الأخبار
ارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزة
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قراءة في قصص خيري حمدان، مجموعة" غواية منتصف العمر"بقلم:عزام أبو الحمـام

تاريخ النشر : 2014-11-21
قراءة في قصص خيري حمدان، مجموعة" غواية منتصف العمر"بقلم:عزام أبو الحمـام
قراءة في قصص خيري حمدان، مجموعة (غواية منتصف العمر):
عزام أبو الحمـام
 اعتدنا في قصص خيري حمدان التي طالما تابعناها بشغف عبر منبر دنيا الرأي وغيره من المواقع الإلكترونية خلال السنوات الماضية، اعتدنا أن نشهد حياة المهاجر أو صور المسافر الذي لا تفارق كتفه حقيبة السفر والترحال، بتنا من خلال تلك الصور القصصية أو الشعرية نعرف زوايا كثيرة من زوايا وجدان المُهجر العربي الذي يلف ويدور في طول الأرض وعرضها وغالبا إما فوق ثلوج قاسية أو وسط أمواج هائجة أو عبر الطائرات السابحة في الفضاء أو بواسطة القطارات التي تسير مسافات شاسعة في أوروبا، من خلال عديد القصص والنصوص الأدبية القصيرة، كان خيري حمدان يكشف لنا الحقيقة – المتعلقة بتجربة المهجر – بطريقته الخاصة التي تقول: إن الاغتراب ليس نزهة وليس جمع أموال ومراقصة الحسناوات وليس هو سكون النفس بالضرورة رغم سكون البيئة وتوفر سبل العيش الرغيد أحياناً، أو ضنك العيش في أحايين أخرى، قد يكون المهجر سبباً إضافياً للتوتر الوجداني والذهني، فإن اضطرار المرء لعيش في المهّجر كنقل الشجرة إلى غير مكانها وفي غير موطنها. لذلك يغدو الوطن في ذهن المهجر/ المغترب قسراً أطيافاً من حلم يتهادى بين الممكن والمستحيل، يغدو الوطن شوقاً مؤرقاً، وقد يبدو رغبة عارمة في إعلان الانتماء المشروط أو المسكون بالتحديات، يغدو الوطن أشبه ما يكون بما بعد الفردوس المفقود، حيث التيه والضياع والمرارات المتراكبة، يقول خيري حمدان في أحد نصوصه السابقة لهذه المجموعة:
( أنا ابن الضياع والتيه .. لا أدري وجهة أشرعتي
ولا أدري إذا كنت أنوي مخالفة الرياح.) (من نص مراكبي)
ومن خلال نصوصه السابقة، كان يمكن ملاحظة تكرار بعض الكلمات المشحونة بصور متعددة عن الحالات الشعورية للكاتب:
 البحر، المرفأ والمرافئ، الهزيمة، الخنوع، الأبدية، الموت، الحقيبة، الثلج، الموج،،،
نصوص المهجر ومراراته ومعانات الطريق منه، وإليه، شكلت الإطار العام لقصص خيري حمدان ونصوصه الأدبية المختلفة، ومن حيث الأسلوب فبعضها مُهجن ما بين الشعر والنثر والقصص، لكن القصص القصيرة كانت أبدعها من وجهة نظري.
كنت قد كتبت في مقال تحليلي قبل أربعة أعوام، أن خيري حمدان لا يحفل كثيرا بالتفاصيل، ولا بالواقع، إنه يقدم لنا الحقيقة من بعيد كما يراها هو بمنظار المغترب، العارف لقوانين الطبيعة في بلاده العربية، إنه يستخلص لنا الحقائق من أكوام الأحداث والتفاصيل الكثيرة.. " خيري حمدان في نصوصه مسكون بكل هواجس الشرق لأنه لم يقطع صلاته به ولم ينزعه من وجدانه كي يتصالح مع الاغتراب فلا يصبح مغتربا، لكنه مجروح من هذا الشرق، وهو لذلك يستعين على ذلك الجرح بالحلم، الحُلم الذي لا يحفل بتصوير التفاصيل على دقتها ولا حتى على وجه التقريب، إنه يصورها أو ينقلها لنا مثلما يحس بها هو، نراها ونستشعرها من خلال نفسه المتوترة والحالمة والمسافرة أو الممزقة بين بؤس الواقع وبين قمرية الحُلم.
يقول في النص ذاته" يحكى أن الليل تمرد فبكى":
(((غبيّ عالمُك .. ساذجٌ، فقيرٌ، يحتاجُ لجرعةٍ من
الرومانسية! ألم يحن الوقتُ لنلعنَ الواقعية؟
تلك التي حرمت طفلتي من ممارسةِ اللعبِ فوقَ سطحِ
القمر.)))
 خيري حمدان، يحرض للعن الواقعية لأنه خبر الواقع ومراراته، فوجد أنه لا بد من بعض جرعات رومانسية كي يستطيع الأطفال الحلم وبناء مستقبل أفضل وممارسة حياتهم بقدر أقل من المرارة التي تجرعها الآباء والأجداد."
معه حق بالطبع، لأنه لو ظللنا نمتص الواقع فنحن كمن يمتص السم الزعاف يوميا فنسمم حياتنا ولا نستطيع المواصلة. هذا ما يرغبه أعداؤنا تماما، أن نموت قهرا وتسمما وحقدا. "
   مع أننا نعرف تمام المعرفة أن خيري حمدان لم ينقطع عن هموم البلاد العربية، وعن هم القضية الفلسطينية تحديدا، لكن ذلك لم يكن ليكفي لإنتاج نصوص واقعية بالمعنى الموضوعي والمكاني والزماني، ويمكن تفهم ذلك بحالة الاغتراب والبعد الجغرافي، لكن كيف تحول الكاتب إلى القص الواقعي؟ ولماذا عاد يفكر في القصص الواقعي بعد أن خط عشرات القصص ذات الإطار الفكري الوجداني؟ هل عاد خيري حمدان ليعمل بما قاله عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو حينما قال " النظرية بدون بحث إمبيريقي خواء، والبحث الإمبيريقي بدون نظرية هراء". وترجمة ذلك في حقل الإنتاج الأدبي يمكن أن تكون "القصة بدون الارتكاز إلى معايشة الواقع خواء، وقص الواقع بدون رؤية كلية هراء".
في مجموعته الجديدة، "غواية منتصف العمر" يعود خيري حمدان في أغلب قصصه إلى الواقع وتفاصيله، خصوصا واقع بلاد المشرق العربي، ويقتطف لنا من تاريخ النضال التحرري الجزائري قصة واقعية تاريخية.
 ويبدو لي أن أحداث ما سمي بالربيع العربي شكلت حافزاً للكاتب لأن يعود لتفحص مجتمعه من جديد، أقصد مجتمعاته العربية، وتتبع تفاصيل ما يجري فيها من أحداث، فهو أخذنا في قصة "عشاء برفقة الأنبياء" إلى بغداد وما تعانيه من جنون التفجيرات المدثرة بأحلام الجنة الموعودة في الآخرة، وأعادنا إلى قصة واقعية من تاريخ النضال الجزائري في أواخر الخمسينيات "لا خيانة بعد اليوم"، وأبرز فيها الطعم المرً للخيانة إلى جانب بطولة المناضلين سي الحواسي وعميروش المشهورة في التراث الوطني الجزائرية، أخذنا الكاتب إلى فلسطين المحتلة، مسقط رأسه عبر قصة "يمنع المرور والتأمل"، حيث الاحتلال الذي يتحكم في أنفاس الناس وأقدارهم، أخذنا من خلال قصة "على شفا هجرة" إلى شوارع عمان في الأردن حيث عاش بعضا من طفولته وشبابه...
 ربما أراد خيري حمدان أن يقول لنا في مجموعته هذه ما لم يستطع قوله بالقصص الشاعرية، القصص الوجدانية، والقصص التي حملت عصارة التجربة. في هذه المجموعة الجديدة، ينبش الكاتب في تفاصيل الواقع ويعرضها أمامنا في سرد خطي أغلب الوقت واستخدام تقنيات قصصية أخرى بما فيها السفر عبر الزمن أحياناً. نجده مشاركا في هذه القصص في ضمير المتكلم (شعرت بالاختناق حال صعودي إلى الحافلة..) وقد يبدو لنا في ضمير الغائب (تحسس صدره، ورأسه، كل شيء هناك في مكانه المعتاد، أعضاؤه وأطرافه...اقترب قليلا من التلفاز..).
 وبخصوص الموضوعات والقضايا التي تناولتها قصص هذه المجموعة فهي تتوزع على ثلاث مجالات رئيسية من حيث الموضوعات:
المجال الأول يتناول قضايا وهموم الناس الواقعية في البلدان العربية، وهذا ما أدخل الجديد على قصص خيري حمدان فصبغت بعضها بواقعية مفرطة جداً، دون أن يُخل ذلك بالفن القصصي في أغلب الأحيان.... لنأخذ مثلا "ألا ترى بأن الربيع العربي قد فشل بتقديم أيّ بديل؟ بل على العكس من ذلك، تردّت الأحوال وازدادت الأمور سوءاً... ص 56). (خرج ليحصل على قوت يومه كالعادة.. كان الطقس حاراً للغاية كما أن شوارع بغداد لا تبشر بالخير في الآونة الأخيرة، أدار محرك عربته ومضى يجول بهدوء متأملا أن يلتقط زبوناً، لا يحمل في قلبه ووعيه ضغائن وأحقاد النهار المتعطش لمزيد من حصد الأرواح... ص71) لكن هذا السائق الذي يحدثنا عنه الكاتب يلقى حظاً عاثرا ذلك النهار وينجو من موت رهيب لأن زبونه ذلك النهار لم يكن إلا واحداً من أولئك الأشخاص الذين يسرعون الخطى نحو الموت لهم ولغيرهم من الناس من خلال تفجير أنفسهم بين الناس... والهدف في اعتقادهم ملاقاة الأنبياء والصديقين في الجنة.
والمجال الثاني منها يدور حول هموم الشباب العربي المهاجر في أوروبا، ويخالط ذلك بعض المداخلات التي تعكس حياة الأوربيين وبعض همومهم، ففي قصة "الطريق إلى دينيتاس" يناقش القاص فكرة الموت الرحيم، التي يطلبها صديق قديم له كان أستاذا له في الجامعة ولم يشأ أن تستمر حياته بمرض أفقده قدراته العصبية والجسدية وذاكرته. ثم نقرأ في قصة "حجرة للحياة والموت" عن تجربة بعض الشباب العربي المهاجر إلى أوروبا وبالتحديد شاب سوري هرب من مدينة حلب نتيجة الحرب المدمرة التي ما فتأت تحرق الأخضر واليابس في سوريا، حيث يعمل بعضهم في مناجم استخراج الفحم، وهي من أخطر أماكن العمل على وجه الأرض، أو في باطنها.
 أما المجال الثالث، فتلك القصص الرمزية التي استحضرت حياة كائنات غير بشرية مثل قصة (الحلزون الحكيم، في بيتي قرد، والذئب ضيفي لا تطلقوا النار) رغم أن الأخيرة تحكي قصة صداقة بين رجل وذئب سئم كل منهما ما خبره من حياة مجتمعه. أما قصة "الحلزون الحكيم" فهي رمزية سياسية بامتياز، ويمكن تأويلها على مستوى العلاقات الاجتماعية أيضاً، وخلاصتها أن من تغريه المتع والمصالح الآنية، سيفقد شيئا أعز، كرامته وحريته.
 أخيراُ، فإن مجموعة "غواية منتصف العمر، نشرت عن دار أزمنة للنشر (عمان) في صيف عام 2014 واحتفل بها الكاتب وعدد من أصدقائه الكتاب في عمان عاصمة الأردن برعاية من المركز الثقافي العربي. اشتملت المجموعة على إحدى وعشرين قصة قصيرة امتدت على 162 صفحة من القطع المتوسط.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف