الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

"ابن بطوطة يبعث من جديد " ( الجزء الثاني – الأخير - ) بقلم سليم عوض عيشان ( علاونه )

تاريخ النشر : 2014-10-28
"ابن بطوطة يبعث من جديد " ( الجزء الثاني – الأخير - )  بقلم سليم عوض عيشان ( علاونه )
"ابن بطوطة يبعث من جديد "
( الجزء الثاني – الأخير - )

بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونه )
غــــزة الصمـــــود والمحبة
==================

"ابن بطوطة يبعث من جديد "

( الجزء الثاني ... والأخير )

ما إن دخلنا النفق .. حتى كان " ابن بطوطة " يخرج أوراقه .. ويستل قلمه .. ليبدأ في توثيق ووصف رحلته الجديدة .. " رحلة داخل النفق " .. ولكنه ما كاد يمسك بالقلم ليبدأ كتابة أول حرف .. حتى كان الظلام الدامس يخيم على النفق ..
وصلنا الطرف الشرقي من النفق .. فكنت على شفا حفرة من الموت لشدة البرد والرطوبة .. والارتجاف والقشعريرة .. خاصة وأنني كنت شبه عارٍ ..
ما كدنا نخرج من فوهة الثعبان الأسطوري ، حتى كان أصحاب السيارات يتقدمون نحونا مهرولين من أجل نقلنا إلى داخل غزة ، وما إن وقع بصرهم علينا .. وخاصة على زيّ " ابن بطوطة " الغريب .. وأنا شبه العاريٍ ، حتى كانوا يسارعون بالفرار والهروب من المكان وقد اعتقدوا بأن الشياطين قد بدأت بالخروج من الأنفاق ؟؟!! .
أحد السائقين .. ( رجل مسن جاوز السبعين من العمر ) تجرأ على الاقتراب منا .. لاحظت بأنه يحرك لسانه وشفتيه بالبسملة والحوقلة والعذبلة .. وبعض الأدعية التي تقي من الشياطين .. لم يلبث الرجل أن تشجع قليلاً .. تمتم بصوت متحشرج مرتجف :
- إلى أين يا سادتي ؟؟!!
تمتمت بصوت مرتجف لشدة البرد والتشنج :
- إلى غزة .. إلى غزة يا عزيزي .. بإذن الله ..
هدأ الرجل قليلاً .. سكن .. كف عن الأدعية والبسملة والحوقلة .. خاصة وأنه رأى من أمامه يتكلم بلغة البشر ؟؟!! .. واطمأن أكثر عندما ذكرت اسم الله .. وهو الذي كان يعتقد بأننا شياطين من الجن خرجت من القمقم ؟؟!!..
انتقل إلى الجانب الآخر من الحديث .. طالب بأجرة مرتفعة جداً .. واشترط أن يكون الدفع مقدماً .. وأنا الذي لم أعد أمتلك شيئاً .. تنبهت إلى " خاتم الزواج " الذهبي القديم في بنصر يدي اليسرى .. خلعته من إصبعي بقوة وصعوبة .. قدمته للسائق .. راح يقلبه بين يديه .. في النهاية قبله على مضض .. دسه في إصبعه .. سمح لنا بركوب السيارة .. جلس خلف المقود .. عاد للبسملة والحوقلة مرة أخرى .. وانطلق بنا إلى غزة ..
أكثر ما أسعدني في تلك السيارة التي كما يبدو بأنها كانت في عمر سائقها .. أنها كانت بلا نوافذ زجاجية على الإطلاق .. مما استدعى السائق أن يضع بعضاً من قطع القماش .. الخشب .. والنايلون السميك ؟؟!! مما أدى إلى حجب الرؤيا عن مشاهدة الطريق .. وكان في هذا فائدة مزدوجة .. فمن ناحية حتى لا يراني المارة والسائقين الآخرين وأنا شبه عارٍ .. ومن الناحية الأخرى حتى لا يرى " ابن بطوطة " آثار الحرب المدمرة التي كانت على غزة ..
راح " ابن بطوطة " يشرح لي ما دونه في مذكراته من مشاهد شيقة وطريفة أثناء زياراته العديدة لشتى البلدان ومخلف الأصقاع .. .. استمر حديث " ابن بطوطة " في وصف الرحلات السعيدة تلك .. إلى أن وصلنا ..
أول ما فكرت فيه أن أرتدي ثياباً لستر جسدي ؟؟ وأن أقدم وجبة ساخنة لصاحبنا " ابن بطوطة " .. ولكن الرجل لم يسمح لي سوى بالأولى .. فلقد رفض بشدة تناول أي طعام .. فهو لم يأت للمأكل والمشرب .. وأمرني بالخروج حالاً برفقته إلى حيث المعالم المميزة في غزة .
قررت أن نبدأ رحلتنا من الشمال .. شمال قطاع غزة .. فما كان من الرجل إلا أن أخرج أوراقه وأقلامه .. واستعد للكتابة ..
هاله مشهد الدمار الرهيب .. الذي أتى على كل شيء .. التفت نحوي مستفسراً عن زمن ذلك الزلزال المخيف الذي أتى على المكان برمته .. أخبرته بأنه زلزال من يدعون بأنهم بشر .. وليس بزلزال الطبيعة .. وقد حدث قبل أشهر قليلة فقط .
أغلق الرجل دفاتره وأوراقه .. وخبأ أقلامه .. هتف بصوت متحشرج :
- لنرَ شيئاً آخر ..
كان موعد الصلاة قد أزف .. انتقلنا إلى مسجد قريب .. يشبه " السقيفة " أو العريشة " .. أقيم على أنقاض مسجد كبير قصفه العدو بعنجهية .. علق الرجل على الأمر ونحن ندخل المسجد لتأدية فريضة الصلاة :
- لقد قرأت عن مثل هذا المسجد في كتب التاريخ القديمة ؟؟!!
وقفنا في الصف الطويل .. تمهيداً لتأدية الصلاة جماعة .. وقبل أن يبدأ الإمام بتكبيرة الإحرام .. كان " ابن بطوطة " يلتفت نحوي هامساً :
- لماذا أرى كل المصلين هنا يجلسون على المقاعد ؟؟!!
قبل أن أرد عليه .. كان الإمام يرفع صوته مدوياً بتكبيرة الإحرام ..
بعد أن انتهينا من الصلاة .. حاول " ابن بطوطة " أن يصافح المصلين .. فلم يتمكن من ذلك ؟؟!! خرجنا نتلمس الطريق .. فلقد كان " ابن بطوطة " يجيب بنفسه عن السؤال الذي طرحه قبل الصلاة .. فلقد تأكد تماماً بأن من فقد الأطراف السفلية لا يستطيع الوقوف في الصف .. ومن فقد الأطراف العلوية لا يستطيع المصافحة ؟؟!! .
خرجنا إلى الطريق الطويل .. بدا الرجل منهاراً .. لم يستطع أن يفتح كتبه وأوراقه .. ولم يستطع أن يخرج قلمه .. ولم يستطع أن يكتب حرفاً واحداً ..
كان الطريق صعباً للغاية .. سيئاً للغاية .. خالياً من المارة .. وعلى جانبيه رص العديد من ...
هتف الرجل متأثراً :
- لقد عرفت الآن أين أهل المكان .. إنهم يرقدون في هذه القبور العديدة المتراصة ؟؟!!
اقتربت منه فتاة .. صبية .. شابة .. يبدو أنها عرفته .. يبدو أنها قرأت عنه في كتب التاريخ .. هتفت به وهي تجلس إلى جانب الطريق :
- أطمع في توقيعك الكريم سيدي " ابن بطوطة " .
التفت الرجل نحوها .. أخرج قلمه .. اقترب منها .. سألها أين تريد أن يضع لها توقيعه ؟؟!! .
قالت له بأنها لم تعد تملك أوراقا .. فلقد أحرقتها نيران " نيرون " ,, وأغرقها " هولاكو " العصر الحديث ... في بحر الدماء ..
.. قالت له الفتاة :
- فلتضع توقيعك الكريم على يدي يا سيدي ..
رفع أكمام الثوب عن اليد ليوقع عليها .. وجدها مبتورة وحتى الكتف ..
قالت له الفتاة :
- على يدي الأخرى يا سيدي ..
رفع أكمام الثوب عن اليد الأخرى .. وجدها مبتورة ..
قالت له : على ساقي ..
رفع الرداء ليوقع على الساق .. وجدها مبتورة حتى الحوض ..
قالت له الفتاة :
- على الساق الأخرى ..
رفع الرداء من جديد عن الساق الأخرى .. وجدها مبتورة حتى الحوض أيضاً ..
حسرت الثياب عن صدرها .. كان الصدر بلا أثداء .. ومليون شهادة فخر وعز مرسومة عليه .. قالت له الفتاة :
- على صدري .. هنا .. على قلبي .. فالقلب يا سيدي ما زال سليماً .. ما زال ينبض .
اقترب " ابن بطوطة " من الفتاة .. وقع لها بالبنط العريض ..
" عاشت فلسطين .. عاش الأقصى .. عاشت غزة " ..
فر الرجل لا يلوي على شيء .. أسرعت باللحاق به صارخاً :
- سيدي .. انتظر ... انتظر ... لنكمل الرحلة .
لم يلتفت لي .. لم يأبه بصراخي .. ظل يركض .. ويركض .. أسرعت الخطي .. أركض في إثره .. وهو يركض .
وصل الرجل أقصى الجنوب .. وقف أمام باب النفق .. وصلت لاهثاً حيث يقف .. أنفاسي متقطعة .. العرق يتصبب من وجهي وجسدي بغزارة ..
اقتربت من الرجل .. حاولت أن أثنيه عن عزمه .. أن أعيده إلى غزة ليكمل الرحلة .. رفض الرجل بشدة .. تشبث بموقفه .. اندفع نحو مدخل النفق ..
اقتربنا من باب النفق .. حاولنا الدخول لأرافق الرجل إلى الطرف الغربي .. اعترض طريقنا الرجل صاحب النفق .. أفهمته بأنني دفعت له في المرة السابقة .. ضحك .. هزئ .. سخر .. قهقه .. اندفع نحوي .. طردني من المكان بقسوة .. .. ودفع صاحبي " ابن بطوطة " في صدره .. تناثرت الكتب والأوراق على الأرض .. انحنى " ابن بطوطة " على الأرض .. انحنيت إلى جانبه أحاول مساعدته في جمع الأوراق .. نهرني بشدة .. زجرني .. لم يسمح لي بالمساعدة .. أو الاقتراب من أوراقه .. أو مجرد لمسها .. .
انتحيت بصاحب النفق جانباً .. همست له بكلمات بصوت منخفض .. نظر الرجل نحوي طويلاً .. تفحصني كثيراً .. وأخيراً .. أخيراً جداً ... سمح لـ " ابن بطوطة " بدخول النفق .. لينتقل إلى الجانب الآخر .. بقيت إلى جانب الرجل صاحب النفق .. تناولت معولاً كبيراً .. وبدأت في العمل في حفر نفق جديد .. لحساب الرجل .. فلقد بعته نفسي لعدة شهور .. مقابل السماح لـ " ابن بطوطة " بدخول النفق.
الجهاز النقال يصدر أزيزاً متواصلاً .. أدني الجهاز من أذني .. صديقي على الطرف الآخر من الخط .. يسألني عن الرجل " ابن بطوطة " .. أخبرته بأن الرجل في الطريق إلى الجانب الآخر .. رحت أطمئنه إلى أن الرجل بخير ..
عدة دقائق .. كان القصف المدوي لطائرات العدو يتوالى على المكان بوحشية .. فر الجميع من المكان بسرعة ..
ألسنة ضخمة من أعمدة النيران بكل الألوان تعانق السماء .. .. صرخ الرجل صاحب النفق :
- لقد خرب بيتي .. لقد خسرت كل شيء .. ضربوا نفقي .. .
أدركت حجم الكارثة .. فالرجل .. " ابن بطوطة " داخل النفق ..
اندفعت بقوة غريبة .. بعصبية .. بجنون .. نحو مدخل النفق .. حملت المعول الضخم من جديد .. رحت أزيل الركام .. التراب .. " جرافات " ضخمة وصلت إلى المكان .. راحت تحاول إخراج رجال النفق .. رحت أساعدهم بجهدي المتواضع .. أخرجوا بعض الجثث .. وأخيراً .. كانت جثة صاحبي " ابن بطوطة " تظهر من تحت الركام ...
الجهاز النقال يصدر أزيزاً متواصلاً من جديد .. بشكل هستيري مخيف ..
ألقيت المعول من يدي .. أسرعت نحو جثته .. أحتضنها .. رحت أبكي بحرقة .. صرخت بكل ما تبقى بي من قوة :
- لا .. لا .. إلا " ابن بطوطة " .. لا ..
كان الرجل يقبض بشدة على كتبه .. على أوراقه .. على أقلامه .. حتى وهو ميت .. حتى وهو جسد لا ينبض .
خلصت الأوراق .. والكتب من بين يديه بقوة .. بصعوبة ..
فتحت الكتب .. كل الكتب .. فتحت الأوراق .. كل الأوراق ..
وفتحت فاه الدهشة كالأبله .. وأنا أنظر إليها .. أدقق النظر فيها ..
كانت الأوراق كلها .. الكتب كلها .. الأقلام كلها ...
.... تقطر دماً ؟؟؟؟!!!!


( انتهى النص .. ولم تنته الملحمة ... )
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف