الأخبار
17 شهيداً في مجزرتين بحق قوات الشرطة شرق مدينة غزةمدير مستشفى كمال عدوان يحذر من مجاعة واسعة بشمال غزة"الإعلامي الحكومي" ينشر تحديثًا لإحصائيات حرب الإبادة الإسرائيلية على غزةغالانت يتلقى عبارات قاسية في واشنطن تجاه إسرائيلإعلام الاحتلال: خلافات حادة بين الجيش والموساد حول صفقة الأسرىالإمارات تواصل دعمها الإنساني للشعب الفلسطيني وتستقبل الدفعة الـ14 من الأطفال الجرحى ومرضى السرطانسرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أحداث في ذاكرتي -الحلقة الخامسة بقلم:حامد الحمداني

تاريخ النشر : 2014-11-01
أحداث في ذاكرتي -الحلقة الخامسة بقلم:حامد الحمداني
احداث في ذاكرتي
الحلقة الخامسة
حامد الحمداني                                                   30/11/2014

وثبة تشرين الثاني المجيدة عام 1952

كانت الأوضاع السياسية في البلاد عام 1952 تبدو هادئة ظاهرياً، بعد تلك الوثبة الكبرى التي اجتاحت العراق من أقصاه إلى أقصاه عام 948   إلا أن الهدوء لم يستمر طويلاً بسبب تردي الأوضاع المعيشية للشعب من جهة، وعودة الوجوه البورتسموثية إلى واجهة السلطة من جديد من جهة أخرى، مما شكل تحدياً لمشاعر الشعب الوطنية، وزاد من توتر الوضع معاودة هذه السلطة لإجراءاتها القمعية، وانتهاك الحريات العامة من جديد.

فلقد مارست حكومة نوري السعيد شتى أساليب القمع للحريات العامة، واعتدت على حرية الصحافة، وقيدت حرية الأحزاب السياسية، وقامت بإغلاق بعضها، هذا إلى جانب التردي الخطير للأوضاع المعيشية لغالبية أبناء الشعب العراقي.

ففي عام 1949 أقدمت حكومة نوري السعيد على إعدام قادة الحزب الشيوعي كما أسلفنا من قبل، وشنت حملة شعواء على جميع القوى والأحزاب الوطنية التي شاركت في وثبة كانون المجيدة، وخنقت الحريات العامة والصحافة الوطنية وصوت الشعب.

وجاء تخفيض الدينار العراقي المرتبط بالباون الإسترليني تبعاً لانخفاض الأخير من 4 دولارات و3 سنتات للجنيه الواحد إلى دولارين وثمانين سنتاً، والذي تسبب بحدوث أزمة اقتصادية حادة ضاعفت من معاناة الكادحين من أبناء الشعب والطبقة المتوسطة.

 وأعقب ذلك المفاوضات التي أجراها نوري السعيد مع شركات النفط، والتي جاءت لمصلحة الشركات الاحتكارية الإمبريالية على حساب الشعب العراقي، مما أدى إلى موجه من الاحتجاجات على سياسة الحكومة، وتفريطها بمصالح الشعب والوطن، ودفع نواب المعارضة في البرلمان، والبالغ عددهم 37 نائباً إلى الاستقالة من عضوية المجلس احتجاجاً على سياسة الحكومة، مما صعد حدة التناقض بين الشعب والسلطة الحاكمة.

 وجاء إضراب عمال الميناء في البصرة المطالبين بحقوقهم، ولجوء الحكومة إلى استخدام القوة لكسر الإضراب، وسقوط العديد من القتلى والجرحى في صفوف المضربين، وبين أبناء الشعب الذين وقفوا إلى جانبهم ليزيد من خطورة الموقف، ومن تراكم الغضب الشعبي، مما دفع بالأحزاب الوطنية إلى تقديم المذكرات الاحتجاجية إلى الوصي عبد الإله، والتي تضمنت شرحا وافياً لمدى التدهور الحاصل في أوضاع البلاد وانتشار الفساد، وقمع الحريات العامة، وحرية الأحزاب والصحافة، وكم أفواه الشعب.

 لكن تجاهل الوصي لتلك المذكرات والمطالب التي تضمنتها  لمعالجة الأوضاع، ولجوئه إلى التطاول الوقح على السيد طه الهاشمي في مؤتمر البلاط، كل ذلك جعل الشعب العراقي وقواه السياسية الوطنية في حالة من اليأس من إصلاح أوضاع البلاد، ورفع من حدة التناقض بين الشعب والفئة الحاكمة إلى الدرجة الحرجة التي كانت تنذر بانفجار عنيف يتجاوز انفجار كانون الثاني عام 1948، حيث كانت الجماهير الشعبية تعيش حالة من الغليان الشديد والغضب العارم من سلوك الحاكمين، وتجاهلهم لإرادة الشعب وحقوقه الديمقراطية، وهي تنتظر الشرارة التي تفجر الانتفاضة.

وجاء قرار عمادة كلية الصيدلة والكيمياء القاضي باعتبار الطالب المعيد لدرس ما معيداً لكافة الدروس، مما أثار غضب الطلاب الذين سارعوا إلى إعلان الإضراب عن الدراسة في 16 تشرين الأول 1952. أدركت الحكومة خطورةالحالة، و تطور وتصاعد  الإضراب، واندلاع المظاهرات وتوسعها، فبادرت إلى الإعلان أن القرار لا يشمل الصف المنتهي لهذا العام فقط، لكن الطلاب واصلوا إضرابهم مطالبين بإلغاء القرار، ونتيجة لاستمرار الإضراب والمظاهرات اضطرت وزارة الصحة إلى إصدار قرار جديد يقضي بإلغاء قرار العمادة.

لكن الطلاب فوجئوا في اليوم التالي بوقوع اعتداء من قبل مجهولين داخل الحرم الجامعي على الطلاب الذين كانوا من النشطين خلال الإضراب، مما أدى إلى قيام المظاهرات الطلابية من جديد، وإعلان كافة طلاب الكليات الإضراب عن الدراسة، ثم تبعهم طلاب المدارس الثانوية والمتوسطة وأعلنوا إضرابهم عن الدراسة كذلك في 22 تشرين الثاني تضامناً مع طلاب كلية الصيدلة.

بدأت موجة المظاهرات تأخذ منحاً جديداً، بعد أن أخذت الجماهير الشعبية تنظم إلى الطلاب المتظاهرين، وتطورت إلى مظاهرات سياسية تطالب بتحقيق المطالب التي تضمنتها مذكرات الأحزاب الوطنية إلى الوصي، وإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد، وبسرعة تحولت الاحتجاجات على الأوضاع إلى مظاهرات تهتف بسقوط عبد الإله والحكومة، وإخراج الإمبرياليين البريطانيين والأمريكيين من البلاد.

كان انطلاق المظاهرات الشعبية من [محلة الفضل]، حيث تصدت لها قوات الشرطة مستخدمة الأسلحة النارية ضد المتظاهرين الذين تصدوا للشرطة بالعصي والحجارة، وبعض المسدسات، حيث وقعت معارك شرسة بين الطرفين استبسل فيها أبناء الشعب مبدين بطولة خارقة، واستشهد نتيجة الصدام أحد المتظاهرين، وجرح 14 آخرين، فيما أصيب  38 شرطيا بجراح، ونتيجة لتدهور الوضع سارع رئيس الوزراء مصطفى العمري إلى تقديم استقالة حكومته إلى الوصي على العرش عبد الإله.

لكن نطاق المظاهرات والاحتجاجات أخذت بالاتساع في 23 تشرين الثاني، وجرى المزيد من الصِدام مع قوات الشرطة، حيث أصيب 25 متظاهراً بجراح كان أغلبهم من العمال والكادحين مما ألهب الموقف، واندفع المتظاهرون الشيوعيون والديمقراطيون، ورابطة الشباب القومي بالاستيلاء على مركز شرطة قنبر علي، و مركز شرطة باب الشيخ، وتم الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة العائدة للشرطة.

 كما جرى إحراق[مكتب الاستعلامات الأمريكي] قرب سوق الصفافير، وقد وقع خلال الصِدام مع الشرطة 12 شهيداً من العمال والكادحين، وكان رد فعل الجماهير الغاضبة على استشهاد هذا العدد الكبير من المواطنين مزيداً من الاندفاع والتصدي للقوى القمعية للسلطة الحاكمة.

وفي المساء كانت السيطرة قد خرجت من أيدي الشرطة، وعمت المظاهرات في كل مكان.
أصبح الوضع خطيراً جداً في بغداد مساء يوم 23 تشرين الثاني، وحاولت الحكومة الاستعانة بقوات الشرطة السيارة المدربة خصيصاً لقمع المظاهرات، حيث نزلت إلى الشوارع واصطدمت بالمتظاهرين، ووقع المزيد من القتلى والجرحى حيث استشهد 23 مواطناً، فيما قتل 4 من أفراد قوة الشرطة السيارة، وتم إحراق عدد من سيارات الشرطة، وانتهت المعركة ذلك اليوم بهزيمة قوات الشرطة السيارة، وأصبح الوضع في بغداد خطيراً جداً، وامتدت المظاهرات إلى سائر المدن العراقية الأخرى تضامناً مع جماهير بغداد، فقد اجتاحت شوارع الموصل، شانها شان بقية المدن الأخرى مظاهرات صاخبة، واشتبكت الجماهير العزلاء إلا بقوة إيمانها، وبقضيتها العادلة في الحرية والحياة الكريمة، مع قوات الشرطة القمعية المدججة بالسلاح، وأجبرتها على الهروب مرتعبة خائفة من غضب جماهير الشعب التي سيطرت على المدينة.

لقد كان لي  شرف المساهمة في تلك المظاهرات، كما سبق أن ساهمت في وثبة كانون المجيدة عام 1948، غير أن الفرق في المساهمتين أنني هنا كنت أكثر وعياً، وأصلب عوداً، وكنت صاحب قضية ومبدأ.

لم يعد لقوات الحكومة القمعية أي سيطرة على الشارع العراقي، مما اضطر الوصي، وقد أصابه الرعب من خطورة الموقف إلى قبول استقالة حكومة مصطفى العمري، واستدعاء رئيس أركان الجيش الفريق [ نور الدين محمود ] لتأليف وزارة جديدة في ذلك اليوم 23 تشرين الثاني 1952، وتم إنزال الجيش إلى شوارع بغداد والمدن الأخرى.
 سارعت الحكومة الجديدة إلى إعلان الأحكام العرفية في نفس اليوم، وجرى تأليف المحاكم العرفية العسكرية، وأصدرت أمراً بمنع كافة المظاهرات والتجمعات، وحمل الأسلحة منذرة المخالفين  بإنزال أشد  العقوبات بحقهم. كما أعلنت الحكومة عن حل الأحزاب السياسية كافة، وتعطيل معظم الصحف، حيث شمل التعطيل صحف الأهالي، ولواء الاستقلال، والجبهة الشعبية، لسان حال الأحزاب السياسية المعارضة، وكذلك الصحف غير الحزبية كالقبس، والنبأ، واليقظة، وصوت الشعب، والسجل، والحصون، عراق اليوم، والوادي، والآراء، والأفكار، والجهاد، والعالم العربي.

 لكن المظاهرات استمرت بعنفوانها متحدية الحكم العسكري الجديد، وكان المتظاهرون يهتفون بسقوط الحكم العسكري، ويطالبون بتشكيل حكومة مدنية برئاسة زعيم المعارضة السيد كامل الجادرجي .

 وقام الجيش بالتصدي للمتظاهرين، وجرى إطلاق النار عليهم حيث استشهد 8 مواطنين، وجرح 84 آخرين، وأصدرت الحكومة قرارا بمنع التجول من الساعة السادسة مساءاً وحتى الساعة السادسة صباحاً، وقامت خلال الليل بحملة اعتقالات واسعة في صفوف الشعب، شملت ما يزيد على 3000 مواطن بينهم العديد من الوزراء السابقين والنواب والصحفيين وقادة الأحزاب، والعديد من الشخصيات السياسية المعروفة، وجرى تقديمهم جميعاً إلى المحاكم العرفية العسكرية، حيث حكم على أثنين منهم بالإعدام، وعلى 958 شخصاً منهم بالسجن لمدد مختلفة، كما حُكم على 582 شخصاً آخرين بالغرامة، وعلى 294 شخصاً بالكفالة، وتم الإفراج عن 1161 آخرين.

وبعد أن تم للحكومة إخماد الوثبة المجيدة بالحديد والنار، ومصادرة كافة الحريات العامة، وإغلاق الأحزاب والصحف، والزج بمئات الوطنيين في السجون، حاولت القيام بعض الإجراءات في محاولة منها لتخفيف الغضب الشعبي العارم وامتصاصه، فأصدرت عدة مراسيم تتعلق بخفض الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة والمصدرة [مرسوم رقم 1]، وإلغاء رسم الاستهلاك وضريبة الأرض عن المخضرات والأثمار الطرية [ مرسوم رقم 2 ]، ومرسوم تخفيض ضريبة الأملاك [مرسوم رقم 3 ] وغيرها من المراسيم الأخرى، لكن المرسوم الأهم كان [مرسوم رقم 6] الخاص بتعديل قانون الانتخاب وجعله على مرحلة واحدة أي مباشراً.

 لكن تلك المراسيم، باستثناء المرسوم رقم 6. لم تكن إلا إجراءات تخديرية لم تستطع حل المشاكل المعيشية التي يعاني منها الشعب، وحتى مرسوم تعديل قانون الانتخاب لم يكن سوى حبراً على ورق، ذلك أن التدخلات التي جرت أثناء الانتخابات التي جرت في 17 كانون الثاني 1953 كانت أكثر من مثيلاتها السابقة، حيث فاز فيها بالتزكية 76 نائباً من مجموع 135 نائباً، وقد وصل الأمر بجميل المدفعي الذي تولى رئاسة الوزارة فيما بعد أن صرح في 17 شباط، وهو في قمة السلطة قائلاً : [أنا اعتقد أن بعض الانتخابات غير المباشرة كانت قد جرت أحسن من الانتخابات المباشرة الحالية].

لم تثنٍ إجراءات حكومة نور الدين محمود أبناء الشعب عن سعيهم للخلاص من الزمرة الحاكمة، وإنقاذ البلاد من الهيمنة الإمبريالية، وبدأت بذور الثورة تنمو في أحشاء المجتمع العراقي من جديد لإسقاط ذلك النظام الذي كان هو والشعب على طرفي نقيض، مما جعل أي أمل في إصلاح الأوضاع السياسية في البلاد أمراً مستحيلاً، وأيقن الشعب وقواه الوطنية، والضباط الوطنيون في الجيش أن الطريق لإصلاح الأوضاع لا يمكن أن يتم إلا بقلب النظام القائم، وإنهاء سلطة تلك الفئة التي باعت نفسها ووطنها للإمبرياليين.

أما حكومة نور الدين محمود فقد أنجزت المهمة التي أناطها بها الوصي عبد الإله في قمع الوثبة الشعبية العارمة، ولم يبقَ أي مبرر لاستمرارها، وعليه طلب الوصي عبد الإله من نور الدين محمود تقديم استقالة حكومته، وبالفعل تقدم محمود باستقالة حكومته إلى الوصي في 23 كانون الثاني 1953، وتم الإعلان عن قبول الاستقالة في 29 منه، وتكليف السيد جميل المدفعي بتشكيل الوزارة الجديدة في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي من إجراءات حكومة نوري الدين محمود والبلاط الملكي.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف