الأخبار
ارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزة
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قراءة من الداخل النيجيري.. ولماذا امتنعت عن التصويت لصالح الفلسطينيين بقلم: د. بلال الصبّاح

تاريخ النشر : 2015-02-01
قراءة من الداخل النيجيري.. ولماذا امتنعت عن التصويت لصالح الفلسطينيين بقلم: د. بلال الصبّاح
 تعددت روايات الإعلام العربي حول أسباب امتناع نيجيريا عن التصويت لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي وفق جدول زمني في مجلس الأمن الدولي، فكانت الرواية الأولى تتحدث عن تهديد أمريكي بقطع المُساعدات الأمريكية في محاربة (بوكو حرام)، وهي الأكثر إنتشاراً، تلتها رواية التوغل الإسرائيلي في نيجيريا الإتحادية، كما تحدث البعض عن التباعد العربي عن إفريقيا ومنها نيجيريا.

للكاتب السياسي العربي والباحث في الشؤون الإفريقية.. عضو نقابة الصحافة في جنوب إفريقيا
د. بــــــــــــــــلال الـــصـــبّــــــــــــاح


 يُمكن القول أن جميع الروايات المذكورة صحيحة، وعلى قرب لا بأس به من الواقع النيجيري، ولكن لا يُمكن الوقوف عندها كأسباب فقط، ودون قراءة الواقع النيجيري الداخلي ومدى تأثره بالمُعطيات الإقليمية، علماً أن نيجيريا هي أحد أقطاب القارة الإفريقية، فهي الأولى على مستوى القارة الإفريقية من حيث التعداد السُكاني والموارد الطبيعية، وكذلك في الإنتاج النفطي والناتج القومي. وهذا ما يجعل هذه الدولة قادرة على التنوع في توجهاتها السياسية والتحالفية في الداخل الإفريقي وخارجه.

وحول التباعد العربي عن الأفارقة؛ فنيجيريا ليست على صلة القرابة الحميمة مع المجموعة العربية، ولكن هذا التباعد لم يصل إلى حد الكراهية، بل أبوجا حريصة على منع أي توتر مع العرب، فالكثافة السكانية الإسلامية في نيجيريا هي الأكبر على مستوى القارة الإفريقية، وعليه لا يُمكن أن تُقامر حكومة أبوجا بإمتناعها عن التصويت لصالح الفلسطينيين تحت ذريعة التباعد العربي، وهي تستحوذ في بلادها على أكثر من (80) مليون نيجيري مسلم.

وليبقى الأمر محصوراً بالتوغل (الأمريكي الإسرائيلي) في نيجيريا؛ وهو صحيح، كما وله تأثيره على القرارات النيجيرية ضمن التحالفات المُشتركة مع حكومة أبوجا، وخاصةً في مجال مكافحة الإرهاب، ولكن تحالفهم ضد الإرهاب ليس هو الخيار الوحيد لنيجيريا، بل أنه غير متوافق مع بعض القوى الإفريقية، كالجزائر وجنوب إفريقيا، وربما يزعج المصريين والإثيوبيين أيضاً. كما هو خيار يُخالف رغبة الأغلبية الإفريقية في حصر مُكافحة الإرهاب في إفريقيا على القوات الإفريقية، ودون التدخل الأجنبي.

ولو أخذنا هنا بفرضية أن إمتناع نيجيريا عن التصويت لصالح الفلسطينيين كان نتاجاً لتحالف الحكومة النيجيرية مع الأمريكان والإسرائيليين من أجل مكافحة جماعة (بوكو حرام). ولكن إمتناع دولة عضو في منظمة التعاون الإسلامي عن التصويت لصالح دولة سوف تكون عاصمتها مدينة مُقدسة عند أكثر من (80) مليون مواطن نيجيري مسلم؟!، يدلنا على أن التحالف المُشترك بينهم، هو تحالف إستراتيجي وقائم على علاقة متجذرة، بل أشبه بتحالف من أجل صراع البقاء، وكأن نيجيريا تقول (إما أن نكون مع الأمريكان والإسرائيليين، أو لن نكون على هذه الأرض الإفريقية).

لذلك لا يُمكن الوقوف عند قول أن التحالف النيجيري مع أمريكا وإسرائيل هو سبب الإمتناع عن التصويت، بل يجب التوجه نحو السؤال الأنسب ليُعطينا الإيضاح الأكثر، والسؤال هنا (لماذا توجهت نيجيريا نحو أمريكا وإسرائيل؟، أي ما هي الأسباب التى أحوجت نيجيريا لهذا التوجه ولهذا التحالف؟). أليس هذا كفيل بخلق بؤرة كراهية العالم الإسلامي للحكومة النيجيرية، أو ربما توتر بين الأغلبية النيجيرية المُسلمة مع الحكومة؟، ولكن لماذا.. ومن أجل ماذا هذه التضحيات والمغامرات؟!.

وللإجابة على هذه التساؤلات المطروحة، نبدأ بعبارة يُرددها بعض الأفارقة، وهي (أن العديد من الدول الإفريقية لا تعلم ماذا تريد حكومة أبوجا.. ولكن الأسوأ من ذلك، أن أبوجا هي نفسها لا تعلم ماذا تريد)!. والشاهد من هذه العبارة أن نيجيريا الإتحادية تقع ضمن مجموعة من الحقائق الداخلية الصعبة، والأقليمية الشائكة، والمؤثرة بشكل مباشر على سياستها الخارجية، ونخص بعض النقاط ذات العلاقة بإمتناع نيجيريا عن التصويت لصالح الفلسطينيين، بل ذات العلاقة بكل القرارات النيجيرية التي سوف تصدر في الحُقبة القادمة.

الجانب الأول (على المستوى الداخلي): تتنوع القارة الإفريقية بعدد كبير من الأعراق والأديان، وعلى الرغم من ذلك تتوجه الأنظار نحو نيجيريا على الأخص، والتي يُسميها بعض الأفارقة بدولة (ثنائية القومية)، وربما المقصود بها أن نيجيريا ما زالت غير قادرة على ترتيب البيت النيجيري ضمن هوية وطنية واحدة، ويعود ذلك إلى أن هذه الدولة تعيش أسوء حقبة فساد في تاريخها، حيث تُسيطر القبائل المسيحية على السلطة السياسية والثروة، مع تهميش قبائل المُسلمين. كما تُدرك الحكومة أن هذه الحقبة لن تزول إلا بحرب طاحنة بين المسلمين والمسيحيين، وعلى الأغلب قد تنتهي بتقسيم نيجيريا إلى عدة دويلات.

ويرجع فشل الحكومة النيجيرية على المستوى الداخلي إلى ضعف الحزب الحاكم، وخضوعه في القرار لبعض المؤسسات المدنية، ويُشار إلى بعض الكنائس العاملة في صنع القرار النيجيري. وهذا بدوره أدى إلى تراجع الدبلوماسية النيجيرية في السياسة الخاجية، حيث انقسمت الرؤية الداخلية إلى رؤيتين، كما أن الحكومة غير قادرة على رعاية حوار داخلي حقيقي بشأن مستقبل السياسة الخارجية النيجيرية.

الجانب الثاني (على المستوى الأقليمي): أن الحرب مع جماعة (بوكو حرام) هو أمر قد لا يتعلق بالإرهاب والتطرف على النحو المُطلق، بل هو الخوف من تمدد هذه الجماعة بين أوساط مسلمي نيجيريا، وإلى بعض من قبائل العرب في الدول المُجاورة، لتبدأ شرارة حرب إقليمية للمُطالبة بحقوق هذه القبائل المضطهدة من قبل الحكومات الحالية.

كما أن المُعطيات الإفريقية لم تكن على المستوى المطلوب من كبار إفريقيا، عندما طلبت نيجيريا العون من الأفارقة أثناء لقاء الرئيس النيجيري (غودلاك جوناثان) مع غالبية القادة الأفارقة أثناء حفل تأبين الراحل مانديلا في جوهانسبيرغ، ولكن لم تكن التحركات الإفريقية جادة بعض الشيء، حيث عموم الخطاب المصري بشأن الإرهاب في إفريقيا، وعدم قدرة الدولة المصرية حالياً على خوض حرب بالوكالة في غابات إفريقيا، ويلحقه برود الموقف الإثيوبي، فحكومة أديس آبابا تطمح في خلو وسط إفريقيا من الكبار، لتكون هي المحطة الرئيسية للتحالف الأمريكي الإسرائيلي، ودون التوجه لنيجيريا. بينما تتوجه جنوب إفريقيا نحو مكافحة الإرهاب في إفريقيا من خلال التعاون مع إيران، وهذا ما ترفضه نيجيريا بشكل قطعي. فليس لإيران مكان أو دور في نيجيريا.

وبتفصيل أكثر حول العلاقات الإفريقية فيما بينها، حيث تنظر الحكومة النيجيرية إلى ثلاث دول إفريقية بحذر شديد، وفيما يخص الشراكات من أجل محاربة جماعة (بوكو حرام)، وهي كالتالي:

أولاً: جمهورية تشاد، والتي تقع في الوسط الإفريقي، وهي الحليف الإستراتيجي لفرنسا، ومحطة هامة للقوات الفرنسية على مستوى القارة الإفريقية، وتنظر نيجيريا إلى التحركات العسكرية التشادية على الحدود مع الكاميرون لمحاربة بوكو حرام بإيجابية، ولكن حكومة أبوجا قلقة من النوايا الفرنسية التي دائماً ما تكون غير إيجابية تجاه نيجيريا. فهذه الدولة محاطة بتكتل (غرب إفريقي) قريب من الإدارة الفرنسية، وما تخشاه فرنسا هو الإستحواذ الأمريكي على مناطق النفوذ الفرنسي في الغرب الإفريقي، فلذلك قد يكون التحرك التشادي الأخير مُشابه لدورها في منطقة (دارفور)، من حيث تسليح القبائل العربية ضد حكومة الخرطوم، ومن ثم إثارة ملفات حقوق الإنسان وفقاً للمصالح الفرنسية.

ثانياً: جمهورية أنغولا، والتي تقع في منطقة الجنوب الإفريقي، وهي الحليف الإستراتيجي لجمهورية جنوب إفريقيا، ومحطة هامة للفكر الشيوعي على مستوى القارة الإفريقية، وتنظر نيجيريا إلى الإمتداد العرقي لقبيلة الرئيس الأنغولي (جوزيه سانتوش) إلى منطقة الغرب الإفريقي بنوع من الحذر، فهذا النوع من الترابط العرقي (القبلي) قد يُساعد جنوب إفريقيا على تحريك بعض القبائل في الغرب الإفريقي ضد بعض الحكومات التي لا ترغبها العاصمة بريتوريا، ونيجيريا ليست ببعيدة عن هذا الإمتداد القبلي.

ثالثاً: جمهورية جنوب إفريقيا، والتي تقع أقصى جنوب القارة الإفريقية، وهي الحليف الإستراتيجي لروسيا، ومحطة هامة للفكر اليساري على مستوى القارة الإفريقية، وللإقتصاد الصيني أيضاً، والدور الذي تلعبه العاصمة بريتوريا في القارة الإفريقية، هو الأشد خطراً وفتكاً على الحكومة النيجيرية، من حيث ما يلي:

·         تفاهم اليسارية الجنوب إفريقية مع اليسارية الفرنسية، وبعدها تصريحات فرنسا منذ عدة سنوات بأن جنوب إفريقيا تستحق قيادة القارة بالمقعد الدائم في مجلس الأمن الدولي.
·         حاجة المؤسسات الإقتصادية الفرنسية للتواجد في منطقة الجنوب الإفريقي، حيث الموارد الأكثر في ظل الإستقرار السياسي والإقتصادي في جنوب القارة.
·         إدراك فرنسا أن جنوب إفريقيا أصبحت حاجة مُلحة للشعوب الإفريقية، فقد أصبحت الملاذ الآمن لحقوق الإنسان الإفريقي، بعد الدور الذي مارسته جنوب إفريقيا في حق تقرير مصير بعض الشعوب الإفريقية.
·         ويبدو هناك توافقاً بين فرنسا وجنوب إفريقيا على حصر وكبح الإنطلاق الأمريكي للقارة الإفريقية من نيجيريا وأثيوبيا، ولكن هذا لا ينفي أن فرنسا غير متوافقة مع جنوب إفريقيا على تحالفها مع روسيا والصين.

وعليه نقول أن نيجيريا هي من بحاجة إلى الوجود الأمريكي والإسرائيلي على أراضيها، وهذا ليس توغلاً كما يعتقد البعض، بل هو نوع من الحصانة الخارجية لهذه الدولة، وإن كان توغلاً أمريكياً إسرائيلياً، فهو برغبة وطلب من الحكومة النيجيرية لحمايتها من الإنهيارات الداخلية، ومن طموح بعض الدول الإقليمية والخارجية المُعادية لها.

فهما تنوعت نيجيريا في علاقاتها الخارجية، سوف تبقى بحاجة إلى الخبرات الأمريكية والإسرائيلية لتطوير البنية التحتية، ومنها التكنولوجية والأمنية، والأمر ليس مقتصراً على محاربة جماعة بوكو حرام فقط. كما أن العلاقات الإسرائيلية النيجيرية وصلت إلى مرحلة قوية حيث التعاون الأمني، واستطاعت أمريكا وإسرائيل تحويل المُساعدات الإنسانية إلى برامج تنموية شراكية على شكل مُستدام، لا يُمكن لنيجيريا الإستغاء عنها في القريب العاجل.

ويبقى السؤال الأهم، والمُوجه إلى السلطة الفلسطينية حول ماهية الضمانات الفلسطينية المُقدمة للحكومة النيجيرية في حال تصويتها لصالح الفلسطينيين، مع العلم أنه لا ضمانات حقيقية لتكون دولة فلسطين على أرض الواقع في حال نجاح التصويت، فهل تخسر نيجيريا الضمانات الأمريكية والإسرائيلية العاملة على قيامها كدولة أمام كافة التيارات الإفريقية والعالمية.

كما ويبدو هناك عدم توافق في السياسة الخارجية الفلسطينية حول طبيعة ما يحدث في إفريقيا، ويتضح ذلك بعدم قدرة الخارجية الفلسطينية على الربط بين زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لجنوب إفريقيا، وقبول بريتوريا دعم الملف الفلسطيني، وهذا يعني أن جنوب إفريقيا لن تقبل أي شراكة إفريقية معها في هذا الملف، وخاصة من دولة منافسة على الساحة الإفريقية، وأيضاً نيجيريا لن تقبل حمل الملف الفلسطيني طالما هو موجود على الطاولة الجنوب إفريقية، فكان الإمتناع عن التصويت هو بمثابة تجنب غضب بريتوريا وتحرشاتها التي أخذت تظهر في الآونة الأخيرة، مثل إيقاف تأشيرات النيجيريين لزيارة جنوب إفريقيا، وإيقاف تصدير بعض الأسلحة الجنوب إفريقية إلى نيجيريا.

ويُمكن القول؛ أن الإمتناع عن التصويت لصالح الفلسطينيين في مجلس الأمن الدولي ووفق القراءة للوضع النيجيري كان إيجابياً بعض الشيء، فعلى الرغم من وقوف الجميع متربصين بالدولة النيجيرية، وفي ظل التباعد العربي عنها، فما كان من المُتوقع إلا التصويت بالرفض وعدم قبول وجود دولة فلسطينية، وإعتبار فلسطين جزءاً من العداء الدولي للتحالف الإستراتيجي النيجيري مع أمريكا وإسرائيل، وهو تحالف من أجل صراع البقاء والوجود.

ولكن نيجيريا وقفت على قدم وساق من الحيادية، وحاولت التوفيق بين الجميع من خلال الإمتناع عن التصويت، وعدم تقديم طرف على حساب آخر، فنيجيريا تعيش معركة أكبر ومن نوع آخر، وعلى العرب الإستفادة من هذه المرحلة، فهناك الكثير من المُعطيات النيجيرية ما زالت على توافق مع الأجندة العربية في القارة الإفريقية.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف