز على الربط التام ..بين قضية "الدبيش عرايس" وزيارة الرئيس "نيكسون" لمصر .. حال عرضه لاحداث الرواية من خلال منظور يحدد أن ماحدث للعامل الزراعى "الدبيش عرايس".. سببه فى الأصل زيارة الرئيس نيكسون..ومنظور آخر يحدد أن درجة الاهتمام بحادثة الوفاة..والزيارة ..كانت واحدة ..رغم اختلاف الدافع إلى هذا الاهتمام من قبل الذين يعيشون فى القرية.. باختلاف مقاصدهم من ورائه.
فمن خلال ملاحظات رئيس مجلس القرية فى مذكرته وتقرير طبيبب الوحدة.. وشهادة "صدفه" زوجة "الدبيش عرايس" ..و"الغليان "زميله فى العمل.. فى التحقيق الذى قام به الضابط..وما قالته "صدفة" عن زوجها بعد ذلك.. "يتبين أنه فى يوم الجمعة الاسابع من يونيو سنة 1974 أثناء زيارة الرئيس الأمريكى نيكطسون لمصر ..وصلت سيارة إلى مجلس قرية "الضهرية" ..تحمل كميات من المعونة الغذائية التى وردت من الولايات المتحدة الأمريكية..لتوزيعها قبل مرور الرئيس الأمريكى بالقرب منها.. "كانت هناك تعليمات شفهية من الموظف المرافق للسيارة.. تطلب تفهيم كل من تصرف له هذه المعونة ..بأنها هدية شخصية من الشعب الأمريكى الصديق ..تعددت الاقتراحات التى يراد بها عدم اقتصار التوزيع على المحتاجين فقط.. الذين "لايعقل أن يكون منهم عضوا فى مجلس القرية".. رغم أن الكميات قليلة..ولا تكفى لتوزيعها على الجميع.. وكانت الحجج التى قيلت أن الكميات هدية وليست معونة.
لكن الاجتماع انتهى دون التوصل إلى قرار..لكن رئيس مجلس القرية ..وافق طبيب الوحدة على توزيع المعونة للحوامل من سيدات البلد..وتم تكليف" منادى" البلد بالمرور فى الحوارى للإعلان شروط الصرف.. سمع "الدبيش عرايس" المنادى ..سأل عن الكميات التى ستوزع..عرف أنها" دقيق فاخر وسمن صناعى وجبنه صفرا ولبن جاف بودره".. لم يكن فى بيته غير خبز جاف آلمته محاولة ابتلاعه..أعاد تدخين معسل سبق له تدخينه.."كان يبدو أنه يسد بطنه الخالية بالدخان الثقيل.. قرر بعد ذلك الخروج من البيت.. وكشف لزوجته عما يعانيه قبل أن تتركه.. "من يوم ماتجوزت وانت حامل باستمرار ..ماكنتش محتاج الحمل ده أبدا.. لا أنا موظف حكومة حاخد علاوة على كل ولد.. حتى الحكومة اليومين دول بطلت تدى علاوة للعيال..النهارده بس كان حملك مطلوب إنما نعمل إيه ..النصيب".
ثم ذهب إلى بيته زميله "الغلبان" عرف منه أن امرأته حامل ..قال فى نفسه "يابخته"..قال له "الغلبان" بخجل "الحال انت عارفه ..لو كان فيه شىء ممكن يفضل من المعونة كنا قسمناه مع بعض"..وتبادل معه الحديث حول صرف المعونة..وأكد له أنها ستصل إلى الذين لايستحقونها فى بيوتهم.. ثم عاد إلى بيته فى منتصف الليل ..جمع الخروق القديمة ..وربطها على بطن زوجته لتبدو كالحامل ..وفى الصباح ساعدها على أن تتمكن من صرف المعونة..ثم حملها معه إلى البيت ..وعاد إلى الحقل ليكمل عمله باقى اليوم.
كان طبيب الوحدة يريد أن يبدأ التوزيع بالصرف للسيدات الحوامل فى الشهور الأخيرة فقط.. لكنه بكتل بشرية تأتى إلى الوحدة لصرف المعونة..ووجد صعوبة فى الكشف عليهن وسط الزحام؟؟فاكتفى بالنظر إلى الشكل الخارجى للحامل وملامح وجهها ..مقدرا زمن الحمل بمدى انتفاخ البطن.. لكنه علم أن زوجة "الدبيش عرايس" صرفت المعونة دون أن تكون حامل.. اصطحب معه الخفير والتومرجى وموظف بالمجلس وذهب إلى بيته.. أخذوا المعونة والأشياء التى منها عمل البطن الصناعى..عاد "الدبيش عرايس" من الحقل وعرف باسترداد المعونة..ذهب إلى الطبيب وهو يواصل عملية التوزيع..سأله عما أخذه من بيته.. افهمه الطبيب أن مافعله هو تزوير وسرقة واختلاس.."لابد من محاكمتك لكن الرحمة مطلوبة".. فحدثت واقعة الاعتداء عليه.. ثم تطور الأمر إلى معركة نتج عنها ضياع نصف الكميات التى كانت تصرف..فتوقف الصرف..وتم التحفظ على "الدبيش عرايس" حتى حضر رئيس مجلس القرية من الإسكندرية..فأرسله إلى معاون النقطة.
أما الاهتمام بالزيارة فكان بسبب الأحلام التى راجت حولها.. وتصوير الدعاية لها بشكل مبالغ فيه.."المراكب الأمريكانى راسيه فى الموانىء..فيها الخير ورزم الأوراق المالية..والمصانع التى ستركب فورا.. الرخاء الأمريكانى على الباب ويطلب الإذن بالدخول"..والبلاد التى سيمر بها الموكب سيتوقف ..و"سترى الأوراق المالية من فئة العشرة جنيهات مثل حبات الأرز".. وستكون لها مكافآت خاصة بعد ذلك بقدر نجاح استقبال الموكب من قبل من فيها.
لذلك فقد تسابق الكثير من أجل الحصول على مطامعهم التى تختلف عن بعضها.. تحدد هذا التسابقفى صورة لفت الأنظار إلى من يقوم بعمل بارز فى الترحيب بالموكب..رئيس قرية فكر فى تغيير اسمها إلى إسم "نيكسون".. رئيس مجلس قرية "الضهرية"..قرية "الدبيش عرايس" حاول أن يلفت الأنظار إليه باستقبال ضخم للموكب رغم أن قريته بعيدة عن خط سيره المحدد سلفا.." ربما اصبح منصب المحافظ أو الوزير أقل من أحلام ما بعد الرحلة المرتقبة بالنسبة له"..فاشاع أن البواخر الأمريكية تحمل أيضا عيونا للمكفوفين وزيت الصلع وعلاج للعقم والكسيح والمصور..وكل هذه الأشياء ستحدث عقب مرور الموكب مباشرة ..بشرط أن ينجح الاستقبال"..وطبيب الوحدة تعمد توزيع المعونة على الحوامل معنى أن تقول كل منهن لطفلها "لولا المعونة الأمريكية لأصيبت بانيميا حادة أيام الحمل.. و لولد وبه بعض التشوهات الخلقية".. ربما تصل الفكرة إلى المسئولين .."ويفهمون الرمز البسيط..فتقرر الجهات العليا مكافأته.. قد يصل إلى الشعب الأمريكى..ومن يدرى ..ربما عرفه الرئيس نيكسون نفسه.. وفى هذه الحالة لا يعرف النتائج إلا الله".
أما الضابط فكان أمله فى ترتيبات الأمن .. لكن كان عليه فى ذات الوقت أن ينتهى من قضية "الدبيش عرايس".. طلب من الكاتب اختيار الشهود وإفهامهم بما سيقولونه لتثبيت الإدانة على "الدبيش عرايس" ..ورغم ذلك حاول إرغام"صدفه" على الاعتراف بحكاية تركيب البطن:
"ــ ياتعترفى هنا ياإما فيه أماكن تانية للاعتراف.
ــ يبقى احسن ..على الأقل أشوف "الدبيش" واطمن عليه. "الدبيش" ماهو عندكم ..اسألوه ..هو راجل.. والشهود اللى انتوا جايبينهم ما قالوا اللى انتوا عايزينه ..خمسة وعشرين راجل ببق واحد.. وكلام واحد.. مش كفايه فى حكاية صغيرة..البطن وراك أهه".
ثم اندفعت "صدفه" تعرى كل التصرفات وهى تصيح ..مما جعل "الغلبان"" الذى كان ينتظر فى الخارج يدخل غرفة التحقيق بلا استئذان..يشجعها على أن تحكى كل شىء دون خوف.. "هى غرقانه غرقانه..ويوم مالحتغرق الكل حيغرق فى قعر البحر".
فكر الضابط فى إلقاء القبض عليه ..لكنه تردد خوفا من أن يموت هو الآخر.. ثم صرف الشهود ..وحتى يكمل التحقيق حدد للعسكرى معلومات مطلوبة.. وطلب منه أن يبنى التحريات عليها للاستناد عليها بجانب أقوال الشهود..فى التصرف فى قضية "الدبيش عرايس". فعاد العسكرى له بتقريرين ..الأول ينفى وجود "الديبس عرايش" أساسا..والثانى يؤكد أنه مشاغب وخطير وله مواقف ضد الدولة ..مما يسهل على الضابط تحويل القضية إلى قضية سياسية إذا اقتضى الأمر.
وعلى هذا الأساس تناقش الضابط مع رئيس القرية وطبيب الوحدة ..فى نطاق خطتين يتحتم الاعتماد على إحداهما.. الأولى رمز لها (د.م) وتعنى أن "الدبيش"موجود.. والثانية رمز لها( د.غ) أى أنه غير موجود.. واتفقوا فى النهاية على القيام بتنفيذ الخطة الأخيرة فى حفظ الأوراق..ضمن عهدة رئيس القرية..لذلك فلم تعرف نتيجة التحقيق لأحد غيرهم.. بعد ان احتفظوا بالسر فيما بينهم..لكن بعد مرور الموكب فى القطار الذى ضاعت الأحلام ..التى كانت قد راجت ..تاركة مكانها الحديث حول ما حدث وقت مروره ..بسبب عدم توقف القطار ..وضحك الناس على رئيس مجلس القرية..الذى كاد أن يموت عندما اقترب من حافة الرصيف..لظنه أن القطارؤ سيتوقف ..بعد ان أوهمه البعض بضرورة توقفه..راجت قضية "الدبيش عرايس" بعد أن كشف عنها تومرجى المستشفى عنها ..خوفا من الوقوع فى مسئولية..سأله "الغلبان":
" ــ مين القاتل؟.
دارت عينا الغريب على أشياء كثيرة.. فيلا الدكتور ومكتب رئيس مجلس القرية ودوار العمدة.. وعمارات الأغنياء..وإدارة رعاية عمال التراحيل.. ومقر الاتحاد الاشتراكى العربى".. وتأكد من ذلك البعض الذى حاول أن يفعل شيئا من أجل أسرة "الدبيش" فبدت أمامه كل الطرق مسدودة.. أمين الاتحاد الاشستراكى أوضح صعوبة الاستدلال عليه حيا او ميتا.. ونصح بعدم التدخل فى حكايته ..العمدة طلب شكوى ضد أى شخص.. ضابط النقطة قال: اللى عاوز يتكلم على حاجة اسمها"الدبيش" عليه أولا أن يثبت أنه كان فيه بنى آدم بالاسم دهفى يوم من الأيام"..ولم تجد كل المحاوالات التى كان المقصود بها وجود"الدبيش عرايس"..وأنه كان حقيقة وليس وهما كما يدعون.. وبقة زوجته وأولاده الثلاثة لمصائهم .
كما يبدو لم يقدم الكاتب حكاية مؤلفة ..اعتمد فيها على خياله فقط..وهو يتفنن فى نسج وقائعها..بل قدم الحقيقة بصورتها المؤلمة من خلال الواقع المعاش والملموس للمرتبطين به ..وقد استخدم فى ذلك الأسلوب المباشر..الذى اعتمد فيه على الكشف الواضج بلا التواء ..قاصدا بذلك التعرض للحقائق بمواجهة صريحة من منطلق "مادمنا اخترنا الكل فلنتكلم على أن تكون الكلمة الموقف..الكلمة الفعل".. وقدم كلامه دون أن يغلفه بالإسقاطات الرمزية التى قد تغير من معناه..أو تجعل من الصعوبة التوصل إلى مايريد قوله.
وضع زيارة الرئيس الأمريكى لمصر بنفس الزوبعة التى قوبلت بها ..ثم هدأت بعد نهايتها..وتلمس التناقض الذى حدث خلالها عن القرية التى أراد رئيسها تغيير اسمها إلى "نيكسون".. "تشاء الصدف أن يفكر أهالى نفس القرية قبل عام من هذا التاريخ فى تسمية القرية بقرية "شهداء نيكسون".. لكثرة عدد الذين استشهدوا من أجلها فى الحرب".. والطفلة التى أعدوها ضمن ترتيبات الاستقبال لترتدى فستانا على شكل علم الولايات المتحدة الأمريكية.. كانت يتيمة..والدها احد شهداء حرب اكتوبر.. لكنها لم تعرف هى وأمها الأرملة الصغيرة الحسناء .. أن الضيف الأمريكى المبتسم فى حب قاتل..هو قاتل عائل أسرتهما الوحيد".. وفى المعونة التى كان أولى بها الفقراء.. وطالب الكل بحقه فيها لأنها كانت هدية.." حتى مالك الخمسين فدانا..النبى عليه الصلاة والسلام قبل الهدية.. رفضها أو قصرها على الفقراء قد تكون فيه إهانة لمرسل الهدية..من يدرى..قد يؤدى إلى أزمة بين البدين".
لكن هناك كثيرين من الذين قالوا فى بعض الأحيان.. لم يكن الحلم بقادر على تصفية بحار الدماء القديمة والجديدة..والجراح مازالتا طرية.
أما عن القدرة على التصرف فى الأمور لتكون حسب الرغبة.. فقد تمثلت فى إعداد التحريات حول "الدبيش عرايس"..فى التقرير الأول "د./" مرفق بهذا التقرير شهادة رسمية تؤكد أنه لم يوجد اساسا شخصا يحمل إسم"الدبيش عرايس".. وهذا يحفظ التحقيق من اساسه..ولا يجعل له أى مبرر.. ونهايته بملحوظة "على من يتقدم ليؤكد خرافة "الدبيش عرايس" واسطورته حقيقة واقعة أن يكون معه الأوراق والمستندات والصور والتسجيلات الصوتية التى تثبت قوله".. التقرير الثانى أثبت فيه الكثير من الجرائم ..لأنه من اجل خطة "د.غ" أصغر جريمة من هذه الجرائم عقوبتها ىتصل إلى الأشغال الشقة..أو ربما الإعدام.
لم يخرج الكاتب فى كل ذلك عن المباشرة المبنية على وقائع وتواريخ حقيقية كاعترافه بأنه"اكتشفت أنه لم يعد هناك بديل للأدب السياسى المباشر .. ان الأيام التى نعيشها صارمة فى تناقضتها..وستخلق أدبا مباشرا قاسيا".. لذلك لم ينف أن يكون ثمة تشابه بين الواقع والخيال..فيبما يختص بأسماء الشخوص ..والأحداث التى عرض لها فى روايته..هذا التشابه "لم تخلقه قوانين الصدفة بل هو تشابه مقصود"..وهذا يحتم ذكر ملاحظة ان الروائى هو خالق أصلا للعمل الذى يكتبه..وليس ناقلا لما يحدث فى مجتمع يعايشه ..واختياره لشخوص حقيقة..تعيش وسط ذلك المجتمع..هو تجسيد للواقع الذى أراد أن يلقى الضوء عليه ..ليبدو بصورته الحقيقية ..وهذا مافعله "يوسف القعيد" فى روايته..لأنه طرح قضية مجتمع من خلال قضية فرد..ثم حاول أن يجيب على بعض التساؤلات التى اثارها بصورة حولت الراواية فى النهاية إلى دعوة صريحة للتخلى عن الصمت وعدم السكوت على مايحدث فى حق البسطاء فى صورة ما حدث ..رغم اعترافه بأن المباشرة عجز فنى ..وذلك يضعنا أما تساؤل حول مصير الإبداع..وتقليص دوره فى العمل الفنى.
************

السيد الهبيان
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف