الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

السودان الجديد... بين تطلعات العرب وطموح أفارقة الجنوب بقلم: د. بلال الصبّاح

تاريخ النشر : 2015-03-04
السودان الجديد... بين تطلعات العرب وطموح أفارقة الجنوب بقلم: د. بلال الصبّاح
أبدت جهات مصرية إرتياحها بعد إغلاق الخرطوم المراكز الثقافية الإيرانية، واعتبرته مؤشراً لعودة السودان لأحضان مصر بعلاقات دافئة.

كما ذكرت صحيفة عربية رسمية بأن تصريحات الرئيس السوداني البشير المُناهضة لإيران والإخوان المسلمين ليست إلا مغازلة لكسب الدعم الخليجي. ويرى البعض بأن الخفاء هو منطلق السياسة الخارجية السوانية.

والحقيقة ليس هناك خفاء في السياسة السوادنية، بقدر ما هو تباعد العرب عن القارة الإفريقية، والحديث عن السودان الجديد دون رسم توجهات الخرطوم الجديدة، وتأطيرها بإستراتيجية أفارقة الجنوب، هو بمثابة وضع القرار السياسي العربي أمام أوهام، وفي غير محله الصحيح.

للكاتب السياسي العربي والباحث في الشؤون الإفريقية.. عضو نقابة الصحافة في جنوب إفريقيا

د. بــــــــــــــــلال الـــصـــبّــــــــــــاح

..........................................................................

يُمكن القول أن زيارة الرئيس السوادني البشير للإمارات العربية فيها بعض الإيجابيات من حيث تنقية الأجواء من الشوائب السياسية بين حكومة السودان والخليج العربي، ولكن ليس من الموضوعية والمهنية تناول علاقات السودان الجديدة مع الخليج العربي دون فهم تطلعات السودان وتخوفاته على الساحة الإفريقية، فهذه الساحة هي الأشد تأثيراً على السودان ومُستقبل حدوده المُتوترة مع الأفارقة.

فإنتصار الإتحاد الإفريقي على الجامعة العربية كان واضحاً عندما نزع الأفارقة الجنوب السوداني من حكومة الخرطوم، وقد يتكرر المشهد من جديد في دارفور، فهل يُعقل أن يقع السودان في فخ العجز العربي مرة أخرى؟!، أم أن عودته إلى المشهد العربي وتصريحاته ضد إيران والإخوان المسلمين لغاية في نفس البشير مُبطنة بهالة إفريقية؟. فهناك ثلاثة مؤشرات إفريقية حديثة النشأة، وذات علاقة بالسودان، ولا شك أن لها مؤثرات وبشكل مباشر على تطلعات وتحركات الرئيس البشير مع كافة الدول العربية، وهي كالتالي:

المُؤشر الأول حول زيارة الرئيس الروسي بوتين للقاهرة:

وعلماً بأن روسيا غير قادرة على نشر سياستها الخارجية داخل القارة الإفريقية، وذلك تبعاً لقدراتها وإنشغالها بمحيطها الأوروبي والشرق الأوسط، ولكن استطاعت جنوب إفريقيا رسم أجندة توافقية مع الروس والصينيين، وبما يخدم مصالح حلفاء بريكس، وعادة ما تخضع هذه الأجندة لرؤية بريتوريا أولاً، فهي الأجدر في تحديد مصالح حلفاء بريكس داخل القارة الإفريقية، وعلى الأغلب تحمل زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقاهرة أحد الإحتمالين، وهما:

الإحتمال الأول: رسم سياسة خارجية جديدة بين الروس والمصريين تجاه القارة الإفريقية، ولكن هذا الإحتمال ضعيف جداً ولا يُمكن قبوله في ظل التحالف الروسي مع جنوب إفريقيا، بالإضافة إلى ضعف وتقهقر الدور المصري يُقابله نمو وتوسع جنوب إفريقيا في القارة الإفريقية.

الإحتمال الثاني: رسم سياسة خارجية بين الروس والمصريين تجاه الشرق الأوسط العربي فقط ودون إفريقيا، وهذا الإحتمال هو الأنسب لقبوله كتفسير للتقارب المصري الروسي، وهو لا يتعارض مع الدور الجنوب إفريقي في القارة الإفريقية.

 المُؤشر الثاني حول زيارة الرئيس الجنوب إفريقي زوما للخرطوم:

وعلى الرغم أن جنوب إفريقيا مارست دورها في فصل الجنوب السوداني عن حكومة الخرطوم، إلا أنه استجدت بعض المُعطيات جعلت التوافق بين الخرطوم وبريتوريا أمراً حتمياً في المرحلة الراهنة، وخاصةً في منطقة الوسط الإفريقي والقريب من السودان، وهي كالتالي:

أولاً: قناعة بريتوريا والخرطوم بعدم جدية الوسط الإفريقي في مُحاربة جماعة بوكو حرام، وأن هناك ضبابية على التوافق الإفريقي في الإجتماع الأخير في أديس آبابا حول تشكيل قوات إفريقية خاصة لمحاربة التطرف في الوسط الإفريقي. وما تخشاه كلاً من العاصمتين هو حدوث إنفلات أمني في الوسط الإفريقي، من خلال العودة للإنقلابات العسكرية، وهي ذريعة للتدخلات الغربية، كأمريكا وفرنسا.

ثانياً: قلق بريتوريا والخرطوم من تحالفات سرية وغير مُعلنة قد تجمع المصريين والإثيوبيين لدعم حكومة رئيس جنوب السودان (سالفا كير) ضد خصمه (رياك مشار) والقريب من الخرطوم. كما أن إنفراد إثيوبيا بمنطقة حوض النيل وخلق أزمة صراع على مياه النيل، غير تأثيرها السلبي على بعض دول شرق أفريقيا، وعدم رغبتها بوضع حلول مناسبة لدول المنطقة، كما هو في الصومال.

ثالثاً: وهو ما أعتقد به أنه السبب الرئيسي الذي جمع بريتوريا مع الخرطوم، وهو التحركات العشوائية لكلٍ من مصر وتشاد، وخوضهما حرباً بالنيابة عن الخارج، وهجمات الجيش المصري على ليبيا والجيش التشادي على حدود الكاميرون ونيجيريا دون إذن أو تنسيق مع الإتحاد الإفريقي.

إذاً؛ ما تخشاه الخرطوم هو تحرشات تشاد، وتمويل بعض القبائل العربية في منطقة دارفور للمطالبة بالإنفصال أسوة بجنوب السودان، ولكن ما تخشاه بريتوريا هو حدوث تغييرات جيوسياسة في الوسط الإفريقي دون التنسيق معها مُسبقاً، فقضية إستقلال دارفور ليست مرفوضةً عند الجنوب إفريقيين شريطة أن لا يكون لمصلحة أمريكا وفرنسا، أو للتشاد دور فيه.

وبذلك يُمكن القول أن التوافق بين السودان وجنوب إفريقيا هو على الشكل المؤقت ومرهون بترابط المصالح بين البلدين، حيث السودان يُعاني من أزمة توتر على كافة حدودها، من الجنوب في (أبيي)، ومن الشمال في (حلايب وشلاتين)، ومن الغرب مع تشاد وتدخلاتها في دارفور.

وما تبحث عنه الخرطوم هو عدم إلتفات الإتحاد الإفريقي لهذه الأزمات الحدودية، أو الوقوف إلى جانبها وحمايتها من ضربات مدعومة من الخارج. وتدرك السودان أن جنوب إفريقيا ومجموعة سادك الجنوبية هم الأجدر والأقدر لهذه المُهمة. وعلى الرغم أنها ليست مُهمة سهلة، إلا أن جنوب إفريقيا قادرة على حشد الأفارقة لصد تشاد من الغرب، وتخفيف من حدة التوتر مع جنوب السودان.

وما هو مُقابل هذا لن يكون صعباً على السودان، وما هو المطلوب منها إلا دعم الموقف الجنوب إفريقي أمام الإتحاد الإفريقي، وخاصة في جانب تشكيل قوات إفريقية لمُكافحة الجماعات المُسلحة وتحت قيادة إفريقية، ورفض التدخلات الغربية في الشؤون الإفريقية. مع أهمية منح الشركات والمؤسسات الجنوب إفريقية العابرة إفريقياً فرصة العمل في السودان، وخاصة في مجال البنية التحتية والزراعة.

ولنتذكر جميعاً؛ أن أثيوبيا كانت حجتها واضحة جداً عندما طالبت بزيادة حصتها المائية من مياه النيل، وأن بناء السدود الجديدة هو ليس لأغراض سياسية، بل هو أمر طبيعي يتوافق مع الزيادة السُكانية، وتطور البنية التحية في المدن الإثيوبية. وهذا ليس ببعيد عن مؤسسات جنوب إفريقيا بالمُطالبة بحقوق السودان المائية وفقاً لإحتياجاتها في الإستثمار والبناء في السودان. وهذا نوعٌ من فرض الهيبة على القرار السياسي لحكومة السودان، فهذه المؤسسات قادرة على خلق توازنات جديدة بين إثيوبيا ومصر لصالح حكومة السودان، فليس من السهل على إثيوبيا أن تعيق عمل مؤسسات جنوب إفريقيا من خلال حجز مياه النيل، كما أنه ليس من الصعب على هذه المؤسسات المطالبة ببناء سدود على الحدود مع مصر.

المؤشر الثالث حول إحتضان مصر إدارة النشاط الإعلامي للإنفصاليين السودانيين، حيث أعلنت صحيفة (سودان فويسس) والتابعة لحركات إنفصالية سودانية، ولها نشاطات ضد حكومة الخرطوم في دارفور عن تدشين نشاطاتها الإعلامية في مصر. وهذا يؤكد لنا حقيقة المؤشر الثاني والمعني بوجود تفاهم إستراتيجي بين جنوب إفريقيا والسودان، وأن جنوب إفريقيا جادة في توفير حماية إفريقية لكافة الحدود السودانية، حيث أدرك الإنفصاليون السودانيون بأن مكتب التمثيل الإنساني الكائن في بريتوريا سوف يبقى على حاله، ولن يرتقي لسفارة رسمية تُمثل دارفور كما حدث مع مكتب تمثيل جنوب السودان في بريتوريا، والذي رفع علم جنوب السودان قبل الإستقلال وبُمباركة من جنوب إفريقيا.

وبالنسبة لسماح مصر لمُمارسة نشاطهم الإعلامي والمُوجه ضد الخرطوم، وهي دائماً ما تؤكد حسن علاقاتها مع السودان كأمن قومي مشترك بينهما، وهذا يؤكد لنا أن طرح الباحثين المصريين لم يكن في موضعه الصحيح من حيث عودة السودان لأحضان مصر بعلاقات دافئة، وأن إغلاق الخرطوم للمراكز الثقافية الإيرانية لم يكن خوفاً من إنتشار التشيع الإيراني، أو تقرباً للإدارة المصرية، بل نراه يخضع لرؤية السودان الجديد وهي تثبيت جميع حدود السودان الجديد ضمن العرق السوداني العربي، وعلى مذهب الإسلام التقليدي (الصوفية)، واعتبرت أي نزوح شيعي إلى أرض السودان هو أشبه بصراع سعودي إيراني على أراضيها، بل وقد يتحول إلى صراع سياسي، كما حدث مع جنوب السودان والذي انتهى بفصله عن السودان الأم.

والخلاصة من المُؤشرات الثلاثة هو أن زيارة الرئيس الروسي للقاهرة تحمل أهدافاً مؤقتة، تتطلع لدعم مصري لمصالح الروس في الشرق الأوسط فقط، وليس لموسكو أن تتحالف مع المصريين من أجل أهداف إفريقية ودون موافقة جنوب إفريقيا. وعليه تنظر الخرطوم للتحالف المصري مع الروس بنوع من الطمأنينة، بل سوف تسحب روسيا المصريين إلى صراعات الشرق الأوسط لتفريغ سياستها الخارجية من القارة الإفريقية.

كما أن الأجندة المصرية في إفريقيا خفية بعض الشيء، وهي تتوجه لخوض معركة مياه النيل على غير إستراتيجية الواقع، والقائمة على الأخوة المصرية السودانية، فتحالف مصر مع إثيوبيا وجنوب السودان ضد الخرطوم يرجع إلى تخوف مصر من إثيوبيا ومحاولات لإرضائها من أجل مياه النيل، ومن أجل إضعاف الخرطوم لكي لا تُطالب بإسترجاع حلايب وشلاتين.

ولكن حكومة الخرطوم استنجدت بدول جنوب إفريقيا لإنقاذها من تطويق إفريقي بقيادة إثيوبيا ومصر، وما تراه بريتوريا هو تسيير المؤسسات الإقتصادية إلى الخرطوم فقد يكون لها دور ذو فاعلية أكثر من الجيوش، من حيث قانونية دورها في إعادة التوازن في المنطقة من خلال إعادة توزيع حصص مياه النيل.

كما يتضح لنا أن العلاقات (السودانية - الإيرانية) ما زالت ضمن إطارها التوافقي على الجانب السياسي، وطهران قادرة على تفهم تخوفات الخرطوم ضمن المرحلة الراهنة، وقد تكون التصريحات المُعادية لإيران والإخوان لا تعني الطلاق النهائي، بل هي لتفريغ الساحة السودانية من شبهات الحكومة المصرية، ولتوجيه الأنظار إلى حقيقة قضية السودان، وهي الحدود المُتوترة مع مصر وتشاد وجنوب السودان.

وبالنسبة لزيارة الرئيس البشير لدولة الإمارات ومحاولات تقاربه مع الخليج العربي، قد تكون مبنية على مصالح مُشتركة بين السودان وجنوب إفريقيا، من أجل رؤية أفارقة الجنوب لبناء مرحلة جديدة بين الخليج العربي والقارة الإفريقية، عبر العاصمة الخرطوم وإنطلاقاً من عاصمة الجنوب بريتوريا.

فدول جنوب إفريقيا أخذت تنظر بجدية إلى توتر الدولة المصرية من الداخل، وتخبطها في السياسة الخارجية، وخوضها مغامرات في منطقة حوض النيل وليبيا، ويبدو أن صمت الأفارقة عن الدور المصري ليس إلا حفظاً للعلاقات الإفريقية مع العرب، وعدم قطعها بسبب ما تقوم به مصر حالياً، وخاصةً في ليبيا.

وما يجب أن ندركه أن جنوب إفريقيا في طريقها إلى منطقة حوض النيل، والتي سوف تنطلق من السودان للبدء بتثبيت جميع الحدود السودانية، كما سوف تنطلق الخرطوم وبدعم إفريقي للمُطالبة بإسترجاع مدينتي (حلايب وشلاتين) من مصر من خلال الدعوة إلى مشروع الإستفتاء لسكان المدينتين، وحق تقرير المصير مع السودان أو مصر.

وما أعتقد به أن التعاون السوداني مع جنوب إفريقيا سوف يكون له بعض الآثار الإيجابية، وخاصة في ملف المُصالحة بين جنوب إفريقيا والمغرب، ثم منع تدخل بعض الأفارقة بالقضية اليمنية بحجة مُكافحة الإرهاب، بل سوف يكون هذا التعاون هو طريق الصومال العربي نحو الإستقرار من جديد.

كما أن أجندة السياسة الخارجية لتحالف بريكس ووفقاً لما تراه جنوب إفريقيا هو خلوها من الشمال الإفريقي العربي في الوقت الحالي، والإكتفاء بالصداقة مع الجزائر، بعد سقوط الرئيس القذافي. والدعم العربي للعلاقات السودانية الجنوب إفريقية هو بمثابة بناء عملاق عربي جديد في القارة الإفريقية، وهو السودان الجديد القادر على الجمع بين تطلعات العرب في إفريقيا وطموحات أفارقة الجنوب.

وخلاصة القول حول هذا؛ وما أعتقد به هو ضرورة التواجد العربي على الساحة السودانية في ظل تحالف الخرطوم مع بريتوريا، من أجل تقوية الحكومة السودانية أمام الحلفاء الجدد، ومن أجل نجاح مهمة السودان كدولة عربية هي الأقرب للشرق الإفريقي في صد الهجمات الإفريقية نحو الصومال وربما اليمن أيضاً. كما أن الوجود العربي على الساحة السودانية هو صمام الأمان لمنع أي توتر بين مصر والسودان على مديني حلايب وشلاتين، فقد يصدر قرار على شكل جماعي ليس للسودان القدرة على منعه أو تأجيله. 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف