الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مرابط في غزة بقلم سليم عوض عيشان ( علاونة )

تاريخ النشر : 2014-10-19
مرابط في غزة  بقلم سليم عوض عيشان ( علاونة )
(( مرابط في غزة ))
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
_______________________
تقديم :
كنت قد قمت بنشر هذا النص في مرحلة سابقة بعد الحرب الأولى المجنونة على غزة .. وفكرت هذه الليلة أن أقوم بإعادة نشره مرة أخرى وفاء للرجل .. ولما قمت بتجهيز النص لإعادة نشره .. والاستعانة بالعم جوجل للحصول على صورة للطبيب اليمني .. أصبت بالصدمة عندما طالعت المفاجأة التي لم أكن أتوقعها .. فالرجل الطبيب الدكتور اليمنى .. قد أصبح شهيدا ... رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته ... .. وها أنا أعيد نشر النص من جديد كما تم نشره قبل وفاة الشهيد البطل رحمه الله ..
( الكاتب )
=========================
إهداء متواضع :
.. عرفاناً بالجميل .. لـ " الدكتور العربي " .. " الدكتور اليمني " ( أبو عمرو ) " عبد الفتاح نعمان " ( الملقب / أبو عبد الله المجاهد " ... ( بطل النص ) ... المرابط في غزة ... والذي ما زال مرابطاً حتى الآن ..
وإلى كل المرابطين والمتضامنين الشرفاء ... الذين وقفوا موقف الرجولة والشهامة والشرف مع " غزة " في معركتها المشرفة .. وانتصارها المؤزر.
و إهداء متواضع : إلى بلدي الحبيب الغالي " غزة الصمود والمحبة " حفظه الله ورعاه وصانه .. وإلى كل أبناء وطني السليب " فلسطين " الكرام الغوالي .. حفظهم الله ورعاهم ..
--------------------------------
تنويه :
شخصية بطل النص حقيقية ... والأحداث
حدثت على أرض الواقع .. على أرض غزة الحبيبة الصامدة .. ولا فضل للكاتب على النص .. سوى الصياغة الأدبية فحسب .
-----------------
" مرابط في غزة "
مَن منا لم يسمع بما حدث لغزة ؟؟ .. مَن في العالم لم يرَ حريق غزة ؟؟ .. العالم كله سمع .. العالم كله رأى .
حاول أن يعبر الحدود عله يخفف شيئاً من أنين ووجع الحصار المفروض على غزة ، شارك بعدة حملات مشتركة من أجل الوصول إلى غزة ، لفك الحصار.. ولكن كل محاولاته ومحاولات الآخرين باءت بالفشل ، كانت تصطدم بمعبر مغلق .. بل ومحكم الإغلاق ، وأوامر صارمة .. بل شديدة الصرامة .. وكان هذا وذاك كفيلاً بإسكات صوت أحلامه العريضة ووأدها في نفسه وقلبه .
فشلت محاولاته أكثر من مرة للوصول إلى غزة . المحاولات باءت بالفشل ، وفي كل مرة كان يعود إلى بلده والألم يعتصر قلبه .
حدث هذا قبل الحرب المسعورة الأخيرة على غزة .
واستيقظ العالم ذات صباح على " حريق غزة " .. " قتل غزة " .. تدمير غزة " .. جراح غزة . استيقظ العالم على شلال الدماء المنهمرة من الأجساد المحترقة .. مقطعة الأوصال .. المذبوحة حتى النخاع .. وعلى جرح واسع باتساع الكون .. من قبل عدو متغطرس ، في حرب قذرة .. شوهت تفاصيل الحياة .. وشوهت كل ما هو حيّ .. وأحرقت كل ما هو موجود .
وتوقفت الحرب المسعورة التي شنها العدو المتغطرس ضد بلد هو في عرف علم التاريخ والجغرافيا .. ما هو سوى رقعة أرض صغيرة .. يعيش عليها شعب مظلوم .. محروم .. جائع .. محاصر . ولكنه شعب ضرب المثل الأعلى لمعنى الإباء والشمم .. وقوة المراس . والصمود الأسطوري .
وانهالت الوفود الطبية .. الاجتماعية .. العلاجية .. الإعلامية .. تحمل ما استطاعت حمله من حمل متواضع بالنسبة لحجم الكارثة .. دواء .. غذاء .. وقلوب مضطربة ... حاولوا تضميد جراح غزة النازفة بغزارة .. المحترقة حتى النخاع .. حاولوا إطعام الأفواه الجائعة .. المحرومة حتى الموت .. حاولوا مواساة النفوس الحائرة .. المضطربة حتى الثمالة .
" الدكتور العربي " كان ضمن أوائل أفواج القادمين .. من أوائل الذين وصلوا .. من أوائل الذين صدموا بما رأوا .. بما شاهدوا .. من دمار وحريق وموت يفوق آلاف المرات ما رأوا وما سمعوا من وسائل الإعلام المختلفة ، وكان أول ما فعله عند دخول الحدود .. أن خر ساجداً لله شاكراً ..
" الدكتور العربي " رجل متواضع في كل شيء .. في حديثه العذب .. ابتسامته الرائعة .. جسده النحيل .. ولحيته الرقيقة ..
ما إن يسأل أحد " الدكتور العربي " عن مهنته .. وظيفته .. حتى يجيب والابتسامة الملائكية تغطي محياه .. " مرابط في غزة " .
عمل في مساعدة الطواقم الطبية التي دخلت غزة بكل ما لديه من قوة .. علم .. خبرة ودراية .. بكل جد واجتهاد ..
كان يتألم لألم طفل مصاب .. يبكي لبكاء طفلة فقدت أبويها تحت ركام منزلها .. كان يبتسم ابتسامة عريضة .. ملائكية في وجوه المرضى .. المصابين .. بينما هو يتألم من الداخل .. يتمزق .. يحترق .
أسعدني الحظ بأن كنت ضمن المستقبلين للوفود القادمة .. التي دخلت غزة لتداوي جراحها .. وتخفف عنها المصاب الجلل . .
لفت نظري إلى الرجل ابتسامته الملائكية رغم الموقف العصيب ، فغبار الحرب لم تنقشع بعد.. أناقته المتواضعة .. مشيته الهادئة المتزنة .. ثقته الكبيرة في نفسه .. خفة وزنه ورشاقته .. وقامته القصيرة ( العملاقة ) .
صافحت الرجل بحرارة وكأنني أعرفه منذ مئة عام .. ألف عام ، عانقته بسعادة .. ضممته إلى صدري .. إلى قلبي .. فشعرت بعظام صدره وكأنها تتألم وتشكو شدة ضغطي عليها لرقتها .. لم يتأوه .. لم يتألم .. لم يشكُ .. ظل يبتسم ويبتسم .. شعرت بمدى رقة الرجل .. رقة جسده .. رقة قلبه .. رقة عظامه .
اقترحت مرافقته لأخذ قسط من الراحة بعد عناء يوم سفر طويل .. وتعقيدات معبر قاتلة .. تلاشت الابتسامة عن محياه الملائكي .. اكفهر وجهه .. دمدم بصوت يقطر ألماً :
- ما جئت إلى هنا لكي أرتاح .. أنا هنا للعمل .
صادق الجميع .. أصبح لهم الأخ الروحي .. الأب الرءوف .. والطبيب المداوي الذي كان يعمل كل ما في جهده للتخفيف عنهم وبأقصى ما يستطيع .. كان يكرر دوماً : " كم أحب هذا الوطن .. كم أحب هؤلاء القوم " .
... وكان لا بد من الفراق ؟؟!! .. لا بد من لحظة الفراق .. فلكل بداية نهاية ..
فللرجل في بلده زوجة وأطفال في انتظاره للعودة إليهم .. وللرجل بيت وأهل هناك ينتظرون عودته بعد طول غياب .. وللرجل عمله الوظيفي .
وكان لا بد من لحظة الفراق العصيبة ..
كان موعد المغادرة قد تحدد وبشكل نهائي وباتٍ ..وكان على جميع الوفود مغادرة القطاع .. الطبية .. الاجتماعية .. الإنسانية .. ووفود تقديم المساعدات بشتى أطيافها بلا استثناء ..
أصعب لحظات العمر كانت تلك .. وأقساها ..
كيف سيسافر الرجل .. صاحب الذكريات ؟؟!! .. صاحب اليد الطولى .. صاحب السجل الناصع ..كيف ؟؟ .. كيف سيسافر ويترك كل هذا ؟؟!! .. كيف يتركنا ؟!! كيف يترك الجرحى .. المصابين .. والذين ما زالوا في حاجة لإكمال شوط العلاج ؟؟.
من سيجفف الدموع في المآقي غير هذا الرجل .. الطبيب .. الطيب .. الرجل .. الإنسان ؟؟!!
كيف ؟؟ ومليون كيف ؟؟
وكان لا بد من لحظة الوداع .. ويا له من وداع ..
رافقته بسيارتي المتواضعة وحتى المعبر .. انضم الرجل للوفود المغادرة .. بدأت الاستعدادات والترتيبات الرسمية من أجل إتمام إجراءات المغادرة للوفود .. إلى الجانب الآخر من المعبر .. لبداية رحلة العودة لأوطانهم ..
غالبتني الدموع .. تملكني الأنين .. مزقني الألم .. .
انتهت الإجراءات المعقدة للسفر .. بدأ الجميع بالتحرك للمغادرة ..
اندفع الرجل نحو زملائه .. راح يصافحهم واحداً واحداً .. يحتضنهم واحداً واحداً .. ويقبلهم واحداً واحداً .
استدار الرجل نحوي .. جهزت نفسي للحظة الأخيرة .. لحظة الوداع .. حاولت أن ألملم شتات نفسي .. حاولت أن أكتم ألمي .. أن أحبس دموعي .. فها هي اللحظات الأخيرة .. وها هي النهاية .. للوداع .. قد أزفت .
فتحت ذراعيّ عن آخرها .. لأحتضن الرجل .. لأضمه .. إلى صدري .. إلى قلبي ..
سأحتضنه .. سأضمه بقوة .. رغم معرفتي الأكيدة بأن عظامه رقيقة .. ولن تتحمل .. عليه أن يتحمل .. فسوف تكون هذه هي المرة الأخيرة التي سأحتضنه فيها .. وأضمه .
أغمضت عينيّ .. حتى لا يرى دموعي .. وحتى لا أراه وهو في اللحظات الأخيرة للوداع وهو يبكي .. أردت أن أحتفظ بصورة ابتسامته الملائكية إلى الأبد .
انتظرت .. وانتظرت .. هي ثوانٍ في عمر الزمن .. ولكنها دهور في حساباتي ... طال انتظاري .. ولم يصافحني الرجل ؟؟!! .. ولم يحتضنني .. مصافحة واحتضان الوداع الأخير ؟؟!!
بينما كنت مغمض العينين .. كنت أسمع صوت أقدام الوفود المغادرة وهي تبتعد عني.. تتلاشى تدريجياً .. إلى الأبد .
اعتقدت جازماً بأن الرجل قد غادر مع الوفود .. يبدو أنه قد نسي وداعي في خضم لهفته للعودة إلى وطنه .. على أقل تقدير .. يبدو أنه لم يتحمل لحظة الوداع .. فآثر المغادرة دون وداع ..
بعد لحظات حسبتها دهراً .. وبعد أن ابتعدت أصوات الأقدام المغادرة وتلاشت بشكل نهائي .. وبعد أن تلاشت كل الأصوات والهمهمات .. .. قررت أن أقفل راجعاً إلى غزة .. لكي أستعد لتضميد جراحها .. وجراح نفسي من جديد .
وكان عليّ أن أفتح عينيّ قبل البدء برحلة العودة .. وقد كان .
فتحتها .. فرأيت .. رأيت طيف الرجل .. يتراءى لي من بين الدموع الكثيفة .. بابتسامته الملائكية المعهودة .. مددت يدي إلى عينيّ .. كي أزيل الغمامة .. كي أزيل الدموع... أزيل شبح الرجل ..
زالت الغمامة .. زالت الدموع .. ولكن شبح الرجل لم يذهب .. لم يتلاشَ ..
اقترب مني .. لم يعانقني .. لم يحتضنني ؟؟!!
أمسك بيدي .. قادني نحو السيارة .. هتف جذلاً :
- هيا بنا .. الآن ها أنا أعود مرة أخرى إلى وطني الحبيب .. إلى غزة ...


------------------------

حاشية : رفض الدكتور اليمني .. بطل النص .. رفض بالمطلق أن أقوم بذكر اسمه الكامل ... ورفض أن أقوم بنشر صورة شخصية له .. حتى لا يفقد الثواب والأجر عن الله ... مستشهدا بالحديث القدسي :
) إن الله ..... خَرَجْتُ فِي سَبِيْلِكَ، فَقَاتَلْتُ فِيْكَ حَتَى قُتِلْتُ مُقْبِلاً غَيْرَ مُدْبِرٍ، رَجَاءَ ثَوَابِكَ وَجَنَتِكَ، فَيُقَالُ: كَذَبْتَ، إنَمَا كُنْتَ تُقَاتِل ليُقَالَ
: إنَك جَرِيءٌ شُجَاع، وَقَدْ قِيْلَ، اذْهَبُوا بِهِ إلَى النَارِ. )
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف