الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

فزِّاعة العامية..بقلم: السيد إبراهيم أحمد

تاريخ النشر : 2014-11-23
فزِّاعة العامية..بقلم: السيد إبراهيم أحمد
فزِّاعة العامية...
                 
  السيد إبراهيم أحمد

     لم تراوح قضية العامية كلهجة مكانها؛ ففي أدبيات علماء العربية الفصيحة وكذلك الذين ينافحون عن الإسلام اتهامًا ثابتًا رسخوه في أذهاننا منذ مطالع الصبا أنه ليس هناك من خطرٍ أكبر وأقدر على اللغة العربية ودين الإسلام من تلك العامية اللعينة، فعشنا ونحن نحس بالذنب يوميًا من اعتياد الحديث بها، فجعلنا جُل اجتهادنا في التحدث بالفصحى إلى درجة الدخول في حوارات يومية بالفصيحة البليغة بيني وبين أصدقائي بالساعات ونحن نتهارش باللفظ الحوشي المستغرب المستهجن، وكلما أغرقنا كلما أثبتنا جدارة الاصطفاء بشرف الانتساب إلى أهل تلك اللغة.

   غير أن الأيام مرت ولم يثبت لنا أن العامية أو العاميات العربية في أساسها كانت وحدها هيَّ الخطر الداهم في وقف زحف الفصحى والتسبب في ضعفها، ذلك بعد أن رأينا وسمعنا وصُدمنا في من يتحدثون العربية من أهل الاختصاص ويمارسون مهنة النقد كأستاذ جامعي ومازالت تلك السيدة التي تتصدر المشهد الثقافي ولا تفرق بين الثُبات والسُبات وتقصد النوم ونفس الخطأ يصدر عن صحفية بنت إعلامي شهير تتصدر كبريات المجلات الأسبوعية، مع أن هذا الخطأ صدر عن السيدة أم أيمن حاضنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنها بدلت الثاء سينًا حين دعت له يوم حنيْن بالثبات، وعذرها أنها حبشية وكانت مع هذا تقرض الشعر، وتتوجع المنابر من مشايخ يلبسون العمائم يحسنون قراءة القرآن الكريم، وينطقون العربية بلحن في الإعراب، مثلهم مثل الأعاجم.

   وعلى طول البلاد العربية وعرضها هناك من يكتبون بالعامية مع اتصالهم الوثيق بالعربية الفصيحة سواء في مكاتباتهم أو أعمالهم، وهم يملكون ناصية الإبداع باللغتين دون غضاضة أو تضاد، أو تنطوي في نفوسهم الرغبة الملحة في القضاء عليها، ولم يلجأوا إلى العامية استسهالاً أو هروبًا من معجمية الفصحى وقواعدها، والشعر الخليلي وعروضه، والدواوين خير شاهد على صدق ما أقول، والمجموعات القصصية التي تجد مبدعها واحد، رغم اختلاف الأجناس الأدبية واللغة واللهجة المستخدمة.

    وحين سألت أحد الأدباء الذين يمارسون العامية والفصحى والكتابة: لماذا تنتصر للفصحى وتكتب بالعامية؟!.. فأجابني بأن ليس ثمة تناقض؛ إذ كنا في مصر نستقبل الجزائرية عبر غناء رابح درياسة، والمغربية عبر عبد الوهاب الدوكالي، واللبنانية عبر صوت فيروز.. وكذلك الفن الخليجي، واستمتعنا بكل تلك اللهجات .. كما استمتع العرب باللهجة المصرية، وكانت لها السيادة لأنها امتلكت المواد الناقلة والحاملة لها عبر الأدب والفن والإعلام، وصرنا نميز بين اللهجة السعودية والتونسية، والتقت لهجات العرب في إذاعة صوت العرب.. لكن كان هناك اتفاق ضمني مبدئي أننا نتكلم العامية .. لكن في كتبنا وصلواتنا تجمعنا العربية الفصحى .. فليس ثمة تناقض .. ولو حتى من باب العرف .. والعرف عند العرب أقوى من القانون.  وكتبتُ بالعامية لأنها نادتني .. تغلبتُ عليها تارة لكنها غالبتني في الزجل والقصيدة العامية، والأغنية، كنت معها مثل الطفل الأعسر كلما حاولت التيامن لم أستطع، مع كوني لا أجد غضاضة في التعاطي مع القصيدة الفصحى قراءةً وكتابة، ووافقني أحد أصدقائي ممن يكتبون القصيدة العمودية .. أن قلت له في جدال عندما يكون المعنى أقوى في النص الشعري العامي، فهو أفضل من شعر موزون بالفصحى ولكنه خواء..

       لقد شكلت الثورة الفضائية في الاتصالات أحد روافد الوسائل الحمائية لتلاقح الأفكار بالعامية، فقد نقل جناح الدراما بأنواعه عامية كل قطر عربي إلى شقيقه شعب القطر الآخر، وبعد أن كان عندنا إذاعة واحدة تضم العرب، صار عندنا قنوات لكل قطر وحده، وهذه القنوات لم تفرق العرب بل جمعتهم.

      ليس هناك خوف على الفصحى من العامية، مثلما ليس ثمة خوف على العامية من جور الفصحى، بل أفادت الفصحى العامية حين هذبتها ورفعتها قريبًا منها، ودخلت العامية على الفصحى فأنستها وحببتها إلى المتلقي الذي كان ينفر منها، وبهذا أصبحت عندنا لغة وسطى ..ثالثة.. يجتمع عليها الجميع .. ومن استطعم وتذوق اللغة في كل أحوالها .. وأمتلك ناصية أكثر من جنس شاء له أن يعبر بأقواها.. والفكرة هيَّ التي تختار قالبها لا المبدع.

 يقول اللغوي خليل كلفت في دراسته حول الازدواج اللغوي بين الفصحى والعامية: (وهكذا نلتقى بفكرة أن التجاور بين اللغتين المسماتين بالفصحى والعامية كان قائما منذ البداية، منذ الجاهلية، وبفكرة أن التجاور الطويل أثبت عجز "الفصحى" عن القضاء على تلك "العامية"، وبفكرة أنه أثبت عجز "العامية" عن القضاء على "الفصحى"، وبفكرة ضرورة القضاء على هذه لصالح تلك، وبفكرة ضرورة القضاء على تلك لصالح هذه، وبفكرة أن التجاور سيظل قائما إلى ما شاء الله، وبفكرة أنه تجاور سعيد لا ينبغى أن يثير ضيق أحد).

       إذن فلم يثبت أن العامية كانت العائق الأكبر الذي يجب أن يتحمل اللوم والوزر في تعثر الألسنة بالفصحى، فأرجو من سدنة الفصحى المنوط بهم تدريس اللغة وتيسيرها وإفشائها في المعاهد التعليمية والعلمية أولاً والمجتمع بالضرورة : لا تشيطنوا العامية، ولاتخلقوا منها فزَّاعة تعلقون عليها فشلكم في إخراج أجيال جديدة تتحدث لغتها بسلاسة وسلامة ووضوح، فمناهجكم عقيمة، وأدواتكم قديمة، فلا تهيلوا التراب في كل مرة على رأس العامية.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف