الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الفرح بقلم محمود سلامة سعد الريفى

تاريخ النشر : 2014-10-25
قصة قصيرة..
الفرح ..
بقلم / محمود سلامة سعد الريفى

ليلة قاسية..يحيط بها الخوف من كل ناحية , لم تغب اصوات الانفجارات العنيفة عن الارجاء , انتاب "أمل" شعور بالخوف والقلق لم يعرف النوم لديها سبيلا ولم يغمض لها جفن..بقيت يقظة تجلس على سريرها , يزداد خوفها مع اقتراب ازيز الطائرات الحربية التى تجوب السماء وصوت القذائف التى تقطع صمت وسكون الليل الحالك, ويبدد وميضها سواده الداكن للحظات..خوف يضطرب معه قلبها الصغير , وتسرى فى العروق هواجس مرعبة حاولت التغلب عليها , وطردها خارجا دون أن تتمكن منها ..مرت ساعات الليل متثاقلة تحبو ببطء شديد وضع نور النهار نهاية لها بعدما أشرقت شمس ذلك اليوم من أيام يوليو الملتهبة الحارة .., استيقظ مع شعاعها النهار بعد غفوة استرقها , دبت الحركة مع اطلالتة تحمل الطمأنينة وشعور براحة وهدوء بال بعد ليل حالك مظلم زاد ظلمته انقطاع الكهرباء منذ أيام بفعل التخريب ..كعادتها "أمل" تركت سريرها .., وغادرت غرفتها لتجد والدها قد عاد لتوه من الخارج يحمل بعض الحاجيات الضرورية للبيت , وفى الأثناء الوالدة فى المطبخ انتهت من تحضير طعام الإفطار وفى ركن من البيت يلهو أخواها الصغيران هما بعمر خمس و سبع أعوام بدا كتوأمين ,هنا جهزت "أمل" طاولة السفرة, بعدما ساعدت والدتها فى المطبخ , وجلسوا جميعا لتناول الإفطار, واثناء ذلك وجهت الوالدة كلامها "لأمل" قائلة : هنالك بعض الحاجيات أود منك ايصالها لعمتك فهى بإنتظارك فى الصباح الباكر اتصلت بى هاتفيا للإطمئنان علينا .. وما أن انتهت "أمل" من تناول الإفطار مع العائلة غادرت البيت تصطحب الحاجيات إلى بيت عمتها التى تسكن فى الحى المجاور.. فى لحظات هدوء ظهرت فجأة اصوات هدير الطائرات الحربية تجوب السماء , وسمع دوى انفجارات هزت المنطقة بدت كأنها قريبة ..حينها كانت "أمل" فى طريق عودتها لبيتهم تسير بخطوات متسارعة وقلب صغير خائف مضطرب , وصلت بداية الشارع المار بإتجاه البيت ..توجست خيفة وباتت تسابق الريح للوصول وما أن وصلت أصيبت بالذهول لهول ما رأت..حركة لطواقم الاسعاف والدفاع المدنى , وجمع غفير من الناس يحيط بالمكان وبعضهم يبحث بين الانقاض دون أن يخرج أحياء..جميعهم قضوا تحت الركام ,صورة مؤلمة طبعتها رغبة القتل المستديمة ستبقى للأبد منقوشة فى ذاكرة لا تنسى.."أمل" فقدت الأب والأم و الأخوة , تمنت لو كانت معهم, وقفت على انقاض البيت المدمر تجوب عيونها أرجاءه لم تصدق ما حدث ,, لتوها كانت هنا برفقة الأهل..رحلوا للأبد ولن يعودوا ورحلت معهم الفرحة والابتسامة والكثير من احلام الطفولة تناثرت مع شظايا الحقد والقتل والتدمير, لم تحتمل "أمل" فظاعة المشهد..سال دموعها وحسرة فى القلب لاحدود لها فقدت كل شئ وتمنت لو كانت معهم على البقاء وحيدة علها تجتمع معهم فى "الفردوس الأعلى" هى وحيدة كتب الله لها النجاة من موت محقق ..بعدما انهمرت قذائف الموت العمياء على البيت الدافئ الهادئ الجميل بكل ما فيه..على مقربة منها كانت تقف "ربا" بنت الجيران وصديقتهم المقربة , تقدمت صوبها واحتضنتها لتخفف عنها كى لا تشعر فى هذا الظرف أنها وحيدة , وإن كانت تعلم حقيقة الأمر وغادرتا اطلال البيت المهدوم إلى بيت عائلة "ربا" المجاور ..وفى لحظات قوة شعرت بها تسرى فى عروقها نطق لسانها الصغير قائلا" "ربى أجرنى فى مصيبتي.. " كلمات شدت انتباه المتواجدين فى البيت دللت على رباطة جأش تلك الصغيرة بسنوات عمرها.. الكبيرة برجاحة عقلها وصبرها على الابتلاء, استقر بها الحال مساء ذلك اليوم بضيافة عائلة "ربا" على أن تغادر صباح اليوم التالى إلى بيت عمتها هى الأخرى فجعت بما حدث وحاولت العودة بصحبه "أمل" لكن دون جدوى ..ستقضى الليل فى بيت صديقتهم المقربة "ربا", مع ساعات الليل المتأخرة تعالت اصوات القذائف المتتالية والمتلاحقة تتساقط فى الانحاء .. نظرت "ربا وأمل" من شرفة البيت المطلة على الشارع ليشاهدوا مئات من الرجال والنساء والأطفال تتسارع خطواتهم هربا من الموت المحقق بعدما خيم طيفه واقترب شبحه متشحا بالسواد يحمل عصاه الغليظة ويفتح فاه مستعدا للتهام كل ما يعترض طريقه لينتهى المطاف بكثيرين منهم فى مراكز ايواء طارئة..هم مشردون ..لاجئون جدد تتهددهم سياط الدم..شعرتا بحزن كبير لما أصاب تلك العائلات المشردة ,, مددت جسدها الصغير على سرير مجاور لسرير "ربا" والكثير من الأحداث تدور فى شريط لا يتوقف , مر وقت طويل دون أن تنمام ..
خيمت تلك الفترة العصيبة بظلالها على مدينة "العنقاء" ,وتأثرت كل مناحى الحياة فيها وغابت اوقات الفرح طويلا..لكنها عادت من جديد بعدما إختفت اصوات المدافع, وعادت قاذفات الموت أدراجها حيث تختبأ, هدأت بعدها "العنقاء" واستقر حالها , ونهضت من جديد من بين الركام تلملم أشلاءها وتقبض على الجمر المستعر برغم جرحها النازف.. إنها اختارت البقاء على الموت ..مع الاصرار والتحدى ورفضت الخنوع..وعلمت أبناءها حب الحياة وارادة البقاء.. فى مواجهة الموت القسرى.. والتحليق بعيدا والعودة لمواطن الحب و الدفء والطمأنينة التى لن يجدوها الا فى احضانها الدافئة.. لتبقى هى الأكثر دفئا والمؤتمنة عليهم رغم ما تعانيه..سر لعلاقة لا تنتهى ولا يفهمها الا من عاش على أرضها أو وطئت قدماه يوما ما رمالها الذهبية وبللها بمياه بحرها الزرقاء الصافية.. أو استمتع فى لحظات الصمت و السكون ونزول الشمس فى الأفق البعيد عند المغيب بنسمات هوائها العليل واصوات طائر النورس العائد لمسكنه بعد يوم حافل قضاه مقتنصا للأسماك الصغيرة المفضلة لديه ولصغاره هى الأخرى تحاول وتحاول لتبقى.. وتنعم بالعيش قريبا من الشاطئ الرملى ليتيح لها العودة تارا أخرى مع بداية مفعمة بالنشاط فى يوم جديد يحمل املا متجددا للبحر وللعنقاء ولأبنائها ليجدوا وقتا يتجدد معه الفرح ويستمر مشوار الحياة يخرج من بين ركام أوشك أن يقضى على حلم "ربا" بالزفاف فى فترة اعتبرتها الأصعب فى حياتها حينها سيطر القلق وكان الخوف عنوانها..ها هى تزف لزوجها وتحقق حلمها وبات وقت الفرح واقعا داس شبح الموت بقدميه برغم طول الانتظار الذى سببته أيام الموت.. الآن هما معا وما أن وصلا قاعة الزفاف.. كانت القاعة تغص بالمدعوين ..لحظات ساد الهدوء المكان ودخل موكب العروسين تتشابك ايديهما معا , وتبدو عليهما ملامح الغبطة و السرور تتقدمهم "أمل " ابنة التسعة سنوات..ذات الوجه المستدير بدا كقمر فى ليلته الرابعة عشر, ظهرت
كعروس صغيرة مكتملة الزينة بعدما ارتدت رداءها الابيض وحذاءها بذات اللون وسرحت شعرها الكستنائى الطويل المنساب على كتفيها تحمل شمعتين مشتعلتين تتقدم الصبية و الزهرات حمل بعضهم الشموع فى موكب لافت يتحرك بخطوات بطيئة من خلال ممر مفروش بالسجاد الأحمر يقسم القاعة الى شطرين .. شد ذلك انتباه الحاضرين حتى وصل العروسين للمنصة حيث "كوشة الفرح" وجلسا بجوار بعضهم ايذانا ببداية حفل الزفاف.. هما الأن معا بعدما حرمتهم الحرب من هذه الأجواء لأشهر ثلاث ..لكنها الحياة وقانونها الثابت بالاستمرار للأمام دون الرجوع للوراء خطوة واحدة..
هنا تطغى مشاعر فرح واحساس بالراحة لكل المدعوين يتبدد معها شعور الخوف و الألم و يمنح المحتفلين حافزا لحب الحياة والتثبث بها لتحقيق مستقبل افضل يصنعه الأمل لواقع مختلف..لكل من المحتفلين حكاية ورواية تتجمع خيوطها وتتشارك فى الخوف والرعب والأمل وحب الحياة.. يبقى الفرح سيدا حيث صوت الأغانى يصدح وموسيقى ألحانها عذبة ملأت الأرجاء طربا.. علا معها تصفيق المدعوين
وتمايلت معها الراقصات من الصبايا و الزهرات كأنهن فراشات زاهيات الألوان تتنقلن بخفه بين المروج الخضراء الشاسعات ويدرن حول بعضهن البعض فى مشهد تتحدث عنه حركاتهن الخفيفة والابتسامة التى تعلو شفاهن الصغيرة...تتباعهن الأمهات والصديقات , فى لحظات ..بدت العروس صامته ترقب عيونها من لبى
دعوة زفافها من النسوة وخاصة القريبات والجيران والصديقات ليشاركوها ليلة فرحها بعدما تأجلت وافتقدت كثيرا منهن حيث قضين شهيدات و أخريات أصيبن وبترت أطرافهم ولم يتسن لهن المشاركة.. وتعود بها الذكريات للعلاقة الدافئة التى ارتبطت بها و اسرتها مع عائلة "أمل" التى قضت تحت الركام وهنا شعرت بالدمع يتجمع فى مقلتيها .. استجمعت قوتها وطردت أي ذكريات لها تأثيرها على فرحتها..وخاصة الصغيرة "امل" ترقد إلى جوارها منذ أن بدأ الفرح ..

فى الأثناء ..يأتى أحد معاونى السلطان مصطحبا معه باقة من الورد وضع عليها اسمه مهنئا العروسين بزفافهم , حينها يكثر على اثره الهرج و المرج فى القاعة مختلطا مع صوت الأغاني و الموسيقى والاهازيج الشعبية ..وفى خضم الرقص والتصفيق والغناء تتقدم "فتاة الخدمات" تسحب طاولة وضعت عليها كيكة.. تتكون من طبقات خمس تزيدها جمالا حبات الكرز القانى ,وقطع الأناناس , لفتت انتباه كل من مرت بجواره تختال كأنها صنعت خصيصا لأحدهم.. وسال معها لعاب الصبية والزهرات وحتى النسوة ممن جلسن بعيدا فى وسط ونهاية القاعة المزدحمة..بات الجميع يتنظر تقطيع "الكيكة" ليناله جزء منها وهنالك من كانت تجلس فى الخلف اصبحت تجلس بالقرب منها, مر الوقت دون أن يكون هنالك ما يؤشر لقرب تقطيع "الكيكة" وتوزيعها, هنالك سؤال واحد يدور فى وجدان كل واحدة من المدعوات وحتى الأطفال ممن ينتظرون ..متى سيتم تقطيعها..!؟ بعدما أصيبوا بالإحباط لإنقضاء الوقت و الشعور بالنعاس و الحاجة للنوم بعد تأخر الوقت ليغفو البعض منهم فى أحضان أمهاتهم وأخرون تغلبوا على النعاس وبقوا يقظين أملا فى أن يكون الانتظار فيه خيرا.. بقيت "الكيكة" فى القاعة تتقدم طاولات المنتظرين , وتم التقاط الصور التذكارية معها من قبل الحاضرين بصحبه العروسين الذين اتجها صوبها وامسكا معا سكينا ايذانا بتقطيعها وتوزيعها ,وهنا استفاق من غفا واستعاد النشاط مكانه..والكل ينتظر "فتاة الخدمات" اللاتي بدورها ستقدم ما لذ وطاب من قطع الكيكة لمن لبوا دعوة الفرح ..هنا يعود العروسان إلى مكانهما وهنا تقوم ...
إحداهن بسحب الطاولة التى وضعت عليها الكيكة الى خارج القاعة بإتجاه البوفيه تتابعها بإهتمام نظرات المدعوين ويبدأ تساؤل النسوة والأطفال..!! أين ذهبت الكيكة..؟ ولماذا لم يتم تقطيعها ..؟,, تجتهد اخريات بالإجابة وتقول احداهن ان أهل
الفرح من المؤكد ايقنوا أن الكيكة فى حال توزيعها لا تكفى لأعداد المدعوين من نسوة و أطفال.. ويسبب ذلك احراجا لأهل الفرح و هنا لن يتمكن البعض من الحصول على جزء ولو يسير منها وتقول أخرى : هم على الأغلب يريدون استبدالها بواحدة أخرى أكبر حجما وطبقاتها ترتفع قليلا عن الأولى ليتم تقطيعها و توزيعها على كل من يحضر ويتزامن وجوده.. صدق من صدق القول ..وبقى ينتظر حتى شارف الحفل على نهايته دون ان تعود "فتاة الخدمات" تصطحب معها أى من أطباق قطع الكيك..
انقضى وقت الفرح ..وبدت القاعة تفرغ من المحتفلين الذين اعياهم طول الانتظار ونام اطفالهم.. هم من انتظروا .. وبقوا يقظين يتابعون لحظة بلحظة وكانوا على أمل ان يأكلوا من "الكيكة" دون أن يكون لهم ذلك ..والحال ذاته حدث مع "أمل" التى انتظرت هى الأخرى دون أن يكون لها ذلك وتعود أدراجها لبيت عمتها حيث تقيم دون أن يكون لها نصيبا من الكيكة...
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف