الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

محمد عبد الوهاب المحاكاه و الاقتباس بقلم:وجيه ندى

تاريخ النشر : 2015-03-04
محمد عبد الوهاب المحاكاه و الاقتباس بقلم:وجيه ندى
محمد عبد الوهاب المحاكاه و الاقتباس
وجيــه نــدى المؤرخ و الباحث فى التراث الفنى و حياة الفنان الكبير محمد عبد الوهاب وحيث كان مولده 13 مارس 1897 لقد انتج لنا اجمل باقات الزهور التى سيظل اريجها يثرى غنائياتنا فى الحاضر و المستقبل ورودا بها بعض الاشواك و لكنها فى مجموعها قد اسعدت الملايين من محبيه – كانت النشأه صغيرا فى حارة برجوان بباب الشعريه -.
محمد عبد الوهاب ليس أعظم من لحن على مر الأجيال لكنه ظل حيا طوال عمره الفني، فهناك موسيقيون كبار ماتوا وهم أحياء أمثال القصبجي الذي توقف إنتاجه مبكرا نتيجة رضاه بأن يظل «عوَّادًا» خلف أم كلثوم، رغم أنه المعلم محمد القصبجي، المجدد الموسيقي الكبير والذي علّم عبد الوهاب العزف على العود، وهناك من الموسيقيين المصريين من توارى نجمه وراء مطرب، من أمثال كمال الطويل ومحمد الموجي، أما عبد الوهاب فإن المنحة الإلهية أعطته عمرا مديدا وتطورا دائما مواكبا للعصر الذي يعيشه ثم أعطاه بالإضافة إلى القدرة اللحنية صوتًا مميزًا جعله يتربع على عرش الغناء منذ العشرينيات حتى أوائل الخمسينيات، وقت ظهور عبد الحليم حافظ، وكان عبد الوهاب من الذكاء لكي ينسحب ويغني من الكواليس ألحانه الآسرة لكي يظل أيضا نجمًا حتى رحيل جسده..
هذا التعامل الذكي من عبد الوهاب مع الزمن بالإضافة إلى موهبته جعله عابرا للأجيال وناقلا للموسيقى من مرحلة إلى أخرى ومن جيل إلى جيل عبر التطور الدائم لموهبته هو أو سرقته المتطورة الدائمة- كما يحلو للبعض التسمية- وكما يحلو لي الموافقة على ذلك بشروط.
يبدو أن الرجل كان مؤمنا بأن «الإبداع مشاع اللاأحد»..
كان شعبيا إذن وليس برجوازيا..
.. لم يكن عبد الوهاب، الموجود من 13 مارس منذ 113 عامًا، إلا بدلة بداخلها فتوة، يليق بوسامته على ملامح القاهرة الثلاثينية، في حارة سُمّيت على اسم أحد خدَم قصر «العزيز بالله» في القاهرة الفاطمية، وكأنه صورة عصرية - مثلما أجمع كثيرون- لأستاذه سيد درويش، خادم الموسيقى العربية، كما كان يحب أن يلقب، الموجود مصادفة في 17 مارس منذ 122 عامًا..
عبد الوهاب كان ناقلا محترفا قادرا على عبور الزمن والاستفادة من «العابرين» على أذنيه المفعمتين بالحساسية، يستفيد ويستثمر في كل صوت وصمت، حركة وسكون، باشوات وباعة وصنايعية وحتى «أولاد كار» موسيقيين، عاصروه أو سبقوه..
لذا فحين قال لي صاحبي وهو يحاورني إن عبد الوهاب «لص كبير»..
دافعت بهدوء:
وما الضرر في السرقة إن كانت مثلما يفعل عبد الوهاب؟
سألني: «إزاي وليه؟»،
قلت له مبتسما من وحي رائعة عبد الوهاب الأخيرة:
«من غير ليه»..
هذا الرد السحري للشخصية المصرية العاجزة في أحيان كثيرة عن تفسير الأشياء وتبريرها، فلا تجد إجابة شافية لكل أسئلة «ليه؟» إلا «من غير ليه».
كان عبد الوهاب شعبيا إذن، والشعب أبو الأجيال جميعها.. لذا ليس غريبا أن يُلقب عبد الوهاب بناقل الموسيقى لأجيال هذا الشعب بشكل متطور، أو شكل عصري..
وفي مواله الشهير "في البحر لم فُتّكم في البر فُتّوني.. بالتِّبر لم بعتكم بالتبْن بعتوني"..
تلك اللغة في هذا الموال تشير إلى أن مؤديها تربى على ذوق الحارة المصرية وشبع منها حتى امتلأ ليُخرج لنا فيما بعد أغنياتٍ وألحانا غارقة في ماء الوطن ومزاج أصحابه..
صحيح أن عبد الوهاب لم يكن له دور في إحياء التراث الموسيقي الشرقي لكنه بشيء من المكر خدم هذه الموسيقى وكان لها بمثابة الجسر نحو منطقة أخرى من العالم لم نألفها في التخت الشرقي، وكان هذا بدافع من جينات التطور لديه، فتسمع الموال الشعبي بمزاج الحارة الأرستقراطية وليس بمزاج «الغناء بطينه»، كذلك تلمح في أدائه للموال تأثيرات مذهلة لمقرئي القرآن الكريم من الشيوخ المشاهير، الذين تتبعهم وسمعهم أو سرق أداءهم أحيانا..
وللقرآن عند المصريين، كموروث، رصيدٌ غنائي توازيًا مع كونه نصًّا إلهيا مقدسًا، وكان عبد الوهاب من المغرمين بالشيوخ الكبار من قراء القرآن، حتى أنه تجرأ وسجل بصوته سورة الضحى، متجاوزًا الأعراف في نظر الهيئات الدينية:
ومن بدائع الألحان الشعبية التي أخرجها عبد الوهاب، والتي تعد مفاجئة لجمهوره من أهل الباب العالي، لحنٌ غنّاه واحد من أهم المطربين الناطقين باسم المزاج المصري الأصلي، محمد عبد المطلب، ويمكنك أن تستنزف قدرًا من دهشتك حين تسمع «طِلِب» يقول بلسان وهّابي:
«اعمل معروف يابو عود ملفوف ياللي خدودك بنور مشطوف»
لقد تعاملت الذهنية المصرية مع صورة المطرب الشعبي كالتالي: يرتدي جلابية بلدي وطاقية صوف بشرط أن تصاحبه راقصة لكي يكتمل المزاج البصري، واختزل توصيف ذلك «المغنواتي» في وصف «الواد العترة اللي بيغني جنب الرقاصة»، لكن بالأناقة الوهابية تجد الراقصة نعيمة عاكف تغني جنبا إلى جنب مع «العترة»، عبد المطلب، ويكون موضوعهما في الأغنية هو «الرقص البلدي»، وكأن عبد الوهاب قرر أن يعطي، على الماشي، تنظيرة شعبية على تقاسيم الأوكرديون، وليس آلة أخرى، للرقص.. كيف أن هذا «الرقص البلدي البيه والباشا عشقوه».. تمامًا مثل عبد الوهاب.. الجامع بين الحارة والقصر على شط نيل واحد خالد خلود الدهر..
لكن.. لماذا يسرق عبد الوهاب أجزاء من ألحان الآخرين ويضمنها في ألحانه؟.. قال لي صاحبي وهو ينهرني..
-تقصد يضفّرها ويسبكها حتى تتلاشى تفاصيل المسروق في لحم السارق؟
المراقب لطبيعة بناء البيوت في حواري مصر سيجد أن عرض بعض الحواري يصل بالكاد مترين، حتى أنك لو تنفست في بيتك بالحارة قد يسمعك الجيران ويعرفون ماذا كان غداؤك اليوم من رائحة نفَسك..
في الحارة بيوت تتلاحم.. لا مجال للأسرار بينها، ولعل المثل الشعبي القائل «الحيطان ليها ودان» نشأ في حارة مصرية تتنصّت فيها البيوت المتداخلة في بعضها على بعضها..
هذا النوع من «استراق السمع» في الحارة قد يكون من مُغذيات عبد الوهاب سمعيا.. الجميع «يسترق السمع»، أي «يسرق» ما يُقال همسًا عن طريق التنصّت -لاحظ أن الجذر اللغوي لكلمة «استرق» متوحد مع جذر كلمة «سرق»..
في هذا الاستراق الحميم المشروع شرعية البيئة وجمالها واختلاطها تربّى «عبدالوهاب».. يسترق.. يخزن.. يصهر.. يلتقط من هنا وهناك ثم يخرج لنا «عبدالوهاب».. فقط «عبد الوهاب».. فتراه ينجز ألحانا فخمة مثل «دعاء الشرق، الجندول، الكرنك، همسة حائرة، النهر الخالد»، لكنه لا ينسى أصله فيلعب مع شكوكو وإسماعيل يس وعبد المطلب، وليس عجيبًا أن يكون «الإفيه الوهابي» لاذعا بطعم ابن البلد الفهلوي، كما روى كثيرون، رغم أنه هو نفسه من رافق أحمد شوقي، ابن القصور، وليس مزعجا أن يُصر على بدء مقدمة أغنيته «أحب عيشة الحرية» بالجملة الأهم في السيمفونية التاسعة لبيتهوفن، التي تلخص معنى «القدر يدق فوق بابي» رغم علمه أنه سيُتّهم باللصوصية الفجّة، لكن بيتهوفن نفسه لم يغضب، باعتباره المسروق، لأنه آمن مثل زميله «عبد الوهاب» بأن «الإبداع مشاع.. نعم مشاع..»، وليؤكدا معا أن الأمم حين تعجز في نسبة فن عظيم يدخل في بنيتها التراثية والوجدانية، تنسبه للشعب كله، كأنه منفعة عامة، ثم بالتبعية نسبته للإنسانية كلها دون احتكار لأحد، كأن أولئك الذين يتلقون الفن الأولي من الشارع جديرون بأن يحملوا عبء أوطانهم ومن ثم عبء هذا العالم وتجميله بما يليق به و ظل صادقا للفنون وحتى غادر عالمنا فى 3 مايو 1991 رحمه الله و اسكنه فسيح جناته المؤرخ و الباحث فى التراث الفنى وجيــه نـــدى  .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف