الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

على ضفاف ديوان "عابرون بثياب خفيفة" بقلم:توفيق أبو شومر

تاريخ النشر : 2014-11-27
على ضفاف ديوان "عابرون بثياب خفيفة" بقلم:توفيق أبو شومر
*على ضفاف ديوان (عابرون بثياب خفيفة**) / توفيق أبو شومر*

عابرون بثياب خفيفة هو ديوان شعري للشاعر الفلسطيني ناصر رباح.

ليس من قبيل المجاملة حين أقول إن دافعي للكتابة عن الديوان تعود إلى رائحة الشعر النفاذة التي استولتُ عليَّ عند قراءة الديوان للوهلة الأولى، هذه الرائحة ليست كروائح الشعر المعتادة، بل إنها رائحةُ شعرٍية خاصةٌ، مزجها الشاعر بقلمٍ يكتب بلا حبر، ويُنير بلا أضواء، ويرقص بلا سيقان، ويبكي بلا دموع وأجفان.

ديوان الشاعر نهرُ مملوء بطمي الخِصب اللغوي، ومسكونُ بأرواح شفيفة، تخرج بآلاتها الموسيقية تُغني للجداول والضفاف والعصافير، نهرٌ يجرى عكس مجاري الأنهار جميعها، ويصبُّ في نهايته عسلا صافيا رقراقا.

قررتُ منذ قراءتي الأولى للديوان أن أجرِّده من كاتبه، وأقرأه عاريا، وان أخلع عن نفسي معطفي النقدي اللغوي التقليدي، وأن أغوص في أعماق النص لأصف ما يحويه من محارٍ ولؤلؤ، فاسمحوا لي أن أبدأ وأنتهي، على غير ما اعتاد النقاد أن يفعلوا:

إنه ديوانٌ اختار له الشاعر إهداءً مُغرَّرا:

" إلى تراب مشيتِ عليه"

وما إن تدخل محراب الشاعر، حتى تبحث عن مُلهمة الشاعر، فلا تجد سوى ترابها !

وسرعان ما يفاجئك الشاعرُ بخدعة بصرية جديدة، فالقصيدة عنده ليست نغمات وصدرا وقافية، كما جرت العادة في كتابة الأشعار، بل إن الديوان صفحاتٌ نثرية، يتعمد الشاعرُ أن يضع عناوين القصائد على يسار الصفحات، متمردا على القوالب والأشكال، وليس فقط على المعاني والصور.

للوهلة تكتشف أن ناصر رباح يقود القُرَّاءَ إلى قراءة جديدة، تختلف عن المعتاد والمألوف، فقد زرع ناصر رباح ديوانه الشعري حقولا من الألغام والمتفجرات، قلَّ من يدخل حقلا من حقوله وينجو، فقارئٌ الديوان لا بد أن يصاب بجروح مختلفة، جروحٍ روحية، ونفسية، جروحٍ عاطفية، ولكنَّ لها لونا مختلفا عن الجروح الشائعة، جروحٍ تختزن تربة الأنهار الخصيبة.

وإليكم كشفا مفصلا بحقول الألغام في ديوان الشاعر:

حقل الألغام الأول. مكونٌ من شوارعَ تاريخيةٍ، تسكن على ضفافها آياتُ دينية محفوظة، قرَّر ناصر رباح أن يمنحها ألوانا أخرى، وان يُعيد صياغة هياكل الآيات من جديد، وان يدخلها في ناي الشاعر لتخرج لحنا جديدا، في سفر تكوينه الأول:

الأولادُ سرقوا عهديَ القديم

حتى لا أقرأ فيه نشيد الإنشاد

فتغار زوجتي..

سأتلو إذن على مسمعي سفر موتي وحيدا.."

ولم يكتفٍ الشاعرُ بسفر تكوينه الأول:

بل إنه يصعد المنبر الشعري ليتلو فاتحته وآياته بلحنٍ مختلف جديد"

" أصلي لنافذة، أصلها قلبي، وفرعها في الحنين"

" وأما اللغة فكانت لمساكين يعملون في حديقة،

وكان وراءهم وردٌ وسروٌ ونبيذٌ، يؤم سنابل أغنيات"

" حين تركوا كل هذا واتبعوا أثر القصيدة حتى مطلع الشمس"

......

" مت قليلا أيها الكلام

وهاتِ قبلتي الأولى

أتوكأ عليها

وأهشُّ بها على ألمي

أريد النبي الذي كنته

أريد النبي الذي خنته"

حقل الألغام الثاني:

هل كان الشاعرُ، بعد سِفره الأول، وفاتحته الأولى يستعدُ لإعلان نبوءتِه؟

وما شكل هذه النبوءة؟ هل كان يتمنى أن يكون مسيحا منتظرا، أم حواريا من حواريي المسيح؟

" أنا مسيح نفسي ومعجزتي

والحواري الوحيد"

........

" أنا النبي الذي فقد نبوءته

وضعتُ كتابي على الرصيف، وجلست عليه كل يوم،

أُنزِّهُ نهر الضلال في شوارع البلدة

وحين أعودُ إلى البيت أعلقه على حائط اليقين

فأحلم ببلاد ميتة

لها رائحة حقيبة قديمة"

نبي الضلال حقل الألغام الثالث

هل كان الشاعر يود أن يطلب حق اللجوء العاطفي في مدينته غزة، بعد أن

غدا نبي الضلال؟

نعم إنها غزة المدينة الفريدة ، التي ينسج لها الشاعر ثوبا جديدا تليق بنبي الضلال.

" صدرها مفتوح كمدىً، يبحث عن مداه

غزة الآن تقود الإيقاع

تُبطِّئه، يتمايلون بسرعة فيشهقون خلف جرأتها

لكنهم دوما يلقون بقلوبهم تجاهها

كقُبلٍ على شكل ورودٍ، أو قطع نقود

لا أحد يرقص كغزة لا أحد"

مدينة الشاعر يغزوها بساتنة عميان:

" عما قليل سيأتي بساتنةٌ عميان

في ثياب الجنود

ليُشذبوا أحلامنا

حطبا لشتاءٍ طويل"

الواعظ ،حقل الألغام الرابع

يخلع الشاعر بعد النبوءة قلنسوة نبي الضلال، ويعود من جديد إلى مدينته التي غزاها البساتنة العميان، ويلبس هذه المرة عباءة الواعظ المؤمن على منبرٍ ديني:

" إن يكن طلقةٌ

فلا تكن في فمي

الذي أزهر عصافير وكلمات وقبلا

إن يكن قصفٌ

فلا تتركني طويلا تحت الأنقاض

إن يكن انتحار، فلا يكن من الطابق الرابع،

أرجوك يا إلهي!"

وما إن ينتهي من الدعاء حتى يخلع قلنسوة نبي الضلال، وعباءة الواعظ، ويُنشد أناشيد الوطن، في رسالة إلى شاعرة إسرائيلية(حجيت غروسمان) :

" الدبابة تدخل المدينة...

نعصر من غسيلنا رائحة اليود والدخان

مريرة حين أذكرها، يختنق الكلام

ويُغمى عليّ اسحبيها ناحيتك

كي تتنفس اللغة، اسحبيها ناحيتك

كي أكمل وصف ثوبك الأزرق، وشفاهك التي تقطر دمي."

النحَّات حقل الألغام الخامس

قرر الشاعرُ ألا يُغلق ديوانه بدون أن يرسم آخر لوحاته،

الشاعر يلهث في آخر الديوان ليضع صورتين وينحت مجموعة من الأمنيات ويُعلِّق عددا من الحكم على آخر صفحاته.

الصورة الأولى لجدته التي أسماها (الرحمة الجالسة) التي يسألها الصغار:

متى تكبرين وتمشين مثلنا يا جدتي؟

والصورة الثانية هي صورة المدينة، التي لم تكن مدينة:

كانت مجازا في أفق الشاعر.

أما الأمنيات فهي:

" ليت لي جرأة السيل

رقة الينبوع

دهشة الشلال

ليت لي فرحة الغيم في التجوال

ليتني ماء على كل حال"

أما مواعظ الحكيم:

"يدٌ واحدة لا تصفق

يدٌ واحدة تقتل"

" نخسر عاما لنتعلم المشي

وعمرا كي نجد الطريق"

عصفورٌ على الشجرة خيرٌ من عشرة في يدي"

ينحتُ ناصر رباح بفنٍ واحتراف تمثالا جديدا لصورته الشخصية الحديثة جدا، تشتمل على المستقبل الجديد:

" وكلما كبرتُ، تخشَّبتْ ساقاي

حتى صرتُ سُلَّما

يسندونه على الجدار

يصعد الأولاد عليه

ليروا ما لم أره أبدا"

أما آخر ألغام القصائد فكانت الأكثر إدهاشا وغرابة، وأكثر الألغام فتكا بالقارئ، بخاصة الذي لا يُجيد السباحة في بحور التخييل الشعري، والقارئِ الذي اعتاد أن يغفو وسط نثار اللغة، وينام على أرائك مفرداتها وصورها التقليدية المعتادة، ويضع رأسه على وسائد بحور الخليل الستة عشر، إنها آخر الألغام الفتَّاكة التي أعادتْ قصائد الشاعر إلى بدايتها الأولى، جنينا في رحم الذاكرة، سيولد من جديد:

الصفحاتُ الثلاثُ الفارغةُ

التي في آخر الكتاب

لخَّصتْ كلَّ شيء
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف