الأخبار
17 شهيداً في مجزرتين بحق قوات الشرطة شرق مدينة غزةمدير مستشفى كمال عدوان يحذر من مجاعة واسعة بشمال غزة"الإعلامي الحكومي" ينشر تحديثًا لإحصائيات حرب الإبادة الإسرائيلية على غزةغالانت يتلقى عبارات قاسية في واشنطن تجاه إسرائيلإعلام الاحتلال: خلافات حادة بين الجيش والموساد حول صفقة الأسرىالإمارات تواصل دعمها الإنساني للشعب الفلسطيني وتستقبل الدفعة الـ14 من الأطفال الجرحى ومرضى السرطانسرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

وداعاً للفلسطيني الثائر غسان مطر بقلم:شوقية عروق منصور

تاريخ النشر : 2015-03-05
وداعاً للفلسطيني الثائر غسان مطر بقلم:شوقية عروق منصور
وداعاً للفلسطيني الثائر غسان مطر

شوقية عروق منصور

تتعدد الأماكن ، المحطات ، أسماء الشوارع ، العناوين ، أرقام البيوت  ، المطاعم ، الحدائق ، الجبال ، الوديان ، البحار ، الشوطىء ، المتاحف ، جميعها بالنسبة للمسافر بطاقات خروج لاصطحاب مواكب الدهشة  ثم العودة الى الوطن ، لكن ماذا يفعل اللاجىء الذي يحمل الوطن في جيوبه ، وعناوينه موزعة في أنحاء العالم واسمه الحركي تائه ، ملاحق ، مطارد .

مات الفلسطيني " غسان مطر"  أو "عرفات حسن المطري " كما هو مسجل في سجلات النازحين  ، ذلك اليوم الذي التقيت في العام 1983 كان حصار بيروت يفرض حضوره على اللقاء، تحدث عن قسوة الحصار وصمود المقاتلين وعن رائحة الخبز التي ما زال يشمها حتى الآن  ، فهو كان مسؤولاً مع الشاعر معين بسيسو عن توزيع الخبز للمقاتلين ، يطوف صباحاً بين الردم والبيوت الآيلة للسقوط ، يتحدى الطائرات الاسرائيلية التي ترمي القذائف و البارجات الحربية  التي تطلق الصواريخ ،كان الحصار لكسر ظهر الشعب الفلسطيني ، لذلك الرد الوحيد هو الصمود وعدم الاستسلام ، كل واحد منا كان في موقعه ، المواطن البسيط مثله مثل القائد والمقاتل ، قال أيضاً عملت مذيعاٌ في راديو الحصار وشاركت في الكتابة في النشرة اليومية التي كانت  توزع على المحاصرين لمعرفة آخر التطورات السياسية .

ضحك ضحكة الفلسطيني الذي يؤمن بقدره ، يمد ابجدية الغياب ويتضوع بعطر الحياة ، هل تعرفي أنني  تعرضت للموت عدة مرات  ، وكل مرة كنت أنجو ..!! عندي احساس أنني لن أموت قبل أن يتحقق حلم العودة واقامة الدولة الفلسطينية ..!!

 و خذله احساسه ..ها هو الموت يرسمه كنجمة انتظرت طويلاً ثم رحلت وهي تحمل حفنات دموع ، وحفنة تراب من يافا .

قال لي : رحتي على حي العجمي ..؟؟  صوته الأجش الجهوري يترك مساحة من الذاكرة تسقط على الطاولة أمامي .. أضاف أنا من مواليد مدينة يافا عام 1938، عشت في حي العجمي ، أبي كان يعمل سائس خيول .. وبجانب بيتنا كان هناك خاناً كبيراً حيث تبيت الخيول ..  في ذاكرتي البحر والشاطىء والحارات الضيقة  وبيوت الجيران والاقارب .. صمت ..شعرت أن اللغة لم تعد قارب نجاة من تدفق الصور ، تنهد .. اصابعه تعجز عن تقليب صفحات الذكريات .. !! سألته بعد النكبة أين ذهبتم ..؟؟  آه .. لبنان ، مرحلة صعبة ، قاسية ، فقر ، جوع ، كنا عشرة أنفار .. عشنا في مخيم البداوي شمال لبنان .

تخيلي أطفال وفقراء ولجوء وصدمة أب وأم من ضياع بيت ووطن ، ونظرات غريبة تتهمك بأنك تركت بلادك من أجل بعثرة وطن آخر ، أنك تسرق وطناً بعد أن بعت وطنك .  

تعلمت في مدارس المخيم ، كنت دائماً في حالة غضب وثورة ونقمة ، كنت أشعر أنه يجب أن نعمل شيئاً ، أسسنا اذاعة الثورة  بمدينة طرابلس مع نايف حواتمة ، كان نايف يكتب المقالات السياسية وأنا أذيعها بصوتي  وكان ذلك عام 1962 وعملت بعدها ببرامج عديدة أشهرها " ركن فلسطيني "  ثم تقدمت للعمل في التلفزيون ، وعندما سألوني عن أسمي قلت "غسان مطر"  قلتها بسرعة وقد اقتبست الاسم من الصحفي غسان تويني مؤسس جريدة النهار التي عملت بها مصححاً صحفياً .

عام 1969 قدمت فلمين عن القضية الفلسطينية ( كلنا فدائيون ) و ( الفلسطيني الثائر ) كانت السينما الفلسطينية في بداياتها ولم يجدا الشهرة ، حيث كان العالم العربي مشغولاً بآثار النكسة .  بعد ذلك انتقلت للقاهرة وقمت بتصوير العديد من الأفلام مع فريد شوقي أحمد رمزي وأحمد مظهر ، وأيضاً قمت بتمثيل عشرات المسلسلات مثل  مسلسل ( قصص من القران ) .

شخصية الشرير كانت مسيطرة على فنك ، لماذا لم تخرج من هذه الشخصية ؟؟ كان السؤال الذي فجر كتلة الوجع لتسيل نزيفاً .. اراد أن يصحح به حقيقة الفن والفنانين وعالم التمثيل ، وكيف يمكن لفنان أن يتحدى عالم الانتاج والاخراج وكيف استغله صناع السينما المصرية في حشره بشخصية رئيس العصابة أو الاستغلالي أو الذي يخيف الناس .. لم يلمس أحد المنتجين قدرة الممثل في داخلي ..!  هكذا صاح بصوته .. حتى اليوم لم أجد فرصتي الذهبية .

اللقاء الصحفي كان حول بيته وبناته وزوجته وابنه جيفارا .. قال : لقد ولد ابني يوم مقتل الثائر جيفارا .. كنت اقرأ نشرة الأخبار في التلفزيون اللبناني .. واعلنت مقتل الثائر جيفارا أثنا الاعلانات وردني اتصالاً  أن زوجتي انجبت طفلاً ذكراً ، فأعلنت أن الليلة قتل جيفارا واليوم ولد ابني جيفارا ، لقد أعلنته على الملأ نكاية بهؤلاء الذين فرحوا لمقتل الثائر .

كان لقائي مع غسان مطر أول لقاء له مع صحفي فلسطيني  من عرب 48 ، وامتد الحديث وتشعب ، عن عالم التمثيل الى عالم السياسة ، الى صداقته مع القائد ياسر عرفات الى عضويته في المجلس الوطني الفلسطيني ، الى كتاباته الشعرية ..  

بعد عدة أشهر قرأت عن مقتل زوجة غسان مطر وأبنه جيفارا ووالدته أثناء اقتحام البناية التي يسكن بها ، كانوا يبحثون عنه ، يريدون رأسه .. لم يجدوه .. فقتلوا عائلته .

حين التقينا في القاهرة عام 1984 حدثني كيف سمع خبر مقتل عائلته صباحاً في اذاعة مونت كارلو ، لقد أعلن المذيع مقتل العائلة ثلاث بنات والأبن والزوجة وامه ، طوال عشر ساعات كان يقدمون له التعازي بعائلته التي أبيدت بطريق الغدر ، لكن بعد عشر ساعات عرف أن بناته الثلاث ما زلن على قيد الحياة ، وقد قام نبيه بري رئيس حركة أمل – رئيس مجلس النواب اللبناني الآن -  في عملية تهريب البنات الى بيته الذي كان قريباً من بيت غسان ، وقد أخفى الموضوع عن وسائل  الاعلام خوفاً من اغتيالهن  . وقد تم عبر السفارة المصرية في بيروت ارسالهن بطائرة خاصة  الى القاهرة الى والدهن  .

رسالة ملك الموت الذي خطف الفنان غسان مطر  تركت الصور والذكريات وصناديق البريد التي تحمل سطور الشقاء والتحدي ، الخوف والتألق ، لم يتنكر هذا الفلسطيني لوطنه ، ولم يصعد الى قطار التنازل ، لقد بقي كالمصارع الأخير في الحلبة يغني بصوت خافت " يا زمان الوصل في فلسطين " .

عندما أرسلت له قصيدة " جيفارا " التي كتبتها بعد مقتل أبنه .. أرسل لي .. لماذا شعبنا مرصود للمذابح ؟؟ لكن لن أركع .. سأظل غسان على حدود الضوء والحرية . 
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف