الأخبار
حماس: ذاهبون إلى القاهرة بروح إيجابية للتوصل إلى اتفاقإعلام إسرائيلي: جيشنا انهار في 7 أكتوبر رغم تدريباته لمنع هجوم مماثلكم تبلغ تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة؟تركيا تُوقف جميع التعاملات التجارية مع إسرائيلغزة: عطاء فلسطين تنفذ سلسلة مشاريع إغاثية طارئة للمتضررين من العدوانحمدان: إذا أقدم الاحتلال على عملية رفح فسنُوقف التفاوض.. والاتصال مع الضيف والسنوار متواصلأكثر من ألف معتقل في احتجاجات الجامعات الأميركية ضدّ الحرب على غزةرئيس كولومبيا يُعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيلبلينكن: نريد الآن هدنة بغزة.. وعلى حماس أن تقبل العرض الجيد جداًتركيا تقرر الانضمام لدعوى الإبادة الجماعية ضد إسرائيلالكشف عن نص العرض المقدم للتوصل لهدوء مستدام في قطاع غزةنتنياهو: قواتنا ستدخل رفح بصفقة أو بدونهاوفد حماس يغادر القاهرة للعودة برد مكتوب على المقترح الجديد لوقف إطلاق الناربلينكن: أمام حماس مقترح سخي جداً وآمل أن تتخذ القرار الصحيح سريعاًتضامناً مع فلسطين.. احتجاجات الجامعات الأميركية تتسع وسط مخاوف إلغاء مراسم التخرج
2024/5/5
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

هذه زبالة الماضي ..يا سوريا بقلم كلاديس مطر

تاريخ النشر : 2014-12-29
هذه زبالة الماضي ..يا سوريا بقلم كلاديس مطر
هذه زبالة الماضي ...يا سوريا  

بقلم كلاديس مطر

في كتابها الهام " نساء على أجنحة الحلم" ، تتحدث فاطمة المرنيسي عن الامويين الذين حكموا الاندلس قائلة " ...كانوا يحبون الإبحار بين اللغات وينتقلون بين الثقافات والديانات بمرونة عجيبة إن لم نقل " لاواعية " بحسب أبي. كانوا متسامحين الى حد أن الواحد منهم لايعرف ديانة جاره، وكانوا يغيرون العقائد كما يغيرون القفاطين. لا ! حقاً، كانت الأندلس غريبة! يصعب تدريسها لطفل لأن الكبار أنفسهم يصابون بالدوار لدى سماع أخبارها."
  مهما كان رأي المرنيسي في العرب الفاتحين في كتاب سيرتها الذاتية هذا، فإنه من الصعب حقا تدريس تاريخهم لطفل . والآن، كيف سنُدرس تاريخ سوريا الحديث الى أطفالنا؟ ومن هم أطفال سوريا؟ هل هم أجيال نمت بشكل متباعد روحيا ومتلازم زمنيا ؟ وهل كلهم يُعدون حقا الأجيال الفتية لسوريا؟  بعضهم سوف يكبر وفي قلبه حب أصيل لجاره والبعض الآخر سوف يترعرع منتظرا اللحظة لكي يقطع فيها رأس أخيه ويطرده ويبقى وحيدا في ملكوت إمارته.
 وماذا عن مؤرخي المرحلة وكتابها وفنانيها وشعراءها؟ ماذا عن مفكريها؟ وكم (نسخة) لدينا من تأريخ مرحلة الأزمة على يد هؤلاء ؟ هل كلهم على صواب ، أم كلهم على خطأ؟ وهل هناك لجنة من العقلاء ،أخيراً، لتقييم كل ما حدث وإعادة الامور الى نصابها؟ وإذ نتحدث عن لزوم ظهور مجموعة جديدة من القيم الانسانية لتحل محل القديمة التي عاشت معنا مئات السنين و فعلت فينا العجائب وأثبثث فشلها ، فهل نملك تصورأ كاملا أو لائحة بها؟ وحتى لو كانت لدينا مثل هكذا لائحة جاهزة وقبض اليد، فهل هناك وزير للتربية عاقل لكي يدمجها في مناهجنا التدريسية الى جانب التربية العسكرية والقومية والدينية أو حتى تحل محلها كلها فتكون مادة أساسية في النجاح والرسوب نطلق عليها مادة " التربية الانسانية " ؟ هل يمكن ان تصل الحكمة في يوما ما بطاقم الازمة لدينا (فيدركوا) أخيرا إن ما نعلمه لأطفالنا نحصده زيادة في أمن الوطن مباشرة ؟ متى سنصل الى هذه اللحظة الحاسمة الحقيقية من التفكير وأخذ القرار ؟ إن جيشنا منتشر في كل بقع الصراع على امتداد الاراضي السورية يحارب الموت وطواحين الارهاب بينما حكومتنا غارقة في ترقيع الثقوب الكثيرة التي خلفتها الازمة المدمرة هنا وهناك ثم التحايل على القوانين الدولية لتجنب العقوبات والعزلة ؟ أما نحن الذين يطحننا الغلاء والفساد المنظم والمنفلش وكذلك قلة الحيلة وهذا الحب المعذب الباقي في قلوبنا لوطن نعرف أنه اغلى من بؤبؤ العين فليس لدينا سوى الشكوى لطوب الأرض .
 آخر النفق لانصله عن طريق وقف العمليات العسكرية او انتهاء الحرب بقدرة قادر، وإنما بسبب هذه اللحظة الحاسمة المقدسة الماسية التي سوف تهبط على الانسان السوري فيدرك أنه من عاشر السمتحيلات أن يستمر مشروع ما مهما كان مدعوما من أساطين المال والسلطة - وأقصد تحديدا ممولي الارهاب الثوري الربيعي - اذا بني على التفتيت والتقسيم وإلغاء الآخر والترهيب الديني المتطرف. أما الذين يستعملهم هذا الارهاب كحطب لناره المتقدة اليوم جذوتها في سوريا، فسوف ينتهون باعتبارهم محض ( حطب) وذلك لأن المشاريع الانسانية البقائية الطويلة الأمد لا يمكن إلا  أن يكون أساسها الحوار والمحبة والاتفاق والدمج. اقرأوا التاريخ فهو لم يخطىء مرة واحدة.
 التاريخ لا يحلم مثل الشعر ، اذ مهما تطرف في كذبه وتذويره فإنه في مكان ما سوف يلفظ الحقيقة كاملة غير منقوصة تماما مثل البحر الأهوج الثائر الذي يحجب بهيجانه رؤية القاع ، لكنه حالما يهدأ و يركن تطفو مكوناته على السطح ويصبح مدى رؤيتها سهل المنال . إن كل المجازر والحروب  والانزياحات السكانية  والتطهير العرقي  والديني التي حدثت عبر تاريخ الانسانية لم تستمر ولم تؤتى ثمارها لأنها بنيت على فكرة " الارهاب"، والارهاب كسيستام يأكل نفسه وينقلب على ذاته وينتقم أخيرا من أدواته ذاتها.
 مرة اخرى، التاريخ لا يكذب مهما تمادى أو تمادوا في تزويره لأنه يخبىء الحقيقة الكاملة في مكان ما وسيلفظها حتما في توقيت لاحق . حتى أولئك الذين سعوا لاخفاء قصص وسير بكاملها من مسيرة دين ما أو تاريخ منطقة ما لم يستطيعوا أن يفعلوا هذا الى الابد، ذلك أن شعوب اخرى اكثر صدقا مع نفسها عمدت الى نشرها وترجمتها وتبيانها وتوثيقها. التاريخ ( بكل نسخه) أصبح متاحا للجميع في عصر سمحت فيه التكنولوجيا أن نعرف ليس فقط سير وحوادث وحروب وكتب تم اخفاءها عن سابق تصور وتصميم وإنما أيضا معرفة عمر الهياكل العظمية المتآكلة تحت عشرات بل مئات الطبقات الارضية القديمة.
 في سوريا، سمح الارهاب بما فيه من طبيعة انقلابية بتظهير الطبقات الاعمق من النسيج الاجتماعي والروحي والفكري السوري. هل كان هذا توقيتا مقدسا للتغييرإذن والتعديل ؟ نعم، ربما كان هذا هو الوقت وإن كان توقيتا لم يفهمه أو يقبله الأغلبية. ربما لم يكن هذا التغيير واردا أو حاصلا في هذه الطبقات المتحجرة الاعمق لولا انفجار وحشي وساحق كالارهاب وذلك على الرغم من شناعته كأداة للتغيير، أو، ولنضع المعادلة  في صيغة اخرى، لربما كان هذا التحجر القاسي في الطبقات الاعمق بحاجة لأداة مهولة في قوتها مثل الارهاب لتتناسب معه . وهاهو يقع، والتفكك في الطبقات يحدث و" زبالة العتق المتحجرة بسراديبها" تتخلخل و تتحرك من مكانها وتظهر على السطح . إن تدمير المجتمع لا يأتي من الخارج فقط وإنما من زبالة الماضي التي لم نرد التخلي عنها والاندماج مع العملية الطبيعية للتطور التي لا تشمل فقط المادة وإنما الفكر والروح أيضا. والدليل الجلي على ذلك هو هذه " الزبالة " التي حالما خرجت الى السطح عرف الجميع أنها لم تعد صالحة لتماسك هذا البنيان السوري المعاصر وإنه آن الأوان لاستبدالها بزيوت الحب المباركة ومجموعة جديدة من القيم الانسانية لكي تحل محلها وتعيد ترتيب البيت السوري الداخلي على أسس افضل .
 حين تعطي كتابا جديدا لأحد ما و يقول لك " هذا كتاب جيد لإنه يتناسب مع ما ورد في الكتب المنزلة ولا يخالفه" تدرك تماما أن الزبالة مازالت موجودة. وحين تقبل امراة أن " تجاهد " بجسدها في سبيل الله ، تعرف أن الزبالة مازالت موجودة . وحين لا يقبل أحد أي تعديل في قوانين الأحوال المدنية والجزائية  تعرف أن الزبالة مازالت موجودة، و حين يرفض سني الزواج من شيعية او العكس تعرف ان الزبالة مازالت موجودة، و حين يكون شرف الرجل في عورة المرأة تعرف ان الزبالة مازالت موجودة، وحين لا تكون صناديق الاقتراع هي مرشد الشعب تعرف ان الزبالة مازالت موجودة، ...وهناك آلاف الامثلة على وجود هذه الزبالة التي تحتاج الى أداة بحجمها وقذارتها لتقتلعها من مكانها مع الاسف. إن زلزلال التغيير عنيف من دون شك و لكنه سوف يفضي الى فضاء أرحب ورؤية أفضل للمستقبل . وإن ابتدأ السلاح في سوريا بهذه الخطوة  فلايجب بالمطلق ان يكون هو من ينهيها وإنما علمانيو ومفكروا ومثقفوا البلد ومعهم الشعب كله. فإذا دخلنا في معمعة هذه الحرب المسلحة عنوة فلا يجب حالما تنتهي وظيفة السلاح من الاستمرار في نفس نوعية القتال واجزم أن الجميع متفق على هذا . إن تبديل الاسلحة خلال المعركة لهو في غاية الاهمية والاسلحة القادمة، متى وضعت الحرب اوزارها، هي أسلحة التربية والتعليم وكذلك أسلحة المبادىء الانسانية التي آن الأوان لكي نبني الوطن الجديد وفقها.
 لقد تعلمنا هذا الدرس القاسي للتاريخ الآن، إذ لارجعة إلى الوراء  بل حتى لا مجال لترقيع العيوب بالخرق " وجلود الصنابير " ..لا مجال بعد اليوم.
الذين يتحدثون عن قساوة النظام يقابلهم الذين يتحدثون عن إجرام الارهاب الذي ادعى أنه أتى بقصد التغيير والاصلاح . مع ذلك، لا مجال للمقارنة ،لابل من الظلم المقارنة بين الاثنين ، فمن يدمر البنية التحتية لوطن لا يمكن أن يُقارن بمن يحميها أو يبنيها. ومن يقف في وجه العدو التاريخي للوطن لا يمكن ان يقارن بمن يمد يده ويفتح أبواب البيت للقتله . وهذا آخر الكلام في هذه النقطة.
تعيش سوريا اليوم، إذا، مرحلة قاسية من إزالة السموم في جسدها العتيق، جسدها القديم الذي بنت فوقه الحضارات المتعاقبة صرح أمجادها وزبالة عقائدها. إنها تعيش " قيامتها " الخاصة لكي تزيل اغطية الحجر القديم المتعفن..فليستغل الجميع اللحظة و ليملأوا هذه الفراغات بالحب اللامشروط  لوطن اصبحوا يعرفون أنه اغلى من بؤبؤ العين ، وطن اخترناه بكامل قوانا العقلية وعن سابق تصور وتصميم.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف