صهينة العالم العربي
الدكتورة سميرة شمعاوي ، باحثة في العلوم الإنسانية
تعيش البلدان العربية حالة من الفوضى العارمة، تتجلى في عدم قدرتها على حماية حدودها، فقد أضحت هذه الأخيرة مخترقة من طرف تنظيمات إرهابية، وعصابات صهيونية، ومافيا المخدرات، السلاح، بيع الأعضاء البشرية وتجارة الرقيق... ولم تعد تلك الدول قادرة على ضبط تحركات تلك التنظيمات داخل البلد فبالأحرى على الحدود. ومن مظاهر الفوضى ما يحدث في قطاعات عديدة كالتعليم، الصحة، العدل... جعلت المواطن العربي يختار إما الاستكانة لوضعه الاجتماعي والرضا بالقدر أو الهجرة إلى أوربا إذا استطاع إليها سبيلا، أو التحول إلى لاجئ في الدول العربية كما هو حال السوريين والعراقيين والفلسطينين قبلهم: فالفلسطيني الذي هجر إلى سوريا يجد نفسه اليوم مهددا في وجوده وهو غير قادر على الدفاع عن نفسه أمام حرب عبثية يظهر أن المستفيد الوحيد منها هو إسرائيل، والعراقي الذي هجر إلى سوريا أو مصر... عليه أن يختار بين أمور أحلاها مر، إما البقاء في سوريا /الدمار أو الرجوع إلى العراق/الخراب أو الاستقرار في مصر التي لن تخرج عن سياق الحروب المجانية خاصة بعد التهميش الذي طال جماعة الرئيس مرسي، لترمي بها في دوامة الحروب الأهلية. فالصور المنقولة عن العراق، سوريا، اليمن....لاتختلف عن بعضها البعض، دمار وخراب ونحيب ونار وأشلاء ممزقة ودماء متناثرة....ناهيك عن ارتفاع وتيرة نهب ثروات تلك الدول في ظل غياب تام للأمن، فمن يحمي البترول العراقي في ظل عراق تتناحر طوائفه وقبائله؟ ومن يستطيع تأمين القوت اليومي للمواطن السوري؟...
والكارثي في هذه الفوضى العارمة هو تدمير حضارة وتراث إنسانيين، فكم من البيوت الحلبية التي تعبق بتاريخ مجيد قد هدمت؟ وكم من مساجد احتضنت عزة الأمة وعظمتها قد أحرقت؟ وكم من تحف نادرة قد سرقت؟...ونعرف أن مسلسل التدمير تآلبت عليه القوى العظمى مع الصهيونية العالمية منذ قرن من الزمان على الأقل، وحتى لحظات الاستقلال التي حاولت خلالها تلك الدول إرجاع بعض من مجدها، فبرع أبناؤها في الثقافة والفن بمختلف أشكاله (ماعاشته مصر من نهضة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر....)، كانت الأيادي الصهيونية تشتغل في الخفاء حتى تحكمت قبضتها بشعوب المنطقة الذين تحولت فئة منهم إلى خدام للصهيونية عبر تنفيذ مخططاتها التدميرية الهادفة إلى القضاء على التطور العلمي (ما حدث في العراق في عهد صدام حسين عندما تمكن من تطوير العديد من المجالات العلمية...)، بل إن ترسانتها الجمعوية والإعلامية والمخابراتية تستقطب الشبان العرب بأفلام البورنو وتزرع كل مظاهر الانحراف كالتعاطي للخمور وللمخدرات، الانحرافات الجنسية (مثال على ذلك جمعيات الشواذ التي انتشرت في سائر أرجاء العالم العربي والتي تدافع عن مشروعيتها في الوجود...). وفي مقابل القضاء على روح الإبداع ، ظهرت مهن وضيعة تنسجم والمشروع البغيض الهادف إلى القضاء على مواهب الشباب العربي التي ترقى به إلى مستوى العلمية (تلك المواهب التي تستقطب أهم عناصرها إلى الدول الغربية وأمريكا للاستفادة من خبراتها مع إغراءها بالأموال حتى لا تخدم أوطانها الأصلية)، ومن هذه المهن السياحة الجنسية، الموضة، أوكار الفساد الأخلاقي، مقرات الميسر...فرق الأمن الخاص التي عوض أن تخضع للدولة، فإنها تخضع لشركات خاصة وضعت لحماية مصالح اؤلائك الذين يخربون تلك الدول. وتطال تلك الصهينة أيضا القضاء على اللغة العربية باعتبارها رمزا لحضارة مجيدة، فقد تفتقت عبقرية بعض الأشخاص ( كما حدث في المغرب مؤخرا) عن الدعوة إلى التدريس بالعامية لحل مشاكل التعليم، ولاشك أن وراء هذا المخطط قوى خارجية تستهدف القضاء على الهوية العربية، وعلى الطموح لبناء دول قوية، وهذا ما أكده المفكر المغربي الكبير عبد الله العروي، الذي قال بأن المدافعين عن هذا المشروع لايرغبون في الرقي بالمواطن العربي إلى مستوى معرفي وقيمي ينسجم مع قوة لغة استفاد منها الغرب نفسه عندما انكب على قراءة كتب لمفكرين وفلاسفة عرب مسلمين، وهو يعلم قوة تلك اللغة وفاعليتها. الحقيقة أن هذا الوضع المتردي والمتشردم لهذه الأمة هو صورة قاتمة تطرح علينا سؤالا حول مستقبلها وموقعها بين الأمم الأخرى، وهي الصورة التي حركت مشاعر شاعرنا العربي العبقري محمود درويش ليقول بكل مرارة بيته الشهير: عرب أطاعوا رومهم، عرب وباعوا روحهم، عرب وضاعوا، وهذا الضياع هو نتاج صهينة هذه الأمة.
الدكتورة سميرة شمعاوي ، باحثة في العلوم الإنسانية
تعيش البلدان العربية حالة من الفوضى العارمة، تتجلى في عدم قدرتها على حماية حدودها، فقد أضحت هذه الأخيرة مخترقة من طرف تنظيمات إرهابية، وعصابات صهيونية، ومافيا المخدرات، السلاح، بيع الأعضاء البشرية وتجارة الرقيق... ولم تعد تلك الدول قادرة على ضبط تحركات تلك التنظيمات داخل البلد فبالأحرى على الحدود. ومن مظاهر الفوضى ما يحدث في قطاعات عديدة كالتعليم، الصحة، العدل... جعلت المواطن العربي يختار إما الاستكانة لوضعه الاجتماعي والرضا بالقدر أو الهجرة إلى أوربا إذا استطاع إليها سبيلا، أو التحول إلى لاجئ في الدول العربية كما هو حال السوريين والعراقيين والفلسطينين قبلهم: فالفلسطيني الذي هجر إلى سوريا يجد نفسه اليوم مهددا في وجوده وهو غير قادر على الدفاع عن نفسه أمام حرب عبثية يظهر أن المستفيد الوحيد منها هو إسرائيل، والعراقي الذي هجر إلى سوريا أو مصر... عليه أن يختار بين أمور أحلاها مر، إما البقاء في سوريا /الدمار أو الرجوع إلى العراق/الخراب أو الاستقرار في مصر التي لن تخرج عن سياق الحروب المجانية خاصة بعد التهميش الذي طال جماعة الرئيس مرسي، لترمي بها في دوامة الحروب الأهلية. فالصور المنقولة عن العراق، سوريا، اليمن....لاتختلف عن بعضها البعض، دمار وخراب ونحيب ونار وأشلاء ممزقة ودماء متناثرة....ناهيك عن ارتفاع وتيرة نهب ثروات تلك الدول في ظل غياب تام للأمن، فمن يحمي البترول العراقي في ظل عراق تتناحر طوائفه وقبائله؟ ومن يستطيع تأمين القوت اليومي للمواطن السوري؟...
والكارثي في هذه الفوضى العارمة هو تدمير حضارة وتراث إنسانيين، فكم من البيوت الحلبية التي تعبق بتاريخ مجيد قد هدمت؟ وكم من مساجد احتضنت عزة الأمة وعظمتها قد أحرقت؟ وكم من تحف نادرة قد سرقت؟...ونعرف أن مسلسل التدمير تآلبت عليه القوى العظمى مع الصهيونية العالمية منذ قرن من الزمان على الأقل، وحتى لحظات الاستقلال التي حاولت خلالها تلك الدول إرجاع بعض من مجدها، فبرع أبناؤها في الثقافة والفن بمختلف أشكاله (ماعاشته مصر من نهضة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر....)، كانت الأيادي الصهيونية تشتغل في الخفاء حتى تحكمت قبضتها بشعوب المنطقة الذين تحولت فئة منهم إلى خدام للصهيونية عبر تنفيذ مخططاتها التدميرية الهادفة إلى القضاء على التطور العلمي (ما حدث في العراق في عهد صدام حسين عندما تمكن من تطوير العديد من المجالات العلمية...)، بل إن ترسانتها الجمعوية والإعلامية والمخابراتية تستقطب الشبان العرب بأفلام البورنو وتزرع كل مظاهر الانحراف كالتعاطي للخمور وللمخدرات، الانحرافات الجنسية (مثال على ذلك جمعيات الشواذ التي انتشرت في سائر أرجاء العالم العربي والتي تدافع عن مشروعيتها في الوجود...). وفي مقابل القضاء على روح الإبداع ، ظهرت مهن وضيعة تنسجم والمشروع البغيض الهادف إلى القضاء على مواهب الشباب العربي التي ترقى به إلى مستوى العلمية (تلك المواهب التي تستقطب أهم عناصرها إلى الدول الغربية وأمريكا للاستفادة من خبراتها مع إغراءها بالأموال حتى لا تخدم أوطانها الأصلية)، ومن هذه المهن السياحة الجنسية، الموضة، أوكار الفساد الأخلاقي، مقرات الميسر...فرق الأمن الخاص التي عوض أن تخضع للدولة، فإنها تخضع لشركات خاصة وضعت لحماية مصالح اؤلائك الذين يخربون تلك الدول. وتطال تلك الصهينة أيضا القضاء على اللغة العربية باعتبارها رمزا لحضارة مجيدة، فقد تفتقت عبقرية بعض الأشخاص ( كما حدث في المغرب مؤخرا) عن الدعوة إلى التدريس بالعامية لحل مشاكل التعليم، ولاشك أن وراء هذا المخطط قوى خارجية تستهدف القضاء على الهوية العربية، وعلى الطموح لبناء دول قوية، وهذا ما أكده المفكر المغربي الكبير عبد الله العروي، الذي قال بأن المدافعين عن هذا المشروع لايرغبون في الرقي بالمواطن العربي إلى مستوى معرفي وقيمي ينسجم مع قوة لغة استفاد منها الغرب نفسه عندما انكب على قراءة كتب لمفكرين وفلاسفة عرب مسلمين، وهو يعلم قوة تلك اللغة وفاعليتها. الحقيقة أن هذا الوضع المتردي والمتشردم لهذه الأمة هو صورة قاتمة تطرح علينا سؤالا حول مستقبلها وموقعها بين الأمم الأخرى، وهي الصورة التي حركت مشاعر شاعرنا العربي العبقري محمود درويش ليقول بكل مرارة بيته الشهير: عرب أطاعوا رومهم، عرب وباعوا روحهم، عرب وضاعوا، وهذا الضياع هو نتاج صهينة هذه الأمة.