الأخبار
نتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيرانيالجيش الإسرائيلي: صفارات الانذار دوت 720 مرة جراء الهجوم الإيرانيالحرس الثوري الإيراني يحذر الولايات المتحدة
2024/4/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

عشاق المدينة(٧) بقلم: نزهة الرملاوي

تاريخ النشر : 2015-03-02
عشاق المدينة (٧)

طلعت شمس النهار في مدينتنا، وأخذت أبواب المدينة ترحب بزائريها وتودع ابناءها الغادين الى أعمالهم، وتستودعهم عند الذي لا يضيع ودائعه ...فقد أرضعتهم حليب الوفاء.. وعلمتهم معنى الانتماء...
بدأت روائح الفجر تنتشر لتعلن بدء يوم جديد..وبدأت أمي تستنهض أبي من نومه ليغدو الى عمله صباحا مرددة بهدوء:
( وحد الله ابن عمي ....اشرب قهوتك ) وبعثت تلك الأصوات الأمل في حياة أفضل في حواري المدينة وزقاقها....
( يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم ) هكذا كان أبي يبدأ يومه كبقية رجال القدس حين يذهبون الى عملهم وأرزاقهم ...
بدأت شمس مدينتنا تتسلل الى حجرتنا، وبدأ صوت أمي يتخطر بأرجاء المكان وفجأة تتوقف خطواتها وتقترب من مسامعنا ... فهي تعلم مسبقا أننا نصطنع النوم في هذه الساعة كبقية الصغار حتى لا نترك فراشنا ونذهب الى مدارسنا باكرا، ويعلو الصوت فيبدأ الموشح اليومي المعتاد ( يلا يا بنات تأخرتن رن جرس المدرسة ) ويرن صوتها فوق رؤوسنا، فلا زال ذلك الصوت محفورا في جدار القلب، تنبض حروفه بذاكرتنا ما دامت فينا الحياة!!!
يا الله... لا زلت أذكر شقاء أمي وتعبها وأبكيه في كل الساعات...وهي لا تكترث ...ولا تبالي لألم قد يصيبها وتردد أن كل تعب يصيبها فداء لعيوننا...
لا زلت أذكر يوما من أيام شقائها الذي لا ينسى، وكيف لي أن أنسى ...وأنا كل يوم أعد الشطائر لأولادي ولي صباحا حتى نتناولها أثناء استراحتنا في المدرسة؟؟؟
لتلك الشطائر الصباحية، حكاية مؤرخة في ذاكرة الروح والمكان...حتى حيطان المدرسة وسطح منزلنا شهدا على شقاء أمي في ذلك اليوم ... فقد نسينا أنا وأختي شطائرنا التي أعدتها أمي صباحا وغادرنا مسرعات قبل قرع الجرس المدرسي.
وقفنا بالطابور الصباحي وبدأنا بقراءة الفاتحة مع طالبات المدرسة، أدرت وجهي صوب سطح منزلنا المجاور لمدرسة القادسية القائمة في باب الساهرة، وإذ بأمي على سطح المنزل واقفة حائرة، لمحتها ومضيت مع أترابي الى صفي، جلست في مقعدي...وتناسيت وجود أمي، فأنا أعلم أنها ستعود للبيت بعد دخولنا الصف...
يا الله ...حنين للماضي يشدني لصفي، لمدرستي القابعة في قلب المدينة خلف أبوابها الخالدة، ولساحاتها التي عجت بأقدام الصغيرات وألعابهن... ولنوافذها التي خبأت على زجاجها آلافا من العيون الواعدة... ولأبوابها التي توالت عليها أجيال وأجيال، ولصفوفها التي عملت من أحلامنا أجنحة وطارت بها في سماء المدينة حاملة الأمل نحو السحاب... ولمعلماتها اللواتي توجن المجد والإقدام في خيالي...
يا الله... الا زالت تذكرني تلك المقاعد ؟
الا زال صوتي يرن في اصداء الصف كالتراتيل من عهد قديم مطبوع في الذاكرة ؟؟
لك الله يا أيام ... على مقاعد الدراسة غفت جدائلي...وعلى ادراجها راحت يدي تخط ما أمرت به من واجبات وكتابات وألوان عبثت بها طفولتي، فخبأتها من مارد النسيان ... وتوجتها ملكة متحدية في عرش العلم والمعرفة !!!.
مضت ثلاث حصص تدريسية، حان وقت الإستراحة، خرجنا من صفوفنا الى الساحة، بدأت اللعب ولمحت أمي ثانية على سطح منزلنا، وكأن قلبي يدلني على وجودها، فقلما أترك اللعب وأنظر الى اسطح المنازل المجاورة للمدرسة او المطلة عليها من الحارات الأخرى، أسرعت إلى السور المدرسي الموازي لسطح منزلنا، وساءلت نفسي ماذا تريد أمي؟؟
أتراها بقيت على السطح تنتظرنا طوال هذه الساعات؟؟؟
وأخي الصغير أين تركته؟؟
لا.... فمن غير المعقول ان تتركه طوال هذه المدة لوحده ...
اشارت لي أمي بيدها وضحكت ...
وبكل ما أوتيت من قوة... قذفت الشطائر المنسية لتصل إلي حتى نأكلها أنا وأختي، لكن خاب ظنها وظني..وخانتها قوة يدها رغم شبابها... فالمسافة لا يستهان بها ربما تكون عشرين مترا أو اكثر ( بحسب ذاكرتي الصغيرة) فلقد لاحظت مؤخرا أنني كلما كبرت وجدت الأشياء أصغر مما أذكر أو أتصور....
وقعت الشطائر في ساحة مهجورة تابعة للمدرسة تفصل مدرستنا عن بيتنا ...اخذت أمي بضرب كفيها على ما فعلت، وراحت تؤنب نفسها وتسائل نفسها ما العمل؟؟
وماذا ستأكل البنات؟؟
هل ستبقيان على جوعهما حتى الواحدة مساء...( يا ويلي علي ) ستموتان جوعا...ماذا أفعل يا ربي؟؟؟
قالت لي بصوت عال : نادي المعلمة المناوبة.
ناديتها فشرحت أمي لها ما كان، وأثارت أمي عاطفة المعلمة بأسلوبها وحنانها الواضح والنابع من ثنايا القلب المختبئ خجلا، طلبت المعلمة من الآذن أن يفتح الباب الحديدي الصدئ وينزل الدرج الى الأسفل فيلتقط الشطائر الهاوية ويعطيني إياها..
نزل الآذن الدرج ...ثار فضولي... كنت دوما اسمع ان في هذه الساحة (غولة).... ( جنية ) تخطف الناس، تحملهم ...وتهرب بهم بعيدا تبعته ونزلت بضع درجات لا أكثر، رغم خوفي إلا أني نظرت إلى أسفل (بحكم وجود أمي الناظرة الي من سطح منزلنا، ووجود الآذن في زاوية الساحة المهجورة) ووجود المعلمة المراقب من الأعلى رأيت مقاعدا مكسورة وأدراجا محطمة مرت عليها سنينا كثيرة دون معاينة... وبقايا اوراق وكتب قديمة ممزقة .
شكرت أمي المعلمة صاحبة القلب النبيل، ولكنها لم تبرح سطح المنزل، حتى أخذت الشطائر من الآذن... لمحت أمي من بعيد تؤشر بيدها إلى فمها... تأمرني أن أتعجل بتناول الشطيرة..
قرع الجرس ...فمنعني حيائي من أكلها!!!!
يا الله .. كل شيء يذكرنا بأحبتنا..المنازل وحيطانها المبنية من عرق الأجداد وعراقة الماضي ...معلماتنا الخالدات كالأقمار في سماء ذاكرتنا على مر الزمن، وزميلاتنا اللواتي يتواجدن في صور ماضينا أزهارا يانعة تتفتح على أسوار قلوبنا... والبيت والذكرى والعناوين القابعة خلف المسافات تذكرنا عتباتها بجلوس أمي وجاراتنا واحتساء قهوة الصباح والمساء، رحلت أمي ورحلت الحياة بعدها، وبقى البيت ينعى أحباءه، وبقيت فناجين القهوة بخطوطها ورسومها على صواني الذكريات....
نزهة الرملاوي
عشاق المدينة(٧)
22/2/2015
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف