الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

السخرية من السجان بنكهة فلسطينية!بقلم:عاطف سعد

تاريخ النشر : 2015-03-02
  السخرية من السجان بنكهة فلسطينية!

عاطف سعد

1 آذار 2015 

الضحك، سلاح ناعم يستخدمه الضعفاء ضد الأقوياء. ويستخدمه المقموعون ضد قامعيهم. إنه وسيلة تعبير ضد الظلم. السجين لا يخشى السجان. السجين يستخدم الضحك وُيضفي عليه السخرية  ل"يقرص" معنويات سجانه فيُربكه فيضحك عليه فتتحسن معنوياته وتسوء معنويات السجان الذي هو في مقام العدو! مِثلَ هذا الصراع "الناعم" دار ويدور منذ عشرات السنوات بين السجناء الفلسطينيين وسجانيهم الإسرائيليين في جميع السجون التي بنتها الدولة العبرية لمحاصرة وقمع إرادة الحرية في عقول وقلوب من تعتقلهم من أبناء وبنات الشعب الفلسطيني وبغض النظر عن أعمارهم. 

في تجربتي المتواضعة في سجون إسرائيل (1968-1978) عِشتُ، ومعي زملاء وأخوة ورفاق أعزاء، لحظات من الضحك لم نستمتع بمثلها خارج جدران السجن. وما زالت مثل هذه اللحظات حاضرة في ذاكرتنا نسترجعها، عندما نلتقي أو نستعيدها أمام أعزائنا ممن لم يكتووا بنار الحبس فنضحك من جديد! نعم كانت السخرية من السجان تُثير عند السجان العبوس والتجهم، فنرتاح لأننا نجحنا بإغضابِه، ولأننا كسبنا لحظات تنفحنا قدرة على الصمود والبقاء بمعنوية إيجابية.

وفي هذه المقالة أسرد حكايتين من حكايات الضحك والسخرية إبان تواجدي في  سجن نابلس المركزي (1971-1972)

نيكيون

"نيكيون" كلمة عبرية تعني التنظيف أو النظافة! ويحدث هذا "النيكيون" في كل غرف السجن  يوم سبت ويكون يوم عطلة بالنسبة للسجناء ممن يعملوا في المخيطة أو المغسلة أو مشاغل النايلون أو في المطبخ حيث  يتم تقليص عدد السجناء العاملين لأن الوجبة تكون محددة سلفا وهي وجبة الفاصوليا البيضاء الناشفة والبيض المسلوق. ولأن إشعال النار في يوم السبت محظور على اليهود بحسب الديانة اليهودية، فيتم طهي وجبة السبت يوم الجمعة. وعِند توزيعها على السجناء يكون لون الفاصوليا والبيض المسلوق  قد تغير ومال للون البني!

"النيكيون" أداة للفرفشة لا للقهر!   

يوفر "النيكيون" فرصة للسجناء المحكومين ليخرجوا عن الروتين الرتيب وليلهوا قليلا ول"يشاكسوا" السجانين أحيانا. ويُعد النيكيون" إجازة قصيرة للسجناء الموقوفون على ذمة التحقيق كي يستريحوا فيها من طقوس التحقيق الكئيبة ول"يغسلوا" بعض ما علق بذاكرتهم من ضغوط أو آلام.  أما بالنسبة للمعتقلين الإداريين، فالكثير منهم كان ينتظر "النيكيون" بلهفة نظرا لما يرافقه من أجواء "كرنفالية"، فييسر عليهم  الوقت "ليبتعدوا" عن كآبة التفكير بخصوص غموض فترة مكوثهم بالسجن!

يبدأ السجناء عملية النيكيون، بإخراج البطانيات للساحة الخارجية وبسطها تحت أشعة الشمس لتجفيف الرطوبة العالقة، فيما يقوم آخرون مزودون بمكانس و"قشاطات" نسميها " جُوَم" (مفردها جومة بالعبرية)  بغسل الغرفة بالماء والصابون. ولأن وقت "الفورة" ( النزهة الخارجية) المخصص للنيكيون ساعة هنا تبدأ تجليات السجناء. يقوم أحدهم بالتذمر من وجبة السبت فيبوح بكلمات يلحنها بلسانه ويقول " تعالي شوفي يمه كيف صار لون الفاصوليا بني وقشرة البيض صارت مثل قشرة جوز الهند .." فيما يدندن سجين آخر بأغنية عاطفية  لعبد الحليم حافظ أو لفريد الأطرش وسرعان ما تتحول الدندنة إلى أغنية جماعية بعد أن ينضم إليه زملائه فتتحول الدندنة لأغنية تؤديها جوقة فيطرب عليها من هم في الساحة يعتنون بالبطانيات وسرعان ما ينضم هؤلاء للأغنية المغناة. وبذات الإيقاع يتعامل السجناء مع الأغنيات والأناشيد الوطنية.

يحدث كل هذا تحت بصر مراقب برج الساحة المزود بمنظار وسلاح رشاش!

"غيمت يا شباب..!

 مع انهماك السجناء بالشطف والمسح واللهو(أحيانا) بدلق الماء الممزوج بالصابون على أرضيات الغرف ترتفع وتيرة الغناء وتتنوع الأصوات وتتعدد الأناشيد والأغنيات ترافقها موسيقي إيقاعية يُحدُثها لطرق على البراميل الفارغة بواسطة البرابيش فتبدو مثل دقات الطبول وبإمكان المستمع المحايد أن يستمع، في ذات الوقت، لأهزوجة "فتح الغلابة" أو لأنشودة " وحدنا الدم ..يا كرامة وحدنا الدم" أو لنشيد "غدا سَتُثار الضجة الكبرى .. غدا ستندلع الثورة الحمرا حيث تُنصبُ المشانق.. لمن؟  للمجرمين الطغاة! (فترد الجوقة العفوية) .. ولكننا سنصمد .. سنصمد"! 

ويصل الصخب لذروته عندما يحين موعد توزيع وجبة إذ يقوم عمال المطبخ المناوبين ( وأذكر منهم الأخوة إياد الصفدي، هاني عيد ومحمد  العجوز وجميعهم من نابلس) بالطرق على أواني وطناجر الفاصوليا والبيض المسلوق لتنبيه "شواش" الغرف لاستلام حصص السجناء! 

على وقع هذا الصخب، المحبب للسجناء، يستعد السجانين المنزعجين لاقتحام الساحة الرئيسية كي ولكي يعيدوا فرض النظام بعد أن يتسلموا تقارير المتابعة من مراقب برج الساحة! في هذه اللحظات الدقيقة، يُلاحظ السجناء المكلفون بمراقبة ردود فعل "حارس البرج" استعدادات اقتحام، فيقوموا بإطلاق تحذيرات مشفرة بكلمات مثل" غيمت يا شباب!" و "هدوا اللعب يا شباب!" و "فلالو ومزراحي ع الباب!"

ماذا سيحدث بعد استنفار حَرَس السجن وعن قصة فلالو ومزراحي فهذا ما سأقصه على القراء الأعزاء في الحلقة التالية.

ملاحظة: فلالو ومزراحي ضابطان كبيران من ضباط السجن.

         "الشواش"، مفردها شاويش أي السجين المسؤول عن الغرفة أو الزنزانة. 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف