الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الإخوان المسلمون والقضية الفلسطينية:تاريخ يستدعي الاحترام بقلم:د. أحمد يوسف

تاريخ النشر : 2014-12-18
الإخوان المسلمون والقضية الفلسطينية:تاريخ يستدعي الاحترام بقلم:د. أحمد يوسف
الإخوان المسلمون والقضية الفلسطينية:
تاريخ يستدعي الاحترام
د. أحمد يوسف
تقديم:
 بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي في 30 يونيه 2011م، وما أعقب ذلك من تحولات دراماتيكية شهدتها البلاد، أضحى الإخوان المسلمون كحركة إسلامية في دائرة التربص والاستهداف والتحريض، وأخذت تلاحقهم الاتهامات بالتطرف والإرهاب، في حملة جديدة لشيطنة التيار الرئيس للاعتدال والوسطية الإسلامية في العالم العربي.
والمثير للاستغراب أن حملة التشويه والتشهير بالحركة بدأت من دول خليجية، وهي التي كانت لسنوات قريبة من أشد حلفاء الحركة وداعميها؛ بل والمثابة الآمنة والحاضنة الأمينة لهم، وهذا ما يدفعنا لاستعراض تاريخ حركة الإخوان المسلمين مع تلك الدول، ومحاولة كشف المستور وراء هذا الانقلاب الكبير والمفزع، وذلك في وقتٍ ظننا فيه أن الإسلاميين أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق طموحاتهم في الوصول إلى سدَّة الحكم مع ثورات الربيع العربي، وعبر انتخابات ديمقراطية كانت كل مؤشراتها تقول بأن الإسلاميين قادمون.
الإخوان المسلمون ودول الخليج: تاريخ من العطاء والتحالفات
في الحقيقة، كانت الطريقة التي تمت بها عملية النظر لحركة الإخوان المسلمين كحركة إرهابية موقفاً مفاجئاً ومثيراً للتساؤل؛ حيث إن علاقة الدول الخليجية بحركة الإخوان المسلمين في إطارها الإقليمي والعالمي هي علاقة ثقة وتبادل مصالح خدمت استقرار المنطقة لعقود خلت، وكانت تلك الدول الخليجية وخاصة السعودية هي بمثابة الحضن الدافئ واليد الحانية للمظلومية الإخوانية.
لقد استوعبت السعودية الآلاف منهم في تلك الفترة، والتي شهدت صراعاً سياسياً مع الرئيس جمال عبد الناصر في الستينيات، وذلك على إثر الصراع على السلطة في اليمن، حيث اصطف الملك فيصل (رحمه الله) إلى جانب الملكية، فيما وقفت مصر عبد الناصر إلى جانب الثورة هناك.
وفي الثمانينيات، فتحت دولة الإمارات أبوابها للكثير من قيادات الإخوان المسلمين السوريين، والذين وفدوا إليها بعد الأحداث المأساوية الدامية التي وقعت هناك، وخاصة في مدينة حماة؛ حيث راح ضحية هدم المدينة على ساكنيها أكثر من خمسة وعشرين ألفاً من المدنيين، فيما لجأ الآلاف من الإسلاميين الفارين من ظلم ومجاز نظام الرئيس حافظ الأسد إلى دولة الإمارات طلباً للنجاة والنصرة والأمان.
في حقيقة الأمر، كان لكثير من هؤلاء الإخوان السوريين الفضل في النهضة الدعوية والتعليمية في الإمارات، وحتى في انتعاش القطاعين التجاري والعمراني فيها.
 إن من باب العدل والإنصاف، الاعتراف بأن الإخوان المسلمين قد وجدوا بهجرتهم إلى تلك البلاد الخليجية "مراغماً كثيرة وسعة"، كما أن الكثيرين من شبابهم قد حصلوا على منح تعليمية للدراسة في الجامعات الخليجية أو التحصيل العلمي العالي في العديد من الدول الغربية.
كما أن الدول الخليجية قد أسهمت من خلال طلابها وبعثاتها التعليمية في الخارج، وأموال البترودولار التي جادت بها أيدي الخيِّرين من رجال الأعمال فيها إلى إنعاش العمل الإسلامي في أمريكا وأوروبا، والذي كان يقوده أو يوجهه المؤسسات الإسلامية التي يديرها تنظيم الإخوان المسلمين هناك.
وللأمانة التاريخية وشهادة الحق لواقعٍ عايشناه، أن الفضل في الصحوة الإسلامية في أمريكا وأوروبا يعود إلى سخاء دول الخليج في تمويل النشاطات الإسلامية ومؤسساتها الفاعلة في الغرب. لقد تكاثرت المساجد والمراكز الإسلامية في أمريكا وأوروبا، وتجاوزت أعدادها عدة آلاف، كما أن حركة نشر الإسلام قد توسعت بشكل كبير؛ لأن دول الخليج - وخاصة السعودية - قد فتحت خزائن البترودولار لدعم الأنشطة الإسلامية، وكذلك تحركت المطابع في الدول الغربية لتوفير المصاحف والكتب الإسلامية التي غطت مصاريف ترجمتها المملكة العربية السعودية إلى عدة لغات، وأسدت بذلك خدمة إلى كل الدعاة الإسلاميين العاملين هناك، وتمكينهم من الوصول إلى الأمريكيين، وكسبهم عن طريق الدعوة لاعتناق الدين الإسلامي.
وبتحالف الفكر الإخواني والبترودولار الخليجي انتشر الإسلام في الغرب، وازدهرت مؤسساته الدعوية والحركية والإغاثية، كما تعاظمت مستويات الالتزام بتعاليم الدين الإسلامي بين أبناء جالياتنا العربية والإسلامية في الحواضر الغربية، وكان ذلك بشكل لا تخطئه العين، وأصبح الحضور الإسلامي في الغرب هو أحد مكونات النسيج الثقافي والسياسي في العديد من الدول الغربية وأمريكا. وشهدت فترة الثمانينيات - أيضاً - تحالفاً بين الإخوان المسلمين والسعودية على أرض أفغانستان، حيث تشكلت لدى الطرفين القناعة بضرورة وقف تمدد الشيوعية باتجاه الشرق، حيث الأطماع المتزايدة بالثروات النفطية الهائلة بالخليج، فكان الاتفاق بينهما يقضي بحشد طاقات الشباب الإسلامي من الإخوان والسلفيين، وإرسالهم للقتال ورعاية العمل الدعوي والإغاثي في أفغانستان من ناحية، وتعبئة الأمة الإسلامية ضد الأطماع الاستعمارية للاتحاد السوفييتي، وضرورة التصدي كذلك لخطر الشيوعية؛ كأيدولوجية فكرية، على العالمين العربي والإسلامي من ناحية أخرى.. وبناءً على ذلك، تمَّ وضع الخطط، وتحريك الحملات للتحريض ضد الاتحاد السوفييتي والعمل على تشويه صورته؛ باعتبار ما تمثله الشيوعية كأيديولوجيا مخالفة للدين والعقيدة الإسلامية. وقد رصدت المملكة لتحقيق هذا الهدف إمكانيات مالية هائلة، وفعَّلت الكثير من الماكينات الإعلامية والمؤسسات الدعوية، وجندت الحركة الإسلامية؛ بشقيها الإخواني والسلفي، كل طاقاتها وإمكانياتها الحركية لمحاربة الفكر الشيوعي وامتداداته في المنطقة العربية؛ بل وشجعت الآلاف من الشباب المسلم للذهاب للقتال في أفغانستان ضد السوفييت. وفعلاً؛ نجح هذا التحالف الإخواني السعودي مع التنظيمات الأفغانية الجهادية، والذي استمر متماسكاً لقرابة عشر سنوات، وذلك في إلحاق الهزيمة بالسوفييت، واستنزاف هيبة الإمبراطورية، وتمريغ أنف جيشها القوي في التراب.
كانت هذه الإنجازات للتحالف القائم بين الإخوان ودول الخليج - وخاصة السعودية - هي التي طبعت عقوداً من العلاقات الوطيدة، والتفاهمات الاستراتيجية المريحة بين الطرفين.
وبالرغم مما حققه هذا التحالف من نجاح أدى إلى تفكك الاتحاد السوفيتي، وتراجع المد الشيوعي بالمنطقة، إلا أن موقف الإخوان المسلمين المعارض لدخول القوات الأمريكية إلى أرض المملكة، بدعوى المشاركة في معركة تحرير الكويت، قد شكل حالة إزعاج وقلق لدى حكام الخليج، وأدى إلى فتور عام في العلاقة مع حركة الإخوان المسلمين.
بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، والتي تمَّ توجيه الاتهامات فيها إلى عناصر سعودية، وتحميل المملكة مسئولية التورط في تلك العملية الإرهابية، ظلت علاقات الإخوان المسلمين بحكام المملكة على ما هي عليه من الفتور، ولم تشهد أي تحسن منذ ذلك التاريخ، وقد أتى تصريح الأمير نايف؛ وزير الداخلية بالمملكة، بتاريخ 23 نوفمبر 2002م لجريدة (السياسة) الكويتية، بمثابة الصدمة، والرغبة في إعلان الطلاق وبداية القطيعة بين الطرفين، حيث جاءت كلماته على غير المتوقع عندما ذكر بأن "جماعة الإخوان المسلمين هم أصل البلاء.. وأن كل مشاكلنا وإفرازاتنا جاءت من جماعة الإخوان المسلمين، فهم الذين خلقوا هذه التيارات، وأشاعوا هذه الأفكار"، وذلك في محاولة ماكرة منه لتحميل الإخوان المسلمين - وليس الفكر الوهابي - أوزار ما آلت إليه اتجاهات الشباب الإسلامي وأفكاره من ميل مفرط نحو التطرف والإرهاب.
الإخوان وفلسطين: سيرة ومسيرة
ارتبطت دعوة الإخوان المسلمين بالقضية الفلسطينية منذ الثلاثينيات، وكانت مواقف الحركة وقياداتها داعمة لنضالات الشعب الفلسطيني؛ بل وشارك المئات من متطوعي الإخوان المسلمين القادمين من مصر والأردن في الدفاع عن الأراضي الفلسطينية خلال المعارك التي دارت رحاها عام 1948م، وقد اعترف العدو الصهيوني ببطولاتهم فيها، و"الخير ما شهدت به الأعداء".
ويرجع للإمام حسن البنا (رحمه الله) الفضل في إرسال العلماء والدعاة إلى أرض فلسطين، وذلك بهدف نشر الوعي الديني، وتحقيق التواصل الحركي مع أهلها، وكان يقول: إن "فلسطين تحتل من نفوسنا موضعًا روحيًّا وقدسيًّا فوق المعنى الوطني المجرد؛ إذ تهب علينا منها نسمات بيت المقدس المباركة، وبركات النبيين والصديقين، ومهد السيد المسيح عليه السلام، وفى كل ذلك ما ينعش النفوس ويغذى الأرواح".
وعلى خطى تعاليمه، استمرت مسيرة حركة الإخوان المسلمين، التي كانت تنادي بالحشد والرباط من أجل العمل لتحرير أرض فلسطين الطهور؛ باعتبارها جوهرة المسلمين المفقودة.. وقد شارك الإخوان المسلمون في قطاع غزة بالتظاهرات الشعبية الاحتجاجية ضد مشروع التوطين على أرض سيناء في منتصف الخمسينيات، وتمكنوا مع قوى اليسار من إحباط ذلك المخطط وإفشاله.
وبعد هزيمة عام 1967م، حدث تحول كبير في العالم العربي وعلى أرض فلسطين، حيث تراجعت الأفكار الليبرالية واليسارية لحساب الصحوة الإسلامية، وقد انتعشت حركة الإخوان المسلمين بشكل جعل منها الخيار البديل لاستيعاب طاقات الشباب الذين أدركهم اليأس والإحباط جراء الهزيمة، وتأطيرهم تنظيمياً لأجل تحرير فلسطين في سياق المشروع الإسلامي الكبير الهادف لاستعادة كيان الأمة، وبسط مكانتها الكونية تحت الشمس.
وفي فترة السبعينيات، خرج المئات من شباب الحركة الإسلامية للدراسة في الجامعات المصرية، وهناك تعمقت درجة الارتباط بالحركة الأم؛ حركة الإخوان المسلمين، وتعاظم الفهم بمكانة فلسطين؛ باعتبارها قضية المسلمين الأولى، وكان لهؤلاء الشباب الإسلامي الفضل في النهضة الفكرية وحركة الدعوة وبناء المؤسسات التي شهدتها مدن قطاع غزة، وذلك طوال تلك السنوات التي امتدت حتى منتصف الثمانينيات.
ومع الانتفاضة الفلسطينية في ديسمبر 1987م، باشرت الحركة الإسلامية ظهورها كتيار وطني برؤية إسلامية، وذلك تحت عنوان حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وأبلت في المواجهة مع العدو بلاءً حسناً إلى جانب باقي فصائل العمل الوطني والإسلامي الأخرى.
والحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان، أن الدعم الذي قدمته حركة الإخوان المسلمين بكل فروعها في العالم العربي والإسلامي، وكذلك في الدول الغربية، يعود إليه الفضل في نجاح الانتفاضة واستمرارها فعالياتها لأكثر من عقد ونصف العقد من الزمان، حيث اعتمدت قيادات الحركة الإسلامية في الكثير من الأقطار ميزانيات خاصة لدعم الانتفاضة، ورعاية الجرحى وأسر الشهداء والأسرى؛ بل تشكلت مؤسسات أهلية وجمعيات إغاثية كان هدفها بالمقام الأول هو جمع التبرعات، وتقديم كافة أشكال العون للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقد تمكنت حركة الإخوان المسلمين عبر شبكاتها الإعلامية والدعوية من نقل القضية الفلسطينية إلى إطارها العالمي، وإلى ساحة الجاليات العربية والإسلامية المنتشرة في الحواضر الغربية، حيث أصبحت القضية الفلسطينية هي الهمَّ الأول والأهم على أجندات النشاط الإسلامي في أمريكا وأوروبا، وغدت المؤتمرات تُعقد سنوياً لحشد التجمعات الإسلامية؛ حيث يُدعى لها رموز وقيادات العمل الإسلامي على أرض فلسطين للحديث فيها واللقاء بجمهورها، وجمع التبرعات لنصرة الانتفاضة بهدف إبقاء شعلتها متقدة.
استهداف الإخوان: مخططات لضرب المقاومة وإضعاف حماس
في سياق ما نشاهده من تصريحات متكررة ترد على ألسنة قيادات سياسية وفصائلية فلسطينية، تتهم فيها حركة حماس بأنها جزء من "المؤامرة" التي يحيكها الإخوان المسلمون "التنظيم العالمي"، وذلك بهدف إخضاع المنطقة لفكرها الديني والاستحواذ عليها سياسياً، حيث ورد في أحد الأوراق كتقدير موقف، والتي أعدتها أحد أجهزتنا الفلسطينية الأمنية العتيدة، كخطة التحرك ضد الإخوان المسلمين وحركة حماس، والتي أشارت فيها إلى "إن جماعة الإخوان المسلمين، والتي تعمل في الظلام ومن وراء الكواليس منذ بدايات التأسيس الفعلي لها، ليس مقتصراً عملها على مصر وحدها، وإنما يتركز عملها ونشاطها التنظيمي على مستوى المنطقة كلها، وخاصة فلسطين، والتي لم تكن من ضمن أولوياتهم التنظيمية في الماضي ولا في الحاضر، والمهم عندهم هو تمرير ما هو مطلوب تنفيذه من قبل تنظيم الإخوان المسلمين العالمي في فلسطين، لتمرير مشروع المسلمين العام والإسلام السياسي على مستوى المنطقة بأسرها".. وتطرح تلك الأوراق – للأسف - ما هو المتوجب عمله لتشويه صورتهم، والتشكيك في تاريخهم، وشكل الحملات المطلوب التحرك بها لإبعاد الناس عنهم، وكبح موجات التعاطف معهم.
وقد قدمت تلك الأوراق، التي أعدتها جهات أمنية فلسطينية، إشارات للقضايا والموضوعات والأحداث المطلوب التركيز عليها، وذلك بهدف شيطنة الحركة وتبرير وضعها على قوائم التطرف والإرهاب.!!
إن عملية الربط الممنهج لحركة الإخوان المسلمين في إطارها العالمي بحركة حماس على أرض فلسطين، تحمل في طياتها توجهات خبيثة وأبعاد مشبوهة لكل أولئك الذين لا تخلوا مواقفهم وتصريحاتهم السياسية من محاولة المزاوجة بشكل سلبي بين الحركتين.
السؤال الذي يطرحه الشارع الفلسطيني: ما الذي يمكن أن تربحه قضيتنا، والحركة الوطنية من دخول بعض أجهزتنا الأمنية على خط التحالف مع بعض الدول العربية، التي لها إشكاليات مع شعوبها ومع المجتمع الدولي، من تشويه صورة الإخوان المسلمين والتحريض عليهم، وأيضاً باستهداف حركة حماس، وتظهيرها في لغة الخطاب السياسي والإعلامي الفلسطيني الرسمي وكأنها دمية بيد التنظيم العالمي لحركة الإخوان المسلمين؟!!
سؤال يتبادر إلى ذهن كل مناضل فلسطيني وطني شريف: ماذا الذي سنجنيه نحن الفلسطينيون من استعداء حركة إسلامية هي الأكبر تنظيمياً والأوسع انتشاراً في منطقة الشرق الأوسط وحول العالم، وتاريخها هو مسيرة عطاء وتضحيات مستمرة، وجهد لم ينقطع من أجل بناء أمة عربية وإسلامية تضع القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها، وتجعلها ليس فقط القضية المركزية للأمة؛ بل وفي صدارة أجندتها الفكرية والجهادية؟
لقد أوجعتني تلك التصريحات والمقالات التي لا هدف من ورائها إلا التشهير والتحريض بحركة الإخوان المسلمين وحركة حماس، وكل ذلك بغرض التقرب لبعض الأنظمة العربية ومناصريهم من مشيخيات الدول الخليجية، والتودد لحلفهم المناهض لتيار الإسلام السياسي وحركة النهوض العربي بالمنطقة.
لقد أحزنتني تلك الاتهامات للرئيس المعزول محمد مرسي، ومحاولات التجني المتكررة عليه، علماً بأنه كان يقول للرئيس محمود عباس: "لو كانت مصر بعافية مالية ما تركتك تحتاج لدولة أخرى في العالم". نحن كفلسطينيين كنا – دائماً - نقول: "إننا لن نتدخل في شئون دولة أخرى؛ لأننا نتطلع لدعم الجميع ومساندته"، فلماذا اليوم سمحنا لكل من هبَّ ودبَّ أن يخوض في أعراض حركةٍ إسلاميةٍ عالميةٍ وسيرتها وتاريخها، لها أيادي بيضاء على قضيتنا، ولم تبخل في عطائها الحاتمي على نصرة شعبنا والوقوف الكريم إلى جانبنا. 
أتمنى على قيادتنا الفلسطينية، وعلى إعلامنا الوطني، الابتعاد عن اللعب بهذه الورقة الخطيرة "فزَّاعة الإخوان"، والرهان على خط العلاقات السياسية المتوازنة مع الجميع، حيث إن قضيتنا هي بالمقام الأول قضية أمة عربية إسلامية، وإن استعداء الإسلاميين لصالح أنظمة متغيرة لن يخدم مشروعنا الوطني في التحرير والعودة، وسيضعف من صراعنا الاستراتيجي مع العدو الإسرائيلي في المدى المنظور.
وقد استهجن د. موسى أبو مرزوق؛ عضو المكتب السياسي لحركة حماس، من التصريحات المسيئة التي تصدر عن مسؤولين في السلطة الفلسطينية، متسائلًا ومستنكراً، بالقول: ما الذي يريدون إيصاله لشعبنا الفلسطيني؟
لقد كتب د. أبو مرزوق على صفحته على موقع "فيس بوك" بتاريخ 12 ديسمبر 2014م، مخاطباً إخوانه في حركة فتح وفي قيادة السلطة الفلسطينية، قائلاً: "ألم تصل الرسالة باستشهاد زياد أبو عين، أننا كلنا مستهدفون، أرضاً وشعباً وتاريخاً وهوية, حينما يُصرح البعض أن إغلاق معبر رفح بسبب تدخل حماس في شئون مصر الداخلية، وآخر من حق مصر ملاحقة عناصر حماس الإرهابية، والبعض الآخر يدعي أنه قدم نصائح لحماس ولكنها لا تستمع، وحماس مصرة على إخوانيتها، وهي السبب في إقفال مصر لمعبر رفح...الخ".
وذكّر د. أبو مرزوق مسؤولي السلطة الفلسطينية بأن هناك شيئاً اسمه شرف الخصومة، وأن هناك مصلحة وطنية معتبرة، يجب أخذها بعين الاعتبار.
قوائم الإمارات الإرهابية: المضحك المبكي
دولة الإمارات كانت على عهد الشيخ زايد آل نهيان (رحمه الله) واحة رحمة ومودة، وأكرمها الله بثروات لم تكن تحلم بها في هذه البقعة الجدباء من الأرض، وقد بسط الشيخ زايد كرمه وعطاءاته الخيرة في الكثير من البلاد العربية والإسلامية الفقيرة، ومنها أرض فلسطين، وفتحت دولة الإمارات أبوابها لقيادات وكوادر إسلامية طاردتها أيدي الأجهزة الأمنية الظالمة في بلدانها، فكان أن حباها الله بسيرة عطرة امتد ذكرها حتى ملأت الآفاق.
لم يكن أحد يتوقع من دولة الإمارات أن تغير سياساتها وتنحرف 180 درجة، وتتخذ مساراً معادياً لتيار الاعتدال الإسلامي الممثل بحركة الإخوان المسلمين، حيث انقضَّت أولاً على كوادر الحركة الإسلامية في بلادها، فاعتقلتهم وأودعتهم السجون، ثم أبعدت بعض من لجأوا إليها من الإسلاميين الفلسطينيين والسوريين والمصريين، وهي اليوم تلاحق القيادات والمؤسسات الداعمة للقضية الفلسطينية في الدول الغربية.!!
إن حركة الإخوان المسلمين العاملة في داخل الإمارات العربية المتحدة من خلال جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، أو في إطارها العالمي، لم تشكل في يوم من الأيام خطراً على النظام السياسي في تلك البلاد؛ بل كانت حليفاً للنظام، وجزءاً أساسياً من مكونات الحكومة ومؤسساتها الدينية والتعليمية، وكانت تكن للقيادة الحاكمة في البلاد كل التقدير والاحترام، وهذا ما شاهدناه خلال عملنا في تلك البلاد، حيث كانت أركان الحركة الإسلامية هناك تشيد بالنظام السياسي وحكمته في تسيير شئون الحكم، وكانت أيديها ممدودة إليه؛ إيماناً به وتأكيداً على تحالفها معه.
السؤال الذي يبعث على الحيرة عند الكثير من كوادر حركة الإخوان المسلمين، هو: لماذا قلبت دولة الإمارات للإسلاميين ظهر المجن؟ ولماذا تناصب دولةٌ آمنةٌ مطمئنة، يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، حركةً إسلاميةً عالمية كالإخوان، لم تشهد سنواتُ العلاقة بينهما أيةَ خصومات أو خلافات، كما أن الإخوان داخل البلاد لم ينازعوها يوماً السلطة أو الملك؟
ولماذا تتحرك دولة صغيرة كالإمارات؛ بيتها من زجاج، بتقديم قوائم اتهام بالإرهاب لحركات ومؤسسات إسلامية متواجدة في الدول الغربية، وتحظى سجلات عملها الإغاثي والخيري بأنها نظيفة أمنياً؟ حتى الولايات المتحدة الأمريكية رفضت هذا التصنيف؛ لأنه قائم على اعتبارات سياسية وليست أمنية.
ويبقى السؤال: هل لهذا علاقة بأن هذه المؤسسات والجمعيات والشخصيات التي أوردتها الإمارات في قائمتها الإرهابية لها علاقة بدعم هذه الجهات للقضية الفلسطينية، وربما حركة حماس على وجه التحديد؟
المضحك المبكي، هو أن الكثير من هذه المؤسسات القائمة في الدول الغربية بدأت نشأتها وأنشطتها بدعم خليجي، ولأبناء الخليج وأموال البترودولار مساهمات كريمة ومشهودة في تأسيسها، وأيضاً في برامجها الإغاثية والإنسانية حول العالم. ولهذا يأتي السؤال الذي يدور بإلحاح في أذهان الكثيرين، وهو: لماذا هذا العمل العدائي باستهداف الإسلاميين، ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟
هل الدافع هو الدور الإقليمي الذي تطمع أن ترتقي إليه دولة الإمارات، وذلك بإثارة مثل هذه المواقف السياسية والأمنية المثيرة للقلق والاستغراب؟
هذه التساؤلات وغيرها هي ما سوف نحاول الإجابة عليها، وذلك من خلال التحليل والقراءة المتفحصة لخريطة التغيير والتحالفات بالمنطقة المصاحبة لتفاعلات الربيع العربي.
تركيا وقطر: الحليف الاستراتيجي الجديد
مما لا شك فيه، أن خريطة التحالفات في المنطقة قد تحركت لحساب وجود ترتيبات وخيارات استراتيجية جمعت بين الإخوان المسلمين وكل من تركيا وقطر، حيث إن بوصلة التغيير في المنطقة قد أظهرت مؤشراتها أن الوكيل الحصري لحصاد نتائج الربيع العربي هم الإسلاميون؛ أي الإخوان المسلمون، وحليفهم الجديد تركيا أردوغان وقطر، وأن كل إرهاصات التغيير إذا ما استمرت حركة الشارع العربي في مساراتها نحو النهوض وولوج بوابات الإصلاح، فلن تنجو منها بعض المشيخيات والملكيات الرسمية بالمنطقة. وبناءً على هذه التقديرات، فطنت الأجهزة الأمنية في الدول الخليجية للمخاطر القادمة، حيث إن بلدانها تتمتع بحضور إسلامي وسطي قد يكون هو الآخر المرشح لمستقبل الحكم في تلك البلاد.
ومع حالة الذعر التي أصابت بعض تلك الملكيات، كانت الهبة الخليجية لنصرة بعض الدول التي تعرضت لهزات أودت بالنظام، وتمكن الإخوان المسلمون فيها من الوصول إلى سدَّة الحكم، والحصول على نصيب الأسد في البرلمان. وكان ما شاهدناه من تحريض وتآمر تبنته بعض دول الخليج العربي؛ لينتهي الحال بالإخوان المسلمين من جديد إلى المعتقلات والسجون.
ومن الجدير ذكره، أنه قد حدث انقلاب جذري في رؤية دعم الربيع العربي وآليته لدى تلك الدول الخليجية، وذلك من منظور أن تكون سوريا هي المحطة الأخيرة؛ الدامية والأشد إيلاماً ومأساوية وإحباطاً في حركة النهوض العربي. ولذلك، انتكست الثورة في سوريا، بسبب انفضاض دول الخليج العربي عما كان قائماً من تحالف بينها مع كل من تركيا وحركة الإخوان المسلمين، وكانت دولة قطر هي الاستثناء الوحيد في تلك المعادلة، حيث آثرت الحفاظ على دعمها لحركة النهوض العربي، وبالتالي استمرار الوقوف إلى جانب تركيا أردوغان وحركة الإخوان المسلمين، في ظل تحالف يمثل "الوسطية الإسلامية" الصاعدة في المنطقة.
من هنا، يمكن أن نفهم لغز التغيير، ونصبح قادرين على فك طلاسم الأسئلة الصعبة، حول مجريات التحول الذي طرأ على حسابات الموقفين السعودي والإماراتي تجاه حركة الإخوان المسلمين، وانعكاسات ذلك على شكل حملات من التحريض، وتفعيل صارم لسياسة تجفيف الينابيع، التي ظهرت عليها مواقف البلدين قبل عام ونصف العام تقريباً، والذي طال قطاع غزة وحركة حماس الكثير من الأذى وتضييق الخناق عليها.
 ولعلنا ندرك - الآن - لماذا تخلفت دول الخليج العربي والعديد من الأنظمة السياسية في المنطقة عن نصرة غزة عندما تعرضت للعدوان الظالم عليها، والذي استمر واحداً وخمسين يوماً، لم تتوقف فيها نداءات الحرائر ومناشداتها لملايين العرب والمسلمين بالتحرك والنصرة، ولكن لا مجيب، حيث لا أثر لصلاح الدين.!! لقد أبدى الشعب الفلسطيني صموداً أسطورياً، كما سجلت المقاومة الباسلة من خلال عملياتها العسكرية النوعية داخل العمق الإسرائيلي حالة من الظفر بنكهة انتصارٍ لم يسبق أن حظي العرب بموقف عزٍّ مثله في تاريخهم المعاصر، إلا أنهم - وآسفاه - استنكفوا عن الوقوف إلى جانبنا؛ بل وتمنى بعضهم أن تنهزم المقاومة، وتنكسر هيبة شعب غزة.!!
ولعل ما أورده موقع (شئون خليجية) بتاريخ 4 ديسمبر 2014م، تحت عنوان: "بالتفاصيل.. خطة خليجية تستهدف عزل حزب النهضة التونسي سياسياً وشعبياً"، يكشف شيئاً عن مخططات حملة استهداف حركة الإخوان المسلمين بعناوينها المختلفة، حيث جاء في التقرير النص التالي: "بحسب المراقبين، فإن الإرهاب أصبح سوطاً يلهب ظهور المعارضين في معظم دول الوطن العربي، وخاصة بلدان الثورات العربية، ومن السهل الانتقام من منافسك في الانتخابات أو المعارض للنظام السياسي في وطننا العربي، فقط باتهامه بالإرهاب أو بالانتماء إلى التيار الديني الجهادي، أو التطرف الديني السلفي، وغير ذلك من تسميات تثير الفزع عند العامة، وهي الخطة التي استخدمها - ولازال يستخدمها - حكام الدول الخليجية في القضاء على ثورات الربيع العربي لتحرير الشعوب من ديكتاتوريات الأنظمة القمعية".
وإذا استوعبنا كل ما سبق من حملات تهدف إلى تشويه صورة الإسلاميين، يمكننا أن نفهم لماذا تتعثر المصالحة الفلسطينية، ولماذا يتكرر الربط – بمناسبة أو غير مناسبة - بين حركة حماس وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من ناحية، وحركة حماس والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين على لسان الكثير من المسؤولين الفلسطينيين من ناحية أخرى.!! إنها – للأسف - محاولة مشبوهة لركوب موجة التحالف المعادي للإسلاميين، بهدف النجاة والحصول على شيء من كعكة البترودولار.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف