الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ضمير أبلة حكمت بقلم:تحسين يقين

تاريخ النشر : 2015-01-31
حين عرض فيلم "يوم حلو يوم مرّ" للمخرج خيري بشارة عام 1988، أقبل الجمهور على الفيلم، ذهبنا للمشاهدة، وكان ذلك في سينما بطنطا. ذكرني اسم الفيلم بالمثل العامي: يوم عسل ويوم بصل، فرحنا نشاهد الفيلم مدفوعين بدافع تقليديّ هو سرد القصة والأحداث، والبحث عما يثير اهتمامات شاب في العشرين من العمر، اعتاد الصور النمطية عن الأفلام العربية. لكن خلال المشاهدة، شعرت وأنا الطالب الوافد حديثاً إلى مصر، بأن الفيلم يشبه الأُسر المصرية التي صرنا نراها ونتعرّف قليلا عليها.
ووجدنا في الفيلم ما هو أفضل من توقعاتنا، بل بدأنا مرحلة وعي جديدة، تبحث عن دور الفن والأدب، أكثر ما تبحث عن المتعة الفنية التقليدية، ولحسن الحظ فقد ترافق بداية الوعي الفني ذاك، بما كنا ندرسه أكاديميا في كلية الآداب، حيث كان الأساتذة مهتمين بتدريسنا عن الوظائف المختلفة للأدب، ومذاهب الفن للفن والفن للمجتمع، والذاتية والموضوعية، من خلال أمثلة منتقاة من الأدب العربي المصري بشكل خاص، والأدب الأوروبي.
شدنا نضال الأرملة في رعاية أسرتها في الفيلم، والتي جسدت دورها باقتدار الفنانة الراحلة فاتن حمامة، ووعيت وقتها على أهمية مراعاة عمر الممثلة في الأدوار، وتعلمت وقتها أن المهم هو النجاح في الدور، ولا يقتصر النجاح فقط على النجمة الحسناء التي تؤدي دوراً في قصة حب.
كنا بالطبع فقد شاهدنا عدة أفلام لفاتن حمامة بالأبيض والأسود، تلك التي كان التلفزيون العربي (ماسبيرو) يكرر عرضها، ووقتها أيضا تعرفنا على اختيارات فاتن حمامة التمثيلية، وانحيازها للفن لا لأي شيء آخر، ومن الفهم السطحي للإغراء.
كانت دور السينما هنا قد أقفلت أبوابها في الانتفاضة الأولى، فلم يعد ممكناً مشاهدة الأفلام إلا من خلال التلفزيون، وكان ذلك جميلاً وكافياً، بالنسبة لمن هم في أعمارنا. فكان "يوم حلو يوم مرّ"، بداية تقليد جديد لي لمشاهدة الأفلام الجديدة، من خلال السينما، سيما أن سعر التذاكر زهيد، ولدينا الوقت الكافي.
مرّ على ذلك الفيلم 27 عاماً، إلا أن ذلك لم يمنعني من إعادة المشاهدة، حيث شاهدته عدة مرات، آخرها كانت قبل عامين، حيث أعادتني المشاهدة إلى تلك الأيام الأولى لي في مصر، وفي الوقت نفسه رحت أشاهد الفيلم بما ينسجم مع عمري الآن، وما اكتسبناه من خبرات ووعي، فوجدته فيلماً رائعاً، بواقعيته المتفائلة، وكيف يكون للإنسان دوره الذي لا يهرب منه، وخصوصاً دور المرأة.
قلت لنفسي: لعلّ الله يطيل في عمري ما يجعلني أعود لمشاهدة الفيلم بعد عقد من السنوات، وعقدين وثلاثة..والسبب أن هذا الفيلم من الأفلام الخالدة، وما الخلود إلا القدرة على إثارة الفكر والشعور، وليس الناحية التوثيقية فقط.
ما الخلود؟ أهو الفكر والشعور حينما ينطلقان من الإنسانية والالتزام؟
وهل هو مفاجئ أن تكون أهم الأفلام الخالدة قد جاءت من حقبتي الخمسينيات والستينيات؟ وأن نصيب فاتن حمامة وحدها هو العُشر تقريباً، بواقع 8 من مائة فيلم!
ما العلاقة بين الخلود والضمير!
وهل كانت رحلة فاتن حمامة إلا رحلة خلود الضمير!
وهل كان كاتب نص سيناريو وحوار المسلسل الميلودرامي الشهير "ضمير أبلة حكمت" مطلاً على شخصية فاتن حمامة الاجتماعية والفكرية والثقافية بل والسياسية أيضاً؟
في ذلك المسلسل أدت فاتن حمامة دوراً هو من أروع أدوارها، هو دور مديرة مدرسة ثانوية للطالبات بمدينة الاسكندرية، حيث تكون المدرسة مصبّا للتحولات الاجتماعية، فتكّون الطالبات والمعلمات مجتمعاً صغيراً، يشكل انعكاساً للمجتمع الاسكندراني والمجتمعين المصري والعربي بشكل عام.
كان المسلسل في ربيع 1991، أي في السنة الثالثة لي دراسة وإقامة وتعرفاً على الأسر المصرية، التي كنا نعيش بينها، حيث بدأنا نتعرف أكثر على هذا المجتمع العربي الشقيق، وأمكننا رغم محدودية الخبرة الفكرية، ربط المسلسل بما نراه في الواقع.
عبّر المسلسل عن التحولات الاجتماعية والسياسية، وما يواكبها من تغير السلوك لا يبعد عن احتمال كبير بتوجيه نقد سياسي لعصر الحكم في الثمانينات والتسعينيات، بسبب موقف الكاتب وربما موقف الفنانة فاتن حمامة الفكري والسياسي من الحكم وسياسات الانفتاح وما واكبها من سلوك.
عرض "ضمير أبلة حكمت" التحولات وأثرها على الأفراد داخل المدرسة كمجتمع صغير والأفراد في المجتمع بشكل عام، وكيف كانت نفسيات هؤلاء الأفراد تتلوّن مع المصالح، في ظل التنافس المرضيّ وغير الشريف، لدرجة وجود أرض لنبات الكيد والحسد حتى في ظل المدرسة كمؤسسة تربوية تمثّل القدوة. وما رافق ذلك من محاولات غزو أصحاب السطوة والنفوذ والمال المحدثين للمدرسة، وكيف صدّت أبلة حكمت تلك الغزوات.
والجميل في المسلسل تفاؤله بالناس، حكاما ومحكومين، لتعديل المسار، ومن تابع أحداث المسلسل يدرك سرّ اختيار الاسم: ضمير أبلة حكمت هو ضميرنا الباقي، مقابل تيار الخلاص الفردي الذي يستغل زمن التحولات لزيادة النفوذ.
منحنا "ضمير أبلة حكمت" التفاؤل بالعيش بوطن نحبه، العيش بكرامة..
لي الآن أن أتذكر تلك الأيام قبل 24 عاما!
ولعلي أتذكر كيف كنت أذهب لزيارة الإسكندرية لتمضية يومين هناك تأثرا بمشهد فاتن حمامة وأحمد مظهر في المسلسل، وهما يركضان على كورنيش البحر، ولعلي الآن أركض بذهني فنياً فأمارس الرياضة الفكرية، لتأمل زمن جميل مضى.
الآن أتساءل، لماذا كانت أعمال فاتن حمامة الفنية تنجح بين مختلف الأعمار؟ ذلك التساؤل الذي لم أفطن إليه وأنا عشريني.
الجواب أن أي عمل فني متقن منطلقاته تنحاز للإنسان لا بدّ أن يحالفه النجاح، بل والخلود أيضا.
لذلك، لنا ما نتعزى به برحيل الفنانة الراحلة فاتن حمامة، وهو أعمالها الباقية بيننا، وهي ببقائها باقية وخالدة فنياً وإنسانياً وقومياً.
ولعلّ رحيلها الجسدي، دعوة لنا بالعودة إلى البدء من جديد، من "يوم سعيد" فيلمها وهي طفلة ابنة 9 سنوات إلى "يوم حلو ويوم مرّ" و"أرض الأحلام"، آخر أفلامها الرائعة.
لعل الرحيل يعيدنا إلى رشدنا ثقافياً، وفنياً، وأن الفنون ليس كما يروج ضدها، والسينما فن راق هدفه إنساني نهضوي باتجاه التغيير والتطوير، وأن هناك بديلاً ثقافياً أصيلاً لما يعرض علينا من نكوص سلفي ماضويّ.
لعله الضمير الوطني لكل بلد عربي، لعله الضمير العربي، والإنساني!
ولعله الضمير الشخصي لكل واحد منا!
[email protected]
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف