الأخبار
بعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكريا بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيينمسؤولون أميركيون:إسرائيل لم تضع خطة لإجلاء المدنيين من رفح..وحماس ستظلّ قوة بغزة بعد الحربنتنياهو: سنزيد الضغط العسكري والسياسي على حماس خلال الأيام المقبلة
2024/4/23
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

معالجة أدبية لسلبيات المعتقد الفولكلوري في أدب الأطفال قراءة في حكايات ابتهال سالم (المقص العجيب- الحذاء المشاغب – كراكيب )

تاريخ النشر : 2015-02-26
معالجة أدبية لسلبيات المعتقد الفولكلوري في أدب الأطفال  قراءة في حكايات ابتهال سالم  (المقص العجيب- الحذاء المشاغب – كراكيب )
معالجة أدبية لسلبيات المعتقد الفولكلوري في أدب الأطفال
قراءة في حكايات ابتهال سالم
(المقص العجيب- الحذاء المشاغب – كراكيب )

بقلم د/ أميمة منير جادو

صدر عن سلسلة (كتاب قطر الندى- الهيئة العامة لقصور الثقافة – العدد 147 ) كتاب بعنوان ( المقص العجيب ) وهو يحتوي على ثلاث قصص للأطفال هي :
( المقص العجيب – الحذاء المشاغب- كراكيب ) .
تعالج القصة الأولى والثانية بعض سلبيات المعتقدات الشعبية ( الفولكلورية) التي تسود خاصة في البيئات الشعبية والريفية ، حيث يتناقل الموروث الشفاهي بين الأجيال ومن الأقوال السائرة التي تمثل أحد هذه المعتقات ما تستخدمه الجدات والأمهات في تربية أبنائها وتوجيهه عبر أسلوب التخويف والتهديد .
فعلى سبيل المثال كثيرا ما نسمع الأم أو الجدة تنهى طفلها أو طفلتها عن اللعب بالمقص وفتحه وغلقه في الهواء بدون داع أي بدون استخدام فعلي مثل قص الأقمشة أو الورق .
إذ يسود المعتقد الشعبي التشاؤمي بأن ( فتح المقص وغلقه باستمرار في الهواء يجلب النكد والغم في البيوت ويؤدي إلى الشجار والنقار والمشكلات .
وفي المعتقد الشعبي أيضاً : عدم ترك الحذاء مقلوباً على وجهه و ينهى الأطفال عن تركه هكذا إذا ما رأوه على هذا الوضع وضرورة عدله على الجهة الأخرى الصحيحة لأن وضعه المقلوب يجلب لعنة السماء ويقال أنه حرام أن يترك هكذا دونما تبرير منطقي أو تفسير عقلاني بل يقال أن وجهه عندما يقلب على الأرض فيصير أسفله متجها للسماء وينظر له الله ولهذا فهو ملعون وحرام . بالطبع لا توجد نصوص دالة ولم يثبت في الأديان شيئاً مثل هذا ولكنها عادة جرت وتمكنت من التداول والتوريث حتى صارت بمثابة المعتقد المقدس ولعلها في الحقيقة مجرد خرافة وموروث سلبي يجب أن نواجهه مثله مثل فتح وغلق المقص في الهواء بدون استخدام .
فهاتان الفكرتان الفولكلوريتان وغيرهما في جانبها الاعتقادي كثيراً ما تسيطر على سلوكيات الناس ومواقفهم وكثيرا ما يتشاءمون منها ، فإذا تصادف وقوع مكروه أو شجار في البيت فإنما يعزى ذلك في التفسير الشعبي إلى (فتح وغلق المقص) أو ترك الحذاء مقلوبا دون عدله .
وتؤدي هذه التفسيرات اللا عقلانية واللا منطقية إلى تغييب العقل والمنطق , فتسود الخرافة والجهل وتسيطر على صاحبها بل ويمتد أثرها إلى من حوله ممن يؤثر عليهم في محيطه وبهذا يتم توارث الخرافة والجهل وهو ضد ما دعت إلي الأديان - التي تدعو إلى إعمال العقل وإلى التفكر والتدبر والتأمل .
لذا فإنه يُحسب لابتهال سالم أن تتصدى لهذه السلبيات الشعبية وتعالجها في قصص مقدمة للطفل وهو تناول جديد في أدب الأطفال . إن الكاتبة استطاعت أن توظف هذا الموروث وتقدمه عبر حكي وحوار درامي بأسلوب بسيط ومفردات سهلة يستوعبها الطفل دونما تعقيد .
جاء الحوار القصصي مشوق وهادف متفقا مع ما نهى عنه الدين الإسلامي من تشاؤم دونما تصريح بذلك أو مباشرة وعظية .
وبشيء من التفصيل نلقي الضوء على كل قصة لإبراز أهم عناصرها ومضمونها خلال الاستشهاد ببعض النصوص الدالَّة :
• قصة ( المقص العجيب ) :
كما نوهنا سابقاً تسعى الكاتبة إلى إبراز الجانب السلبي في الموروث الشعبي الذي يمارسه الكبار مع الصغار ، وكيف يتأثر الصغار وكيف يمكن تفادي الخطأ ومعالجة هذه السلبيات والبعد عن الإيمان بها بل والتخلي عنها كي لا ينقل للأجيال القادمة .
• فكرة القصة وملخصها :
تدور حول (قصقوص) المقص الصغير الذي يعيش مع صاحبته نوسة الطفلة الجميلة والتي طالما استخدمته في قص الأقمشة والأوراق للقص واللزق ، وتزورها الجدة وتنهاها عن استخدام المقص لأنه
( يجلب الشجار والنقار بين أهل الدار ) ، وتحذرها من كل المقصات ( فحاذري من التعامل معها ولا تقتربي منها على آية حال من الأحوال )النص ص4 .
ولا تفلح نوسة في إقناع الجدة بأنها والمقص صديقان أو أنها تحتاج إليه كثيراً فتصيح فيها : ( لا أصحاب ولا غيره ، أتريدين أن ينفك شمل الأسرة ونظل باستمرار في شجار ونقار ) النص ص4 .

يأتي هذا النهي الحازم والحاسم من الجدة ليزرع الخوف بداخل الطفلة حتى ( أنها فكرت في إلقائه مع القمامة ..... وبذلك تأمن شره وتقي أهل الدار الشجار والنقار) النص ص 5 .
وهنا تستنطق الكاتبة الجماد (المقص- قصقوص) ليحل مشكلة القصة فينهى نوسة عن فعل ذلك ويحثها على البعد عن الخرافة ويذكرها بذكرياتهما الجميلة معاً فقد ساعدها كثيرا في أعمالها وكم أتقن عمله ، ومن هنا تبث الكاتبة قيمة إسلامية بشكل مباشر وصريح ( إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً ) ، وهكذا تأتي نهاية القصة لتؤكد على قيمة ( توظيف الشيء في العمل المفيد والمناسب) أو ( ما يعرف بترشيد الاستخدام ) فكل شيء يمكن استخدامه في الخير والشر معا ونحن الذي نوجهه الوجهة السليمة ونستفيد منه بشكل إيجابي بدلا من استخدامه استخداما سلبياً .
وفي نهاية القصة تصل نوسة إلى القناعة بعدم إلقاء المقص في القمامة فتقول : ( لن ألقيك في القمامة ، سوف أنظفك وأجعلك تلمع لمعاناً لم تشهده من قبل ولن أفكر في تلك الوساوس مرة أخرى ، فالناس هم الذين يصنعون الخير وكل ما هو جميل .. الخ )ص10 ، ( .... ولم تعد من وقتها تخاف من المقصات ما دامت تستعملها في أشياء مفيدة .) ص 10 .

* الملاحظات على القصة:
القصة لطيفة بسيطة في مجملها مناسبة لطفل المرحلة الوسطى وحيث يمكن أن يستوعب الفكرة والقيمة التي تهدف إليها ، كما جاء أسم ( قصقوص ) جميلاً ولطيفاً ومحبباً إلى الطفل الذي يميل لتدليل الأسماء ، ويأتي استنطاق الجماد أو ما يعرف ب (أنسنة الأشياء ) مناسباً للطفل في مرحلة النمو التي تميل للعب الإيهامي وتشجيع خيال الطفل . وتأتي الفكرة جديدة في طرحها ، كما يتميز أسلوب الكاتبة بالمسرحة داخل النص السردي والذي يعتمد على الحوار البسيط والدراما المناسبة وإن كانت هذه القصة تنتمي لأدب (تربية الكبار) أولاً حتى يستطيعون تربية الصغار ، فالجدة قاسية تأمر وتنهي بأسلوب القهر دون حوار مع الحفيدة أو إقناع ، فتأتي صورتها مشوهة تربوياً ، وهي صورة موجودة في الواقع كثيراً نحن بحاجة لتغييرها ومن على شاكلتها في المجتمع العربي من آباء وأمهات ومدرسين .
لكن يؤخذ على القصة أنها عند تناولها لسلبية الموروث الشعبي لم تتناول الفكرة الحقيقية في الممارسة والتي تدعو( لعدم فتح وغلق المقص في الهواء دونما استخدام فعلي وحقيقي ) فالموروث لا ينهى عن استخدام المقصات بشكل مطلق وقاطع كما نقرأ في حوار الجدة في القصة ، ولكن الموروث في الواقع يتعرض لجزئية خاصة في الممارسة وهي ( عدم الفتح والغلق في الهواء ) وهذا ما لم تشر إليه الكاتبة ولم تقدم للطفل تبريراً منطقياً حول سبب منع الجدة لحفيدتها من التعامل مع المقص وبشكل مطلق ، معنى هذا أن توظيف الموروث في القصة لم يأت في سياقاته الصحيحة ، وكان من الأجدر للكاتبة أن تتبنى وجهة نظر الجدة وهي خوفها على حفيدتها من اللعب بالمقص حتى لا يجرحها أو حتى لا تسيء استخدامه ،كما تنهى كل الأمهات أطفالهن عن استخدام الأسلحة البيضاء ومنها المقصات والسكاكين . فالدافع الحقيقي لدى الجدة هو الخوف على الحفيدة ( نوسة ) وإن عبرت عن ذلك بأسلوب غير تربوي بالأمر والنهي (سياسة القهر) ، لذا تأتي صورة الجدة عنيفة قاسية مؤمنة بالخرافة وتتبناها مذهباً تربويا ، في مقابل صورة الطفلة المطيعة الخائفة منها في البداية والتي تتحول إلى صورة إيجابية ذات قرار وإرادة عندما تتمرد على الخرافة ولا تنصاع لرأي الجدة ضاربة بكل كلامها عرض الحائط فهي لم تعد تخافها إذن ولا تمتثل لأوامرها أو لنواهيها . إنه بناء جديد لشخصية الطفلة وتحول عن صورتها السابقة التي وردت في أول القصة ، فكيف حدث هذا التحول كما عرضته الكاتبة ؟؟؟
يتم هذا التحول من الصورة السلبية للطفلة إلى الصورة الإيجابية عن طريق تكنيك قصصي يعرف ب (استنطاق الجماد ) وليس عن طريق موقف مؤثر تناقشه القصة بعقل وتفكير لتكون أكثر إقناعاً للطفل وحيث لا يتم التحول في شخصية الطفل عادة في الواقع بهذه البساطة والسهولة المطروحة في القصة وإنما يمر بمراحل وتطورات ومواقف مؤثرة قوية حتى تحدث له هذه النقلة النوعية في شخصيته لأن سيكولوجية النمو النفسي للطفل إما تعتمد على الصدمة القوية المؤثرة والتي تهز الشخصية بعنف وإما بالتدرج في الخبرة ، ولا يأتي هكذا فجأة كما صورته القصة ولكن عن طريق خبرات إيجابية داعمة للموقف الجديد وداحضة للموقف القديم المضاد .
وفي رأينا الخاص أنه كان يمكن أن تعرض هذه القصة بشكل آخر : بمعنى عرض الموروث الشعبي السلبي كما هو عليه في الواقع وفي إطار سياقاته الحقيقية ثم معالجته درامياً وموقفياً بما يتناسب مع خصائص النمو النفسي لأطفال هذه المرحلة العمرية ( الطفولة الوسطى) والتي يبدأ فيها تبني الأطفال لأسباب عقلية مقنعة لأسئلتهم العلية التي دائما ما تبحث عن السبب العلِّي وراء ظاهرة غير منطقية والتي تتمثل في قصة ابتهال سالم (فتح وغلق المقص يجلب الشجار والنقار والنكد والمشاكل ) فالطفل يسأل : ما علاقة فتح وغلق المقص بالمشاكل والنكد في البيت ؟
وقد تكون هناك علاقة ضمنية مستترة في داخل الخبرة الشعبية ومخزون الثقافة قد اندثرت بمرور السنين وظلت الممارسة على حالها كشكل أو كعرض من أعراض الظاهرة أو المعتقد . فإذا سلمنا جدلاً بصحة هذا المعتقد من وجهة نظر الجدة التي تمثل أحد رموز التربية وحامل الموروث فإنه يمكن التفسير على هذا النحو : أنه أثناء لعب طفل ما بمقص وفتحه وغلقه أصابه مصادفة في وجهه أو عينيه أو طار من يده فأصاب طفل آخر كان على مقربة منه وبالتالي حدثت مشكلة فقد يتهم الأب الأم بالاهمال وأنها لماذا تركت المقص في يد ابنها ؟ وقد يتشاجر الأب مع ابنه لأنه أذى طفلاً آخر أو... أو... إلخ ، وهكذا يكون سوء استخدام المقص سببا في شجار أو إثارة مشكلة بالفعل .
ومن هذا المنطلق كان من الأنسب لو بدأت القصة بأن هناك طفلة تفتح وتغلق المقص دائماً بدون استخدام حقيقي أو عملي ( كما يفعل الأطفال في بداياتهم عند لعبهم بأي شيء) وهو تصوير لواقع الأطفال وممارساتهم الخاطئة التي قد ينجم عنها أذى بالفعل مما يستدعي تدخل الأهل خوفاً عليهم فتراها الجدة تفعل ذلك فتنهاها وتنبهها بأن هذا قد يجلب الخطر ، وبالتالي تتغير صورة الجدة إلى مربية إيجابية تتبنى فكرة منطقية ( أي توظيف منطق الموروث السلبي لفعل إيجابي ) ثم تأتي الجدة بأقمشة وأوراق وغير ذلك وتعلم الطفلة كيف تستفيد من المقص وتوظفه وتحيك ملابس دميتها ... الخ . أو يفعل شخص ثالث هذا الفعل في القصة مثل الأم أو الأب بعد حوار بينهما كما فعلت الكاتبة في الحوار بين المقص ونوسة ، فيأتي الحوار أكثر إقناعاً ، وإن كان الحوار مع المقص أكثر إمتاعاً عند بعض الأطفال باعتبارات الفروق الفردية ، وهذه في الواقع إحدى المشكلات الفنية التي تواجه الكاتب عند الإجابة على السؤال الرئيس ( كيف أقدم هذا العمل للطفل ؟ هل يحب كل الأطفال هذا الأسلوب؟ فالطفل الذي يميل للخيال أكثر تعجبه هذه النهاية ، بينما الطفل الأكثر عقلانية والذي يميل للتفكير العلمي ومنطقة الأشياء والبحث في العلة والعلاقة بين السبب والنتيجة لن تعجبه هذه النهاية وخاصة أن أطفال اليوم أكثر أختلافاً عن جيل الأمس حيث ساعدت التكنولوجيا والتطور المعرفي على إثارة العقل والتفكير ولم يعد من السهل لطفل اليوم أن يؤمن على كل مايقال إن لم يكن الحديث علمياً ومنطقياً ومناسباً للغة العصر المعرفي اليوم .

• قصة الحذاء المشاغب :
في هذه القصة تطرح الكاتبة أيضاً أحد المعتقدات الشعبية لكنها تسلط الضوء عليه بشدة فتضعه في دائرة الضوء المكثف وبعدسات مكبرة حتى تجعله (فوبياوياً )(1) إن جاز التعبير.
وفي بعض الموروثات والمعتقدات الشعبية التي يركز عليها الآباء ويبثونها في أطفالهم منذ الصغر ما يمكن أن يترسخ في وجدانهم ويتحول بمرور الزمن إلى مخاوف مرضية نتيجة لتمكن المعتقد من النفس مثل الاعتقاد الراسخ بشؤم البومة ومثل المعتقد الخاص بالحذاء المقلوب الذي تتناوله الكاتبة في هذه القصة .
ولقد وفقت الكاتبة في إبراز سلبية هذا المعتقد الذي لا أساس له من الصحة وسلطت عليه الضوء بتكثيف مشوق وأسلوب مرح تمتزج فيه السخرية بخفة الظل (باعتبار شر البلية ما يضحك )
فكرة وملخص القصة :
بداية تدور فكرة قصة ( الحذاء المشاغب ) حول الخوف المرضي( الفوبياوي ) من مشاهدة أي حذاء مقلوب في أي مكان ، لقد تحولت مخاوف الطفلة نوسة (البطلة) إلى وسواس قاهر متسلط عليها فهي تنظر طوال سيرها إلى الأرض باستمرار لمراقبة الأحذية وهل هي مقلوبة أو معدولة ففي النص ( إنها كلما رأت حذاء مقلوباً أثناء مشيها في الشارع أسرعت بتعديل وضعه في الحال وانسحب الأمر على البيت والمدرسة والنادي والباص وأي مكان توجد فيه) النص ص11
وتستوقفنا بداية هذه العبارة فنطرح معها هذه الأسئلة :
أين توجد الأحذية المقلوبة عادة ؟
في الوضع الطبيعي توجد في أماكن الاستقرار مثل المنزل فالحذاء المقلوب هو حذاء مخلوع من القدم أي في حالة عدم استعماله .بينما النص يؤكد أن هذا الوضع انسحب على الشارع والمدرسة والنادي والباص ، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل من المعقول أن الأحذية توجد هكذا ملقاة على قارعة الطريق؟
إن الشوارع عادة ليست مكاناً للأحذية ولكن للسير فيها بداخل الحذاء وليس من المعقول أن الناس ترتدي الأحذية مقلوبة ؟ ! أو أن الناس تمشي حافية ويلقون بأحذيتهم على الأرصفة لتراها نوسة كما في القصة .وما ينطبق على الشارع ينطبق على الباص والنادي والمدرسة ، فالعادة أن الناس في هذه الأماكن يرتدون أحذيتهم ولا يخلعونها إلا لضرورة قصوى ، فلماذا يخلع راكب الباص حذاءه اللهم إذا كانت قدماه متورمتين أو متعبتين أو الحذاء ضيق غير محتمل والمشوار طويل وهي حالات نادرة .
ولماذا يخلع التلاميذ أحذيتهم في المدرسة أو في النادي اللهم إذا كانوا في حصص الألعاب .
انطلاقا من التساؤلات السابقة نستطيع القول بأن الطرح منذ بداية القصة طرح غير منطقي ، ويدعو للتساؤلات السابقة(2)، لكنه يمكن تمثله على اعتبار إمكانية حدوثه في بعض الحالات الشاذة –كما بينا- وعليه فإن نوسة تمارس سلوكا ( فوبياويا ) على مواقف شاذة مما يؤكد أنها (مريضة نفسيا) وإن لم يأت هذا بتصريح من الكاتبة وهويحسب لها سواء كتبته بوعي منها أو بمخزون الثقافة اللاشعورية التي تمد الكاتب عموما بالمادة الخام لنسج الأحداث ، وحيث لا يعقل أن يكون هذا سلوكاً عاديا وطبيعياً .
من هذا المنطلق تتبنى الكاتبة معالجة ( فوباوية الموقف من الحذاء المقلوب) عند نوسة التي تسببت فيه أمها حيث تقررلنا الكاتبة الأسباب التي أدت بنوسة إلى ممارسة هذا السلوك الشاذ والمرضي فتقول ( إن أم نوسة رأت ذات ليلة حذاء ابنتها مقلوباً تحت سريرها ، وكانت نوسة لم تزل بعد طفلة فأنبتها وضربتها بالعصا وصرخت في وجهها : سوف تنزل اللعنة على دارنا ويعرف الهم طريقه إلى القلب ) ص11، 12
هنا تضع الكاتبة أيدينا على جذور المشكلة الغاية في الخطورة وتعري الممارسات الاجتماعية التربوية الخاطئة في المجتمع لتؤكد تأثيرها علىشخصية الأبناء فيما بعد وكيف تتحول هذه الممارسة الخاطئة إلى ترسيخ المعتقد بقوة حتى يتحول إلى مرض نفسي يؤثر على اتزان الشخصية ونضجها ، تقول القصة ( وكبرت نوسة وكبر معها الخوف وأصبحت تنظر إلى الأرض أثناء مشيها وكلما رأت حذاء مقلوباً أصابها الرعب وأسرعت بتعديله ، وظلت على هذا الحال إلى الدرجة التي أفقدتها تركيزها في استيعاب دروسها والعناية بنظافتها وملابسها وأصبحت تميل للعزلة حتى عن أقرب صديقاتها ) ص 12،13
هكذا استطاعت الكاتبة أن ترسم لنا صورة معبرة بانورامية ثلاثية الأبعاد لشخصية الطفلة نوسة المضطربة انفعاليا أو المريضة نفسيا تبدأ ب(1)بث المخاوف في الصغر وتثبيتها بالقسوة والعقاب ثم(2) اضطراب شخصية الطفلة الذي ينسحب على حياتها وعلاقاتها الاجتماعية ثم(3) تكون النتيجة وضوح الأعراض المرضية عليها ( العزلة) .
والعزلة في أحد حالاتها كما يقررها علماء النفس تعتبرعرض لمرض الإكتئاب النفسي وهو بدرجات متفاوتة (3) .
هكذا رسمت لنا الكاتبة بقلمها الواعي صورة لطفلة غير سوية بدرجة ما نتيجة تلقيها لتربية خاطئة يسودها معتقدات خاطئة .. فكيف عالجت هذا الموقف ؟؟
نتابع في القصة أن الجدة تهديها حذاء جميلاً اسمه ( زقزوق) ( لأنه كان يصدر صوت تزييق أثناء مشيها ) ص13 ، ولقد أحبت نوسة الحذاء لحبها لجدتها لكنها ( ظلت تحاصره بنظراتها طوال الوقت )ص14
ثم تعود الكاتبة لتذكرنا بالحالة المرضية الفوباوية ضمنياً دونما مباشرة ، فتصور لنا ممارسات نوسة مع الحذاء (عَلَّمَتْ الحيز الذي يقف فيه بالطباشير وإذا خرج عن الحيز تعاقبه بوضعه في صندوق حديدي وتغلقه بمفتاح ) ص14
وهنا نصل إلى قمة الحبكة الدرامية ، لقد حبست الطفلة حذاءها الجميل ، فماذا حدث ؟؟ وماذا ستفعل ؟؟
يتصاعد الحدث الدرامي مكوناً مشكلة أخرى تتمثل في( تمرد الحذاء نفسه وثورته ) على نوسة .. فكيف حدث ذلك ؟
هنا تلجأ الكاتبة إلى محاولة حل المشكلة عبر أسلوب التحايل ب( أنسنة الجماد واستنطاقه) دون تقديم حل عقلي وعملي مقبول أو مقنع فكرياً ، إنه أحد الحلول الجاهزة كما في الحواديت الشعبية والقصص الخيالية الكلاسيكية القديمة التي تعتمد على الصدفة ودور الأقدار ومساعدة البطل باستنطاق الجمادات والطيور والحيوانات . وهي حلول مقبولة في الحدوتة وليست مقبولة في القصص الواقعي الذي يطرح مشكلة اجتماعية تربوية مثل هذه القصة .
كيف قدمت لنا الكاتبة هذا الحل الجاهز ؟؟
نقرأ معاً ( كان لزقزوق صاحب ، هو حذاء برتقالي صغير قد ضاق على قدم نوسة غالباً ماكان بإمكانه أن يحصل على المفتاح ويخرج صديقه من الحبس ) ص14
فماذا كان يفعل زقزوق عندما يخرج من الحبس ؟؟
إن الكاتبة تضعنا مرة أخرى أمام مشكلة جديدة إنه (كان يمارس حريته كاملة)
ويتنامى الموقف دراميا لطرح مشكلة ( كبت الحريات)و(المراقبة) ، فنوسة تراقب حذاءها حتى يختنق منها ويضيق بها ويتمرد عليها رافضاً مراقبتها له فتعود لحزنها وعزلتها .
إن الكاتبة استطاعت بذكاء شديد أن تطرح قضية حرية الأطفال على المستوى القريب داخل الحكي مع الترميز السياسي لمفهوم الكبت على المستوى الرمزي الضمني داخل النص وفقا لتحليلنا عبر المنهج الخفي واستنطاق ماوراء النص.
نلحظ أيضاً أن الطفلة تأتي كمعادل موضوعي رمزي للمربي الذي يتبع سياسة القهر مع أولاده بسلوك كبت الحريات ومصادرة الأراء وممارسة الرقابة عليهم ، إن نوسة تمارس نفس الدور مع الحذاء . وكأن الحذاء هو أيضا المعادل الموضوعي للطفلة المقهورة في أسرتها . وكأن الحذاء الذي يُرْتَدَى في الأقدام يمثل الطاعة المطلقة والعمياء فهو رمز أيضاً للطفل المفعول به ( المقهور) داخل الأسرة المتسلطة .
ثم تقدم لنا الكاتبة عرضاً موضوعياً لنتيجة هذا القهر والمراقبة وكبت الحرية وكأنها صيحة تحذير أو جرس إنذار عبر الحل الرمزي فالحذاء يثور على نوسة ويرفض أسلوبها ومراقبتها متمرداً عليها نقرأ معاً ( وفي مرة من المرات أختبأ في ركن الشرفة تحت بعض الكراكيب ، وظلت نوسة تبحث عنه دون جدوى واعتقدت أنه خرج ولم يعد لكنها حين وجدته حاول التملص منها صائحاً : اتركيني في حالي أنت تصرين ألا أتحرك من مكاني أو أتقلب أو ألعب أو أنام على الجنب الذي يريحني حتى لعبة الاستغماية التي أحبها كثيراً وألعبها مع أحذية المنزل تريدين حرماني منها وتكشفين عن مكاني ، لقد زهقت من مراقبتك لي طول الوقت ) النص ص16

في النص السابق ما يدل على تمرد الحذاء وثورته وانفجاره ،وما يدل على تبادل الأدوار مابين الطفلة والحذاء في هذه اللعبة الإيهامية حيث ينطق الجماد لقد جعلت الكاتبة الجماد ينطق وكأنها نطقت الحجر ، إن هذا الاستنطاق هو الانفجار المشروع ورد الفعل الطبيعي لسياسات القهر والكبت والمراقبة والذي يعني التمرد ، لكننا بصدد تقديم عمل تربوي للطفل لذا فإنه ليس من المعقول أن نأتي بطفلة تتمرد على أهلها مهما أتبعوا معها من أساليب تربوية خاطئة ، لأن هذا يدخل في باب العقوق ، لذا لجأت الكاتبة لحل جزء من المشكلة عن طريق الإسقاط الرمزي على الأشياء دون المساس بقيمة تربوية وهي أدب الحوار بين الصغار والكبار واحترام الأبناء للآباء وبهذا تكون وفقت لحل إحدى المشكلتين ، ثم نأتي لحل المشكلة الأخرى وهو علاج حالة نوسة المرضية وحيث يعود الحدث الدرامي للتصاعد مرة أخرى والتركيز على المشكلة بوصف نوسة بعد تمرد الحذاء عليها ولا مبالاته بها يقول النص ( عادت نوسة إلى عزلتها وسرحانها مرة أخرى ، ورجعت تمشى وعيناها على الأرض ولم تعد تركز في أي كلام يقال أو يصدر منها ) ص16
فكيف الخروج من هذا المأزق ؟؟
كيف يمكن علاج نوسة ؟؟
في هذه المرة تلجأ الكاتبة إلى أسلوب عملي وانساني مقنع عبر أبلة نجلاء مدرسة الفصل التي تمارس معها دورها التربوي بعدما تحكي نوسة لها مشكلتها بوضوح ( إنني يا أبلة أخاف من الأحذية وأظل أراقبها طول الوقت وأمشي في الشارع وأنا أنظر للأرض ، لا أحتمل أن أرى أي حذاء مقلوب ) ص17 ، ( لقد هرب حذائي الجميل زقزوق وأنا حزينة لفراقه ) ص17
يجمل النص السابق طرح المشكلتين معا
(1) الهروب من المراقبة كرد فعل طبيعي لكبت الحرية .
(2) المخاوف المرضية (الفوبيا) من الأحذية المقلوبة حتى تظل هاجساً مؤرقاً ( وإلا فسوف يحدث لي كما قالت أمي : أن اللعنة سوف تنزل على دارنا ويعرف الهم طريقه إلى القلب ) ص 19
الوصول لحل عقدة القصة الأساسية :
أي كيف أمكن علاج الطفلة نوسة ؟؟
لقد جاء الحل عقلانيا مقنعاً عبر أسلوب الحوار مع المدرسة في شكل نصائح مباشرة وتقريرية وعظية بأسلوب مباشر فتقول أبلة نجلاء لها ( اسمعي يانوسة من المهم أن نحافظ على أحذيتنا وننظفها باستمرار ،لكن لا أحد يقول أن نضيع وقتنا كله في مراقبتها ...إلخ ، أهم من مراقبة الأحذية هناك الحب والنجاح والتعاون بين الناس ن هناك الإرادة من أجل تحقيق أهدافنا ...إلخ ) ص19،20
وهكذا يأتي ختام القصة عبر النصح والوعظ المباشر وبث القيم بشكل صريح وبسرعة تأتي النهاية فالطفلة تسمع كلام معلمتها وتعود إلى المنزل لتجد زقزوق يبتسم لها . وعلى الرغم من أنها نهاية جميلة إلا أنها سريعة مبتورة وكانت بحاجة إلى صقل أكثر فالطفلة لديها مشكلة نفسية غاية في التعقيد وليس من المقنع أن تشفى منها عبر نصيحة مباشرة وسريعة من مدرستها بهذه البساطة والسهولة التي عرضتها القصة .
فالمشاكل النفسية المعقدة تحتاج إلى دور تمارسه المعلمة معها عبر تدريبها على مواقف مختلفة كأن تشغلها بأشياء أخرى أكثر أهمية وتجعلها تشعر بقيمتها وممارسة قيم أخرى في الحياة ، إن هذا لايأتي عن طريق نصيحة وكلمتين فتسمع الكلام ولكن عن طريق برنامج تدريبي لحل العقدة النفسية وتجاوز الأزمة . كان يجب أن تقدم لنا القصة مزيدا من المواقف لحل العقدة بشكل غير سريع أومبتور .
كذلك لا يمكن أن ترجع الطفلة لتجد زقزوق الهارب منها قبلاً في انتظار عودتها وهو الذي تمرد عليها ،إن القصة لم تقدم لنا ماذا فعلت نوسة مع زقزوق لتعود لصحبته وليبتسم لها فرحا إنها لم تغير معاملتها معه ولم يأت النص بجملة واحدة تفيد تغيير هذه المعاملة أو حتى على سبيل التسامح أو وعد منها بألا تراقبه أو تتركه حراً ولا تتدخل في شؤونه وهو ما يضايقه منها .
يؤخذ على القصة أيضاٍ أنها تتحدث عن طفلة في بعض المواضع وتتحدث عنها وكأنها جاوزت مرحلة الطفولة في مواضع أخرى ( وكبرت نوسة وكبر معها الخوف ) فإلى أي حد كبرت نوسة ؟؟!!
لم يتبين من السرد عمرها في أي وقت منذ بداية القصة التي استهلت بها الكاتبة عبارتها الافتتاحية ( تعبت نوسة من النظر إلى الأرض )
إنها عبارة مشوقة تدعو للتساؤل : لماذا ؟ ثم يستقيم الحكي ليفسر لنا سر نظرها إلى الأرض ولكن كم كان عمرها لا نعرف
وعندما عاقبتها أمها لا نعرف كم كان عمرها أيضاً وعندما احتفلت بعيد ميلادها التي أهدتها جدتها فيه الحذاء زقزوق لم نعرف مع أنها كانت مناسبة جيدة للوقوف على عمرها لكنها تأتي في القصة كموقف مثير للتخمينات فإذا افترضنا أن أمها كانت تعاقبها على الحذاء المقلوب في سن مبكرة فلن تكون أقل من خمسة سنوات بحسب ما يذهب إليه علماء النفس فهو الحد الأدنى لالتقاط الذكريات المؤلمة وإلقائها في العقل الباطن وبالتالي مرت فترة كمون وخوف يتنامى بداخلها كما ورد بالنص حتى كان عيد ميلادها وهدية جدتها ومراقبتها للحذاء و...و...إلخ
لكننا نقرأ أنها كانت تلعب معه ففي أي عمر يكون هذا اللعب الخيالي والإيهامي للطفل ؟ إنه كما يقرر علم النفس عادة ما يكون بين الرابعة والسابعة على أكثر تقدير أي في نفس مرحلة الطفولة التي كانت أمها تعاقبها فيها تقريباً أو بعدها ربما بعام واحد أو أثنين على الأكثر فمتى كبرت نوسة ؟؟
هذه الجملة أدت إلى التباس في النص في لغة السرد مابين ضمير الغائب الذي تتبناه الكاتبة ومابين الحوار الآني أو في الحاضر .
إن هذه الملاحظات لا تؤثر على مجمل القصة وفكرتها الجميلة ومضمونها ومحتواها وإنما هي الرؤية المنهجية البحثية كي يستفيد منها المهتمون بالكتابة للطفل ونقد أدب الطفل بموضوعية وبعيدا عن المجاملات التي تعج بها الساحة الأدبية وتضيع فيها الموضوعية ، وأرجو ألا يغضب من كلامي أحد أو يفسره على غير حقيقته مع خاص تقديري ومحبتي للكاتبة .
ثم ننتقل للقصة الثالثة والأخيرة في هذه المجموعة القصصية :
• قصة كراكيب :
تنتمي قصة كراكيب إلى القصص البيئي أي ذات التوجه البيئي ،وتعتمد فكرة القصة الأساسية على قيمة بيئية هي ( تدوير المخلفات) أي إعادة صنعها واستغلالها بشكل مبسط ، ويتم هذا في إطار الحكي التخيلي الذي ينمي خيال الطفل عبر استنطاق الجمادات ، فالعلبة تنطق وتحدث الطفل بطل القصة (تامر) فهي ترجوه ألا يلقيها في القمامة بل يحاول أن يستفيد منها وكذلك زجاجة الملح الفارغة التي لم يعد لها أهمية ورمتها أمه وطلبت منه أن يكنس هذه الأشياء وبالتالي يلقيها في القمامة ، وأيضا القماش والقطع الخشبية والأقلام الفارغة والخيوط .

لقد جاء عنوان القصة متسقاً مع المضمون تماماً بالإضافة لسهولة الكلمة وشيوعها فلا تشكل عائقاً لغوياً للطفل عند قراءتها كمفردة لغوية مناسبة للصغار والكبار معا ، فكلنا يعرف الكراكيب... كما تنمي القصة مجموعة من القيم مثل الاعتماد على الذات والثقة بالذات ، والقيمة الجمالية المضافة للأشياء بعد تدوير المخلفات وترشيد الاستهلاك ، فطفل القصة لم يلقِِِ بالعلب والزجاجات الفارغة والقماشات والأقلام الفارغة بل (اشترى ألواناً وأوراقاً لاصقة ملونة ودبابيس ، وأبرة خياطة ومقصاً صغيراً وورداً ) النص ص29 ، لقد استطاع الطفل أن يعيد تدوير هذه المخلفات ويضيف إليها ويحل ويقص ويركب ويلصق ....إلخ حتى صنع آنية زهور وعرائس وسلال وأكياس ....( وأضحت تلك الكراكيب البسيطة مع مرور الوقت أشياء مفيدة نافعة ) ص31 كما تأتي في القصة قيم ثانوية مثل مساعدة الابن للأم في المنزل مما يبث قيمة التعاون المنزلي .
ويؤخذ على القصة " تبرير استنطاق الجماد" حيث لا داعي لهذا التبرير لأنه من المتفق عليه في علم نفس نمو الطفل أنه من المحتمل والوارد استنطاق الجماد والطيور والحيوانات أو ما يعرف بأنسنة الأشياء أي إضفاء الطابع الانساني عليها عبر النطق والكلام معها ،لذا يبدو سؤال تامر طفل القصة للعلبة ودهشته سؤالاً لا داعي له أو لا قيمة له وتأتي الإجابة غير تربوية غير منطقية ( وضعها بين كفيه صائحاً : كيف تتحدثين هكذا وأنت بلا عقل أو لسان ؟ ردت العلبة : احساسي بالتعاسة جعلني أنطق ..) النص ص 26
إن هذا التساؤل يحاول لوي ذراع الفكرة عبر التفكير المنطقي أو (عقلنة الحوار )فهو مقحم على النص غير مبرر ولا داعي له فإما أن تكون القصة واقعية منطقية علمية وإما أنه الحكي الذي يمزج ما بين الواقع والخيال دون حاجة إلى تبرير هذا الخيال وقد يكون الحكي كله خيالياً من الألف للياء بحسب فكرة القصة وسياقاتها ومن الأخطاء الشائعة عند الكتابة للطفل أن يقدم له بعض السرد اللامنطقي والمبرر تبريراً لا منطقياً أيضاً ظناً أن هذا يتسق مع ذاك رغم أن البون شاسع بينهما . وفي القصة الحالية كان يجب أن يكتفي الحكي باستنطاق الجماد( العلبة) وكفى، أما قول العلبة بأن ( احساسي بالتعاسة جعلني أنطق ) ص26 فلا داعي له لأنه لم يبرر الموقف ( النطق) لأنه في الواقع لا ولن تنطق العلبة أو غيرها من جمادات مهما وقع عليها من كم الشقاء والتعاسة ، أي أن النص كان مقبولاً دون هذا السؤال أو تلك الإجابة وكلاهما ورد مقحماً على السياق فإذا كان السؤال منطقياً ، فالإجابة غير منطقية بينما القصة كلها واقعية ممزوجة بخيال الطفل في لعبه الإيهامي وفي اللعب الإيهامي يتخيل الطفل كما يحلو له ولا نحاسبه . لكن طفل القصة لم يكن في حالة لعب .
وأخيرا : فإن ما أخذ القصة لا تعني إطلاقا أي تقليل من قيمتها ولا من جمالها وإن الكمال لله وحده... شكرا للكاتبة ولقصصها اللطيفة الممتعة والمجددة في أفكارها وتناولها .


الهوامش :
(1) فوبياوي: ينسب إلى الفوبيا في علم النفس المرضي وتعني المخاوف المرضية والتي تنشأ لسبب ظاهر أو غامض يعود إلى الطفولة أو أحد المراحل العمرية اللاحقة ويسقط في قاع النفس ( منطقة الهو أو اللاشعور) ويؤدي إلى تسلط فكرة قهرية على الانسان فيخاف خوفاً مرضياً ( غير طبيعي) من أشياء عادية ولا يملك دفعاً لمخاوفه أو رداً لها ولا يستطيع التخلص منها فتصير مثل الوسواس القهري الذي يزعجه ويؤرقه ويقلق راحته وراحة من حوله ويرى الآخرون سلوكه شاذاً ومستهجناً ومدعاة للسخرية والتندر في بعض الأحيان .
فالخوف الطبيعي شعور فطري أو مكتسب أحيانا من الخبرات الحياتية فكلنا نخاف الوحوش والعقارب والكهرباء والنار ...إلخ هذا خوف طبيعي وقد نخاف من الظلام أو من البحارأو السيول- لمن لايعرف العوم بدرجات متفاوتة – وهو خوف طبيعي أيضاً أما الخوف المرضي( الفوبيا) فهو خوف غير طبيعي من أشياء طبيعية مثل الذي يخاف من الحمامة والكتكوت والقطة الصغيرة والصرصور والطيور والحيوانات المستأنسة ، ومثل فوبيا الأماكن المرتفعة والظلام والمصاعد والعوم والمواصلات وخاصة ركوب البحر أو الطائرة ..إلخ ومثل فوبيا الجراثيم والميكروبات التي تدعو صاحبه لأن يغسل يده في المرة الواحدة عشر مرات ومازال يشك في نظافتها ويبالغ في غسل الأطعمة بالماء والصابون عدة مرات أو يمتنع نهائيا عن أكل الفواكه والخضروات الطازجة حتى لا يصاب بأذى الجراثيم ...إلخ
(2) هذه الأسئلة لم أطرحها من تلقاء ذاتي وإنما بعد قراءة مجموعة من الأطفال لهذه القصة باعتبارهم الحاكم الفعلي والمتلقي للعمل الأدبي المنتج خصيصاً له وهي إحدى أدوات البحث الموضوعي لأي عمل جاد .
(3) ليست كل حالات العزلة مرضية وذلك بحسب نوع العزلة وهل هي اختيارية وفق إرادة الشخص أم قهرية نفسية لا
إرادية , فهناك فرق بين عزلة الفنان أو المبدع عموما الذي يكون بحاجة للبعد عن الناس قليلا ليرسم أو يبدع قصة أو قصيدة أو رواي’ أو المفكر أو السياسي الذي يعتصم ليملي على صاحب القرار إرادته .يجب علينا التفريق بين عزلة وعزلة ، فالعزلة عند هؤلاء تختلف عن العزلة عند المكتئب أو المضطرب نفسيا الذي يفقد القدرة على التكيف الاجتماعي والتعامل باتزان و بثقة مع م
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف