تونس الرائعة بقلم : حماد صبح
انتهى عرس الانتخابات التشريعية التونسية بفوز حزب "نداء تونس " العلماني ب 85 مقعدا ، وفوز منافسه " حركة النهضة " ب 69 مقعدا . وتوزعت بقية المقاعد ال217 على بقية الأحزاب مثل " الجبهة الشعبية " و" والاتحاد الوطني الحر " وغيرها . والمنتظر إجراء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني . وحسب الثقافة المعتادة هلل أنصار الاتجاه العلماني العرب لفوز "نداء تونس" وشمتوا في "حركة النهضة" الإسلامية . وحدث خلاف ذلك تماما من أنصار الاتجاه الإسلامي : غاظهم فوز " نداء تونس " وحزنوا لما سموه خسارة الإسلاميين . وقطعا ما هكذا يحسن أن يحكم على المسألة . حكم مخطىء ضال من هذا النوع وافد علينا من ثقافة " لنا الصدر دون العالمين أو القبر " و" إما الثريا وإما الثرى " . هذه ثقافة التفضيل المفرط للذات حتى التقديس واحتقار الآخرين حتى القتل المعنوي والجسدي أحيانا . المجتمعات المتحضرة المحدثة لا مكان فيها لأشواك هذه الثقافة الوحشية المتحجرة . المجتمعات المحدثة مجتمعات حقوق وواجبات مدنية ترى الناس في استواء أسنان المشط . و"استواء أسنان المشط " ثقافة ومعيارية حكم جاء بها الإسلام مزيحا ثقافة ومعيارية " الصدر والثريا " ، بيد أن الحكم على خلاصة الانتخابات التشريعية التونسية نال بعض آراء تخالف النوع الذي لا يرى الأمور إلا من ثقب تناقضية حدية ، أبيض وأسود ، فامتدح فهمي هويدي الخلاصة ، ولم يرها نكبة قاتلة للاتجاه الإسلامي ، بل عدها خيرا حسنا لطائفة من الاعتبارات . لم وصلت تونس إلى هذه المرحلة من النجاح في تحولاتها بعد 14 يناير / كانون الثاني 2011 ؟ لأسباب أظهرها ما يلي : أولا : نضج النخبة السياسية التونسية ، وتأثرها بالقيم والأساليب الأوروبية في السياسة والحكم . ثانيا : ابتعاد الجيش التونسي تماما عن التدخل في السياسة ، وانصرافه المطلق لما ينصرف إليه كل جيش مهني في الدول الناضجة المستقرة ، وهو ما خلق المناخ السليم الآمن لحوار الساسة أو حتى تصارعهم بعيدا عن تأثيرات وتكشيرات القوة الخشنة للجيش . الجيش التونسي يماثل الجيوش الأوروبية التي لا علاقة لها بالسياسة . ثالثا : الوعي العالي للإعلام التونسي الذي عالج الأحداث بمسئولية وانحياز للوطن والشعب .
رابعا : وفرة ثقافة الشعب التونسي ومتابعته لأحداث بلاده لما يزيد على ثلاث سنوات بفهم سليم لتطور تلك الأحداث ، فصبر عليها انتظارا لهذه الانتخابات وما يليها من انتخابات رئاسية موشكة .
ولأن انتخابات تونس ثورة على ثقافة " الصدر والثريا " أعلن الباجي قائد السبسي رئيس حزب "نداء تونس " حتى قبل الانتخابات أنه سيحكم في حال فوزه من خلال ائتلاف مع أحزاب أخرى حتى لو فاز بالأغلبية المطلقة . واستبصار نافذ حكيم منه أن يقول : " أنا لا أتحالف مع أحد . أنا أتعامل مع الواقع " ، إذن هو لا ينكر غيره الموجود في الواقع ، ولا يستثمر فوزه لإبعاد الآخرين بأي وسيلة ولو اختلف معهم رؤية ومنهجا . هناك مصلحة عليا للوطن والشعب ، ومهما تباينت الرؤى والمناهج فيجب أن تلتقي في مركز تلك المصلحة . ولأن الانتخابات تمت حسب نظام القوائم النسبي فإن أحزابا صغيرة فازت بمقاعد مثل حزب " الجبهة الشعبية " الذي فاز ب14 مقعدا ، الحال الذي يفتح الباب للحكم بائتلاف يضم عدة أحزاب ، ومن لا يأتلف يمكنه أن يقف في المعارضة يراقب وينبه . هل يفاد عربيا من النجاح التونسي ؟ سؤال يحفل بالقضايا والهموم ؛ لأنه يرجعنا إلى سؤال : لماذا نجحت تونس ؟ ويليه تباعا : ولماذا فشل غيرها فشلا محق الشعب والوطن ؟ وفي جملة أوضح : ما كان الفاشلون في ما سمي الربيع العربي تنقصهم القدوة لتأتيهم بها تونس . كان ينقصهم الكثير ، ينقصهم المجتمع القادر على صنع الديمقراطية بكل أطيافه ، فصنعوا فشلهم المرعب الفاضح ، وصنع المجتمع التونسي نجاحه الرائع الواضح . يقول السبسي :" ليس هناك ربيع عربي ، بل بداية ربيع تونسي قد يصبح يوما ما ربيعا عربيا إذا نجح في تونس ". كلام يحدد الواقع العربي ببؤسه الغاشي : " ليس هناك ربيع عربي " ، ويجلي روح تواضع راق :" بل بداية ربيع تونسي " ، ويفصح عن حذر واجب :" قد يصبح يوما ربيعا عربيا " . ويعلق راشد الغنوشي رئيس النهضة على خاتمة الانتخابات في نبرة فخر واعتزاز بلاغية عالية هو محق فيها :" تونس اليوم رايتها عالية في العالم ؛ لأنها البلد الوحيد ، الشجرة الوحيدة القائمة في غابة مكسرة من العالم العربي ". ونعود فنقول إنه لا ضير على تونس اقتدى بها أحد في العالم العربي أو ما اقتدى . المهم الخالص أن تواصل مسيرتها في حكم الديمقراطية والمساواة ولو لبثت واحة وحيدة خضراء في بيداء الاستبداد والتحجر العربي ، وهي أولى أن تحذر مبغضي نجاحها في العالم العربي من أن ترجو سيرهم على هدى خطاها المضيئة .
انتهى عرس الانتخابات التشريعية التونسية بفوز حزب "نداء تونس " العلماني ب 85 مقعدا ، وفوز منافسه " حركة النهضة " ب 69 مقعدا . وتوزعت بقية المقاعد ال217 على بقية الأحزاب مثل " الجبهة الشعبية " و" والاتحاد الوطني الحر " وغيرها . والمنتظر إجراء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني . وحسب الثقافة المعتادة هلل أنصار الاتجاه العلماني العرب لفوز "نداء تونس" وشمتوا في "حركة النهضة" الإسلامية . وحدث خلاف ذلك تماما من أنصار الاتجاه الإسلامي : غاظهم فوز " نداء تونس " وحزنوا لما سموه خسارة الإسلاميين . وقطعا ما هكذا يحسن أن يحكم على المسألة . حكم مخطىء ضال من هذا النوع وافد علينا من ثقافة " لنا الصدر دون العالمين أو القبر " و" إما الثريا وإما الثرى " . هذه ثقافة التفضيل المفرط للذات حتى التقديس واحتقار الآخرين حتى القتل المعنوي والجسدي أحيانا . المجتمعات المتحضرة المحدثة لا مكان فيها لأشواك هذه الثقافة الوحشية المتحجرة . المجتمعات المحدثة مجتمعات حقوق وواجبات مدنية ترى الناس في استواء أسنان المشط . و"استواء أسنان المشط " ثقافة ومعيارية حكم جاء بها الإسلام مزيحا ثقافة ومعيارية " الصدر والثريا " ، بيد أن الحكم على خلاصة الانتخابات التشريعية التونسية نال بعض آراء تخالف النوع الذي لا يرى الأمور إلا من ثقب تناقضية حدية ، أبيض وأسود ، فامتدح فهمي هويدي الخلاصة ، ولم يرها نكبة قاتلة للاتجاه الإسلامي ، بل عدها خيرا حسنا لطائفة من الاعتبارات . لم وصلت تونس إلى هذه المرحلة من النجاح في تحولاتها بعد 14 يناير / كانون الثاني 2011 ؟ لأسباب أظهرها ما يلي : أولا : نضج النخبة السياسية التونسية ، وتأثرها بالقيم والأساليب الأوروبية في السياسة والحكم . ثانيا : ابتعاد الجيش التونسي تماما عن التدخل في السياسة ، وانصرافه المطلق لما ينصرف إليه كل جيش مهني في الدول الناضجة المستقرة ، وهو ما خلق المناخ السليم الآمن لحوار الساسة أو حتى تصارعهم بعيدا عن تأثيرات وتكشيرات القوة الخشنة للجيش . الجيش التونسي يماثل الجيوش الأوروبية التي لا علاقة لها بالسياسة . ثالثا : الوعي العالي للإعلام التونسي الذي عالج الأحداث بمسئولية وانحياز للوطن والشعب .
رابعا : وفرة ثقافة الشعب التونسي ومتابعته لأحداث بلاده لما يزيد على ثلاث سنوات بفهم سليم لتطور تلك الأحداث ، فصبر عليها انتظارا لهذه الانتخابات وما يليها من انتخابات رئاسية موشكة .
ولأن انتخابات تونس ثورة على ثقافة " الصدر والثريا " أعلن الباجي قائد السبسي رئيس حزب "نداء تونس " حتى قبل الانتخابات أنه سيحكم في حال فوزه من خلال ائتلاف مع أحزاب أخرى حتى لو فاز بالأغلبية المطلقة . واستبصار نافذ حكيم منه أن يقول : " أنا لا أتحالف مع أحد . أنا أتعامل مع الواقع " ، إذن هو لا ينكر غيره الموجود في الواقع ، ولا يستثمر فوزه لإبعاد الآخرين بأي وسيلة ولو اختلف معهم رؤية ومنهجا . هناك مصلحة عليا للوطن والشعب ، ومهما تباينت الرؤى والمناهج فيجب أن تلتقي في مركز تلك المصلحة . ولأن الانتخابات تمت حسب نظام القوائم النسبي فإن أحزابا صغيرة فازت بمقاعد مثل حزب " الجبهة الشعبية " الذي فاز ب14 مقعدا ، الحال الذي يفتح الباب للحكم بائتلاف يضم عدة أحزاب ، ومن لا يأتلف يمكنه أن يقف في المعارضة يراقب وينبه . هل يفاد عربيا من النجاح التونسي ؟ سؤال يحفل بالقضايا والهموم ؛ لأنه يرجعنا إلى سؤال : لماذا نجحت تونس ؟ ويليه تباعا : ولماذا فشل غيرها فشلا محق الشعب والوطن ؟ وفي جملة أوضح : ما كان الفاشلون في ما سمي الربيع العربي تنقصهم القدوة لتأتيهم بها تونس . كان ينقصهم الكثير ، ينقصهم المجتمع القادر على صنع الديمقراطية بكل أطيافه ، فصنعوا فشلهم المرعب الفاضح ، وصنع المجتمع التونسي نجاحه الرائع الواضح . يقول السبسي :" ليس هناك ربيع عربي ، بل بداية ربيع تونسي قد يصبح يوما ما ربيعا عربيا إذا نجح في تونس ". كلام يحدد الواقع العربي ببؤسه الغاشي : " ليس هناك ربيع عربي " ، ويجلي روح تواضع راق :" بل بداية ربيع تونسي " ، ويفصح عن حذر واجب :" قد يصبح يوما ربيعا عربيا " . ويعلق راشد الغنوشي رئيس النهضة على خاتمة الانتخابات في نبرة فخر واعتزاز بلاغية عالية هو محق فيها :" تونس اليوم رايتها عالية في العالم ؛ لأنها البلد الوحيد ، الشجرة الوحيدة القائمة في غابة مكسرة من العالم العربي ". ونعود فنقول إنه لا ضير على تونس اقتدى بها أحد في العالم العربي أو ما اقتدى . المهم الخالص أن تواصل مسيرتها في حكم الديمقراطية والمساواة ولو لبثت واحة وحيدة خضراء في بيداء الاستبداد والتحجر العربي ، وهي أولى أن تحذر مبغضي نجاحها في العالم العربي من أن ترجو سيرهم على هدى خطاها المضيئة .