الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الفنّان منير أسعد كسرواني بقلم: حسين أحمد سليم

تاريخ النشر : 2014-11-21
الفنّان منير أسعد كسرواني  بقلم: حسين أحمد سليم
الفنّان منير أسعد كسرواني
يُخلّد حضارة بلدة العيشيّة بمتحف تراثيّ شعبيّ

بقلم: حسين أحمد سليم

إزدانت بلدة العيشيّة في الجنوب اللبناني بمتحف الفنان منير أسعد كسرواني الشّعبي الذي يحتوي على أدوات زراعيّة و حرفيّة شعبيّة وقطع قرويّة تراثية قديمة ورسومات وصور لكسرواني منذ بداية عمله المسرحي والفنّي...
هكذا ترجم الفنّان منير أسعد كسرواني إنتماءه إلى بلدته العيشيّة بأرض الجنوب, مؤمنا في كينونة ثقافته و وعيه أنّ الإنتماء هو ممارسة صادقة مع الواقع وأنّ الأصالة هي حركة فعل جدّيّ, والعلاقة بالأرض كما العلاقة مع النّفس و الذّات و الرّؤى في البعد و الطّموح لتحقيق الأمل المأمول...
كما كان و ما زال يُطلّ الفنّان الكبير منير أسعد كسرواني على خشبة المسرح ناشرا رسالته الفنّيّة الهادفة بأسلوبه المميّز الّذي إتّسم باللهجة القرويّة الجنوبيّة, معتبرا نفسه ضيفاً إنسانيّا على الحاضر في المكان و الزّمان، مؤكّداً إنتماءه الكامل و النّهائي إلى لبنان الوطن في كلّ زمان و مكان, رافلا في كلّ طاقاته و إبداعاته و عطاءاته ليرفد مجتمعه بثقافة الوعي و مشهديات الجمال في كلّ ما وهبه الخالق من عظمة في الخلق و تجلّيات الإبداع...
الفنّان المُتمدّن أعلن عن إفتتاح متحف منير اسعد كسرواني الشعبي في قريته الجنوبية العيشية... مستضيفا حشود المشاركين من كلّ القرى الجنوبيّة و اللبنانيّة, إلى جانب فعاليات سياسيّة و شعبيّة و إجتماعيّة و فنّيّة...
الفنّان المسرحي منير أسعد كسرواني ذلك القرويّ العتيق الّذي يشبه السّنديانة الخضراء المتجزّرة في تراب بلدته العيشيّة و المتعملقة في رحاب فضاءاتها الممتدّة, بل هو يُعتبر رمزا مميّزا من رموز الفنّ المسرحي و الثقافة و التراث, ذلك الكبير المسترسل تماهيا في شخصيّة القرويّ البسيط اللاّمع الذي يلاعب الأطفال حينا و أحيانا يحكي للكبار سير الرّجالات الأوائل الّذين تركوا لنا مآثرهم لتنير لنا دروبنا في وحشة الظّلام... فالفنّان منير أسعد كسرواني تميّز بأنّه ذلك الرّجل الشّعبيّ القرويّ المميّز الحضور, إلى درجة حسبه أهل القرى في لبنان منهم، وهو لم يبخل عليهم بعطاءاته الفنّيّة المسرحيّة, وصولا إلى أن إفتتح متحفا يحفظ فيه التراث القروي و حضارة القرية الّتي أفلت للزّوال، فجاء متحفه رغم مساحته المحدودة, علامة ثقافية نادرة في هذا الزّمن, تعبق غرفه الثّلاث بعرق العمال ورائحة الاوائل الخيّرة، وهي بفضل أمثال الفنّان منير أسعد كسرواني ستبقى وستتطوّر... لأنّ الهدف من هذا المتحف هو إبقاء التّراث حيّاً في ذاكرة الشّباب...
عُرِفت بلدة العيشيّة في الجنوب اللبناني بمعرفة الفنّان الكبير منير أسعد كسرواني, ذلك الشّاب القروي الحالم بمستقبل زاهر في قريته, ذلك الفتى الصّاعد إبن البيطار أسعد كسرواني, الّذي حمل كلّ معالم قرية العيشيّة متأبّطا هواءها العليل ممتشقا عطرها الطّيّب, قاصدا العاصمة بيروت ليتحوّل إلى فنّانٍ و ممثّلٍ, أسكن في كينونته المشهد الفنّي اللبناني, من خلال الفلاّح القروي الرّيفي, المُستلّ محراثه, الصّارخ في أذن البرّيّة, النّاهر على قطيعه من الماعز و الأغنام و البقر, ترتسم على محيّاه تلك الإبتسامة الجميلة المُعبّرة عن النّفس المطمئنّة الطّيّبة و الّتي ترسم معالم ذلك القلب النّابض بالحياة...
نتجوّل في أروقة متحف الفنّان منير أسعد كسرواني في بلدته الجنوبيّة العيشيّة, فنشتم في كلّ زاوية من الغرف الحجريّة الثّلاث, عرق العمّال و الفلاّحين و الكادحين و المجاهدين و أدوات الزّراعة و أدوات الحدادة و أصناف المونة... بحيث نُدرك قناعة أنّ الكلام قليل عن الفنّان منير أسعد كسرواني... و ماذا عسانا نقول لنفي الحقّ لهذا المتحف و لبلدة العيشيّة الّتي أنجبت الفنّان الكبير منير أسعد كسرواني... و ماذا عسانا نقول عن الفلاّح القروي و عن العامل في الرّيف اللبناني و عن المزارع في الأرض وعن شتلة التّبغ؟!...
ففي الغرب تحوّل الحكومات بيوت فنّانيها الكبار متاحف لما يمثّلونه من تاريخ حضاري لبلدانهم... و في لبنان, نرى الفنّان المسرحي منير أسعد كسرواني يحوّل مصنع والده الصغير لأدوات الزّراعة و الحدادة وغيرها في بلدة العيشية متحفاً تراثيّاً يعكس جوانب من تاريخ قرى الجنوب وتراثه...
فلقد أنشأ الفنّان المسرحي منير أسعد كسرواني هذا المتحف بجهد ذاتي إنطلاقاً من دكّان والده الصغير... الدكان الّذي كان فيه كلّ ما يتعلّق بدراسة القمح، وبالرّيجيدي أيّ نقل القش من الحقل إلى المنزل على ظهور الحيوانات, وبأدوات الحصاد الّتي كان والده الحدّاد يصنعها... ليُسمّي المتحف بمتحف منير أسعد كسرواني الشّعبي, تخليداً لذكراه وتحيّة لروحه ولروح والدته... مصمّما على إنشاء هذا المتحف لأنّه تربّىفيه، وكان يساعد والده بالعمل، حيث كان ينفخ النار في الفرن لصهر المعدن الذي كان عمّه الياس يساعد في دقّه، لكن والده هو من كان يقوم بالمهمّات الصّعبة والدّقيقة...

المتحف يحتوي على الأدوات التي كانت تستخدم قديماً وأصبحت تعرض في المنازل، كالقناديل القديمة والمناجل. وإضافة إلى صناعات والد الفنّان منير أسعد كسرواني, هناك قسم عن مراحل حيات الفنّان منير أسعد كسرواني, الفنّيّة يضم ملابس الفنّانين وأكسسواراتهم والماسكات التي كان يعود بها من جولاته في بلاد العالم، وأفّيشات مسرحياته وأعماله مع الرحابنة ومنير أبو دبس وريمون جبارة، ومراسلاته، والجوائز والدروع التي نالها، كما أنّ هناك مجموعة نادرة من صور فوتوغرافية ورسوم قديمة...
و في المتحف فرع خاصّ تهتمّ به شقيقات الفنّان منير أسعد كسرواني, وهو مخصّص للمأكولات الطبيعية، التي تنتجها أرض بلدة العيشيّة, كالزّعتر والسّمّاق وعصير الرّمّان والبندورة والمربى وماء الزّهر والعرق وأصناف كثيرة أخرى...
ساعد أهل البيت في تحضير المتحف، وأحضر الفنّان منير أسعد كسرواني عمالاً خبراء إستبدلوا الباطون بالحجر القديم ليبدو متحفاً تراثيّاً تماما... وعدا أهمّيّة المتحف التّراثيّة، يعكس هذا المشروع العلاقة الإستثنائيّة التي كانت تربط الفنّان منير أسعد كسرواني بوالده...
جال الفنّان منير أسعد كسرواني في أوروبّا ووصل إلى أستراليا، وكان يزور متاحف من هذا النّوع، وأحياناً أقلّ شأناً... و يرى الفنّان الكبير منير أسعد كسرواني أنّ ما فعله شيء جميل، فلديه في المتحف جرارا عمرها مئة عام، وخوابي زيت ونبيذ وعرق، وأدوات نحاسية...
على بعد عشرات الأمتار من كنيسة بلد العيشيّة, و إلى يسار الطّريق المؤدّي لكنيسة البلدة, يقع بيت أسعد كسرواني والد الفنّان الكبير منير... و هناك، عند زاوية البيت التّراثيّ القديم تستوقفك لوحة حجريّة على شاكلة نصب حُفر عليها عبارة متحف منير أسعد كسرواني الشّعبي, تمرّ عبر قنطرة من الصّخر القديم، حيث تنزل على درج يزدان بالعشب الأخضر, كدرب شقّ طريقه بين الحجارة الرّمليّة الصّمّاء... لتصل إلى باحة صغيرة، يتوسطها كرْكي مع برادها، وليس بعيداً عنها، يستفرد بزاوية شلال إصطناعي تتراقص المياه عذبة وهي تتدرج فوق أهدابه نزولاً في لوحة من الحبّ والعشق العذريّ... و على بعد أمتار قليلة، يقبع بئر ماء صغير, تخاله للوهلة الأولى حقيقياً... تقبع بقربه آلة زراعيّة قديمة كانت تستخدم لفرز الحب عن القشّ... و على جدران وأعمدة الباحة الحميمة، مجموعة صور تختصر حقبات زمنيّة مختلفة، من الأسود والأبيض إلى عصر الصّورة الرّقميّة الملوّنة، يتوقّف عندها الزّائر مطوّلا... و قبل أن تدخل الى الغرف الثّلاث الّتي تحتوي على ما تيّسر من أوان قديمة، ومستلزمات زارعة وصيد وتخزين وتموين وطهو، وإنارة، ومذياع وآلات موسيقيّة قديمة، فضلاً عن وثائق قديمة إحتفظ بها الفنّان منير أسعد كسرواني، ليعرضها في متحفه...
هذا و خصّص الفنّان منير أسعد كسرواني زاوية تعنى بتاريخه المسرحي وعطاءات زملائه، و في النّمليّة القديمة، حفظ كسرواني ثياب ام طعان, وقريبا منها علّق على الحائط الشّروال و هو من أوائل الثياب التي ارتداها في بداية تقديم عروضه المسرحية...
متحف منير أسعد كسرواني الشّعبي يغرفه الثّلاث, ليس معلماً ضخماً بمساحته المحدودة، إنّما جاء بسيطاً حيويّاً، مفعماً بالطّيبة، مدجّجاً بالذّكريات، مخضّباً بالحنين، ليشكّل نافذة مهمّة على التّراث المهدّد بالإنقراض و حضارة القرية المهدّدة بالزّوال...
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف