كيف كانوا وأين صرنا!!
بينما كنّا نحكم تطويق جدّي صحبنا في لفتة للأمس البعيد، وأمسية متّشحة ببدر وريد، إذ أبحر بنا قارب ربّانه شاب شعره، غير أنّ قلبه وليد، شقّ غمار أمسه بمعول ذاكرته الحديد، فانتقى لوحة من بوتقة الزّمن السّعيد، إذ كان النّاس يقطفون البسمة من خيوط فجرهم المرصوف ببرد الجليد، ومن نقوش جباههم اللامعة بعرق فريد، إذ لم يكن (الكلنكس) قد شقّ بذار طريقه إلى حضارتهم، ولم تكن الحياة تمنحهم إجازة إلا بعد تشييع جنازاتهم..
كان جدّي يحدّثنا وعيونه تلوذ بالحسرة على سهراتهم، إذ كانت القلوب بيضاء كنفسياتهم، خالية من أنيميا الأحقاد، وفيروسات نزواتهم، وكان زهير النوباني يؤجّج حمم لوعاتهم لاحتكاره أموال الناس واحتياجاتهم، فقد كان زهير الممثل رمزا للشرّ قبل أن يعرف الناس جورج بوش وأوباما وشارون وأتباعهم، وكانت ساعة الجوفيال ذخر ميقاتهم، تلف ساعد الأب وتضبط للأبناء أوقات صلواتهم، وكان الفجر يزخر بصباحاتهم، فالأغنام تدقّ أجراسها ساعة الانطلاق، والزيت يتدفّق من جوانب رغيف عالي المذاق، والرّجال ينطلقون بحثا عن الأرزاق، والأمهات يتجهن للقبلة لتسديد الدّعوات لزهير النوباني العاق، والشباب يصحبون كتبهم مستعدين للمدارس خوف الإخفاق، فكانوا أكثر صدقا، وأجدر بالحياة الخالية من المصالح والنّفاق.
فلو حدثتهم عن (الفيس بوك) لرجموك، ولو همست بـ(الووتس أب) لنفوك، ولو خطر لك أن (الجلاكسي والآي فون) سيحلان محلّ الرسائل المكتوبة لصلبوك، ولو ذهب بك التفكير إلى (السفن أب) بديلا عن الشيح والزعتر لأحرقوك، ولو قدّمت لهم وجبة من (الكنتاكي) مع (الكاتش أب) لطحنوك وربّما للأهلي أحوجوك، هذا إن لم تغد قطعا عن التراب يلملموك.
هكذا هم... بسيطون في تفكيرهم، طيّبون في تعاملهم، رحماء في تعاطفهم، حادّون في أفكارهم، فلو سألت أحدهم عن الكيوي فلن يذهب تفكيره لأبعد من تلميع أحذيتهم، ولو قرأت لهم شيئا عن العدسات اللاصقة لاعتبروك مفسد عقيدتهم.
هم في واجبات التهنئة والتعزية سريعون، ومن مخزون البيت هداياهم يحملون، أو من أغنامهم يجودون، ولا يؤخّرهم ظرف، ولا يحدّ أمرٌ من أن يكونوا مشاركين، وفي بيت العيلة يسهرون، وبالشاي هم مكتفون، ونور الكاز هم به يستضيئون، وبحكايات الماضي يتسامرون، ولبعضهم يتفقدّون، ولا يشغلهم عن جَمعتهم غيرُ وفاة أحدهم، أو مرض أصيب به الأقربون، والشّباب حولهم صامتون، بيقظة المتابع يستمعون، وبحرص المطيع يرصدون، ولخدمة ضيفهم دوما جاهزون.
فلو حضر أحدهم جلساتنا اليوم لأسرع للبحث له عن (لاب توب)، فالأم عاكفة على أنواع المأكولات، والأب يسدّد للأصدقاء المسجات، وأما الشّبابُ فلكلّ منهم عالم من الإلكترونيات، سابح في ظلمة الفضاءات، فمن دردشة هنا، وجيمزر هناك، والفيس الخاص أضحى عاجزا عن تلبية الرغبات، فأجمعوا على رصّ الصفوف في استحداث الصّفحات، وأمّا الدراسة فالواقع أنها أصبحت من جملة هيهات، فالتوجيهي الأدبي حجز مقعدا لتصوير المادة في إحدى المكتبات، والعلمي أضحى علمي علمك فلتخسأ المعادلات ولتسقط النّظريات، فالعم (جوجل) يمنحني أشهى اللحظات، واليوتيوب يمدّد يومي إلى كلّ ما هو آت آت.
ويل للموضة والموديلات، أسقطت الحشمة عن الملبوسات، فالبنطال أضحى يفخر بالتشوّهات، وصار خيوطا واهية المساحات، وكذلك الفتيات فقد ظُلمن بالتجديدات، وأوغل العصر في تحريف مفاهيم الاستحداثات، فقبلنا بها راغبين وراغبات، إذ لو عاد الدهر ردحا من الزمن وجيء بالأموات؛ لخلطوا في عصرنا بين الطلاب والطّالبات، إذ انتقصت أقدارنا بالتشبّه والتشبيهات، ولو استحضرنا سيبويه في عصرنا لعجز عن استحضار مثال واحد للمذكّر سالم من التبعات، ومؤنّث محدّد الصّفات.
بينما كنّا نحكم تطويق جدّي صحبنا في لفتة للأمس البعيد، وأمسية متّشحة ببدر وريد، إذ أبحر بنا قارب ربّانه شاب شعره، غير أنّ قلبه وليد، شقّ غمار أمسه بمعول ذاكرته الحديد، فانتقى لوحة من بوتقة الزّمن السّعيد، إذ كان النّاس يقطفون البسمة من خيوط فجرهم المرصوف ببرد الجليد، ومن نقوش جباههم اللامعة بعرق فريد، إذ لم يكن (الكلنكس) قد شقّ بذار طريقه إلى حضارتهم، ولم تكن الحياة تمنحهم إجازة إلا بعد تشييع جنازاتهم..
كان جدّي يحدّثنا وعيونه تلوذ بالحسرة على سهراتهم، إذ كانت القلوب بيضاء كنفسياتهم، خالية من أنيميا الأحقاد، وفيروسات نزواتهم، وكان زهير النوباني يؤجّج حمم لوعاتهم لاحتكاره أموال الناس واحتياجاتهم، فقد كان زهير الممثل رمزا للشرّ قبل أن يعرف الناس جورج بوش وأوباما وشارون وأتباعهم، وكانت ساعة الجوفيال ذخر ميقاتهم، تلف ساعد الأب وتضبط للأبناء أوقات صلواتهم، وكان الفجر يزخر بصباحاتهم، فالأغنام تدقّ أجراسها ساعة الانطلاق، والزيت يتدفّق من جوانب رغيف عالي المذاق، والرّجال ينطلقون بحثا عن الأرزاق، والأمهات يتجهن للقبلة لتسديد الدّعوات لزهير النوباني العاق، والشباب يصحبون كتبهم مستعدين للمدارس خوف الإخفاق، فكانوا أكثر صدقا، وأجدر بالحياة الخالية من المصالح والنّفاق.
فلو حدثتهم عن (الفيس بوك) لرجموك، ولو همست بـ(الووتس أب) لنفوك، ولو خطر لك أن (الجلاكسي والآي فون) سيحلان محلّ الرسائل المكتوبة لصلبوك، ولو ذهب بك التفكير إلى (السفن أب) بديلا عن الشيح والزعتر لأحرقوك، ولو قدّمت لهم وجبة من (الكنتاكي) مع (الكاتش أب) لطحنوك وربّما للأهلي أحوجوك، هذا إن لم تغد قطعا عن التراب يلملموك.
هكذا هم... بسيطون في تفكيرهم، طيّبون في تعاملهم، رحماء في تعاطفهم، حادّون في أفكارهم، فلو سألت أحدهم عن الكيوي فلن يذهب تفكيره لأبعد من تلميع أحذيتهم، ولو قرأت لهم شيئا عن العدسات اللاصقة لاعتبروك مفسد عقيدتهم.
هم في واجبات التهنئة والتعزية سريعون، ومن مخزون البيت هداياهم يحملون، أو من أغنامهم يجودون، ولا يؤخّرهم ظرف، ولا يحدّ أمرٌ من أن يكونوا مشاركين، وفي بيت العيلة يسهرون، وبالشاي هم مكتفون، ونور الكاز هم به يستضيئون، وبحكايات الماضي يتسامرون، ولبعضهم يتفقدّون، ولا يشغلهم عن جَمعتهم غيرُ وفاة أحدهم، أو مرض أصيب به الأقربون، والشّباب حولهم صامتون، بيقظة المتابع يستمعون، وبحرص المطيع يرصدون، ولخدمة ضيفهم دوما جاهزون.
فلو حضر أحدهم جلساتنا اليوم لأسرع للبحث له عن (لاب توب)، فالأم عاكفة على أنواع المأكولات، والأب يسدّد للأصدقاء المسجات، وأما الشّبابُ فلكلّ منهم عالم من الإلكترونيات، سابح في ظلمة الفضاءات، فمن دردشة هنا، وجيمزر هناك، والفيس الخاص أضحى عاجزا عن تلبية الرغبات، فأجمعوا على رصّ الصفوف في استحداث الصّفحات، وأمّا الدراسة فالواقع أنها أصبحت من جملة هيهات، فالتوجيهي الأدبي حجز مقعدا لتصوير المادة في إحدى المكتبات، والعلمي أضحى علمي علمك فلتخسأ المعادلات ولتسقط النّظريات، فالعم (جوجل) يمنحني أشهى اللحظات، واليوتيوب يمدّد يومي إلى كلّ ما هو آت آت.
ويل للموضة والموديلات، أسقطت الحشمة عن الملبوسات، فالبنطال أضحى يفخر بالتشوّهات، وصار خيوطا واهية المساحات، وكذلك الفتيات فقد ظُلمن بالتجديدات، وأوغل العصر في تحريف مفاهيم الاستحداثات، فقبلنا بها راغبين وراغبات، إذ لو عاد الدهر ردحا من الزمن وجيء بالأموات؛ لخلطوا في عصرنا بين الطلاب والطّالبات، إذ انتقصت أقدارنا بالتشبّه والتشبيهات، ولو استحضرنا سيبويه في عصرنا لعجز عن استحضار مثال واحد للمذكّر سالم من التبعات، ومؤنّث محدّد الصّفات.