الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تدويل القضية...كخيار وأولوية بقلم:فهد سليمان

تاريخ النشر : 2015-03-01
تدويل القضية...كخيار وأولوية

فهد سليمان
نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية
لتحرير فلسطين

في ورشة العمل التي أقامتها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في بيروت، في 10/2/2015 حول «تدويل القضية الفلسطينية»، و«مشروع القرار الفلسطيني - العربي» الذي قدم إلى مجلس الأمن الدولي نهاية العام الماضي، تقدم الرفيق فهد سليمان، نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بمداخلة تناولت عدداً من العناوين ذات الصلة بالموضوع.
فيما يلي النص الكامل للمداخلة، علماً أن «ملحق الحرية» كان قد نشر تقريراً وافياً عن الورشة في عدده الثالث/ 1519 (2593)، تاريخ 22-28/2/2015.
المحرر

(1)
المشروع الفلسطيني – العربي إلى مجلس الأمن

■ ان تقديم مشروع القرار إلى مجلس الأمن جاء تنفيذا لتوجه اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية القاضي بتقديم مشروع قرار يرمي إلى الإعتراف بدولة فلسطين على حدود 4 حزيران (يونيو) 67 بعاصمتها القدس الشرقية،  وإلى وضع سقف زمني وحد أقصى لإنهاء الإحتلال. لكن تم تجاوز هذا التوجه لصالح مشروع القرار المقدم إلى مجلس الأمن، في نهاية العام 2014، الذي إستعار النصوص الاساسية من المشروع الفرنسي الذي يتجنب الإعتراف بدولة فلسطين بحدودها وعاصمتها وعودة اللاجئين، ولا يتحدث عن سقف زمني ملزم لإنهاء الإحتلال. وعليه بات مشروع القرار الفلسطيني – العربي مدخلا لإتفاق إطار، تماما كما سبق أن إقترحته أوروبا والولايات المتحدة (ووزير خارجيتها كيري في العام 2013 بالتحديد)، ما كان يفترض أن يؤسس لإستئناف عملية تفاوضية عقيمة تكرر مسلسل المفاوضات الفاشلة.
 إلى هذا تكمن سلبية المشروع الفلسطيني - العربي في أنه لن يحال إلى الأرشيف بسبب سقوطه في تصويت مجلس الأمن (31/12/2014)، بل سيتحول من الآن فصاعدا الى سقف للمطالب الفلسطينية في بعض المحافل الدولية، على الأقل لفترة من الزمن، وأي شيء نقدمه إلى مجلس الأمن في المستقبل القريب، سيُشهر أمامنا مشروع القرار الفلسطيني - العربي، سقف مطالبنا.
■ في موضوع العلاقة بين مقدمة المشروع، أي ديباجته وفقراته العاملة، لا بد من الإشارة إن ديباجة القرار أو مقدمته، هي بكل تأكيد جزء من المشروع المطروح، لكن لا يمكن إعتبارها بقوة الفقرات العاملة التي تتحول بعد التصويت على المشروع إلى قرارات ونصوص تنفيذية. وطبيعة التعديلات التي أجريت (في 29/12) على المشروع بصيغته الأولى (17/12) تشير الى محاولة إحتيالية لتمرير الموضوع على الرأي العام الفلسطيني، خاصة أن مشروع القرار بصيغته الأولى (التي قدمت في 17/12/2014) لا تشير، لا من قريب ولا من بعيد، إلى القدس الشرقية، وهذا له علاقة بما ورد في المشروع الفرنسي (الذي لم يقدم إلى مجلس الأمن)، وقبله مقترح وزير الخارجية جون كيري (المرفوض فلسطينياً)، الذي يغيّب «الجغرافيا» عن القدس، عاصمة الدولة الفلسطينية، والذي يعتبر أن القدس هي عاصمة لدولتين. ففي مقدمة القرار الفلسطيني - العربي، ذكرت القدس الشرقية، لكن هذه الإشارة تنحسر قيمتها، لأنه في الفقرة العاملة التي يفترض أنها تقع في إمتدادها لا يتم ذكر القدس الشرقية، بل «القدس كعاصمة لدولتين».
■ بالنسبة الى الاستيطان والجدار، فإن فتوى محكمة لاهاي التي صدرت بهذا الخصوص في تموز (يوليو) 2004 تعتبر من أرقى ما صدر عن مؤسسات الشرعية الدولية، باعتبار أن محكمة لاهاي هي جزء من منظومة الأمم المتحدة، وقد إرتقت هذه الفتوى على المشروع الفلسطيني - العربي المقدم إلى مجلس الأمن الذي لا يتضمن أي اشارة إلى موضوعي الإستيطان والجدار، وبالرغم من ان هذا المشروع يذكر في ديباجته ثلاثة قرارات صادرة عن مجلس الأمن ذات صلة بالإستيطان (قرارات مجلس الأمن الرقم 446، 452، 465)، لكن، الفقرات العاملة في المشروع، لا تأتي على ذكر الإستيطان أو الجدار ■
(2)
حول ضرورة إحترام استراتيجية العمل الوطني
■ هذا يعيدنا الى الحديث عن ضرورة رد الإعتبار إلى الإستراتيجية الموحدة للعمل الوطني الفلسطيني. الحركة الفلسطينية، ربما، من أكثر حركات التحرر الوطني في العالم، التي في فترات زمنية متقاربة نسبياً، تطور إستراتيجية عملها. ومن ضمن الأسباب التي تفسر هذا الإنتقال من إستراتيجية إلى أخرى، ليس وحسب المتطلبات الموضوعية للظرف المحيط وما تمليه من تطويرات، بل لأن الجهة الرسمية التي بيدها سلطة القرار تختار بأسلوب إنتقائي، من بين المواضيع المتفق عليها في الإستراتيجية المعتمدة وطنياً، محاور وعناوين وبنودا تلبي أولوياتها السياسية والتكتيكية، حتى لو خرجت عملية الإنتقاء هذه - وأحياناً تعاكست - مع صيغ الإجماع الوطني، فتبوء هذه الإستراتيجية بالفشل.
■ لقد طرحت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين  في آذار (مارس) 2011 مشروعاً لـ «إستراتيجية فلسطينية بديلة». جاء هذا المشروع نتيجة نقاشات ومداولات وحوارات، وتم إعتماده في الدورة 24 للمجلس المركزي. وموضوع التدويل في هذا المشروع هو محور من بين عدة محاور ليس إلا، إلى جانب المقاومة واستعادة الوحدة الوطنية، وتوفير متطلبات الصمود الداخلي، واستراتيجية حركة اللاجئين والإستراتيجية الدفاعية الخ.. الجديد في الأمر - على خلفية التطور الإيجابي حيال الحقوق الوطنية لشعب فلسطين على المستويين الأوروبي والدولي - أن التدويل بات يطرح الآن في سياق حالة تتوفر فيها إمكانية الإقتراب من إنتزاع قرارات من مؤسسات ومرجعيات دولية، تلتقي مع الحد الأدنى من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، موضع الإجماع الوطني، أي  دولة على حدود 67  وعاصمتها القدس الشرقية، بالإضافة إلى ضمان حق العودة للاجئين ■
(3)
عقم خيار المفاوضات لوحده في ضوء إرتفاع منسوب الأيديولوجيا العنصرية الصهيونية في سياسة الحكومة الإسرائيلية
■ إن الخيار الإستراتيجي الأهم، بالنسبة للجهة الرسمية الفلسطينية هو المفاوضات، ليس لانها لا ترى، كما يرى الجميع، أن هذه المفاوضات باتت تصطدم منذ فترة طويلة بجدار لا إمكانية لخرقه أو تجاوزه، بل لأنها لا تستطيع، بحكم تركيبتها وإلتزاماتها وتوجهاتها الحالية، أن تتبنى إستراتيجية أخرى، تضع المقاومة بكل أشكالها وتضع الوحدة الوطنية بالأولوية ذاتها التي تختزل العملية السياسية بخط المفاوضات، بالرغم من أن المفاوضات إنقطعت لمدة 7 سنوات (من تموز/ يوليو 2000 وحتى تشرين الثاني/ نوفمبر 2007)، واستؤنفت بعد ذلك بشكل متقطع وبأشكال مختلفة، وحتى الآن لم تعطِ نتيجة. والعدو نفسه هو الذي يقول أنها لن تعطي نتيجة. لماذا؟
من بين الأسباب مايلي: أن السياسة الاسرائيلية في العقدين الأخيرين لم تعد تحكمها براغماتية الحركة الصهيونية التي أسست دولة اسرائيل (بن غوريون شكل نموذجاً صارخاً على ذلك)، آباء الحركة الصهيونية إمتلكوا ناصية السياسة البراغماتية، سياسة المناورة في المحافل الدولية والتساوق بشكل عام مع أولويات السياسة البريطانية وثم الأمريكية في المنطقة، وعلى الأرض وفي الميدان إعتماد سياسة الإستيلاء على فلسطين واستيطانها قطعة قطعة، بستاناً بستاناً، زيتونة زيتونة. نحن الآن أمام وضع في إسرائيل تسوده تلك السياسة التي يتحكم بها الخطاب العقائدي الايديولوجي العنصري المتطرف. ومن بين نتائجها، أن القيّمين على القرار في إسرائيل يحوّلون القضايا الإستراتيجية من منظورهم إلى قضايا آنية و«تكتيكية»، يتعاملون معها سياسياً بدرجة من الخفة لا تنسجم والأهمية الاستراتيجية التي يعلنون هم - قبل غيرهم - أنها تعود إلى هذه القضايا.
■ على سبيل المثال، مشكلتهم مع فلسطينيي الـ 48 الذين يشكلون حوالي 20 في المئة من السكان، حيث يريدون أن يحاصروهم ويحجموهم إلخ.. فيتخذون قراراً برفع نسبة الحسم في إنتخابات الكنيست الإسرائيلي لثلاثة وربع في المئة، مقدرين أن المرشحين العرب سينزلون في عدة لوائح كعادتهم، وسيفشلون بهذه الإنتخابات لأنهم لا يستطيعون أن يتجاوزوا نسبة الحسم. لكن إستطلاعات الرأي والتقديرات تقول إن الإنتخابات القادمة ستعطي للقائمة العربية الموحدة، المشتركة بين مختلف الإتجاهات السياسية عددا من النواب العرب لن يقل عن العدد الموجود الآن (11). تكتيك سخيف من «ليبرمان»، وزير الخارجية من حزب «إسرائيل بيتنا»، وحّد الجمهور الفلسطيني ضد ما كان يرمي إليه من تحجيم تمثيله في الكنيست، كما أنه خلق ويخلق دينامية معينة في الوسط العربي الفلسطيني داخل مناطق الـ48 يجعلها أكثر إلتفافاً حول القوى التي تمثلها سياسياً على قاعدة المطالبة بالمساواة الخ.. إن القوى السياسية في مناطق الـ48 مطالبة – مستفيدة من هذه الأجواء السياسية - أن تخلق فيما بينها أقصى درجات التعاون والتوّحد في مواجهة سياسة الإقصاء والعزل والتمييز الإسرائيلي التي إنقلبت على أصحابها.
■ مثال آخر من ساحة الصراع شمالاً مع لبنان وسوريا. هناك شيء غير معلن كان يجري الإعداد له خلال الشهور الماضية يتمثل ببداية توطين المقاومة في الجولان. هذا تطور مهم إذا ما استكمل، ما يستوجب متابعة دقيقة، باعتبار أن هذه الجبهة إذا ما توحدت من جنوب لبنان إلى الجولان فإنها ستنحكم إلى قواعد إشتباك المقاومة وليس إلى قواعد إشتباك بسقف وقف إطلاق النار بقرار من مجلس الأمن مع رقابة دولية في الميدان. وسيعتبر ذلك نقلة نوعية في الحالة الإستراتيجية على حدود فلسطين الشمالية. وكي يقطع الاسرائيلي الطريق على هذا الإحتمال قام بعملية القنيطرة (18/1) فأتى رد المقاومة في عملية مزارع شبعا بعد أسبوع.
صحيح أن الرد أخذ طابع العملية «التكتيكية» المحدودة. لكنه إكتسب بُعداً إستراتيجيا، عندما وضع في إطار تغيير قواعد الإشتباك السابقة. وهذه نقلة نوعية - في حال ثباتها - تسببت بها مبادرة إسرائيل إلى فتح جبهة كانت باردة وهادئة منذ نيسان (أبريل) 1974، وكانت تقارير الأمم المتحدة وغيرها تؤكد دائما أن جبهة الجولان من أكثر الجبهات التزاماً باتفاق وقف إطلاق النار. وبدلا من أن تحافظ اسرائيل على هذه  الحالة (status quo) في منطقة الجولان التي كانت تضمنها قوات من الأمم المتحدة (الأندوف) والتزم بها بثبات الجانب السوري، سمحت للمسلحين في التموضع عسكريا هناك وشجعتهم على ذلك بخلفية ومسعى الدخول على خط الازمة السورية، ما أدى إلى بداية لمراكمة متدرجة قد تقترب على هذه الجبهة، إذا ما استمرت على هذا المنوال، من الحالة الإستراتيجية ذاتها التي قامت على مدار سنوات في جنوب لبنان، ومكّنت فيما مضى المقاومة الفلسطينية من التموضع، ومن ثم المقاومة اللبنانية.
إن إستمرار إسرائيل في سياستها هذه على جبهة الجولان سوف يساهم بتوفير شرط قيام جبهة مقاومة تحيّد نسبيا مسؤولية الجهة الرسمية المتمثلة بالدولة. كانت لعبة «تكتيكية» من قبل إسرائيل لإستنزاف النظام السوري، وإذا ما إستمرت إسرائيل في هذا اللعب التكتيكي فإنها قد تؤدي الى خلق واقع إستراتيجي جديد. وإذا إستطاعت أطراف المقاومة أن تستفيد منه، فإنه سوف يخلق حالة نوعية أرقى بالمواجهة مع اسرائيل، إنطلاقا من الحدود الشمالية، عندما يقيّض لها أن تتوّحد من جنوب لبنان إلى الجولان.
■ يمكن القول إن موضوع اسرائيل في السياسة الإسرائيلية المتبعة بات يتأثر إلى درجة بعيدة بالخيارات الأيديولوجية للمشروع الصهيوني بأقصى درجاته تعصباً وعنصرية التي تهبط بما يعتبره إستراتيجياً إلى مستوى التعامل التكتيكي، وبأسلوب يتسم بالخفة السياسية. إن عديد الأوساط داخل إسرائيل تخاطب قيادتها بنبرة: لماذا الإصرار على النص الدستوري (قانون أساس) بيهودية الدولة. هل تريدون إحراج القيادة الفلسطينية! إنها محرجة في الأصل، ونحن قمنا ونقوم بتهويد فلسطين دون الإعلان جهاراً عن ذلك، حتى أسماء القرى العربية تنقل إلى اللغة العبرية على أساس من الزعم والإدعاء بأن تاريخها يهودي ■
(4)
24 عاماً من المفاوضات: المفاوضات الأطول في التاريخ
■ إن رفضنا خيار المفاوضات كخيار له أولوية على ما عداه سواء في مجال الحركة السياسية أو المراكمة في الميدان، ليس له علاقة بكفاءة الطرف الفلسطيني المفاوض، بل لأنه لا يتوفر ميزان قوى يسمح بالتفاوض المنتج، والجبهة الديمقراطية ليست ضد التفاوض من حيث المبدأ، إذ لا يوجد
 - بحدود علمنا - حركات تحرر إستطاعت أن تنال إستقلالها إلا بعد مسار تفاوضي يطول أو يقصر، ما عدا - ربما - إستثنائين: الأول، يتمثل باليمن الجنوبي، حيث خرجت بريطانيا منها في العام 1967 دون مفاوضات، والإستثناء الثاني هو جنوب لبنان في العام 2000، الذي إنسحب الإسرائيليون منه أيضاً دون مفاوضات، حتى دون إشارة منهم إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 425، القاضي بالإنسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة دون قيد أو شرط.
إذ نسلم بمبدأ المفاوضات بإعتبارها محطة لا محيد عنها في الحالة الفلسطينية، نؤكد على أنه يجب أن تقوم على أسس شديدة الوضوح، حيث شروط إنعقادها هي التي تحسم إلى درجة بعيدة نتائجها. والأسوأ أن المفاوضات لا زالت مطروحة كخيار وحيد لدى القيادة الفلسطينية الرسمية، تغير في بعض تفاصيله، لكنها تعتبره مثل «اللايت موتيف» في المعزوفة الموسيقية، لا تحيد عنه يمينا أو يساراً إلا لتسارع في العودة إليه.
■ واذا عدنا الى التاريخ نكتشف أن المفاوضات الفلسطينية مع اسرائيل هي الأطول في تاريخ المفاوضات، حيث بدأت في 30/10/1991، وهي تقترب حثيثاً من إتمام عامها الرابع والعشرين، أي ما يقارب ربع القرن. إن أطول مفاوضات شهدها التاريخ إستغرقت سبع سنوات هي التي قادت إلى معاهدة وستفاليا عام 1648. أما سائر المفاوضات المعروفة التي أعقبت حروباً طاحنة، فقد بقيت تحت هذا السقف الزمني: مؤتمر فيينا الذي أعقب حروب نابليون والثورة الفرنسية في أوروبا، إستغرق أقل من سنتين (1814 - 1815)، ومؤتمر فرساي الذي تلا الحرب العالمية الأولى إستغرق أقل من عامين (1919-1920)، ومفاوضات باريس بين فيتنام والولايات المتحدة إثر حرب أودت بحياة 50 ألف جندي أميركي بقيت دون سقف الخمس سنوات (1968-1973)، وكذا الأمر بالنسبة للمفاوضات المصرية - الاسرائيلية (1973-1979) التي إستغرقت أقل من ست سنوات.
■ إن المفاوضات كخيار سياسي له الأولوية على ما غيره، أو إختصار العملية السياسية بالمفاوضات أمر لم يعد مجدياً أو مفيداً، ومن هنا - يجب أن ننتقل الى مفهوم آخر للعملية السياسية، يتقدم على غيره في هذا المضمار وهو التدويل الذي يقوم على سيبة ثلاثية: توسيع دائرة الإعتراف بالحقوق الفلسطينية؛ الدخول الى المؤسسات والإتفاقات الدولية وإكتساب عضويتها؛ وكل هذا من أجل مضاعفة الضغط على اسرائيل ومحاصرتها، من أجل مطاردتها ومقاضاتها وعزلها. هذه هي العملية السياسية التي نطمح إلى تفعيلها، ودائماً على قاعدة تسخين المواجهة في الميدان، من أجل تجاوز الخيار الأحادي المتمثل بالمفاوضات كأولوية تتصدر أجندة العمل.
(5)
العلاقة بين الوحدة الداخلية وشرعية النظام السياسي الفلسطيني
■ لا بد من التأكيد أن الحالة الفلسطينية مطالبة باستعادة دورها الناشط الذي يضعها خارج إطار العملية التفاوضية كأولوية متقدمة على غيرها. ويجب أن يكون ذلك من خلال إستعادة الوحدة الداخلية، علما أن إتفاقيات تجاوز الإنقسام وآلياتها متوفرة، ومن المفترض أن تبدأ من خلال تفعيل الهيئات القائمة التي سبق تشكيلها كما سبق إنعقادها عدة مرات، قبل الإنتقال إلى الإنتخابات الشاملة للمجلس الوطني والتشريعي فضلاً عن رئاسة السلطة؛ وفي هذا السياق نؤكد على مسألتين:
الأولى، أن لدينا قيادة مؤقتة لمنظمة التحرير تتمثل فيها كل الفصائل، تقرر تشكيلها في 4/5/2011. ما الذي يمنع أن تفعّل هذه القيادة، لتضع - من بين أمور أخرى - خطة إستعادة الوحدة الداخلية، وتعكسها على المؤسسات الفلسطينية، خاصة المجلس المركزي واللجنة التنفيذية، حيث أن هنالك معايير يتم تشكيل هذه الهيئات على أساسها، وعلى قاعدة إئتلافية، بالتوافق الوطني، إنطلاقا من النتائج التي تتوصل إليها القيادة الفلسطينية، وهي ولا تحتاج إلى موافقة عربية أوغيرها، بل الى إرادة وقرار سياسي فلسطيني من أطراف منظمة التحرير الفلسطينية، ومن أطراف غير ممثلة حتى الآن في م.ت.ف (حركتي حماس والجهاد) لكنها تنتمي للقيادة المؤقتة التي إنقطعت إجتماعاتها منذ فترة طويلة.
والثانية، أن الحالة الفلسطينية تمر في مرحلة دقيقة جدا، لأن القيادة والمؤسسات الفلسطينية تستند إلى شرعية لم يجرِ تجديدها منذ فترة طويلة: المجلس الوطني عُقد آخر مرة في العام 1996 أي منذ ما يقارب عشرين عاماً، ثم إن فترة المجلس التشريعي إنقضت قبل 5 سنوات أي منذ العام 2010، وكذلك ولاية رئاسة السلطة الفلسطينية إنقضت منذ ست سنوات أي منذ العام 2009. وجميع هذه المؤسسات يجدد لها بحكم فتوى قانونية مفادها أن أي وضع منتخب إذا لم يتوفر بديله يبقى مستمرا إلى أن يجهز هذا البديل.
■ إن مسؤولية ذلك تقع بشكل رئيسي على عاتق حركتي فتح وحماس، والمؤسسات التي يتوليان قيادتها هي التشريعي (حماس)، والمجلس الوطني والسلطة أي منظمة التحرير (فتح)، ولدى كل منهما مشكلة في تجديد الشرعية، فما هي مصادر الشرعية؟
الشرعية إما أن تكون من خلال صندوق الإقتراع، أو من خلال ما يسمى «الشرعية الثورية» المستندة بدورها للوحدة الوطنية، أو - من باب أولى - من خلال الأمرين معاً:
المؤسسة الفلسطينية كإطار سياسي، تفتقد إلى شرعية ثورية أو جماهيرية أو شعبية لأنها - يكل بساطة – تفتقد إلى الوحدة الداخلية، كون قوى سياسية رئيسية وذات تمثيل شعبي وأزن مازالت خارج الهيئات والمؤسسات الوطنية الجامعة؛ وفي الوقت نفسه، فإن المؤسسة الفلسطينية، وإن مازالت تملك شرعية قانونية، فإن هذه الشرعية ذات منحى متقادم، لأنه لم يجرِ تجديدها في المواعيد المستحقة بالإحتكام إلى صندوق الإقتراع.
■ من الممكن أن يستمر هذا الوضع لفترة من الزمن، ولكن يا ترى هل هذا الزمن مفتوح؟ إن هذه الشرعية التي لا يمكن إلا أن تُثلم مع إستمرار هذا الحال، على مستوى مؤسسات المنظمة كما بالنسبة لمؤسسات السلطة، بما في ذلك المجلس التشريعي، ما يضع حركتي فتح وحماس، سواء بسواء، أمام مسؤولية وطنية جسيمة، أمام إستحقاق إنتخابي واضح، لأنهما يستمران بتولي صلاحيات تشريعية وتنفيذية ويمتلكان القدرة على إتخاذ قرارات ذات تداعيات واسعة على المسار الوطني لفترة تطول أو تقصر؛ لكن عليهما أن يعيا معاً أنهم يمثلون أمام الرأي العام الفلسطيني بشرعية متقادمة، ستقود إلى ثلمها لا محالة؛ طالما لا تتوفر وحدة وطنية نلجأ أو نحتكم إليها لتجديد الشرعية الشعبية؛ ولا صندوق إقتراع يعمل بشكل منتظم وبوتيرة إستحقاقاته المتوجبة كي يجدد شرعيته القانونية. فمتى يحين الوقت لتجديد هذه الشرعية؟
نقف أمام إستحقاقين يشكلان وجهين لنفس الموضوع، الوحدة الداخلية مرتبطة بتجديد الشرعية، ولا تجديد للشرعية إلا من خلال الوحدة الداخلية على طريق الإحتكام إلى صندوق الإقتراع؛ والملفت للنظر أن حركتي فتح وحماس لا تعيران هذا الموضوع الأولوية التي يستحقها بل يضعونه على الرف أو على سوية قضايا أخرى لا تملك نفس الأهلية المصيرية رغم الإدراك الواسع بأن هذا الموضوع بات يمثل إستحقاقا متوجباً وفائق الأهمية بالنسبة للشعب الفلسطيني وحركته الوطنية، وقدرة المؤسسات على الإضطلاع بمسؤولياتها القيادية ■

10 شباط (فبراير) 2015
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف