بقلم : محمد عبد الكريم الخالدي
غزة - 29/1/2015 م
مع نسمات الصباح و تغريد البلابل و تساقط حبات الندى على وريقات الأشجار و الأزهار , مع حلول فجر اليوم الثاني من يوليو تموز لعام 2014 استيقظت القدس على صرخات الألم و الجراح , حيث قامت مجموعة من المستوطنين المتطرفين بخطف الشبل الفلسطيني محمد أبو خضير من حي شعفاط بالقدس , و من ثم تعذيبه و إحراق جسده الطاهر و هو حيا يلتقط أنفاسه الأخيرة في هذه الدنيا .
اشتعلت نيران الغضب في القدس المحتلة بل و في الضفة الغربية كلها للثأر للدماء البريئة التي أريقت بلا ذنب , فازداد التوتر و بدأت المواجهات العنيفة بين أهل القدس و قوات الاحتلال في الداخل المحتل , ثم انتقلت المواجهة شيئا فشيئا إلى قطاع غزة حيث أصبح هناك العديد من المناوشات بين جيش الذل و الهوان و بين المقاومة الفلسطينية في غزة تخللها تبادل جزئي متقطع لإطلاق النيران و الصورايخ بين طرفي النزاع .
في عصر اليوم السابع من يوليو تموز لنفس العام قام سلاح الجو الإسرائيلي بشن العديد من الغارات المتفرقة على أراضي زراعية فارغة و على عدد من المواقع العسكرية التابعة لفصائل العمل العسكري الفلسطيني المقاوم , مما زاد من حدة التوتر في الوضع الأمني على الساحة الإسرائيلية من جهة و الساحة الفلسطينية في غزة من جهة أخرى .
و في صباح اليوم التالي أعلنت إسرائيل الحرب رسميا على غزة حين قامت باغتيال القادة الثلاثة لوحدة البحرية في كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس و أطلقت إسرائيل على العملية اسم الجرف الصامد بينما أطلقت عليها المقاومة الفلسطينية اسم العصف المأكول , و من بعد ذلك هبت المقاومة لتثأر لدماء الشهداء و قامت برشق المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة بالعديد من الصواريخ ووجهت ضربات مؤلمة للعدو .
استمرت الحرب الجوية على غزة لعشرة أيام تقريبا , حتى أبدى جيش الاحتلال نواياه في اجتياح القطاع بريا و فعلا حصل ما لم يتوقع و قامت الآليات بالتقدم في المناطق الحدودية لغزة رغم إعاقة المقاومة الفلسطينية لها بكل الإمكانيات و السبل المتاحة , و بفضل الله و توفيقه لقنت المقاومة العدو دروسا عديدة و أثخنتهم جراحا و قتل من قتل و أصيب من أصيب و أسر من أسر , ولكن كل هذا لا يخفي حجم الألم و الدمار الذي حل بنا و بأهلنا في المناطق الحدودية الشرقية و الشمالية و حتى في المناطق التي كانت تعتبر آمنة نوعا ما في وسط المدينة .
تمددت أيام الحرب السوداء بشكل لم نألفه من قبل , واحد و خمسون يوما من فصول المعاناة و الجحيم واجهها أهل غزة , استشهد فيها من استشهد و دمرت فيها البيوت و لم يبقى حجرا ولا بشرا ولا شجرا إلا و مسته آلة الغدر الصهيوني بأذى , و خلال هذه الأيام العصيبة المريرة نزح المواطنون ممن دمرت بيوتهم و ممن كانوا يسكنون المناطق المضطربة المعرضة للصدام , إلى مراكز الإيواء متمثلة في مدارس الأونروا التي فتحت الأبواب على مصراعيها و التي اعتبرها المواطنون الأكثر أمانا آنذاك , و قامت الأونروا بتقديم المساعدات الطارئة للنازحين من طرود غذائية يومية و أغطية و ملابس .... الخ .
مع غروب شمس اليوم السادس و العشرين من آب أغسطس لنفس العام , تم إعلان وقف إطلاق النار بين الطرفين و ابتهجت غزة و فرحنا و حمدنا الله على أن أوقف عنا المزيد من إراقة الدماء و عاد من لم يصب بأذىً إلى بيته سالما غانما .
انقشعت سحابة الحرب و تجلت حينئذ هموم المكلومين و نزفت الجراح المضمدة طيلة الأيام السابقة و بدأت علامات الصدمة تعتلي جباه المنكوبين , انتهت الحرب بكل فصولها الأليمة , كانت حصيلة الشهداء و الجرحى و الدمار كبيرة جدا على هذه البقعة الصغيرة التي لولا إرادة الله لم تكن لتحتمل كل ما حل بها , حيث ارتقى خلال هذا العدوان الغاشم أكثر من 2200 شهيد جلهم من الأطفال و النساء و الشيوخ , و أصيب أكثر من 10000 جريح و تضرر ما يقارب 96000 منزل ما بين المدمر كليا و جزئيا و المصاب إصابات طفيفة حسب ما نتج عن التقييم الذي أنجزته الأونروا في الخامس عشر من ديسمبر لعام 2014 .
بعد انتهاء الحرب بأقل من أسبوع بدأت الأونروا بالطلب من النازحين بإخلاء مراكز الإيواء لتجهيزها للفصل الدراسي الأول للعام الجديد الذي سيبدأ في غضون أيام قليلة آنذاك , و هنا بدأت المعاناة تتفاقم من جديد هذه المعاناة التي لم و لن يشعر بها إلا من أصبح مشردا بلا جدران تضمه و لا سقف يقيه حر الصيف وبرد الشتاء .
في هذه اللحظات لم يجد المشردون حلا سوى أن ينصبوا الخيام أما منازلهم المدمرة أو يسكنوا تحت ما تبقى من حجارة و أعمدة و أسقف منازلهم , و بعد فترة وجيزة بدأت المؤسسات المحلية و الدولية بعمليات البحث و الإحصاء للبيوت المدمرة لتوفير المساعدات الرمزية لأهلها , هذه المساعدات التي لا تسد رمق هؤلاء الصنف من البشر الذين باتوا يجوعون و يعطشون الدفء و الأمان وليس الزاد و الشراب .
من أبرز المؤسسات الدولية التي سعت لمساعدة المشردين هي وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين الفلسطيني ( الأونروا ) بالرغم من أنها هي السبب الرئيسي في معاناتهم عندما أخرجتهم من مراكز إيوائها غصبا عنهم .
فقامت الأونروا بالبدء بجرد و إحصاء المنازل ذات الأضرار الجزئية الطفيفة بداية بدعوى أنها تريد أن تنهي ملف المبالغ المالية القليلة , فشرعت بالعمل و دفعت مبالغ مالية لأصحاب الضرر الطفيف زيادة عما يستحقونه لإصلاح بيوتهم , و استمرت هذه السياسة مدة طويلة , أما أصحاب الدمار الكلي فلم تساعد إلا القليل القليل منهم في دفع بدل إيجارات لهم .
كانت النتيجة أن الأونروا أصرفت مبالغ مالية طائلة على من لا يستحق و نست من هم بأمس الحاجة إلى هذه الأموال , و بالمقابل أيضا قامت بعض الجهات المانحة بإيجاد حلول بديلة للسكن و توفير كرفانات ( بيوت خشبية أو معدنية ) غير مصنوعة على أسس هندسية سليمة و غير مؤهلة للاستخدام الآدمي , و التي أثبتت عدم كفاءتها و فعاليتها خلال المنخفض الجوي الأخير الذي ضرب المنطقة قبل شهر تقريبا .
استيقظنا قبل يومين على خبر كان له وقع أحدّ من أزيز الرصاص على مسامع المواطنين المظلومين المقهورين في غزة , ألا و هو تصريح الناطق الإعلامي باسم الأونروا في غزة عدنان أبو حسنة أن الأونروا توقف المساعدات المالية للمتضررين جراء الحرب الأخيرة على غزة , و أكد الأخير أن الأونروا تعاني من ضائقة مالية و هي بانتظار أموال مؤتمر الإعمار لكي تكمل مسيرتها التي لم تبدأ أصلا بالشكل الحقيقي الفعلي , و أن الوضع وصل لحافة الهاوية في عملية إعادة الإعمار .
أي ضائقة مالية تتحدث عنها الأونروا و هي تعترف بأنها دفعت نحو 77 مليون دولار لــ 66 ألف عائلة في غزة , أين ذهبت هذه المبالغ الهائلة , أين آثارها الملموسة على أرض الواقع , ما هي الحلول و البدائل التي أوجدتها تلك الأموال , كل هذه التساؤلات تجول في أذهان أهل القهر و أهل الدمار و أهل النكبات في غزة .
السؤال الذي يطرح نفسه الآن لماذا عندما قامت الأونروا بالبحث و الإحصاء بدأت بالمخيمات و المناطق الآمنة التي لم تتضرر إلا القليل القليل , لماذا دفعت مبالغ بمئات الدولارات لمن كسر شباكه أو كسر لديه لوح من الاسبست أو حتى لمن تشقق جداره بسبب العوامل الجوية منذ عشرات السنين , لماذا يصرف مبلغ 2000 دولار لمن أنزل شبابيكه و ادعى أنها مكسورة وأخفاها عن أعين الباحثين و المهندسين , و لماذا يصرف مبلغ 5000 دولار و أكثر لمنزل مبني منذ 60 عاما و هوا لا يصلح للسكن من قبل 20 عاما و لم يصب أي إصابة مباشرة بسبب الحرب , لماذا تم صرف كل هذا بدون رقابة و عناية و محاسبة , ألهذه الدرجة الأونروا تشغل طاقما من المهندسين و الباحثين المغفلين الذين لا يجيدون التقدير أم إنها سياسة تتعمدها الأونروا لغاية في نفس يعقوب .
من المسئول عن كل هذه التجاوزات , ما هوا الدافع وراء كل هذه الحماقات التي ارتكبتها ولا زالت ترتكبها الأونروا في غزة , لو جئنا نحسبها سويا بالرياضيات البسيطة التي يعلمها الأطفال و ليس المهندسين , سنرى أن مبلغ 2000 دولار الذي دفع لمن كسر لديه شباكين يكفي لدفع الإيجار لمدة 10 أشهر على الأقل لعائلة قد تدمر منزلها دمارا كليا و أصبحت بلا مأوى , إذن النتيجة التي نحصل عليها من هذه الحسابات هو أن هذه المبالغ لو أصرفت بوجه حق لما بقي مشرد واحد في غزة يفترش الأرض و يلتحف المساء .
لكي نجيب عن هذه التساؤلات يجب أن نتوقف قليلا و نتأمل و نفكر مليا و الموضوع يستحق التفكير برأيي , من هي الأونروا ؟ من إدارتها ؟ من القائمون عليها ؟ من المانحون لها ؟ , فنجد أنها ليست إلا منظمة صهيوأمريكية أنشأتها عصبة الأمم المتحدة في ظاهرها الرحمة و الشفقة و المساعدة و في باطنها الدهاء و المكر و الخديعة و العنصرية و التدمير للشعوب المحتلة , جاءت الأونروا إلى فلسطين عقب نكبة عام 1948 لكي تلهي المهاجرين التائهين في ظلمات العيش بكيفية توفير المأكل و المشرب و الملبس و المسكن , فبنت مخيمات اللجوء و ساعدت اللاجئين على التجذر فيها و التعمير لتنسيهم أراضيهم التي هُجِّروا منها قسرا و بالتالي فقد حققت الأونروا الهدف الأسمى التي أنشات من أجله , و استمرت الأونروا بسياسة سد البطون من أجل تعطيل العقول و أوصلتنا لما نحن عليه اليوم وفي نهاية المطاف تركتنا نبحر في بحر النكبات بلا منقذ دون أدنى بصيص أمل لمستقبل الإعمار و إرجاع غزة لما كانت عليه قبل الحرب الأولى عام 2008-2009.
في ختام مقالي هذا أود أن أذكر أهل الصبر في غزة بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم " و الله لو أن الأمة اجتمعت على أن ينفعوكم بشيء لن ينفعوكم إلا بشيء كتبه الله لكم , و لو أنهم اجتمعوا على أن يضروكم بشيء لن يضروكم إلا بشيء قد كتبه الله عليكم , رفعت الأقلام و جفت الصحف " , تكالب عبنا العرب و العجم و مالكم غير الله يا أهل غزة , فاخلصوا النية لله و اصبروا و احتسبوا , لعل الله يحدث لكم من أمركم شيئا .
غزة - 29/1/2015 م
مع نسمات الصباح و تغريد البلابل و تساقط حبات الندى على وريقات الأشجار و الأزهار , مع حلول فجر اليوم الثاني من يوليو تموز لعام 2014 استيقظت القدس على صرخات الألم و الجراح , حيث قامت مجموعة من المستوطنين المتطرفين بخطف الشبل الفلسطيني محمد أبو خضير من حي شعفاط بالقدس , و من ثم تعذيبه و إحراق جسده الطاهر و هو حيا يلتقط أنفاسه الأخيرة في هذه الدنيا .
اشتعلت نيران الغضب في القدس المحتلة بل و في الضفة الغربية كلها للثأر للدماء البريئة التي أريقت بلا ذنب , فازداد التوتر و بدأت المواجهات العنيفة بين أهل القدس و قوات الاحتلال في الداخل المحتل , ثم انتقلت المواجهة شيئا فشيئا إلى قطاع غزة حيث أصبح هناك العديد من المناوشات بين جيش الذل و الهوان و بين المقاومة الفلسطينية في غزة تخللها تبادل جزئي متقطع لإطلاق النيران و الصورايخ بين طرفي النزاع .
في عصر اليوم السابع من يوليو تموز لنفس العام قام سلاح الجو الإسرائيلي بشن العديد من الغارات المتفرقة على أراضي زراعية فارغة و على عدد من المواقع العسكرية التابعة لفصائل العمل العسكري الفلسطيني المقاوم , مما زاد من حدة التوتر في الوضع الأمني على الساحة الإسرائيلية من جهة و الساحة الفلسطينية في غزة من جهة أخرى .
و في صباح اليوم التالي أعلنت إسرائيل الحرب رسميا على غزة حين قامت باغتيال القادة الثلاثة لوحدة البحرية في كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس و أطلقت إسرائيل على العملية اسم الجرف الصامد بينما أطلقت عليها المقاومة الفلسطينية اسم العصف المأكول , و من بعد ذلك هبت المقاومة لتثأر لدماء الشهداء و قامت برشق المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة بالعديد من الصواريخ ووجهت ضربات مؤلمة للعدو .
استمرت الحرب الجوية على غزة لعشرة أيام تقريبا , حتى أبدى جيش الاحتلال نواياه في اجتياح القطاع بريا و فعلا حصل ما لم يتوقع و قامت الآليات بالتقدم في المناطق الحدودية لغزة رغم إعاقة المقاومة الفلسطينية لها بكل الإمكانيات و السبل المتاحة , و بفضل الله و توفيقه لقنت المقاومة العدو دروسا عديدة و أثخنتهم جراحا و قتل من قتل و أصيب من أصيب و أسر من أسر , ولكن كل هذا لا يخفي حجم الألم و الدمار الذي حل بنا و بأهلنا في المناطق الحدودية الشرقية و الشمالية و حتى في المناطق التي كانت تعتبر آمنة نوعا ما في وسط المدينة .
تمددت أيام الحرب السوداء بشكل لم نألفه من قبل , واحد و خمسون يوما من فصول المعاناة و الجحيم واجهها أهل غزة , استشهد فيها من استشهد و دمرت فيها البيوت و لم يبقى حجرا ولا بشرا ولا شجرا إلا و مسته آلة الغدر الصهيوني بأذى , و خلال هذه الأيام العصيبة المريرة نزح المواطنون ممن دمرت بيوتهم و ممن كانوا يسكنون المناطق المضطربة المعرضة للصدام , إلى مراكز الإيواء متمثلة في مدارس الأونروا التي فتحت الأبواب على مصراعيها و التي اعتبرها المواطنون الأكثر أمانا آنذاك , و قامت الأونروا بتقديم المساعدات الطارئة للنازحين من طرود غذائية يومية و أغطية و ملابس .... الخ .
مع غروب شمس اليوم السادس و العشرين من آب أغسطس لنفس العام , تم إعلان وقف إطلاق النار بين الطرفين و ابتهجت غزة و فرحنا و حمدنا الله على أن أوقف عنا المزيد من إراقة الدماء و عاد من لم يصب بأذىً إلى بيته سالما غانما .
انقشعت سحابة الحرب و تجلت حينئذ هموم المكلومين و نزفت الجراح المضمدة طيلة الأيام السابقة و بدأت علامات الصدمة تعتلي جباه المنكوبين , انتهت الحرب بكل فصولها الأليمة , كانت حصيلة الشهداء و الجرحى و الدمار كبيرة جدا على هذه البقعة الصغيرة التي لولا إرادة الله لم تكن لتحتمل كل ما حل بها , حيث ارتقى خلال هذا العدوان الغاشم أكثر من 2200 شهيد جلهم من الأطفال و النساء و الشيوخ , و أصيب أكثر من 10000 جريح و تضرر ما يقارب 96000 منزل ما بين المدمر كليا و جزئيا و المصاب إصابات طفيفة حسب ما نتج عن التقييم الذي أنجزته الأونروا في الخامس عشر من ديسمبر لعام 2014 .
بعد انتهاء الحرب بأقل من أسبوع بدأت الأونروا بالطلب من النازحين بإخلاء مراكز الإيواء لتجهيزها للفصل الدراسي الأول للعام الجديد الذي سيبدأ في غضون أيام قليلة آنذاك , و هنا بدأت المعاناة تتفاقم من جديد هذه المعاناة التي لم و لن يشعر بها إلا من أصبح مشردا بلا جدران تضمه و لا سقف يقيه حر الصيف وبرد الشتاء .
في هذه اللحظات لم يجد المشردون حلا سوى أن ينصبوا الخيام أما منازلهم المدمرة أو يسكنوا تحت ما تبقى من حجارة و أعمدة و أسقف منازلهم , و بعد فترة وجيزة بدأت المؤسسات المحلية و الدولية بعمليات البحث و الإحصاء للبيوت المدمرة لتوفير المساعدات الرمزية لأهلها , هذه المساعدات التي لا تسد رمق هؤلاء الصنف من البشر الذين باتوا يجوعون و يعطشون الدفء و الأمان وليس الزاد و الشراب .
من أبرز المؤسسات الدولية التي سعت لمساعدة المشردين هي وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين الفلسطيني ( الأونروا ) بالرغم من أنها هي السبب الرئيسي في معاناتهم عندما أخرجتهم من مراكز إيوائها غصبا عنهم .
فقامت الأونروا بالبدء بجرد و إحصاء المنازل ذات الأضرار الجزئية الطفيفة بداية بدعوى أنها تريد أن تنهي ملف المبالغ المالية القليلة , فشرعت بالعمل و دفعت مبالغ مالية لأصحاب الضرر الطفيف زيادة عما يستحقونه لإصلاح بيوتهم , و استمرت هذه السياسة مدة طويلة , أما أصحاب الدمار الكلي فلم تساعد إلا القليل القليل منهم في دفع بدل إيجارات لهم .
كانت النتيجة أن الأونروا أصرفت مبالغ مالية طائلة على من لا يستحق و نست من هم بأمس الحاجة إلى هذه الأموال , و بالمقابل أيضا قامت بعض الجهات المانحة بإيجاد حلول بديلة للسكن و توفير كرفانات ( بيوت خشبية أو معدنية ) غير مصنوعة على أسس هندسية سليمة و غير مؤهلة للاستخدام الآدمي , و التي أثبتت عدم كفاءتها و فعاليتها خلال المنخفض الجوي الأخير الذي ضرب المنطقة قبل شهر تقريبا .
استيقظنا قبل يومين على خبر كان له وقع أحدّ من أزيز الرصاص على مسامع المواطنين المظلومين المقهورين في غزة , ألا و هو تصريح الناطق الإعلامي باسم الأونروا في غزة عدنان أبو حسنة أن الأونروا توقف المساعدات المالية للمتضررين جراء الحرب الأخيرة على غزة , و أكد الأخير أن الأونروا تعاني من ضائقة مالية و هي بانتظار أموال مؤتمر الإعمار لكي تكمل مسيرتها التي لم تبدأ أصلا بالشكل الحقيقي الفعلي , و أن الوضع وصل لحافة الهاوية في عملية إعادة الإعمار .
أي ضائقة مالية تتحدث عنها الأونروا و هي تعترف بأنها دفعت نحو 77 مليون دولار لــ 66 ألف عائلة في غزة , أين ذهبت هذه المبالغ الهائلة , أين آثارها الملموسة على أرض الواقع , ما هي الحلول و البدائل التي أوجدتها تلك الأموال , كل هذه التساؤلات تجول في أذهان أهل القهر و أهل الدمار و أهل النكبات في غزة .
السؤال الذي يطرح نفسه الآن لماذا عندما قامت الأونروا بالبحث و الإحصاء بدأت بالمخيمات و المناطق الآمنة التي لم تتضرر إلا القليل القليل , لماذا دفعت مبالغ بمئات الدولارات لمن كسر شباكه أو كسر لديه لوح من الاسبست أو حتى لمن تشقق جداره بسبب العوامل الجوية منذ عشرات السنين , لماذا يصرف مبلغ 2000 دولار لمن أنزل شبابيكه و ادعى أنها مكسورة وأخفاها عن أعين الباحثين و المهندسين , و لماذا يصرف مبلغ 5000 دولار و أكثر لمنزل مبني منذ 60 عاما و هوا لا يصلح للسكن من قبل 20 عاما و لم يصب أي إصابة مباشرة بسبب الحرب , لماذا تم صرف كل هذا بدون رقابة و عناية و محاسبة , ألهذه الدرجة الأونروا تشغل طاقما من المهندسين و الباحثين المغفلين الذين لا يجيدون التقدير أم إنها سياسة تتعمدها الأونروا لغاية في نفس يعقوب .
من المسئول عن كل هذه التجاوزات , ما هوا الدافع وراء كل هذه الحماقات التي ارتكبتها ولا زالت ترتكبها الأونروا في غزة , لو جئنا نحسبها سويا بالرياضيات البسيطة التي يعلمها الأطفال و ليس المهندسين , سنرى أن مبلغ 2000 دولار الذي دفع لمن كسر لديه شباكين يكفي لدفع الإيجار لمدة 10 أشهر على الأقل لعائلة قد تدمر منزلها دمارا كليا و أصبحت بلا مأوى , إذن النتيجة التي نحصل عليها من هذه الحسابات هو أن هذه المبالغ لو أصرفت بوجه حق لما بقي مشرد واحد في غزة يفترش الأرض و يلتحف المساء .
لكي نجيب عن هذه التساؤلات يجب أن نتوقف قليلا و نتأمل و نفكر مليا و الموضوع يستحق التفكير برأيي , من هي الأونروا ؟ من إدارتها ؟ من القائمون عليها ؟ من المانحون لها ؟ , فنجد أنها ليست إلا منظمة صهيوأمريكية أنشأتها عصبة الأمم المتحدة في ظاهرها الرحمة و الشفقة و المساعدة و في باطنها الدهاء و المكر و الخديعة و العنصرية و التدمير للشعوب المحتلة , جاءت الأونروا إلى فلسطين عقب نكبة عام 1948 لكي تلهي المهاجرين التائهين في ظلمات العيش بكيفية توفير المأكل و المشرب و الملبس و المسكن , فبنت مخيمات اللجوء و ساعدت اللاجئين على التجذر فيها و التعمير لتنسيهم أراضيهم التي هُجِّروا منها قسرا و بالتالي فقد حققت الأونروا الهدف الأسمى التي أنشات من أجله , و استمرت الأونروا بسياسة سد البطون من أجل تعطيل العقول و أوصلتنا لما نحن عليه اليوم وفي نهاية المطاف تركتنا نبحر في بحر النكبات بلا منقذ دون أدنى بصيص أمل لمستقبل الإعمار و إرجاع غزة لما كانت عليه قبل الحرب الأولى عام 2008-2009.
في ختام مقالي هذا أود أن أذكر أهل الصبر في غزة بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم " و الله لو أن الأمة اجتمعت على أن ينفعوكم بشيء لن ينفعوكم إلا بشيء كتبه الله لكم , و لو أنهم اجتمعوا على أن يضروكم بشيء لن يضروكم إلا بشيء قد كتبه الله عليكم , رفعت الأقلام و جفت الصحف " , تكالب عبنا العرب و العجم و مالكم غير الله يا أهل غزة , فاخلصوا النية لله و اصبروا و احتسبوا , لعل الله يحدث لكم من أمركم شيئا .