الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

عن تجربة زايد وذكرى الاتحاد بقلم:فاطمة المزروعي

تاريخ النشر : 2015-03-05
عن تجربة زايد وذكرى الاتحاد بقلم:فاطمة المزروعي
عن تجربة زايد وذكرى الاتحاد

فاطمة المزروعي

تاريخ هذه البلاد الطاهرة وشعبها الوفي ضارب في عمق التاريخ الإنساني؛ إذ يؤكد المؤرخون أن الأراضي التي تقوم عليها دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم تعد من أقدم المواقع في العالم التي وجِدت فيها تجمعات بشرية؛ إذ يعود تاريخ أجزاء من أراضي دولتنا إلى نحو عام 5500 قبل الميلاد،  فقد وجِدت حفريات وآثار تدلّ على أن سكان هذه الأرض كانوا في تفاعل وتلاقٍ مع بعض الحضارات الأخرى. وتقول كتب التاريخ إن تجارة النحاس كانت منتشرة في ربوع الإمارات وأراضيها، وبدأت منذ فترة يقدرها علماء الآثار بنحو 3000 سنة قبل الميلاد. بل إن بعض المؤرخين يرجعون تدجين الجمل إلى إنسان هذه الأرض، مؤكدين أن ذلك جرى قبل نهاية الألف الثاني قبل الميلاد، وأن هذه الخطوة الذكية من إنسان أرض الإمارات، في تلك الأزمان، أسهمت في تزايد حركة التجارة والتقاء الأمم الأخرى. وهذا فضلاً عن تاريخ المنطقة الطويل و تجارب سكانها في التجارة عن طريق البحر، حيث كان ميناء أم القيوين في ذلك الوقت هو العصب الرئيسي لهذه التجارة، بل يقال إن موانئ الإمارات المختلفة، ومنها دبا، كانت تجذب التجار من مختلف الأمم والحضارات من دون استثناء، وضمنها الأماكن القصيّة كالصين.

 التعليم في عقل زايد

غنيّ عن القول أن الآباء والأجداد واجهوا جملة من الصعوبات القاسية، سواء في تاريخهم الحديث أو القديم. لكنهم واصلوا الكفاح والمسيرة، ولعل أهم تلك الصعوبات تمثلت في موردهم الرئيسي، وهو صيد اللؤلؤ؛ فقد ازدهرت عندهم هذه الحرفة، واشتهروا في ساحل الخليج العربي بتفوقهم وتميزهم فيها،  واعتمدوا عليها بصفتها مورداً اقتصادياً رئيسياً. إلا أن تجارة اللؤلؤ تراجعت، وخفَت بريقها؛ بسبب عوامل عدّة، من أهمها اختراع اليابانيين اللؤلؤ الصناعي، الذي قضى، أو يكاد، على مهنة الغوص. واستمرت حال هذه الأرض وإنسانها في ضنك وتعب ومشقة سجّلتها كتب التاريخ، وتوقفتْ عندها كثيراً بالوصف والتحليل. وسارت الحال على ذلك المنوال، حتى أطلق الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيّب الله ثراه- مسيرة الاتحاد بين الإمارات المختلفة؛ فقاد في صبر طوال سنوات مسيرة التفاهم والتشاور، حتى تكللت جهوده وإخوانه حكام الإمارات بإقامة هذه الوحدة التي بهرت العالم بأسره، فظهرت الإمارات العربية المتحدة دولةً متحدةً قويةً معتزةً بتراثها وبإنجازات الآباء والأجداد.

ولقد أتاح اكتشاف النفط في إمارة أبوظبي، وتصدير أول شحنة منه عام 1962، فرصة للشيخ زايد لبناء المشروعات التنموية؛ فلم يغفل عن بناء المدارس والمستشفيات وتعبيد الطرق، ثم توالت الإنجازات لبناء الإمارات دولةً عصريةً قوية. وكان الشيخ زايد - رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه- يعُدّ التعليم ركيزة أساسية لأي تطور في أي عملية بناء للدول والحضارات، وهو الذي قال:" إن الشباب هم ثروة الأمم الحقيقية"؛ لذا دعم المشروعات التعليمية. وقد نتج من هذه السياسة الحكيمة جيل إماراتي مؤهل قادر على العطاء وخدمة الوطن. ولمعرفة هذا الجانب لا بأس بإجراء مقارنة بين أوضاع التعليم والمدارس عند إنشاء الاتحاد عام 1971، وما جرى بعد ذلك من توسّع وتطوير في هذا المجال، حيث لم تصل المدارس ودور التعليم قبل قيام دولة الاتحاد إلى كثير من السكان، خاصة في القرى، وبالتالي لم يكن عدد الطلاب يتجاوز ثمانية وعشرين ألفاً . وكما هو معروف، كان مَن يريد أن يكمل تعليمه بعد الثانوية يُبتَعت إلى الخارج . وعندما راهن الشيخ زايد – طيّب الله ثراه-وأولى عنايته للتعليم، كان يدرك تماماً، بحكمته المعهودة والمعروفة عنه، أنه بالاهتمام بهذا الجانب يبني الأسس السليمة لمسيرة البلاد التنموية؛ لتكون دولة عصرية تواكب دول العالم المتحضرة والأكثر تقدّماً؛ فبالتعليم يتحقق كل شي؛ لأن التعليم هو كل شيء: هو الاقتصاد، وهو التنمية، وهو الوعي، وهو السلام والفهم والتسامح. لذا ينظر إلينا الآخرون اليوم على أننا من أكثر الشعوب حباً للخير وميلاً  إلى السلام والتسامح؛ وهم محقون في ذلك؛ لأن شعب الإمارات استفاد ممّا وفرته له قيادته من تعليم حرصت به على تنشئة أجياله على التواضع وحب الخير والجنوح إلى السلام والتحاور، وواءمت بين  العلوم  العصرية وتجارب الأمم الأخرى بحيث يكون لها أثر إيجابي في التقاليد الوطنية الأصيلة الممتدّة منذ آلاف السنوات.

اتحاد فريد

يدرك دارسو العلوم السياسية أنه، طوال التاريخ الإنساني الحديث، لم تتحقق وحدة واتحاد لإنشاء كيان سياسي موحّد وقوي من دون مشكلات أوحروب وسفك دماء؛ والشاهد أن الكيانات، التي تعد من أكبر الاتحادات الوطنية، لم تتحد إلا بعد صراعات دمويّة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، لم تتمكّن من المحافظة على اتحادها ووحدتها إلا بعد حرب أهلية مضنية استمرت أكثر من أربعة أعوام من عام 1861 حتى عام 1865، وذهب ضحيتها أكثر من 620 ألف جندي، ناهيك بكثير من الضحايا المدنيين الذين اختلفت التقديرات حول عددهم. وبرغم أن  تجارب العصر الحالي أثبتت أن في الاتحاد قوةً ، وفي توحيد الكلمة ورصّ الصفوف تمكيناً وعلواّ وسبقاّ في المجالات الإنسانية كافة، وأن المشروعات الوحدوية تنعكس إيجابياً على الشعوب والمجتمعات؛ فإن النزعات الانفصالية ورغبات الاستقلال تطل برأسها مدفوعةً بعوامل عرقية أو دينية أو قومية، وغيرها كثير.

 لكن اختلاف الناس، وتنّوع ثقافاتهم واهتماماتهم، لم يقفا في أي يوم من الأيام عائقاً أو عقبة أمام أي مشروع وحدوي، ما دام هذا المشروع يحقق للجميع القوة، ويساعد في مواجهة التحديات والصعوبات، فضلاً عن كونه من أهم عوامل نجاح البناء الحضاري والتقدم في مجالات التنمية البشرية، من الصحة إلى التعليم والعمل وغيرها. وأكبر مثال في هذا السياق هو سعي الدول الأوروبية إلى الاتحاد في كيان سياسي واقتصادي واحد؛ إذ بدأت مساعيها لتحقيق الوحدة الأوروبية قبل عام 1957، أي العام الذي أعلنت فيه مجموعة من الدول الأوروبية أن هوية هذه الوحدة أو أساسها "اقتصادي"، وسُميت "المجموعة الاقتصادية الأوروبية".  واليوم، ونحن في عام 2014، نرى جملة من الأخطار التي تهدّد الوحدة الأوروبية. فالبناء الوحدوي لم يكن عنوانه الرئيسي إلا عنصراً واحداً، هو الاقتصاد؛ لذا فإن أول المخاطر التي تهدده اليوم هو العملة الأوروبية نفسها (اليورو)، ويقال إنها "القشة التي ستقصم ظهر البعير"، و ستتسبب في تفتيت هذا الاتحاد. وتبدو شواهد مثل هذا التفكك ودلالاته ماثلة في الأزمات الاقتصادية التي تعيشها الشعوب الأوروبية نفسها، ولا ننسى أن واحدة من كبرى الدول الأوروبية (بريطانيا) لم تنضم إلى الوحدة النقدية، وحافظت على عملتها  (الجنيه الإسترليني).

وفي ظني أن الأوروبيين، بتركيزهم على الاقتصاد، أغفلوا معالجة جوانب عديدة ومتنوعة، تمثل الروافد الضامنة لأي عمل وحدوي؛ فعملية فتح الحدود وإلغاء القيود الجمركية لم تكن في أي يوم مدعاةً أو سبباً لوحدة تصمد أمام المشكلات والصعاب. كذلك تجاهَلَ الأوروبيون بناء اتحادهم من الداخل على أساس المصير المشترك لجميع أعضاء الاتحاد.

 

عمل مشترك وإدارة

لقد اعتمدت تجربتنا الاتحادية على أكثر من قاسم مشترك؛ إذ لها مزايا عميقة الغور وثابتة الأصول. ووجود القائد المحنك الحكيم لمثل هذه الوحدة نعمة لا تقدّر بثمن. وفي هذه البلاد الطاهرة الحبيبة رزقنا الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - رحمة الله رحمة واسعة- وهو القائد الذي أخذ على عاتقه بناء دولة حديثة متطورة تضاهي دول العالم المتقدّمة، فعمل للاتحاد مع إخوانه حكام الإمارات، وكان شعاره الحب والسلام، وأن الوحدة والاتحاد قوة ورفاه وعزة للجميع، ولأن النيات صادقة بيضاء، والقلوب نقية مؤمنة، التقت الرغبات، فأشرقت شمس الإمارات العربية المتحدة على خريطة الكرة الأرضية، واحدةً من أكثر الدول عصريةً ورفاهاً وتسامحاً وإبداعاً وتطوراً. والشيخ زايد - رحمه الله- الذي كان يعي أن الاتحاد والعمل المشترك هما مصير الشعوب المتحضرة القوية، تمكّن من إنجاز هذا الاتحاد بالتفاهم والحوار، من دون الدخول في متاهات الاختلافات والجزئيات التي تضر ولا تنفع، فكان لبُعد نظره وحكمته أثر في بلورة الاتحاد وقيامه، و ظهوره على خريطة العالم.

ولم تتوقف تطلعاته – طيّب الله ثراه- إلى العمل الوحدوي عند حدّ الوحدة الإماراتية؛ فأتى بفكرة إنشاء "مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، وقد تحققت هذه الرؤية الحكيمة عام 1981 في أبوظبي. فكان بحق رجل الوحدة والاتحاد للإمارات ولدول الخليج العربي جمعاء. ويكفي أن نلقي نظرة اليوم على "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" وما أنجزه من أعمال وما يخطط له في مستقبل الأيام والسنوات كي نعرف مدى حكمته وبُعد نظره.

 الحديث عن الشيخ زايد حديث طويل ومتشعّب، وتُعدّ رحلته نحو الاتحاد والعمل من أجله إنجازاً كبيراً يحتاج إلى كتب لترصده وتحلله: كيف تعامل مع المواقف والأحداث المختلفة؟ وكيف استطاع تخطّي الصعاب والتوفيق بين الآراء ووجهات النظرة المتباينة؟ ليس هذا فحسب، بل إن سياسته في إدارة الدولة داخلياً وخارجياً كانت -ولا تزال- محطّ اهتمام دارسي العلوم السياسية، وكذلك مواقفه من الأحداث الدولية ونظرته إليها؛ فلقد أثبتت الأيام أن كل ما استرشد به وقرّره كان ينبع من صميم عقل عربي أصيل، يؤمن بشدة بالحق العربي، ويقف إلى جانبه بوضوح وصدق وشفافية. ولن نذهب بعيداً؛ فهو -طيّب الله ثراه- مَن دوّنت كتب التاريخ كلمته الشهيرة التي أطلقها عام 1973 في أثناء حرب أكتوبر عندما قال "النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي"، ثم أصدر قراره بوقف تصدير النفط. أما على المستوى الداخلي، فقد بدأت مسيرته في الحكم والعدل بين الناس عام 1946 عندما تولى حكم العين. ومؤكدٌ أننا سنستشفّ جوانب من ثقافة هذه العقلية الفذّة عندما نعلم كيف جابه وواجه ندرة المياه وقلة الإمكانات والفقر والأمية والتعثر الاقتصادي؛ فقد أصدر قراراً يعد من أهم القرارات في تاريخ العين، عندما أمر بإعادة النظر في ملكية المياه، وجَعَلها -على ندرتها- متوافرة للجميع، بل أمر بأن يخصّص جزء منها للزراعة؛ فزادت المساحات الخضراء، وبدأ الإنتاج الزراعي. وهو مَن افتتح أول مدرسة حملت اسم "مدرسة النهيانيّة"، ومستشفىً لمعالجة الناس من دون استثناء، فضلاً عن أمره بتجميع المحالّ التجارية وترتيبها لتكون نواة لإنشاء أول سوق تجاري كبير؛ فكان لهذه القرارات وغيرها صدىً كبير، فتغيرت معالم الأرض الصحراوية إلى أرض خضراء تنتج العديد من المنتجات الغذائيّة الزراعية، وازدهرت التجارة  وحركة البيع والشراء، فضلاً عن انتشار التعليم.

وفي هذه الأيام الجميلة العطرة، نسترجع ذكرى اتحاد دولتنا الفتية، الذكرى العزيزة على قلوب الإماراتيين، وعلى قلوب العرب وكل إنسان نهَل من خير هذه الأرض الطيبة التي أعطت، ولا تزال تعطي، دون منْ أو أذىً، بل بحب وتسامح. هذه قيم الشيخ الوالد زايد، التي علمنا كيف نتعامل بها ونعيش معها، وإننا بحول الله وقوته سنحافظ عليها وعلى جمالها. ويبقى القول إن ما نعمّره اليوم، وما نسعى إليه في الغد القريب أو المستقبل، هو غرس الآباء والأجداد، وثمار لوصايا قائد الاتحاد وبانيه، والدنا الشيخ زايد- أسكنه الله فسيح جناته. لن نحيد عن طريقه، وسنواصل التطور بإيجابية لبناء صروح التقدم والنماء على هذه الأض المباركة.

كان الأب الشيخ زايد -رحمه الله رحمة واسعة- فريداً في خصاله وفي مواهبه وفي حكمته، وهي دعوة إلى أهل القلم من الأدباء للتوقف أمام سيرته، والنهل منها، وتدوينا، لتبقى في ذاكرة الأجيال المتتالية من أبناء هذا الوطن الغالي.

 
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف