الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

فقه القََسَم في نص سورة الضحى بحث بقلم: محمد عزت الشريف

تاريخ النشر : 2014-12-25
فقه القََسَم في نص سورة الضحى   بحث بقلم: محمد عزت الشريف
فقه القََسَم في نص سورة الضحى
بحث : محمد عزت الشريف
ـــ

الدافع على هذا البحث: اختلافُ كثيرٍ من العلماء، على مَرِّ الزمان؛ في تآويلهم بعض المجهول، وتعاليلهم بعض المعلوم في نَصّ "سورة الضحى".

هدف البحث: الإشتغال على النقاط التي تنوعت فيها آراء العلماء في تأويل نص السورة؛ ليتسع مجال التنوع الممنطَق، المؤسَّسِ على تفكيرعلميِّ ذي منهج.

والمنهج المعتمد هنا: هو منهج منطقيٌّ تفكيكيٌ تحليليٌ لنص القَسَمِ الوارد في الآيات الثلاث الأُوَل من السورة الكريمة.

توصية : لقد بَنَيتُ البحث على فرضية أنّ الباحث والمتلقّي يقرؤون النص لأول مرة، ولا يعلق بإذهانهم شيئاً مما قال الأولون والآخِرون فيما يتعلق بالنصّ من تأويلات ومناسبات نزول ..
***
إنّ الفََهْمََ الصحيحَ لعناصر "نَصِّ القَسَم" و مُحدِّداتِ عملية اختيار"المُقسَمِ به" لَهُوَ البابُ الرئيسيّ الصحيحُ لاستعلام المجهول، وتَجْلِيَة وتوضيح المُشتَبَهِ علينا والمشكول؛ من المعاني في النص المطروح، والمحدّد لماهِية و كُنه الموضوع.

فإن صِيغة القسم و إختيار المُقسَم به تحدِّدُهما عِدًَّةُ إعتباراتٍ أساسيّةٍ من بينها :
ـ اعتبار شخص "المُقسِم" أو "الحالف".
ـ و اعتبار شخص "المُقسَم له" أو "وجهة القسم".
ـ واعتبار "المقسم عليه" أو "جواب القسم".
ـ واعتبار التجربة السابقة المشتركة بين المُقسِم "الحالِف" والمُقسَم له، و الخبرة الإيجابية التي أثمرتها تلك التجربة المشتركة؛ وقد لمس كل طرف إخلاص الأطراف الأُخر، وحرصها على مصلحة وخير المجموع و الموضوع.

كل ذلك مع مراعاة أن يكون موضوع التجربة السابقة ـ بالطبع ـ هو من نفس جنس موضوع التجربة الجارية.
ـ وأخيراً، يتم إختيار المُقسَم به على اعتبار علاقته بموضوع الخبرة السابقة من جهة و موضوع المُقسَمِ عليه "الذي هو جواب القسم" من الجهة الأُخرى في ذات الوقت.

إذا انتقلنا لتطبيق ذلك على صيغة القَسَم في الثلاث آيات الأُوَلِ من سورة الضحى
نجدُ أنها جاءت هكذا " والضحى • والليلِ إذا سَجَى • ما ودّعكَ ربك وما قلى"
نلاحظ هنا أنّ كلّ "عناصر القَسَم" معلومةٌ وصريحةًٌ في النصّ؛ بما فيها "المُقسَم به"

إذن؛ و بذات المنطق والمنهج نستطيع أن نُفكّك و نُحلِّلَ كلَّ عناصر نص القَسَم ـ المعلومة لدينا صراحةً ـ للتوصُّل إلى كل مجهولٍ، وتجليةِ كل مشكولٍ ـ وصولاً إلى صحيح التأويل للمعاني المبهمة في الموضوع.

لِمحاولة فهْم مَغزى إختيار الله سبحانه للمُقسَم به الذي جاء في صريح نص الآيتين الأُولَيين من السورة الكريمة ـ
علينا أن نبحث في كل تلك العلاقات السابقة، والقائمة؛ بين كل العناصر الموجودة معاً في المشهد..
فلابد أن هناك علاقة ـ ما ـ تجمع بين "الربّ سبحانه" و"العبد" و" الضحى• والليل" اللذين هما ظرفا الزمان للحدث، ولكن ..
أيّ حدث نقصد هنا؟
علينا أن نَتوصَّلَ إلى حقيقة و ماهية هذا الحدث الذي هو" موضوع السورةِ ذاتها"
بشكل منطقي ومرتب، وليس هرجاً و قفزاً ..

هنا؛ لا يكون أمامنا من خيارات غير أن نتقدم خطوة أُخرى؛ لندخل إلى رحاب الآية الكريمة التالية، والتي تمثل جواب القسم :"ما ودّعكَ ربك وما قلى"
و نتناولها بالتفكيك والتحليل، لنرى ما يمكن أن نستنبطه ونخرج به من نتائج..

إنَّ النظرة الأولى الفاحصة في هذه الآية الكريمة "ما ودّعكَ ربك وما قلى" كفيلةٌ أنْ تترك فينا إنطباعاً واضحاً أنَّ هذه الآية آيةٌ للمعاني المتقابلة!!
فالآية المعجزة مليئة بالمعنى ومقابِلِهِ، بالصريح والضمني، و بالنفي والإثبات..
وموضع الإعجاز هنا ؛ كيف أنَّ جملة قصيرة، تحتوي على أربع أو خمس كلمات تنطوي على كل هذه المعاني المتقابلة، و صِيَغِ النفي والإثبات المتعددة؟!

نحن لو نظرنا في المعنى الواضح البسيط للآية سنجدها وببساطةٍ تقول :
"يا محمد ، إنّ الله معك".
ألم يكن من الممكن أن عبارة بسيطة مُثـْبََتةً كهذه، تحتوي على نفس العدد من الكلمات ـ تقريباً ـ أن تؤدي ذات المعنى؛ ودون حاجة إلى كل هذا النفي والإثبات، و المعاني ومقابلاتها؟!
نحن إنما نبحث هنا عن سِرٍّ ـ ما ـ عظيمٍ في صياغة نص هذه الآية !!
"ما ودّعكَ ربك وما قلى"
هذه الآية؛ تبدو لنا من أول وهلةٍ أنها محور السورة ومقصدها الأعظم.

فلنبدأ بالتأمُّل في صياغتها، والتدقيق في مكوناتها؛ ونحاول إرجاع كل مفردة فيها إلى جذرها اللغوي ونبدأ بـ "وَدّع" ": هذه الكلمة هي صيغة مبالغة من الفعل الماضي والجذر اللغوي "وَدَعَ"؛ وهي تعني: الترك مع المشاعر الإيجابية الطيبة تجاه المتروك.
ومعنى "الوداع" يقابل معنى" اللقاء" وينفي وجوده في ذات اللحظة.
والمبالغة في "الوداع" يعني المبالغة في "نفي اللقاء أو الصلة "
وكأنّ النصّ الكريم هنا عند هذا الحدّ يؤكد "نفي اللقاء أو الصلة"؛ ولكن العجيب والبليغ في صياغة العبارة؛ أنْ تأتي أداة النفي "ما" لتنفي المنفي !!
بل جاءت لتنفي المؤكد نفيه بصيغة المبالغة " ودّع " التي جاءت لتبالغ في تأكيد المعنى المقابل لمعنى اللقاء والصلة!!
إذن؛ فإنّ أداة النفي "ما" قد جاءت لتنفي النفي المؤكد بصيغة (فََعّلَ)
و .. أليست المبالغة في نفي النفي تعني المبالغة في إثباته؟!

إذن؛ المعنى المستخلص من كل هذاهو: المبالغة في تأكيد اللقاء والصلة الوطيدة.
هذا ما يخص "ماودعك" ـ فماذا عن مفردة " َقَلَى" في الآية الكريمة ؟
"ما ودّعكَ ربك وما قلى"
ما المعنى اللغوي للفعل " قلى"؟
القِلَى : الترك عن كره وبُغض، والهجر بنفور و جفاء.
و معنى القِلى هنا يقابل أيضاً معنى اللقاء وينفيه
وكما قلنا في تأويل "ما ودّعك"؛ فأداة النفي عادت مرة أخرى إلى النص لتنفي اللقاء والصلة الحميمة.
ومرة أخر نقول : نفي النفي إثباتٌ، ونأتي بالمعنى المستخلص في النهاية؛ و هو المبالغة في تأكيد اللقاء والصلة الحميمة. .
و من ثَمَّ نتوقف هنا ـ عند حدّ إكتمال الصورة ـ ونتأمّل تكرار النفي والإثبات، ونتأمّلَ تقابل المعاني في الآية، و تنوع الصريح والضمني، والظاهر والمستتر من الأفعال والضمائر ..
فأداة النفي "ما" وردت مرتين في آية من خمس كلمات، وجاءت كل "ما" في الحالتين تنفي معنى منفيّاً؛ بل ومُبالَغاً في نفيه؛ فنتج عن ذلك بالمقابلِ مُثْبَتٌ مؤكَدٌ إثباته!!
وظهرت لنا أفعالٌ ضمنيّة معبرةٌ عن معنى اللقاء في مقابل معنى الوداع المنفيّ
وظهر ما يعبر عن معنى الحميمية والحب في مقابل معنى القِلَى والبُغض.

عند هذه النقطة من البحث يجابهنا تساؤل طبيعي هو: هل هذة المعاني المتقابلة جاءت عفواً أو مصادفة ؟!
والإجابة هي: بالطبع لا
فإن كل حرف وعبارة وكلمة من كتاب الله لا تجيء دائماً إلا في مكانها، ومناسبتها تماماً..
فلو نظرنا مثلاً إلى بقية أفعال السورة حتى آخرها؛ سنجدها مفعمة بالمعاني وأضدادها أو ما يقابلها، وبالإثبات وما يقابله من نفي و نهي..
" الآخرة ـ الأُولى" ، " اليُتٍم ـ المأوى" ، "الضلال ـ الهدى" ، " العِيلة ـ الغِنى" ، "المعنى ـ والمقابل"، "النفي ـ والإثبات"، "الأمر ـ والنهي"، "لا تقهر"، و"لا تنهر" "ما ودّعك" ، و "ما قَلّى"
إذن؛ هو منهج له دلالة، بل وله دَورٌ في تَجلِيَةِ بعض المعاني التي غمّت علينا والتي استترت أفعالُها عن الظهور ـ ليمكننا الآن تجليتها من خلال مقابلة كل معنى لفعلٍ صريحٍ بآخر يقابله ليَكون دلالة على فعلٍ آخرَ ضمنيٍّ مستترٍ غير ظاهر !!

وهنا نعود لمواصلة البحث عن الحَدَث الذي هو موضوع التجربة الإيجابية التي ذكّر بها ربُّ محمدٍ محمداً؛ الحدث الذي شهده واحتواه ظرفا الزمان " الضحى" و "الليل" الحدث الذي هو موضوع السورة، و الذي جاء بشأنه القسم الذي هو موضوعنا في هذا المبحث.
الحدث الذي أصبح يسيراً علينا ـ الآن ـ تعيينه وإدراكه بعد ملاحظة وإدراك مبدأ "المقابلة" الذي عمّ كل جنبات النصِّ من مبتدئه حتى منتهاه.
و إذا سحبنا هذا المبدأ ـ مبدأ المقابلة" ـ على كل أفعال النص القرآني الحكيم، ينتج مما ينتج لنا فعلٌ جديدٌ مستترٌ مبنىً، وظاهرٌ معنىً؛ هو الفعل الذي يقابلُ معناه معنى الوداع و القِلى؛ ألا وهو اللقاء والتواصل الحميم بين الرب الرحيم، و عبده و رسوله الأمين..
"ما ودّعكَ ربك وما قلى"
وماذا يقابل الوداع والقِلى في هدأة الليل وحركة الضحى غير" الصلة والحميمية والحب والرعاية" ؟!
إنها الخبرة الإيجابية التي تََحََدَّثنا عنها في بدء هذه الدراسة؛ التي استحضرها الربّ الكريم وذكّر بها محمداً ـ عبده ورسوله ـ كشاهدة على القسم، و كمَبعَث إطمئنان لقلبه على صدق وعد الله له؛ في استئناف ومواصلة ذلك الحدَث،

ولكن؛ ماذا عساه أن يكون من أحداث تعبِّر عن تجارب مشتركة بين العبد والربّ غير أن تكون بواسطة "وَحي" !!
إذن الحدث الذي نبحث عنه هنا هو " حدث تنزيل الله وََحيه الأمين على صدر عبده ورسوله المصطفى الأمين محمد عليه أفضلُ الصلاةِ والتسليم.

" والضحى • والليلِ إذا سَجَى • "ما ودّعكَ ربك وما قلى"
والقَسََم هنا كأنما يقول ضمنياً: أيا عبدي، إن كنتَ قد صدّقتني وآمنت لي في حالتك الأولى معي، فصدّقنِِ وآمِنْ بما أعِدُك به في حالتك هذه الآخرة .

•• هنا وعند هذه المثابة من رحلتنا نحو بحث فقه القَسَمٍ في السورة
نكون قد عَلِمنا و حقَّقنا :
ـ أداة القسم وهي: الواو التي جاءت قبل " الضحى" وجاءت واو العطف في بداية الآية التالية؛ لتعطف القَسَم " بالليل إذا سجى" على القسم "بالضحى".
ـ المُقسَم به وهو: " الضحى• والليل إذا سجى"
ـ المُقسَم له هو: " محمد عبد الله ورسوله"
ـ المُقسِم" الحالف" هو: الله عز وجلّ ربّ محمد وإلهه، وربُّنا وربّ العالمين.
ـ الحدَث والتجربة المشتركة بين المُقسِم، والمُقسَم له" هي تجربة نزول الوحي"
ـ جواب القسم و وعد ربّ العالمين: " ما ودّعك ربك وما قلى"
ـ وحتماً الوعدُ وهو رسالة طمأنة تدل على أن سبب القسم وسبب نزول الآية المستنتج هو " قلق "محمد الرسول الأمين" على مستقبل الدعوة، بعدما شعر به من فتور نزول الوحي لفترة من الوقت.

• الآن وقد بنينا تصورنا لهيكل وبعض تفاصيل بناء السورة الكريمة والحمد لله والله أكبر ..
نستكمل رحلتنا في إدراك ما يمكن أن ندركه من تفاصيل لأن نُحسِنَ تَدَبُرََنا للسورة الكريمة بتفقُّهنا فيها:ـ
ونستأنف الرحلة بالبحث في خصوصية ظرفي الزمان الأول و الثاني، وحكمة إختيارهما كمَقسَمٍ به؛
وهذا يدفعنا للبحث في العلاقة بينهما من جانب
والعلاقة بينهما معاً وبين "جواب القسم" من جانب آخر

العلاقة بين "الضحى" و "الليل" حتماً يجب أن تكون من نفس جنس العلاقة التي بحثناها و حقَّقناها في هذا المبحث؛ ألا وهي علاقة المقابلة، وليست علاقةََ التشابه ، كما وليست هي علاقة "الإثنينية" الموجودة ـ أزلاً ـ في كل شيء في هذا الكون.
وعندما نقول أنها ليست علاقة الإثنينية الكونية فهذا لا يحتاج لأدلة وبراهين حيث أن الليل لا يقابل الضحى؛ بل يقابل النهار ..

إذن؛ فأين وجه المقابلة بين "الضحى" وبين "الليل"؟
هنا يؤون الأوان لأن نذكر الليل هذه المرة مصحوباً بصفته التي ذُكِرت معه في الآية الثانية من السورة الكريمة " والليل إذا سجى"
ونعود للسؤال : هل هناك مقابلة بالفعل بين "الضحى والليل إذا سجى"؟
سيسهل علينا الإجابة على السؤال إذا بدأنا قبلاً بالبحث في التساؤل التالي :
ـ هل عَيّنَ الله سبحانهُ وتعالى "الليلَ" على إطلاق مراحله وصفاته كظرف زمان وشاهد على نزول الوحي على محمد ـ أم أنّه سبحانه خَصّ مرحلة منه محددةً ـ بصفتها ـ في الآية الكريمة كظرفٍ مباركٍ جديرٍ بالشهادةِ على صدق وعد الله سبحانه فيما قطعه على نفسه سبحانه من دوام تحقيق ما جاء في جواب القسم في اللاحِقِ ـ كما كان شاهداً على حقيقة نزول الوحي الأمين على محمد في السابق ؟

لقد ذكر الله في الآية الكريمة من صفات الليل ومراحله ـ صفةَ ومرحلةَ السجوّ ، فقال "والليل إذا سجى"
ـ وبذلك فقد خَصَّ "سبحانه وتعالى" و بشكل محدّد "صفة الوقت" من الليل الذي ينزل فيه الوحي، والذي اختاره الله عز وجلّ ـ من بين كل الأوقات ـ لِيُقسِمَ به؛ وهي صفة السجوّ..
ـ بينما حدّدت كلمة "الضحى" ـ صراحة ـ الوقت من النهار الذي قصد إليه الله سبحانه ليكونَ مُقسَماً به، وهو وقت في بدايات النهار، لكن الصفة من الضحى التي قصدها المولى ـ عزّ و جَلّ ـ ليست مذكورة في النص بصريح لفظها ومبناها ، ومن ثمَّ علينا بحثُها من خلال إعتماد نفس مبدأ المقابلة بين صفة الليل المذكورة صراحةً وهي "السجو"، وصفة الضحى" غير المذكورة؛ والتي لابد أنها تقابل في معناها هنا معنى "السجو" ..
و كذا؛ يمكننا تَحَرّي وإستنتاج صفة الضحى المقصودة في النص الحكيم؛ بطرائقَ وانتهاجاتِ عديدة ؛ منها:
منهج استدعاء خواص التناسب في علم الرياضيات؛ حيث يمكننا أن نستنتج حدّا مجهولاً من خلال علاقته التناسبية النظرية بثلاث حدودٍ معلومة كالتالي:
ـ فـ "الليل" وقت معلوم في نص السورة، يقابله "الضحى" وهو كذلك وقت معلوم فيه.
ـ و"السجو" وهي صفة من الليل معلومة، يقابلها "..." وهي صفة من النهارمجهولة.

• فإن كان السجوّ وهي صفةٌ تُحمِلُ مَعنى "تمام الإظلام والسكون في الليل، فإنّ ما يقابلها حتماً هي صفة تحمل معنى: تمام الضوء والحركة في النهار.
وهنا تتضح الصورة تماماً فـ" الليل وقت ، والسجوّ من صفاته ـ والضحى وقت، و تمام الضوء والحركة من صفاته.
ولنعاود التأمّلَ عودةً خاصة ببحث عِلَّة ذِكْرِ الليل بإطلاقه مع ذِكرِ صفة منه كمُحدّد و دليل ، فيما لم يُذكَرْ النهار بإطلاقه؛ وإنما ذُكِر مُحَدَّداً بوقت من أوقاته !!
هل في ذلك ثمّة ملمحٌ بلاغيّ؟!

إن تحقيق هذا الأمر يستوجب استعراض الليل والنظرِ فيه من حيث درجة النور والظلمة على مدار أوقاته؟
وكذا يجب أن نستعرض النهار وننظر فيه من حيث درجة الضوء فيه على مدار أوقاته؟
ففي النهار دائما ما يكون تمام الضوء هو في وقت الضحى تحديداً؛
أما في الليل فإن تمام الظلام ليس مرتبطاً دائماً بوقت مُحَدّدٍ من أوقاته.
وسبب هذا التباين بين حال الليل وحال النهار من حيث أطوار ونسب الضوء والظلام؛ هو أن حركة الشمس بالنسبة للأرض تتباين عن حركة القمر بالنسبة للأرض..
ـ فالشمس على سبيل المثال يمكن إدراكها في مكان ما محدَّدٍ من السماء في كل وقتٍ للضحى،
ـ فيما لا يمكننا ضبط القمر في مكان محدَّدٍ ـ بعينه ـ من السماء في كل وقت للسحر على سبيل المثال.
• وبالتالي فإن "تمام الضوء" يمكن تحديده في وقت ما من النهار،
• على غير "تمام الظلمة" فإنه لا يمكننا تحديده وحصره في وقت محدد من الليل، حيث أن نظام دوران الأرض والقمر تجعل للقمر احتمالية أن يسطعَ نوره في أي وقت من الليل، وبالتالي فإن تمام الظلمة من الليل ليست مُحدّدةً بوقت ـ أو جزء، أو مرحلة ـ منه .
لذلك ؛ فإن النصّ الكريم البليغ عندما أراد الإشارة إلى تمام الظلمة وتمام الضوء..
فقد حَدَّدَ من النهار وقتاً؛ إذا تحقق فقد تحقق المعنى المشار إليه في النصّ.
وحدَّد من الليل صفةً؛ إذا تحققت فقد تحقق المعنى المشار إليه في النصّ.
إذن؛ فالمقابلة التي نبحث عنها بين ظرفي الزمان "الضحى" و "الليل إذا سجى"
(قد تحققت الآن من خلال وقت الضحى من النهار؛ في مقابل صفة السجو من الليل)

وهنا يكون البحث قد انحصر في "خصائص الضحى" التي تقابل "خصائص سجو الليل" ـ و هذان هما المتقابلان ـ اللذَان خَصَّهما الله سبحانه باستحقاق القسم بهما؛
حتى يكون ـ في ذلك ـ الدليلُ الذي يطمئن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على أنّ نزول الوحي الإلهي لم ينقطع وأنه باقٍ، ولا يرتبط بنسق منتظم دائم، أو دوريًّ دائر، أو منقطعٍ منعدِم ..

فكأن صيغة القسم تقول لنا أنه: كما كان نزول الوحي في وقت من الليل، فقد كان نزوله أيضاً في وقت من النهار.
وكما كان نزوله في سجُوّ الليل ، كان نزوله أيضاً في وضح النهار.

فأيُّ غرابةٍَ في أن يكون من طبيعة الوحي أنه ليس سَيْلاً مُتدفِّقاً، أو شلالاً متواصلاً ـ يا محمد ـ حتى تقلق من فتوره عليك حين يفتر؟! ـ ولقد سَبَقت خِبٍرَتَكَ أنّ الوحيَ الذي كان ينزل في سجو الليل كان يفتر بعض الوقت قبل أن يعودَ مرة أخرى مع الضحى.
فكما هو حال "الوحي" في ذات اليوم والليلة؛ ينشط حيناً ويفتر حيناً ، فهو بالمثل على مدار العمر؛ ينشط في حينٍ ويفتر في أحايين.
والله تعالى هو الحكيم، وفوقَ كلِّ ذي عِلمٍ عليم.
***
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف