الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

استفزاز التلفاز.. بقلم: السيد شبل

تاريخ النشر : 2015-03-04
لا يُتصور بأي حال أن يكون الأمر أكثر استفزازًا مما هو عليه الآن، فيما يخص المواد الفنية، التي تؤصل وتحفّز وتبارك السلوكيات الاستهلاكية الشرهة والاستعراضية، والتي يتم بثها بصورة صريحة ومقنعة صباح مساء عبر شاشات الفضائيات. وليس أقبح من أن تتحول أوسع وسائل الاتصال الجماهيري انتشارًا "التليفزيون" إلى عامل قهر معنوي مضاف عوضًا عن أن تكون مصدرًا للإعلام والتثقيف والتوجيه والترفيه. وليس مقبولًا من أي وجه تلك القيم الاستهلاكية التي يتم غرزها عن عمد وقصد في ملايين المتابعين، فيُحالون –في ظل أجوء عامة يغيب عنها التحصين- إلى وحوش بغرائز حيوانية في صور آدمية، يتصارعون داخل نفوسهم وخارجها طمعًا في نيل هذه الأصناف المتعددة من السلع، والتي تخرج موادها الدعائية غالبًا في صور مبهرة وجذابة.

أذكر أن حملات صحفية شتى أنطلقت في أوائل التسعينات تهاجم الأعمال الدرامية التي يظهر بها الممثلون، وهم يلتهمون ولائم الطعام، ويقودون أثمن السيارات. وطالبت الصحافة حينها باحترام نفسية المشاهد، وأن يكون الإعلام المرئي مساعدًا للفرد على الموازنة بين متطلباته الدنيوية وحاجاته المعنوية والروحية الأصلية، وأن يكون له دور إيجابي يعين الفرد على التحلّي بالأخلاق المحمودة كالزهد والإيثار، والتخلي عن الأخلاق المذمومة كالحرص والطمع والشح، وأن يتحاشى جرح كبرياء الآباء، وهم يراقبون تطلّع أبنائهم لحياة مماثلة لتلك التي يرونها عبر الشاشات، بعدما هوستهم مظاهرها، بينما أيديهم أقصر من أن تحقق لهم ذلك. وقد استجاب حينها عدد من الكتاب لتلك الدعاوي، وانعقد ما يشبه الميثاق -غير المكتوب- على احترام حق المشاهد في متابعة التليفزيون دون أن تُنغّص عليه حياته، ويُفسد عليه رضاه. لكن هذا الميثاق انخرم مع الزمن، شأنه شأن أمور شتى تراجعت مع بدايات القرن الحادي والعشرين، واستفحال سياسات الخصخصة وحصول رجال الأعمال على سلطة أكبر وحضور مجتمعي أوسع، وما صاحب ذلك من سلوكيات استعراضية. وهنا لعب الإعلام دورًا شديد الخطورة حين بروز النمط الاستهلاكي المفرِط لهذه الطبقة، عبر مواده الدعائية المكثفة وعبر الأعمال الدرامية غير المسؤولة، بحيث يصبح هو النمط الأمثل الذي يطمح إليه كل فرد. إذن فقد لبّست المواد المبثوثة الأمر، بسعيها إلى تجميل صفات مذمومة كـ(الطمع والجشع)، ووصف المتحلّي بها بأوصاف تجد لها في النفوس صدى، كالطموح والرغبة في الترقي والوجاهة الاجتماعية. وهنا تكمن المشكلة فمن جهة صارت "المظاهر المادية" قبلة للناس، وأفرطوا في طلبها، ومن جهة أخرى تحمّل من لم ينلها بأحقاد نفسية كان غنيًا عنها، ففسدت الأحوال. وصاروا أسرى، ولو ظاهريًا دون قيود وأغلال من الحديد، لملاك المؤسسات الصناعية والتجارية ذوي الجنسيات المتعددة، مكبّلين كالمواشي في سواقيهم!.

وإن كانت الإعلانات التجارية، وتحفيز الطاقات الشرائية لدى الناس، سمة عامة للعصر الإعلامي حديثًا، واجبٌ التماهي معها، فليس أقل من أن تقوم الدولة بدورها المطلوب منها في حماية بواطن ونفسيات مواطنيها التي خربت جراء كثاقة المواد المصورة التي تحفز الناس على الاستهلاك الشره. فحتى بزعم ضرورة التزام الدولة بالمفاهيم الليبرالية للإعلام، وهي مفاهيم مشكوك في إنسانيتها من حيث منطلقاتها وتعميمها بدعوى العولمة هو استبداد وهيمنة من نوع ما، فهناك ما يسمى بالمسؤولية الاجتماعية والتي ترى ضرورة أن يكون للهيئات والغرف والتنظيمات دور في كبح جماح الرأسمالية وتهذيبها - من داخلها !-، بحيث تحترم وتتعاون مع الجماعة البشرية التي تستفيد جراء استهلاكها لمنتجاتها، وتعاملها مع خدماتها. وهذه النظرية على ما فيها من قصور لأنها تأمل في أن يحسّن صاحب المال أدائه من تلقاء نفسه وبضغط غير جبري، إلا أنها مطلوبة حتى لو من باب الإجراءات الشكلية التي يمكن أن تتحرك في سياقها الحركات الاجتماعية المناهضة للاستغلال، مدعومة من الدولة بأي صورة من الصور، حتى لو بإفراغ مساحة لظهور قادتها وزعمائها في الإعلام القومي.

أما من جهة الإجراءات الفعلية فعلى الدولة أن تلتزم بتقديم النموذج في المحطات الإعلامية المملوكة لها، فتلتزم ببث الأعمال الدرامية التي تتضمن أقل قدر ممكن من المَشاهد التي تعكس استهلاكًا مبالغ فيها سواء للمأكل أو الملبس أو المسكن.. إلخ، خاصة أن أغلب هذه المَشاهد يمكن الاستغناء عنه بما لا يخل بالقصة أو يعيق فهم المشاهد لرسالة العمل. أما إذا كان تضمين هذه المشاهد مطلوب فنيًا، فيُسمح به، على أن يتحاشى صانعو العمل إخراج الأنماط الاستهلاكية المفرِطة في صورة ترغيبية. والتزام الدولة ببث دراما لها طبيعة معينة تستهدف تنمية أخلاقيات الطبقة الوسطى المعتدلة في الاستهلاك، سيلزمها بالضرورة بالعودة للإنتاج، وهو أمر لم يعد عنه غنى!. أما ثاني ما يفترض بالدولة العمل عليه هو تفعيل قوانين مراقبة المواد الإعلانية التي يتم بثها من خلال نوافذ الفضائيات المصرية الحكومية أو الخاصة، على أن يتم تشكيل لجان المراقبة من أخصائيين، ومن أفراد يتم اختيارهم بشكل عشوائي من الجماهير شرط أن يمثلوا مهنًا وقطاعات مختلفة. أما المطلوب ثالثًا فهو أن يتم الفصل بين ما هو دعائي وبين ما هو درامي أو برامجي، حيث اختلط الأمر إلى حد لم يعد السكوت معه مقبولًا، فلم يعد المُشاهد قادر على استقبال ما يرغب من معلومات دون أن تطارده الإعلانات التجارية. بل في كثير من الأحيان يتم جلب الضيف وانتقاؤه من الأساس بهدف الترويج والدعاية له، بناء على اتفاق مسبق، بغض النظر عن قيمته أو مؤهلاته، وهو تضليل يستهدف إرباك المتلقين واستغلالهم، وهذا واضح في نوعين من البرامج، الأول المختص بالمطبخ وأكلاته (وهو من أبشع الأمثلة الدالة على دور الإعلام السلبي في تحفيز الشره الاستهلاكي لدى الجماهير)، والثاني الذي يتناول المسائل الطبية!.

ولا أتصور أن ما خطر لي في الفقرة السابقة عن دور الدولة في مواجهة هذه المشكلة، كاف بأي شكل من الأشكال، فوق أنه يحتاج إلى تفصيل ودراسة. ولكن المراد فقط هو إيضاح أن المشكلة التي رُصدت لها حلول، وليس كما يتوهم البعض من أنها صارت مرضًا خبيثًا من أمراض العصر، لا شفاء منه ولا براء.

بقيت إشارة إلى أمر ثانوي آخر يمكن الوقوف عنده فيما يتعلق بهذه القضية، وهو انحجاب الصحافة بمتابعة ومناقشة تفاصيل الحياة السياسية، وتخليها عن دورها في "الرقابة المجتمعية"، وهو دور شديد الأهمية مارسته لعقود طويلة مضت، حاولت من خلاله الدفاع عن حقوق الإنسان الطبيعية، ومساعدته في إشهار صوته الرافض لما يتعرض له من مؤثرات سلبية تستهدف سلامته الجسدية والنفسية، وليس ثمة شيء يتعرض له الفرد يوميًا، ويؤثر في سلوكه أكثر من "التليفزيون"، لذا وجب الاعتناء بالمواد التي تُبث من خلاله، بشكل شامل وليس من جهة فنية فقط، لأن تأثير تلك المواد خطير من الناحية النفسية والاجتماعية، خاصة وأنها تعمل بالتكامل مع مناخ عام مشوّه يعضدها ولا يقاومها، بل هي في حقيقتها انعكاس له بشكل أو بآخر. ومن هذا المنطلق كان حريًا بالصحافة أن تتناول مثل تلك القضايا، بأسلوب جذاب ومؤثر بعيدًا عن التنميط، عوضًا عن التناول السطحي الديماجوجي للتفاعلات الواقعة على الساحة السياسية، والذي أصبح كالملهاة التي ينشغل بها المجتمع بشتى فئاته وطبقاته، بينما تمر قيمًا سلبية ذات تأثير ملحوظ على الأجيال الحالية، ومتوقع أن يزداد التأثير مستقبلًا، طالما بقي الحال على ما هو عليه. انتهى.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف