الأخبار
مع بدء ترحيل السكان.. تصاعد التحذيرات الدولية من اجتياح رفحمجلس الحرب الإسرائيلي يُقرر المضي في عملية رفحطالع: تفاصيل مقترح وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه حماسحماس تُبلغ قطر ومصر موافقتها على مقترحهم لوقف إطلاق النارممثل عشائر المحافظات الجنوبية يحذر من خطورة اجتياح الاحتلال الإسرائيلي لمدينة رفححماس: انتهاء جولة المفاوضات الحالية ووفدنا يغادر القاهرة للتشاور مع قيادة الحركةهنية يكشف أهم شروط حركة حماس للتواصل لاتفاق مع إسرائيلمقتل أربعة جنود إسرائيليين بقصف المقاومة الفلسطينية لمعبر (كرم أبو سالم) العسكريالحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجزيرة تحت ذريعة أنها "قناة تحريضية"الخزانة الأمريكية : بيانات الاقتصاد تؤكد وجود تباطؤ بالتضخممسؤولون أمريكيون: التوصل إلى اتفاق نهائي بغزة قد يستغرق عدة أيام من المفاوضاتالمستشفى الأوروبي بغزة يجري عملية إنقاذ حياة لطبيب أردنيتحذيرات أممية من "حمام دم" في رفحالمقاومة الفلسطينية تكثف من قصفها لمحور (نتساريم)غارات إسرائيلية مكثفة على عدة مناطق في قطاع غزة
2024/5/11
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مواسم الخير: قطاف الزيتون بقلم:ياسين عبد الله السعدي

تاريخ النشر : 2014-10-19
مواسم الخير: قطاف الزيتون بقلم:ياسين عبد الله السعدي
هدير الضمير
مواسم الخير: قطاف الزيتون
ياسين عبد الله السعدي
أنعم الله علينا بوطن جميل اسمه فلسطين؛ فيه أسباب الحياة السعيدة كلها؛ لأنه في موقع مميز على خارطة هذا الكون الواسع. وعلى الرغم من مساحة بلادنا الجغرافية الضيقة نسبياً، فإنها تتكون من تضاريس طبيعية منوعة: من سهول ساحلية وسهول داخلية وجبال غير شامخة، ومن وهاد وتلال ومن مرتفعات وأغوار ومناخ معتدل في الغالب في كل أيام السنة.
تبعاً لهذه الميزة التي تميزت بها فلسطين، فقد تنوعت عندنا المواسم الزراعية التي تجود بها الأرض الطيبة. يكون موسم الحصاد في الصيف، يجني الفلاح فيه ما كان قد زرعه في الشتاء، وفي الصيف تنضج الثمار من الفواكه المختلفة. في الشتاء يجني الناس محصول الحمضيات،وفي فصل الربيع تجود الطبيعة بالصفاء والنقاء وتفتح الأزهار، وفي فصل الخريف يكون موسم قطاف الزيتون؛ هذه الشجرة المباركة التي أقسم الله بها في القرآن الكريم لبركتها وأهميتها في حياة الإنسان.
في موسم قطاف الزيتون يعمل الناس كأنهم في عرس وطني جميل، سواء لمن يملكون أو لمن يعملون لديهم، فالكل ينعم بخيرات ثمر الشجرة المباركة.
في موسم الحصاد كان الناس في الماضي يذهبون باكراً إلى الحقل قبل اشتداد حرارة الجو، وكانت مناجلهم هي أدواتهم التي يعتمدون عليها في جني محاصيلهم. وفي موسم قطاف الزيتون كانت سواعدهم ولا تزال، هي أدواتهم التي يعتمدون عليها ويستخدمونها في قطاف زيتونهم.
لكن تطور الحياة ولهاث الناس وراء المال والكسب السريع، كان له الأثر السلبي المؤلم الذي لحق بالأرض عموماً، وبمواسم قطاف الزيتون على وجه الخصوص.
من الملاحظات التي أعجبتني كثيراً حول تطور الأوضاع بالنسبة لقطاف الزيتون خاصة، ولمواسم الزراعة عامة، ما ذكره السيد فازع جبر علي دراوشة في صفحته على الفيسبوك. وهي مفارقات يحسن التوقف عندها، لأن الجيل الجديد لا يعرفها، ولأنه لم يألفها ولم ينعم ببركاتها. ولا أجد غضاضة إذا أشرت إليها واستعنت بها.
يقول السيد فازع دراوشة:
قطاف الزيتون الفلسطيني:
(من أجمل لوحات الفنان الفلسطيني فتحي غبن المحترم)، ثم يعرض إحدى لوحات الفنان المعبرة أصدق تعبير عن موسم قطاف الزيتون لما فيها من ترجمة صادقة عن هذا الموسم المبارك الذي ينتظره الناس بشوق ولهفة.

ثم يذكر السيد فازع ملاحظات فيها التحسر والعتاب لما حل بواحدة عظيمة من ثروتنا الوطنية، وفيها الدعوة لإنصاف هذا الفنان المبدع:
(قلة من خارج قطاع غزة العزة يعرفونه؛ حتى من الناشئة الفلسطينيين. ولا أذكر ان اسمه أو عمل له ظهر في مقرر دراسي. ربما سيتم ذلك بعد انتقاله للرفيق الأعلى بعد عمر مديد، إن شاء الله).
كتب السيد فازع دراوشة هذه الملاحظات الجميلة والمؤثرة الداعية إلى إعادة الاعتبار للشجرة المباركة، والعودة إلى تراث حضاري أهملناه والعناية بثروة وطنية أهدرناها، والتي أحببت أن أذكرها:
(كانت مواسم الزيتون التي عشناها صغارا أجمل. كانت الارض تكون محروثة ونظيفة وسهلة الوطء. كانت ما تسمى بالمفارش البلاستيكية غير موجودة. كانت الزيتونة الواحدة تشغل العائلة ثلثي نهار او تكثر او تقل قليلا. كانت العائلة بكاملها تنخرط بالعمل الوطني الرائع. كانت البلدة تكاد تكون خاوية من اهلها وكأنها في (حالة منع تجول) يفرضه عدو غاصب. تظهر كانت الحياة تدب في اوصال البلدة او القرية بعد الغروب لتباع سلع ومأكولات لا إلا في موسم الزيتون. كانت عطلة الزيتون تتم بتنسيق وتخطيط محكم وليس بارتجالية سريعة. كان التعب لذيذا، وكان الطعام شهيا جدا، وكان شاي (المواقد) أثناء العمل ذا نكهة لا تنسى. وأما اليوم فقد اختلفت الصورة سلبا. ومع ذلك سيبقى للزيتون ألقه ومذاقه وقيمته)
ونضيف أن الخير كان يعم الجميع؛ فمن كان لا يملك كان يعمل لدى أصحاب الزيتون مقابل أجر مالي أو حصة نسبية من الناتج. ومن لم يكن قادراً على العمل، أو كان لا يملك زيتونا، كان الناس يتسابقون على تقديم ما تجود به نفوسهم إلى المحتاجين.
لكن الشيء المؤلم أن كثيراً من هذه المظاهر تغيرت ولم يعد الناس كما كانوا. ولم يعد اهتمام الجيل الجديد يكترث للأرض ومحاصيلها ولا تعنيه مواسمها.
بعد النكسة ووجود الاحتلال انصرف الناس إلى العمل في إسرائيل وتركوا الأرض بغير حرث وعزق وأهملوا الشجر بغير عناية وتقليم وتشذيب، وانصرفوا إلى (الوظيفة)، حتى لو كنت مراسلاً في دائرة، أو الى العمل في التجارة، حتى لو كانت متواضعة كصاحب بسطة في زاوية من شارع في المدينة.
لقد هيج السيد فازع دراوشة مشاعر الحزن في ضميري بما ذكره في تعليقه على موسم قطاف الزيتون.
لم أحزن على شيء مما ذكره من لم الشمل الذي صار مفرقاً، ولا من مظاهر الفرحة التي تغمر الجميع في موسم قطف ثمر الزيتون الذي باركه الرحمن في القرآن، ولا في مشاركة الأسرة كلها والقرية جلها في هذا العرس الوطني الكبير.
هيج مشاعري منظر البستان (العمارة) التي خلفها لنا أبي من أرض (المزار) التي أفلتها لنا خط الهدنة، والتي تتبع اليوم قرية عَرَبُّونَة إلى الشمال الشرقي من جنين، عامرة مثمرة، ولكنها اليوم غدت شبه غابة مليئة بالأشواك، وأشجار زيتون بلا ثمار، إلا من حبات على هذا الفرع أو ذلك الغصن، وحول الشجر نبتت فسائل كان المرحوم يقلمها ويقطع الزائد منها، ولكنها اليوم نمت وتطاولت ولم تجد من يهتم بها.
هيج مشاعري وملأ الحزن قلبي عندما وقفت أمام بيتنا الذي بنيناه وكان يجمعنا، ولكنا هجرناه وتركناه خاويا يعبث به الأطفال وينتزعون منه الأبواب والشبابيك الحديدية ويبيعونها للذين يطوفون بسياراتهم ينادون بالسماعات لكي يشتروا (الخردة).
عمارتنا، أي البستان، واسعة وأشجارها مثمرة منذ أكثر من ثلاثين سنة، وهي تاريخ وفاة الوالد، رحمه الله. وفي إحدى السنين أعطتنا 32 تنكة زيت أيام كان أبي في البيت وفي العمارة. أما اليوم فنعطيها (على حصة) لمن يقبل قطف الزيتون بعد رجاء، ولا تزيد حصتنا عن تنكات أقل من أصابع اليد الواحدة. بيتنا في موقع جميل في العمارة، وهو بناء حديث نسبيا من الباطون، يتكون من أربع غرف وبرندة بطول ثمانية أمتار وعرض أربعة أمتار، ولكنه مهجور يعبث به الغرباء الصغار ويعيثون به فساداً.
عندما دخلت البيت (الفارغ) والمنزوعة أبوابه وشبابيكه، وقفت أتأمل ما حل به، فلم أتمالك نفسي، فغالبت دموعي ولكنها غلبتني فبكيت، وبكيت بحرقة ومرارة، لأني استعدت ذكريات الطفولة الجميلة وأيام الشباب الأولى، بالرغم من قسوة العمل، وبكيت لأني تذكرت والدي وكيف بنى كل شيء بعزيمة صادقة ومحبة للأرض وانتماء لها، وكيف ضيعنا، أنا وإخوتي وأبناؤنا، كل ما بناه. فكيف لا يبكي من كان في مثل حالنا وهم كثيرون بكل تأكيد.
قال الشاعر الفلسطيني الكبير عبد الكريم الكرمي،أبو سلمى:
لنا وطن يغار الخلد منهُ *** وفوق أديمه درج الخلود

[email protected]
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف