الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

من النظام الدولي الامبراطوري ..إلى نظام المساواة بين الدول..!بقلم:حبيب عيسى

تاريخ النشر : 2014-11-26
( 1 )

          لعل المبدأ التأسيسي للدولة الحديثة التي قامت على أنقاض الدولة الامبراطورية ، والدولة الدينية ، والكيانات القبلية والبدوية والدوقيات ، هو بالإضافة إلى مبدأ السيادة الوطنية للشعب على وطن محدد لا تتعدى حدوده جغرافياً ، ولا تنتقص منها تاريخياً ، يكمن في مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وصياغة هذا المبدأ عبر دستور وقوانين وأنظمة تشكل بمجملها نظاماً عاماً للمجتمع والسلطات والحدود التي لا يحق لأحد تخطيها أياً كانت صفته ومكانته .

         ونحن هنا إذا كنا نتحدث عن المبدأ التأسيسي للدولة الحديثة المتعلق بالمساواة أمام القانون والعدالة وإحقاق الحقوق الأساسية للإنسان ، فإن هذا المبدأ كان في الغالب نظرياً ، وقد تم تطبيقه نسبياً ، بدرجات أكثر أو أقل ، من دولة إلى أخرى في الدول التي تسمى الآن متقدمة ديموقراطياً ، بينما تم انتهاكه بفظاعة ووحشية ودون رحمة في ما يسمى دول العالم الثالث عن طريق أنظمة استبدادية حالت دون قيام سلطة مشروعة ديموقراطياً وبالتالي أدت إلى تغيّيب وجود سلطة قضائية عادلة ، أو سعت إلى انهيار الموجود منها فانهارت معها أركان الدولة مما أدى ويؤدي  إلى أن تكون المراحل الانتقالية إلى السلطة المشروعة محفوفة بالمخاطر والصراعات والفوضى والتي قد تطول أو تقصر ، وقد تكون مؤلمة ومأساوية في أغلب الأحيان للتأسيس للدولة وأركانها على أسس العدالة والمساواة والحرية الإنسانية .

                 لقد تسللت إلى الدولة الحديثة الكثير من المفاهيم الامبراطورية عند البعض ، والتي تشرّع للمساواة داخل الحدود ، لكنها ، وفي الوقت ذاته ، تشرّع العدوان على الشعوب الأخرى خارج حدودها ، كتشريع الاستعمار والاحتلال والوصاية والتدخل المباشر في شؤون الدول الأخرى ، وترسل شركاتها واحتكاراتها لنهب ثروات الشعوب والاعتداء على حقوق الأنسان ، ودعم قيام الأنظمة الاستبدادية خارج حدودها  ،  أو تعمل تلك الدول المتقدمة ديموقراطياً على نشر المفاهيم القبلية والعنصرية والدينية المتطرفة خارج حدودها فتشرّع الصراعات الدينية والعرقية داخل الدول الأخرى امتيازاً للبعض أو تهميشاً للبعض الآخر تحت ادعاء ( دعم حقوق الأقليات ) فتهدد النسيج الاجتماعي وتمهّد لانهيار تلك الدول من الداخل إذا كانت مصالحها تتطلب ذلك .

( 2 )

         المشكلة الأساسية أن تلك الدول التي ارتقت بأنظمتها السياسية بهذه النسبة أو تلك إلى الديمقراطية النسبية تطلعت في الوقت ذاته إلى الهيمنة على العالم عبر التوحش سواء عن طريق الاستعمار المباشر ، أو عن طريق تخليق أنظمة استبدادية في العالم خادمة لمصالحها ، أو عن طريق شبكة من الأجهزة الاستخبارية تتجسس وتتغلغل في بنية المجتمعات لتخريبها من الداخل وقد تمثل ذلك في التاريخ المعاصر اعتباراً من الحلف المقدس (المسيحي) الأوربي مروراً بعصبة الأمم المتحدة وصولاً إلى هيئة الأمم المتحدة لإقامة نظام دولي يضمن : (1) هيمنة دول الهيمنة على العالم ، (2) ويشرعن القرصنة على ثروات الشعوب ، (3) ويشرعن حكم الحكام القراصنة الذين يسيطرون على السلطات في بلدانهم ويضطهدون شعوبهم ، (4) ويضفي الشرعية على الدول الفعلية التي تقوم بناء على مخططات استعمارية لتقويض حق الأمم في تقرير مصيرها .  

         وهكذا ظهر إلى الوجود هذا النظام الدولي ( الأعور ) الذي يقوم على أساس : أن "الدول" هي أشخاص القانون الدولي ، وتلك "الدول" تمثلها في المؤسسات الدولية سلطات هذه الدول ، وبالتالي كان من المفترض تحديد الأسس القانونية  التي تؤهل تلك السلطات لتمثيل تلك الدول شرعاً وقانوناً ، لكن العوار الذي أصاب القانون الدولي ومنظماته الدولية اعتباراً من هيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها هو أن تلك الهيئات الدولية للنظام الدولي تأسست على يد المنتصرين في الحرب العالمية الثانية (1)، فتم اعتماد قانون القوة على حساب قوة القانون ، وتمثل ذلك في احتكار القرار الدولي في السلطة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة المتمثلة في مجلس الأمن بيد الدول التي تمتلك القوة فاحتكرت حق "الفيتو" بموجب المادة /27/ من ميثاق الأمم المتحدة(2) ، والأخطر من ذلك أن ذلك التعسف امتد إلى السلطة التمثيلية التي يحق لها تمثيل الدول في المؤسسات الدولية ، بحيث لو تمكنت أية عصابة ، أو جماعة مسلحة من اغتصاب السلطة في دولة ، ما ، سواء بالقوة المسلحة أو بتآمر مخابراتي دولي ، تنال تلك العصابة الاعتراف الدولي ، وتحتل تلك العصابة مقعد تلك الدولة في هيئة الأمم ، والمنظمات الدولية ، فدول "الفيتو" هي التي تمنح المقعد لسلطة الدولة ، أو تحجبه بناء على مصالحها ، وليس تأسيساً على شرعية السلطة ومشروعيتها في تلك الدولة (3)، وهذا ينعكس بدوره سلباً على مؤسسات تلك الدولة في الداخل ، فالذين وضعوا أيديهم الغاصبة على مؤسسات السلطة التنفيذية في دولة ، ما ، واكتسبوا الاعتراف الدولي بهم ، لن يستقر لهم الأمر إلا بتخريب السلطتين : التشريعية ، أولاً ، وبخاصة القضائية ، ثانياً ، لبسط سلطة السطو في دولهم ، وهذا يهدد وجود الدولة المشروعة أساساً لأن وجود سلطة تشريعية تمثيلية حقيقة لإرادة الشعب ، وسلطة قضائية عادلة ومستقلة ومحايدة ونزيهة في أي دولة يتناسب طرداً مع وجود الدولة نفسها ، وتالياً حرية الإنسان ذاته ، وهكذا افتقد النظام الدولي الشروط الأساسية لقيام نظام دولي عادل ، بافتقاده اشتراط قانوني دولي بأن تكون السلطة التي تمثل الدولة في المؤسسات الدولية ، ابتداء من هيئة الأمم المتحدة ، سلطة شرعية بمعنى صحة تمثيلها للشعب في الدولة المعنية بموجب نص قانوني دولي ملزم كان يجب النص عليه مع تأسيس هيئة الأمم المتحدة لبناء نظام عالمي عادل ومتوازن  .

( 3 )

            لقد أدى هذا العوار في النظام الدولي إلى انفصام شبه تام بين المؤسسات التنفيذية الدولية ، وبين النصوص التي تصدر عن المنظمات الحقوقية ذات المصداقية ، والتي لم تجد طريقها للتنفيذ ، وهكذا فأن النصوص التي تضمنتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والعدالة الدولية والمساواة بين أشخاص النظام الدولي "الدول" والقضاء الدولي بقيت حبراً على ورق يتم تطبيقها استنسابياً وفق مصالح دول "الفيتو" ، ويتم التغاضي عن الجرائم التي تتعرض لها الأمم والشعوب من قبل ذات دول الهيمنة الدولية مباشرة ، أو من قبل عصابات إجرامية محلية داخل تلك الدول ، قد تكون حاكمة أغلب الأحيان ، مرتبطة بمصالح دول "الفيتو" ، ورغم ذلك يقوم الطغاة في تلك الدول بتدبيج المواثيق الدولية حول العدالة وحقوق الإنسان نظرياً في دساتيرهم وتشريعاتهم طالما أنها بلا أثر في الواقع بل تتم المبالغة بالتغني بتلك النصوص حتى في الدول الأكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان للتضليل والتغطية على الانتهاكات الخطيرة للحقوق الأساسية للإنسان دون أن يسأل أحد عن مصداقية تطبيقها ، ويستمر في الوقت ذاته مشهد "السجاد الأحمر" في ساحات قصور الدول الكبرى وفي ساحات الهيئات الدولية يُفرش للطغاة ومغتصبي السلطات في بلدانهم ، وتعُزف لهم الأناشيد الوطنية ، ويُنفخ لهم في الأبواق ، إلا إذا كانت تلك المساءلة تصب في مصلحة أحدى الدول الكبرى ، بينما تنص المواثيق الدولية الحقوقية في العديد من موادها على تأكيد المساواة أمام القانون، وعلى حق كل إنسان في أن تنظر في دعواه محكمة عادلة وحيادية ومستقلة ونزيهة . وهي تفرض على النظام القانوني في أي دولة حماية هذه الحقوق "إذا أريد للبشر ألا يضطروا آخر الأمر إلى التمرد على الطغيان والاضطهاد"(4).

( 4 )

            هكذا نجد أنه لا بد من تفهم هذه العلاقة الجدلية بين : (1) الدول الفعلية غير المشروعة ، (2) والسلطات غير المشروعة في الدول ، (3) والعوار الذي يعاني منه النظام الدولي ، وما يسمونه القانون الدولي ، وبالتالي فأن الطريق أمام الإنسانية مازال طويلاً للوصول إلى نظام دولي عادل يحقق المساواة ويصون الحرية للشعوب لكن لا بد من تحديد نقطة الانطلاق لإصلاح النظام الدولي والتي تبدأ من إصلاح السلطات الحاكمة في أشخاص النظام الدولي وهي الدول ، ذلك أن الدول المشروعة التي تمثلها سلطات مشروعة صالحة هي وحدها القادرة على إقامة نظام دولي مشروع وصالح تستحقه هذه الإنسانية التي عانت طويلاً من ويلات الحروب والظلم والتوحش والاستغلال والعدوان .

( 5 )

            هذا يعود بنا إلى الحديث عن المرحلة الانتقالية من الأنظمة الاستبدادية اللامشروعة حيث الطغاة يسطون على الدولة والسلطة والمجتمع إلى الدولة الديموقراطية حيث السلطة تمثل المجتمع عبر صناديق الاقتراع ، وهنا يتشعّب الحديث عن "العدالة الانتقالية" لتخفيف الآثار السلبية التي راكمها المستبدون والتي قد تؤدي إلى مظاهر الانتقام والفوضى وحتى الصراعات الأهلية ، وهنا أيضاً تتنوع المواقف ، هناك من يسعى إلى التسامح ، وهناك من يسعى للقصاص ، وهناك من يسعى للانتقام ، وغالباً ما تتزاحم الأسئلة عن المهام الأساسية في المرحلة الانتقالية ، وما هي الأولويات ، وتتعدد الإجابات بتعدد التجارب وطبيعة الانتقال ، فقد يتم الانتقال بسلاسة وبالقليل من العنف ، وقد يكون الانتقال دموياً وتدميرياً ، لكن في الحالات كلها لا بد أن يفرز المجتمع مؤسسات حقوقية ومجتمعية لحماية المجتمع وملء الفراغ الذي يشكله انزياح سلطة الاستبداد من جهة والفساد الذي خلفه الاستبداد في أجهزة السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية بحيث لا يمكن الاعتماد عليها في تحقيق العدالة وبالتالي لا بد أن يفرز المجتمع مؤسسات مؤقتة تملأ الفراغ إلى حين بناء مؤسسات السلطة الوطنية ، التنفيذية والتشريعية والقضائية ، لتجنيب المجتمع مخاطر الفوضى وانفلات العنف باتجاهات تدميرية ، وهذا يتوقف على  مصداقية تلك المؤسسات في تحقيق العدالة واستيفاء الحقوق ، وهذا يبدأ بالعمل المباشر للانتقال من دستور السلطة ... إلى سلطة الدستور ...  من دولة السلطـــة ... إلى سلطة الدولة ...من السلطة المطلقة ... إلى الفصل بين السلطات ...من عصبويات الفتن ... إلى مجتمع المواطنة ...من الهيمنة على السلطات ... إلى الفصل بينها ...من التسلط على المجتمع ... إلى الحرية والعدالة والمساواة ...من تقييد الحريات العامة ... إلى حرية الرأي والتعبير ...من قضاء خاضع للسلطة التنفيذية ... إلى قضاء عادل مستقل ...

         هكذا ... لا بد من تحديد طبيعة المرحلة التي يراد الانتقال منها وطبيعة المشكلات وعمقها والظروف المتداخلة المؤثرة فيها والعوامل الداخلية والخارجية التي يجب التعامل معها ، والقوى المضادة للانتقال إلى الدولة الديمقراطية سواء تلك التي كانت مسيطرة أو تلك العصبويات الانتقامية التي تسعى للسيطرة وملء الفراغ ... وفي الوقت ذاته تحقيق التكاتف والتحالف بين كافة القوى الوطنية لتجاوز المرحلة الانتقالية بأقل الخسائر الممكنة وتأجيل الخلافات الأيديولوجية والمتعلقة بمستقبل البلاد إلى ما بعد المرحلة الانتقالية وإقامة مؤسسات وطنية تمثيلية ، ومن ثم الاحتكام إلى الصندوق الانتخابي ...

حبيب عيسى
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف