الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

عوامل خروج الثورة من يد اصحابها بقلم:جورج كتن

تاريخ النشر : 2014-12-18
عوامل خروج الثورة من يد اصحابها بقلم:جورج كتن
جورج كتن - كانون اول 2014
في مقال سابق وصفنا ثورة الشعب السوري بانها اخطتفت من قبل قوى جهادية تكفيرية على رأسها داعش والنصرة وكتائب اسلامية مشابهة، وخرجت عن هدفها الرئيسي لاستبدال النظام الاستبدادي بنظام ديمقراطي يؤمن الحرية والكرامة لكل السوريين. لكن "الاختطاف" كعمل مفاجئ، تعبير لا يعطي فكرة واضحة عن حقيقة "التحول" الذي جرى على مراحل الى ان وصل لما هو عليه الآن من هيمنة القوى الاسلامية المتطرفة على العمل المسلح المواجه للنظام رغم وجود بقايا للثورة لا تزال تقاوم تهميشها.
حدث التحول الذي اخرج الثورة من يد اصحابها لاسباب وعوامل متعددة منها ما هو تحول اضطراري كتسلح الثورة كخيار مفروض رداً على وحشية النظام تجاه المسيرات السلمية. العسكرة جرت بشكل عشوائي محلي ودون خطة او قيادة موحدة بقرارات مركزية مطاعة من الجميع، وابتعد حاملو السلاح تدريجيا عن الارتباط بالحراك المدني، وعملوا لوضع المؤسسات المدنية التي اقامتها الثورة تحت سيطرتهم بدل ان يحدث العكس، ان تتبع القوى العسكرية لقيادة سياسية.
الثورة الشعبية السلمية ابتكرت مؤسسات، تنسيقيات ثم مجالس محلية، تتبعها لجان للعمل في مختلف المجالات، كان يجب تحويلها الى شبه سلطة جديدة موازية لسلطة النظام تخضع لها كافة النشاطات التي يمارسها الحراك الشعبي دون استثناء العمل العسكري. في الثورة الروسية اقام الشعب سلطته الموازية، مجالس العمال والفلاحين -السوفييتات- قبل انهيار الحكم القيصري، بحيث كانت جاهزة للحلول مكانه. تختلف الثورتان، ولكننا اوردنا المقاربة لمحاولة فهم معنى انشاء سلطة الشعب الثائر الموازية، التي تقود نشاطات الثورة السياسية والعسكرية.
تراجع دور التنسيقيات لاسباب متعددة منها توجه النظام الرئيسي نحو تحطيم قياداتها، وهجرة نسبة كبيرة من كوادرها الواعية والمجربة، التي رغم انها كانت اضطرارية، فقد كانت نتيجتها خلق فراغ في القيادة السياسية لم تستطع ان تملأه قيادة الخارج. مما ترك المجال لتعملق عسكريي الثورة واطلاق غرائزهم لاخضاع الحراك المدني للكتائب المسلحة. اصبحت السلطة تنبع من فوهة البندقية. وتحول الحراك المدني من حاضنة شعبية لدريئة يختبئ خلفها المسلحون من قصف النظام الجوي والبري.
المجلس الوطني والائتلاف فشلا في تشكيل قيادة سياسية لقوى الثورة المدنية والعسكرية، ويعود ذلك بالدرجة الاولى لتصارع كتله "على جلد الدب قبل التمكن من اصطياده"! كنتيجة لعدم وجود تقاليد ديمقراطية للتجمع حول هدف مشترك يتوافق عليه الجميع، ليتنازلوا عن اهدافهم الخاصة وتأجيلها للتنافس حولها في ظل ديمقراطية يتفق الجميع على اولوية العمل المشترك لتحقيقها. اخطائهم افقدتهم ثقة الشعب بهم.
انتكاس القيادة السياسية في الداخل والخارج ترك مركز القرار بيد امراء الحرب. ففيما عدا بعض العسكريين المنشقين، ونشطاء سياسيين تعسكروا، فقد اعتمدت العسكرة على مد من الجهاديين الذين اتوا من تنظيم القاعدة المتطرف في العراق، وتلاه استقدام مجاهدين اسلاميين من شتى انحاء العالم، طبعوا العمل المسلح بالتدريج بنمطهم في العمل، وحرفوه عن اهدافه الرئيسية. وعندما اصبح العمل العسكري منفصلا عن القواعد الشعبية لم يعد يهم الكتائب المسلحة الاحتماء بالمناطق السكنية وما سببه من دمار وهجرات مليونية، فلو كانت تهمها الحاضنة الشعبية لبحثت عن وسائل اخرى لقتال النظام كممارسة حرب عصابات لانقاذ المجال الشعبي الذي تستمد منه قدرتها على الاستمرار.
وحتى اذا استثنينا تنظيم داعش الذي انتقل "للثورة المضادة" وتنظيم النصرة الذي يكاد يصبح ثورة مضادة، فان كتائب عسكرية اخرى، معتدلة ومتطرفة، لم تخرج عن استقطاب امير حرب لكل منها، وليحكم تنقل افرادها من كتيبة لاخرى مدى توفر المال والسلاح، وليس لاسباب تتعلق باهداف او وسائل العمل، حتى يكاد يكون الارتزاق طابعا ينتشر في كتائب عديدة تتحول لاعمال خطف من اجل الفدية وسرقة وفرض اتاوات في مناطق خارجة عن سيطرة النظام.
فاذا "توحدت" كتائب بين وقت وآخر فتوحيدها شكلي، حيث يشكل عادة "مجلس موحد" وليس قيادة موحدة، والفرق بينهما كبير، خاصة في مواجهة جيشي النظام وداعش المتمتعين بوحدة القيادة والخطة وادوات التنفيذ. وآخر عملية توحيد شكلية هي انشاء ما سمي "مجلس قيادة الثورة" الذي ضم ممثلي كتائب تتفق على اسقاط النظام، دون ان تشير في بيانها لشكل سوريا المستقبل الذي تسعى اليه. اجمالا القوى المسلحة فقدت شرعيتها وفشلت في اقناع الشعب السوري والمجتمع الدولي بانها البديل الافضل للنظام.
اسلمة العمل المسلح لم يأت فقط من غزو الجهاديين الخارجي، بل استند الى عامل محلي هو درجة عالية من التدين تميزت بها قطاعات واسعة من الشعب السوري وخاصة في الارياف كرد على قمع النظام وظلمه الذي دام لعقود، لذلك فان نسبة كبيرة من الشباب المنتفض كانت متدينة ولكن دون تطرف، مما شكل ظاهرة بارزة في الثورة السلمية، احد مظاهرها خروج معظم المظاهرات من المساجد، ولخصها شعار : "ما في غيرك يا الله!" في وجه وحشية النظام وعدم فعالية الضغوط الخارجية لوقف اجرامه. وقد ادى التدين مع افتقاد الثوار لسياسات مقنعة، لابتعاد الفئات الحيادية والخائفة والمترددة عن الانخراط بالحراك الثوري.
لكن التدين الشعبي شيء والتطرف في تديين الثورة شيء آخر لا يتفق مع الغالبية المؤمنة في سوريا التي كان واضحا منذ البداية ان ثورتها ليست لهدف اقامة دولة دينية بل دولة مدنية. كما ان الثورة في مراحلها الاولى ابتعدت عن الطائفية باصرارها على ان "الشعب السوري واحد"، بعكس ما دفعت اليه المنظمات الاسلامية المتطرفة من ادعاء تمثيلها لطائفة سنية مظلومة في مواجهة ما تسميه التسلط النصيري، مما اجج الصراع الطائفي الذي زكاه النظام بجلبه ميليشيات شيعية لبنانية وعراقية وايرانية، ساهمت في تحويل الصراع الى شبه حرب دينية اصولها موغلة في التاريخ.
فشل اقامة سلطة موازية للشعب الثائر كبديل عن العفوية التي طبعت الثورة في ايامها الاولى، وتسلح الثورة غير المسيطر عليه من قيادة عسكرية موحدة تتبع قيادة سياسية واضحة الاهداف لسوريا المستقبل، وهيمنة الجهاديين المتطرفين على معظم العمل العسكري، اهم الاسباب لخروج الثورة من يد ابنائها. يضاف اليها عامل مهم آخر هو الدور الخارجي الذي اتسم بالتردد وعدم الفعالية واللامبالاة احيانا، والتدخل في شؤون الثورة السياسية والعسكرية مما زاد في تشرذمها وابتعادها عن اهدافها الاساسية، وتبعيتها لما يريده منها الداعمون على حساب مصالح سوريا وشعبها. اما التطرف في اسلمة الثورة فقد افقدها الكثير من جاذبيتها للراي العام العالمي، بحيث خسرت تعاطف المجتمع الدولي الذي من المفترض ان يضغط على حكوماته لتقديم دعم فعال لها، فالغالبية اعتبرت ان ما يجري حرب طائفية لا يمكن الانحياز لاي طرف فيها.
كما لم تفعل الضربات الجوية المحدودة للتحالف الدولي، كدور للخارج في الصراع، اكثر من منع سقوط عين العرب. فالتغيير الرئيسي في مجرى الصراع لن يتحقق الا بتصدي التحالف للنظام الاستبدادي الذي تسبب بالصراع ويعمل لاستمراره. لكن دول كثيرة غربية باتت تتحسب من سقوط النظام، خوفا من وقوع سوريا بيد القوى الارهابية التي ستشكل خطرا على المنطقة والعالم.
في الوضع الراهن لم تعد الاولوية لعودة الثورة لاصحابها، بقدر ما هي وضع حد للكارثة المستمرة التي تهدد بصوملة سوريا والقضاء على ما تبقى من شعبها وعمرانها. الوضع الكارثي يجب ان يكون محرضا لاجراء مراجعة شاملة للصراع الجاري الذي تجاوز الثورة، والتوافق على حلول ومخارج بضوء الحقائق الراهنة، وهو ما سنناقشه في المقال القادم.
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف