الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

البشير والاسلام السياسي: انتهاء الاوهام!بقلم: محمد قواص

تاريخ النشر : 2015-03-05
البشير والاسلام السياسي: انتهاء الاوهام!بقلم: محمد قواص
بقلم: محمد قواص

 في زيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير للامارات ما يشي أن التحوّلات السودانية المسجّلة حديثاً، ليست مزاجاً ظرفياً عرضياً، بل تذهبُ في متنها وهامشها إلى أن تكون خيار النظام في الخرطوم في إعادة تموضعٍ إقليمي دولي، يبعد "نظام الانقاذ" عن مواقعه التقليدية القديمة. ينأى السودان بنفسه عن ثابتين وسمتا وجوده وهوية نهجه، لا سيما في السنوات الأخيرة. الأولى حيوية العلاقة مع الاخوان المسلمين، بصفتها أساساً عقائديا، والثانية استراتيجية العلاقة مع إيران، بصفتها أساساً في معسكر "الممانعة" الشهير.

يجيدُ البشير التقاط المتغيراتِ ورصد جديتها. برعَ الرجلُ في اظهار التصلّب ورفع لهجة التحدي في مجموعة من الاستحقاقات الداخلية والخارجية التي تعرّض لها نظامه. ولم يتردد في الظهور عبر الاعلام ممتشقاً عصاه، مهددا بها خصوم البيت، كما أعداء الخارج ببئس المصير. بالمقابل، يدركُ الرئيس السوداني حقيقة العالم وقواعد لعبة الأمم وماكيافيلية مقاربتها. ذهب البشير بحماس للحوار مع المتمردين ضده متوسلاً السلام في بلاده، دون أن يتراجع قيّد أنملة عن قواعد الضرب بيد من حديد لكل من ينال من هيبة الدولة (دولته). وذهب بمرونة يقاربُ دول العالم، لا سيما في أفريقيا، سعياً لتثبيت مكانةٍ وتوطيد نفوذٍ واستعادة هيبةٍ لطالما نالت منها قرارات المحكمة الجنائية الدولية. بدا أن الرئيس السوداني قادر على التعايش مع الأزمات والخروج منها بحذاقة، كما الانتقال برشاقة من موقف إلى آخر ومن خندق إلى آخر وفق شروط العصر وأصوله.

تأتي زيارة الرئيس السوداني للأمارات في شكلها وتوقيتها وحجم الوفد المرافق (11 من كبار المسؤولين في نظام البشير)، مكمّلة في معانيها لزيارات قام بها قبل ذلك إلى مصر والسعودية. وهو وإن سجّل في القاهرة والرياض ما يفهم منه ابتعاد عن جماعة الاخوان المسلمين وخياراتها، وقبول بقرارات العاصمتين وضع الجماعة على لائحة الارهاب، كما الاعتراف بشرعية نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، فإنه في الإمارات جاهر بالتصريح بموقف سلبي من الاخوان وبانتقاد ظاهرة ما يطلق عليه بـ "التنظيم الدولي" وباستنكار عدم ولائهم لبلدانهم.

قد يقول قائلٌ أن تحوّلات البشير عائدة لمحفّزات اقتصادية مالية تفرضُ عليه خيارات جديدة، بيد أن المقاربات الاستراتيجية لنظام "الانقاذ" منذ نشوئه أملتها حاجات الأمن الاستراتيجي، أي حاجات الدفاع عن أمن النظام نفسه. وما انزلاق الخرطوم باتجاه مواقف عدائية وصدامية، ذهبت لدرجة احتضان بن لادن يوماً والتحالف مع طهران يوماً آخر ومعاداة مصر - مبارك يوماً ثالثاً، إلا انعكاس لحاجةٍ دفاعية تقي النظام أخطاراً كان يجدها تطل على بقائه وتهدد ديمومته. بهذا المعنى يتخذ النظام السوداني خياراته الجديدة مستغنياَ عن داعم اقتصادي قوي (قطر) وداعم استراتيجي عسكري (إيران)، ذلك أن غريزة البقاء تدفعه باتجاه اهمال تحالفات باتت عبئاَ وتسبب حرجا، والقفز نحو تحالفات صاعدة ثابتة باتت القاعدة التي يتأسسُ عليها مناخ المنطقة المقبل.

ينهي الرئيس البشير (المرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة) في دولة الامارات انتماء بلاده إلى حلف معقّد يضعه في خندق واحد مع قطر وتركيا وإيران. أي ينتقلُ الرئيس السوداني إلى مواقع أبوظبي الإقليمية، إن لجهة مكافحة الإسلام السياسي، لا سيما الاخواني، او لجهة الموقف المضاد من إيران، أو لجهة تدعيم حلف إقليمي يحاكي شروط الحاضر، لا سيما في احترام العلاقات الدولية ومكافحة الارهاب. وإذا ما كان رأس النظام السوداني، ذو الخلفية الاخوانية التي جمعته يوماً مع حسن الترابي، يعلنُ رفض الطابع الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، و"يتفهم حق الدول اتخاذ ما تراه مناسبًا لخدمة أمنها واستقرارها بعد تنامي تأثير التنظيم الدولي للإخوان وتدخله في شؤون عدد من الدول العربية"، على حد وصفه، فإن ذلك يُعدُّ استقالة حاسمة حازمة من ارتباطات ملتبسة لطالما حيكت بين الخرطوم وجماعات الاسلام السياسي في المنطقة.

يأتي موقف البشير متّسقاً مع مزاج خليجي إزاء إيران. يزورُ رجل السودان الأول أبوظبي بعد الرياض، بعد أن أتم اقفال المراكز الثقافية الإيرانية في بلاده المتهمة بممارسة سلوك يروم ادخال التشيّع إلى البلاد. ولئن قللت طهران من شأن ذلك الحدث واعتبرته تفصيلاً لا يهدد استراتيجية العلاقة بين البلدين، إلا أن الأمر، على ما هو جليّ واضح، قد أوقف مساراً، كان متقدماً، لا سيما في الشؤون العسكرية، وكان يعكسُ تعاوناً أحال موانئ السودان مواقع إيرانية متقدمة تطل على أفريقيا وباب المندب.

غير أن مواقف الرئيس البشير وتحوّلاته اللافتة المعلنة في القاهرة والرياض، بقيت ملتبسة في ضوء اتهامات ليبية (العميد الركن صقر الجروشي آمر سلاح الجو التابع لقوات الجيش الوطني) بأن نظامه يدعم بالسلاح جماعات الإسلام السياسي ضد حكومة وبرلمان البلد الشرعيين، كما ضد "قوات الجيش الوطني" التي يقودها اللواء خليفة حفتر. صحيح أن أمر ذلك بقي وفق مزاج اتهامي ترده الخرطوم وتنفيه، بيد أن الملف حساس بالنسبة للامارات، وفق خياراتها الاقليمية، على ما لا يحتمل رمادية في الموقف السوداني. وقد يكون الملف الليبي فيصلاً محورياً واضحاً في مستقبل العلاقة السودانية الاماراتية، بالتالي الخليجية المصرية، لجهة ما هو نهائي قاطع واضح في موقف الخرطوم، حيث لا مكان لقراءة نسبية او اجتهادات مواربة (حريّ مراقبة توجس الموقف الدولي من تطورات ليبيا وإدراك السودان لذلك).

على أن إعادة التموضع التي ينتهجها نظام البشير في السودان تتّسق مع مزاج إقليمي دولي راهن. فالعواصم الإقليمية والدولية الكبرى تعترفُ بالتحوّل الإقليمي الداخلي الذي لا يقبل بالاسلام السياسي حاكماً منذ ما قبل التحوّل المصري الشهير، وتلهث وراء اللحاق بذلك المزاج في الحرب الكبرى المعلنة ضد الارهاب الداعشي. في ذلك يسجّل التقارب التركي السعودي، على الرغم من تباين مواقف البلدين إزاء الملف المصري، وفي ذلك تسجّل صلابة المصالحة الخليحية، على الرغم مما سوّق له اعلام الاخوان وبشروا به، لا سيما في ما يتعلق بموقف الدوحة منها.

في خروج البشير ونظامه من دائرة الاسلام السياسي، سواء بالطبعة الإخوانية أو تلك الإيرانية، إعادة قراءة للمضمون الإيديولوجي لنظام الخرطوم، الذي لطالما لوّح بالدين مصدراً للشرعية في الوجود، كما للشرعية في مناكفة الخصوم. يعيدُ البشير ترتيبَ اصول الحكم وفق براغماتية ورشاقة لا يحول دونها مزاجُ جماعةٍ أو شططُ فهم منحرف لأصول الدين. يؤكدُ البشير، من الإمارات، وللمكان معنى، انتهاء أوهام لطالما راجت في المنطقة وصار زوالها مكسباً لا حكمة في التراجع عنه.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف