الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

محبرة الخليقة 16 بقلم:د. حسين سرمك حسن

تاريخ النشر : 2014-11-27
محبرة الخليقة 16 بقلم:د. حسين سرمك حسن
محبرة الخليقة (16)
------------------------
تحليل ديوان "المحبرة" للمبدع "جوزف حرب"
   د. حسين سرمك حسن
      بغداد المحروسة
      2012 - 2013
ملاحظة : حلقات من كتاب للكاتب سوف يصدر عن دار ضفاف (الشارقة/بغداد) قريباً . 
الشاعر يواصل  في الواقع موقفه التنقيحي والنقدي الذي بدأه في "رؤيا المحبرة" ، والذي كان يعيد فيه خلق ما هو مخلّق ، ويبقى متعالياً مدركاً لحدود ذاته . في تلك الرؤيا كان نقد الشاعر منصبّاً على "النتائج" .. على الخلائق في قلب وظائفها من وظائف أدائية وفيزيولوجية فجّة إلى وظائف إبداعية خلّاقة من جانب ، وإلى إلباس بناها العضوية المتصلبة أثواباً جمالية تجعل الحياة تليق بإنسان من جانب آخر ، ففي لحظة فعل الخليقة كان أيّ شيء يساوي أيّ شيء آخر كما بيّن الشاعر لنا سابقاً ؛ الإنسان مع الحيوان والنبات والبحر والرماد والليل والنهار على خطّ شروع واحد .. بدأ تميّز الإنسان عن بقية الخلائق عندما بدأ بتعلّم الأسماء ونفخ فيه الله روح اللغة .. أي عندما أصبح شاعراً .. فوظيفة التواصل في خلق اللغة في تلك الحال البدائية كذبة .. فن العلامات والإشارات كان يكفي في حياة بسيطة . بدأ الشعر والحاجة للغة مع أولّ حلم حلم به الإنسان ، ولم يكن ممكناً ان يصوّر لحوّائه ما "رآه" فيه إلاّ بلغة مجازية واستعارية وتصويرية .. أي لغة شعريّة .. لا سردية . أمّا لغة الحكي فقد بدأت مع أول عودة لآدم من أول رحلة صيد وجد من الضروري أن يقصّ لحوّائه ما "جرى" له فيها . وشتّان بين وظائف الليل ووظائف النهار . وعندما أصبح الإنسان شاعراً لم تعد الأشياء التي يتعامل معها مثلما كانت ، كانت الاشياء في نصوصه تصبح مثله .. قرينه .. مرآة روحه .. لكن الكون الشاعر وهو ينقل لنا فعل الله الخلّاق في ديوان "الخلق" ذي الغيمات / القصائد الستّ ، كان عمليّة "كتابة" تمتاز بالبداعة ، ولم تكن مثل تحويل الكرم إلى نبيذ كما يقول الشاعر ، وكان الصينيون القدماء يقولون في وصف عملية الإبداع المستعصي على إدراك إصوله : مثل شراب التفاح لن يعود إلى تفّاح :
(ولكنْ نصوصكَ ،
أنتَ بمحبرتك .
                      لقد كنتَ كرماً ، وقد صرتَ يا
                 كرمُ هذا النبيذَ
                      بمعصرتكْ .
                      فليستْ نصوصُ إلّاكَ .
                      ليست على صورتكْ . – ص 110 و111) .       
إنّ الشاعر مأخوذ يتسلّط عليه هوس التعرّف على طبيعة منشيء هذي النصوص ؛ نصوص الوجود .. متحيّراً مندهشاً يضع الفرضيات المستحيلة التي يعتقد أنها بإعادة الاشياء إلى بداءتها الفطرية الجنينية سوف تلتم من جديد في صورة خالقها الأصل . وقد نبدو مفرطي التأويل حين نقول أن الشاعر في واحد من مواقفه النقديّة يريد التعرّف على "المؤلف" ، مؤلّف هذي النصوص العظيمة ، ولا يقتنع أبداً باختفائه :
(                   وقد جاء هذا الوجودُ . فلو
أُرجعتْ كلُّ أشيائهِ من أماكنها في الزمانِ إلى
أصلها في
            محاركْ ،
                   لتمّ لديّ اكتشافكَ من أنتَ .
أو كيفَ قد كنتَ قبلَ الوجودِ الذي ليسَ
صورته أنتَ ، ولكنه أنتَ
                 إثرَ انفجاركْ . - ص 111) .
ولكنه – أي الشاعر – يشعر أنه لن يستطيع الوصول إلى كنه شاعر هذي النصوص ، فيضطر للعودة إلى النصوص نفسها ؛ نصوص الغيمات الستّ ، وينغمر بروعتها المذهلة ، وما تتضمنه من روائع من كاهن العشب إلى غروب النهار ولوحته المعجزة (اصبح الغيمُ فيه رماداً ترى فوقه الشمس كالقرص في جمرتك بمبخرتك!!) ، ويحتار بمن سيبدأ من هذه الروائع ، بالنحل أم بعشبة الحقل وكل منهما كون صغير ؟! أم بما هو أكبر حجماً وتعالياً كالكواكب ؟! فيكشف عن دهشته أمام تناسق الوجود الذي يصدمه كلّ ما فيه بما ينطوي عليه من حسن وسبك وسرّ وتعدّد عصيّ على الحصر . لكن أروع ما وجد الشاعر في هذا الوجود كما يخبرنا هو أنه أُنشىء فريداً ليس على أيّ مثال ، كلّ شيء فيه هو "الأول" الذي لم يُصنع على صورة تسبقه وتكون مثالاً . ولكن حتى هذا الإمتياز البدعي في هذا النصّ لا يخلو من ثغرات نقديّة فهو بلا استعارة أو حدّس أو مجاز أو صورة أو كنايات .. لقد ألغى عنه خصوصية الشعر كلّها وجعلها "بدعاً" صناعياً محكماً :
(                      وأروعُ ما قد وجدتُ بنصّكَ
أنّ به البدعَ فوقَ جميعِ البدائعِ ، بالرغمِ من أنه
لا استعارةَ فيهِ ،
                      ولا حدْسَ ،
                                    لا صورةٌ ،
                                      أو خيالٌ .
                    ولم يتوكّأ على أيّ تشبيهِ
معنى . وأنْ لا مجازَ ، ولا وحيَ ،
              لا صفةٌ ، أو كناياتَ . – ص 113) . 
ولعلّ هذه الروح الإنتقادية التي جاءت بطلب من الكون الشاعر تمثّل الخطوة الأولى نحو "الخطيئة" البدئية التي تمّت بامتلاك الإنسان للمعرفة . لقد وصف الصوت الهاتف في الرؤيا الشاعر في "نصّ الأرض" بأنّه "عارف الكون الوحيد" ، وما هي إلا تعبير مغلّف عن محاولة التقرّب من معرفة الآلهة ، فيكون الكون الشاعر الذي طلب من الشاعر أن ينتقد وينقّح ويحذف هو صورة لتلك الأفعى و إبليس الذي حضّ على الخطيئة بخلاف أوامر الله . الشاعر يرسم سيناريو جديد لأسطورة الخطيئة لا تبدأ بالإغواء الجنسي (معرفة الذات) ولكن بهذه الروح النقدية الباحثة المشاكسة التي لا تستقر إلاّ بالتعرّف على كل شيء ، ولا يقف في وجه تساؤلاتها مقدّس أو محصّن أو عصي . هل كان الإنسان الأول الذي "اُسقطَ" من الفردوس شاعراً ؟
والشاعر لم يتوقّف عند حدّ مراجعة نصوص غيمات "الخلق" ونقدها ، والبحث الملتهب عن هويّة "مؤلفها" حسب ، بل أوغل بعيداً في عرض "معرفته" وإلحاح تساؤلاته على روحه ، والتشكيك في معرفة "المؤلف" ببِدعه ، والأكثر تحرّشاً هو عرض فضائله ، كـ "عاقل" ، في جعل النصوص المعروضة عليه ، نصوص الوجود ، أكثر بهاءً ، هذا الوجود الذي لو لم يكن فيه لكان غير الوجود :
(                         لكنْ
                          يلحّ عليّ سؤالٌ :
                                                هلْ البِدعُ
تدريهِ فيهِ ؟ ويدريهِ في نفسهِ ؟
                      أمْ لأنّيَ أعقِلُ
                     أدريهِ وحديْ ؟
                                              وأدري بانّي
أخليهِ أبهى ، لأني الوحيدُ الذي يستعيرُ ، يُكنّي ،
يُشبّهُ ، يعرفُ ما ليسَ فيهِ ، يُضيفُ ،
                               يولّدُ ،
                               يكشفُ ،
                               يغدو الوجودْ
                               إذا لم أكنْ فيهٍ
                                    غيرَ
                                    الوجودْ ؟ - ص 114) .
لقد خُلق الإنسان في أساطير الخلق القديمة لخدمة الآلهة ، في حين أن أسطورة خليقة جوزف حرب تريد وضعه في موضع الشريك الذي لا غنى عنه . يقول أحد الباحثين : "قد يكون الكثيرون مرّوا بنصّ خلق الإنسان في الرواية البابلية من دون ان ينتبهوا إلى الحكمة التي تضمنتها ، والتي تمثّل النظرة الفلسفية التفسيريّة العامة للكون والإنسان فيه . فهو ليس منفصلاً أو عابراً ، بل يرتبط بفكرة "دغمية" متكاملة ، لا سبيل إلى فهمه بدونها ، كمقدّمة له .
إنّ ما نفهمه اليوم بكلمة آلهة يعني تشخيصات وقيادات مختلفة . ولكن الذهنية البابلية فهمت ذلك كعملية تصنيفية جمالية لقوّة واحدة تفرّعت فاعليتها في مظاهر الطبيعة المختلفة ، بحيث غدا "أل" على ايٍّ منها يعيّن المظهر والخواص المرتبطة به ، عند جمع هذه معاً في سلطة موحّدة ، كما جرى لمردوخ ، تُصبح هذه السلطة مجموعات "أل" أي "أل أل" وهو ما جمعته كلمة "الإله" (الله) في اللغة العربية .
وما يريده الكاتب من تعريف وظيفة الإنسان أنها خدمة للآلهة ، يقصد تدخّل الإنسان بتغيير وجوه عمل الطبيعة ، التي يستطيع تغييرها وتحويل هذه إلى أعمال إبداعية لمصلحته ومصلحة مجتمعه . وهذا ما عناه النص عند القول بأن طرق الآلهة ستتغيّر بحذاقة ، أي بمهارة وإبداع ، لا يكون في مسارالطبيعة . والمتتبع لقصص الأساطير البابلية يلاحظ هذا التشديد على قيمة الحكمة الإنسانية ، وعلى اعتبار كلّ إبداع إنساني يُغضب الآلهة أو يثير غيرتهم .
حقّاً إن الإنسان مصنوع من دم إله متمرّد (في الأسطورة البابلية) مُخالف لإرادات الآلهة ، وهو كذلك في كل عمل يقوم به . وكل إبداع له يسيطر به على قوانين الطبيعة ويوجّهها إنّما هو اقتطاع من سلطة الآلهة ، أي القوانين التي توجّه مسارات الطبيعة ، بدءاً من توجيه مياه الرّي بأقنية إلى حيث يشاء ويتمكّن ، قي أرض الأنهار والينابيع ، حتى تحدّي قوى الجاذبية في الأرض والخروج منها إلى الفضاء ، في الحضارة المعاصرة لنا . وشقاؤه إنما هو عناؤه في الخضوع لإرادة الطبيعة ومحاولاته الدائبة لفهمها والتعامل معها وتوجيهها ، حين التمكّن من ذلك .
إنّها لمعة التجلّي في الذهن البشري ، منها كان الشعر والنبوّة والوحي والإبداع – ص 139 و140) (24) .
وجوزف يؤكّد في أسطورة خليقته على أهمية وامتياز أنه "يعرف" ، وأنه "يعقل" . ومن الصعب جداً أن يكون العارف والعاقل خادماً . إنّه يختار ويسأل ويتساءل ، ويتشوّق لكلّ ملغز مقفل . إنّ العارف حرّ ، وحرّيته هذه تحرّم عليه أن يكون أو يبقى خادماً :
(                     فوحديَ أنمو ،
                      ووحديَ أرقى ،
                      ووحدي أموتُ وأحيا ،
                                                  لأنّي أعرفُ .
وحديْ ،
           لأنّي أعقل أختارُ .
                                  وحديَ حرٌّ .
                                  ووحدي أجيبُ وأسأل .
                     وحدي أسيرُ
                     مع الأبدِ المقبلِ ،
                     إلى
                     الأزلِ الأولِ ،
                     بهذا المدى ،
                     فاتحاً كلّ بابٍ بهِ مقفلِ – ص 115) .
ومع امتياز المعرفة والعقل ، يقرّر الشاعر بأن له امتياز أنه يموتُ ويحيا ، فالمعرفة أختُ الموت وبنته ، والعارف يشقى ويسقط ويموت بحكم الآلهة . لكنه محسود ! و (سأخبركَ سرّاً هو أنّ الآلهة تحسدنا لأننا فانون . ولحظة الهلاك هي اللحظة المجيدة الوحيدة) (25) .   
ولكن جوزف حرب ، ولأنه قد رسم مسبقاً هدفاً من قصّة خليقته يتمثل في التصحيح والتشذيب لما ورد في أساطير الخليقة السابقة كما قلنا ، فإنه يصمّم طريقاً لخدمة من نوع جديد ، خدمة تحفظ للشاعر الإستقلالية والتفرّد وحقوق نرجسيته الباحثة والمتسائلة والمعرفية التي لا تهدأ إلّا بالإكتشاف المتكرّر والمثابر المضني للوصول إلى اللانهائي من خلال الإشتغال العزوم على نصّ الوجود مستحثا بنداءات لا مرئية تستنهضه للإضطلاع بالكشف الكوني الذي تفرضه حقيقة أنه قد خُلق على صورة الله :
(                 يلحُّ
                  عليّ سؤالٌ :
                                  إذا البِدعُ أنّكَ
أنتَ
       الحكيمُ ،
                  وقد كان فيضُكَ هذا الوجودُ ،
                     وأنّي
                     على صورتكْ ،
             وأنّك لستَ
                   بمحبرتكْ ،
             وأنّك صانعُ تلك الشموسِ ،
         ومُرسلِ هذي الرياحِ ،
              وأنّكَ
              خمّارُ مِعصرتكْ ،
              فليسَ الوجودُ
              سوى أنني أكتشفْ بنصّكَ ما لا نهاياتَ فيهِ ، وما
أدواتي سوى سبرِ أغوارِ ما قد خلقتَ ،
             وتفكيكِ أسرارِ كلّ العناصرِ ،
                          ولأعترفْ – ص 116 و117 ) . 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف