الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

هذه دراسة موسومة بالنّقد النّفسيّ لقصص الأستاذ سعید مقدم (أبوشروق)بقلم : صادق حسن البوغبيش

تاريخ النشر : 2014-10-17
هذه دراسة موسومة بالنّقد النّفسيّ لقصص الأستاذ سعید مقدم (أبوشروق)بقلم : صادق حسن البوغبيش
بقلم : صادق حسن البوغبيش - الأهواز

الملخص:
إنّ القراءة النفسیة واحدة من القراءات النقدیة التي استهدفت قراءة النص الأدبي، وهي تنطلق من منهج نقدي نفسي متقن، وذلک في استخدام الأدوات المناسبة من أجل الوصول إلی الغایة المرجوة من النص.
و یحاول هذا البحث القراءة النفسیة في قصص الأدیب الأهوازي البارع سعیدمقدم (أبوشروق)، و نبحث عن مکونات القراءة وأبعادها في القصص الأهوازیة (الخوزستانیة).
الکلمات الدلیلة: خوزستان، القصة، سعید مقدم، النقد النفسي.

المقدّمة
کان ارتباط الأدب العربي المعاصر الوثیق وبالأخص القصة بعلم النفس علامة من علامات التطور الممیزة التي نقلت القصة من إطارها التعبیري الجامد إلی آفاقها الجمالیة التي تلتحم فیها الصورة مع کافة عناصر النص لتشکل بنیة متکاملة لاتنفصل، والأدیب المعاصر الذي تمرد علی التقلیدیة انطلق یلتقط صوره من محیطه الثقافي ومخیلته الإبداعیة، فتنوعت، وتعددت واتسمت بقدرتها علی حمل تجربته بکل مستویاتها.
وقد ظل الفقر واحدا من الأطر التي تجلت فیها الصورة الأدبیة، وتحولت إلی أداة کشف الشعراء المعاصرون من خلالها رؤاهم الفکریة و النفسیة وحملوها تجاربهم النفسیة.
لم یخرج سعیدمقدم عن هذا الرکب، فقد قدم قصصا تحوک الخیال والواقعیة معاً وتظهر لنا کیان الکاتب من خوف ومن رجاء، من کذب ومن صدق، حیث تعددت مضامین القصص وأسالیب تشکیلها وقد رأی الباحث أن یقدم دراسته عبر النقد النفسي وأبرز علماء هذا المنهج.
والسؤال الأساسي في هذه الدراسة هو: هل الکاتب سعید مقدم یُعاني شیئاً من التشاؤم وهذا التشاؤم تجاه من؟
وأما السؤال الثاني وهو الأساسي،ما هو منشأ الذعر الموجود في کتابات سعید مقدم؟
إنّ صلة علم النفس بالأدب والنّقد صلةٌ ممتدة الجذور في التّراث الإنساني، وخصوصاً تلك التي تربط الأدب بصاحبه. وهذا التراث واسع، لا يُمكن حصره في صفحات قليلة، لأنّ القائمة طويلةٌ، تضمّ عدداً غير قليلٍ من أسماء الفلاسفة وعلماء النفس، فضلاً عن النّقاد والأدباء والفنّانين. ويُمكن استشفاف تلك الصّلة -إن تلميحاً أو تصريحاً- عند أفلاطون في موقفه من الفنّ والأدب، وعند أرسطو في نظريّة "التّطهير" وعند من سار على سَمْتِهما مثل: أفلوطين، وهو رأس، وبوالو، وهيجل، وكانط، وشوبنهور وبرجسون، وكروتشه.. وعند علماء النفس، مثل: فرويد، ويونغ، وأدلر، وشارل بودوان، وشارل مورون..وغير هؤلاء كثيرٌ، يُضاف إليه عددٌ لا حصر له من النّقاد والفنّانين الذين تأثّروا بالمنهج النفسي في دراسة الأدب وشخصيات الأدباء، غير أن البداية الحقيقية لنضج علم النفس وتطوّر علاقته بالأدب والنّقد، كانت في النّصف الأوّل من هذا القرن، سواءٌ عند الغربيين أم عند العرب. ولا نعدم بعض ملامح النّقد النّفسيّ عند النّقاد العرب القدامى، نذكر منهم على الخصوص: ابن قتيبة (ت 276هـ) في كتابه "الشعر والشعراء"، والقاضي الجرجاني )ت 393هـ) في كتابه "الوساطة..." وربما كانت الملامح النفسية أوضح عند عبد القاهر الجرجاني (ت471هـ) في كتابيه "دلائل الاعجاز" و"أسرار البلاغة".بيد أن الانطلاقة الحقيقيّة للنّقد النّفسيّ، كانت في العصر الحديث على يد جماعة الدّيوان 1921م، ومن حذا حذوها من أساتذةٍ جامعيّين وأكادميّين، ولعلّ الطّابع المميّز لهذه الجماعة ومن جاء بعدها، هو الانكباب على دراسة شعراء متميزين تجلّت في سلوكهم وفي شعرهم النّزعة الفرديّة (کریمي، یوسف:1388: ص 15). ومن هنا، كانت السّمة الغالبة على النّقد النّفسيّ في العقود الأولى من هذا القرن، هي دراسة شخصيّة الشّاعر أو الأديب إذا استثنينا بعض من حاول الاتجاه بالدّراسة السيكولوجيّة إلى تفسير العمل الأدبي نفسه أو معالجة عمليّة الإبداع الفني ذاتها (أدیب راد، علي: 1943: ص 49)، كعز الدين اسماعيل -على سبيل المثال- في كتابه "التّفسير النّفسيّ للأدب" ومصطفى سويف في كتابه" الأسس النّفسيّة للإبداع الفنّيّ في الشّعر خاصّةً!!.
وإلى هؤلاء جميعاً -قدماء ومحدثين- وعلى اختلاف نزعاتهم وتوجّهاتهم- يعود الفضل في إرساء قواعد نظرية النّقد النّفسيّ. ومّما لا شك فيه، أن مدرسة التحليل النفسي قدّمت للأدب والفن خدماتٍ جليلةً، وحقّقت للنّقد مكسباً منهجيّاً جديداً؛ إذ فتحت أمامه آفاقاً واسعةً في تعمّق الصُّور الفنّية، وزوّدته بمفاتيح سيكولوجيّة لتحليل شخصيات الأدباء والفنّانين. فهي من هذه الناحية ذات فضلٍ كبيرٍ لا ينكر، في إرساء قواعد نظرية النّقد النفسي.
غير أن لهذا المنهج في دراسة الأدب ونقده آثاراً سلبيّةً واجهت انتقاداتٍ كثيرةً، وهي انتقادات لا تُبطل منهج التحليل النفسي من أساسه بقدر ما تسعى إلى مناقشته وإثرائه، ذلك أن دراسة عمليّةٍ معقّدةٍ غامضةٍ كعمليّة الإبداع الفني بوسائل تجريدية وفرضيات تخمينية، يكون مآلها التّعقيد والغموض أيضاً ( أحمدیان، حمید: 1393: ص 65). ثمّ إن هذا المنهج سلب أهمّ حقٍّ للأعمال الأدبية والفنية، وهو الحقّ الجمالي والاجتماعي، حين حصر اهتمامه في دراسة شخصيات الفنانين على حساب الأثر الفني؛ فكانت المعالجة في النهاية معالجةً "كلينيكيّة" أو "عياديّة"؛ لأنّ الأساس الذي انطلق منه أساسٌ طبّيٌ (جزایري، علیرضا:1387: ص 5).في سياق النصوص النثرية الحديثة تتنوّع الطرائق الأسلوبية تنوعاً ينسجم مع قواعد الأسلوب العربي القديم أحايين كثيرة، ويكتسب وقْع الحاضر في بعض مواقفه، وأرى أن سعید قد حاور الأسلوبين في إبداعه هذا، حيث مال إلى الجمل الاسمية في بداية قصصه الثلاث ثم أخذ التداور بينها وبين الفعلية في لب النصوص؛ فجذب بذلك المتلقي لمتابعة الموقف الذي يتبناه: " أب" و " اليوم عاد أخوها ذو السبعة أعوام متأخرًا "في القصة الأولى، و "الدعاء" و جملة" اليوم وجدت السوق أغلى من أمس، والامتعاض سائد على الوجوه؛ والجميع يدعون بصوت جهوري أن يطول الله بعمر السلطان." في حين اتجهت النصوص إلى تكثيف اللغة لتعميق دلالات النصوص خاصة أن مجال القصة القصيرة لا يدع للمبدع مساحة نصية للمناورة بين النصوص وبين المعجم اللفظي؛ فبدتْ النّصوص مشدودة زادت في تعمية الدلالة لتبدو جمالا يتوارى خلف ضباب الكلمات: حسنًا، سأفعل، ولكن ارفع سيفك عن رقبتي لحظة.".
وثمة انسجام بين العنوانات المطروحة في بعض النصوص وبين نهاياتها، فقصة "الأب" خُتمت بـ "الابن" وقصة "الدعاء" خُتمت بالسلطان" انسجمت كثيراً مع نهايتها؛

1
أب
خاطبت أمها وهي تضم دميتها المتهالكة إلى صدرها بقوة:
لقد تم العزاء، وقلتِها بلسانك أن أبي لن يعود ثانية؛
فمن يشتري لي الدمية التي وعدني بها؟!
اليوم عاد أخوها ذو السبعة أعوام متأخرًا من المدرسة ... يحمل حقيبته وعلبة.

في هذه القصة نری شخصیات أساسیة ومنها الـــ" أُم" والــ" البنت" والــ"أخ" والــ"أب" هذه الأشخاص هي التي تکوّن المجتمع وسلامة هذه الأشخاص سلامة المجتمع، الصورة الأساسیة في هذه القصة ضم الدمیة من جانب الطفلة وهذا تعبیر بالخوف، فالفتاة؛ تخاف والأم تواعد وضغوطات الفقر یُکوّن أفکارهم الابتدائیة، فهنا نعالج هذه الأقصوصة من خلال رؤیة آدلر."ألفرد أدلر" صاحب مدرسة "علم النّفس الفرديّ" يخالف أستاذه "فرويد" في أن تكون الغريزة الجنسية السّبب الوحيد لظهور الأمراض العصابية، والباعث الأول على الفنّ. (علیزاده، حمید:1383: ص 6) ويرى أن الشعور بالنّقص هو السّبب الرّئيسيّ في نشأة العُصاب، وأنّ الباعث الأساسي على الفنّ هو "غريزة حبّ الظّهور أو حبّ السّيطرة والتّملّك ولعلّ الشيء الذي يميّز نظريّة "أدلر" هو اهتمامه بالجانب الاجتماعي (علیزاده، حمید:1383:ص 8). فالدوافع اللاّشعورية، في تصوّره، لا يمكن أن تقدّم بمفردها فهماً مكتملاً للطّبيعة البشرية؛ إذ لا بدّ من تفاعل عالم الشخصية الباطني بالعلاقات الشّيئيّة الموضوعيّة، وبخاصّةٍ العلاقات الاجتماعية؛ لأن الفرد، في نظره، ليس كائناً معزولاً عن وسطه الاجتماعي، يتصرّف بما يُمليه عليه نزوعه الفردي ودوافعه اللاشعورية. على أن "آدلر" مع هذا، لم يتعمّق السّياق الاجتماعي بتناقضاته، وبقي عنده محصوراً في غريزة حبّ السّيطرة والظهور، والتعويض والرّغبات اللاّشعورية والطّابع البيولوجي الوراثي (علیزاده، حمید: 1383:ص 54). ومن هنا، لم يُحدِث اهتمامه بالجانب الاجتماعي انقلاباً في حركة التّحليل النّفسي، کل هذه الأحداث في القصة تحبک وتحبط أمان العائلة والصورة مذعورة تجاه المستقبل البطيء کان وحان یسرع بشیمته المخالفة لتطویر بنیان العائلة.

2
الدعاء
اليوم وجدت السوق أغلى من أمس، والامتعاض سائد على الوجوه؛
والجميع يدعون بصوت جهوري أن يطول الله بعمر السلطان.

سعید مقدم، بکتاباته الفنية الرشيقة والمبدعة يقدم لنا قصصا غاية فى المتعة والتشويق والإثارة، قصص تذوب فيها وتبتعد بك تماما عن سخافة أى أحداث جارية أو كرشة نفس تصيبك من تصريحات نظم بايرة. القصة تحكى عن النفس البشرية، كيف تلعب بنا ونحن نتباهى بكامل سيطرتنا عليها، فقد تجعلنا نظن أننا أسوياء ولكن هذا يكون أبعد ما يكون عن الحقيقة، قد تجعلنا نظن أن ما نعيشه هو الحب بينما هى الرغبة فى أدنى صورها. وقد تجعلنا نفسد ونحن نظن أننا من الأولياء الصالحين ومنتهانا الجنة. بعدها راجعت ما استفدته من هذه القصص، ووجدت أن بجانب المتعة الأدبية التى قدمها لى المؤلف عن طيب خاطر وموهبة، أننى قد استفدت بتأمل ماهية غرائزنا الأساسية وكيف تمتلك تلك القدرة المدهشة على التحكم فينا. كيف ننساق وراء الغيرة والحسد ونشتاق لإمتاع الجسد، وكيف نسمو فوق كل هذا في لحظات لننساق وراء غرائز أكثر سموا وتحضرا، كالمحبة والنهم للمعرفة، ولكنها لا تستغني ابدا عن غرائز الدنيا الحاضرة فى كل خلايانا.
هنا الکاتب یبرز ذعرهُ من المستقبل وهذا الخوف أساسهُ المادة، فالکاتب یریدُ دفاعاً تجاه هذه الأمور وهذا الدفاع یلجأ إلیه الکاتب بجملة " صوت جهوري"؛ أوّل من أدخل مفهوم آليات الدفاع أو الحيل الدفاعية هو سيغموند فرويد (شجاع شفتي، سعید: 1385: ص 11)، ويری أن الناس يلجأون إليها لحماية أنفسهم وتساعدهم علی معالجة الصراعات والإحباطات وهي أساليب عقلية لا شعورية تقوم بتشويه الخبرات وتزيیف الأفكار والصراعات التي تمثل تهديداً وهي تساعد الناس علی خفض القلق حينما يواجهون معلومات تثير التهديد (أحمدیان، حمید: 1393: ص 86). «علی سبيل المثال إنّ لئو تولستوي کان متهتکا في شبابه ولکنه بعد الخمسين من عمره أخذ يشعر بالندم والخجل فلهذا تحوّل إلی قديس وأطلق سراح کثير من عبيده وحاول أن يعيش حياة مثالية. فهذه الأعمال التي صدرت من سعید مقدم في الحقيقة هي آليات للدفاع لهُ و لشعبه.

3
الفلاح
كلما غرس نخلة بارك لنفسه بمولود جديد ... حتى وصلت العائلة إلى ألف نسمة.
ذات يوم، ذبلت إحداهن ورحلت ... أقام عزاء.

سعید مقدم یرید اختیار الشيء بالشيء و یُعوّض النقص بالنقص؛ هذه الحالة في علم النفس تُسمّی بالتعویض (کریمي، یوسف: 1388: ص 73)؛ فالتعویض حيلة دفاعية لا شعورية يلجأ إليها الإنسان حينما يبتغي سلوكاً يعوّض به عن شعوره بالنقص، وقد يكون هذا الشعور وهمياً أو حقيقياً سواء كان جسمياً أو نفسياً أو مادياً. والتعويض محاولة لا شعورية تهدف إلی الارتقاء إلی المستوی الذي وضعه الإنسان لنفسه، أو الذي فرض عليه بواسطة علاقته بالآخرين. وقد يهدف الإنسان إلی تغطية الشعور بالنقص أو تحقيق مكاسب ذاتية مثل لفت الانتباه والعطف والاحترام أو إثارة الآخرين، ‌أو ربما لكي يعزز موقعه في المجتمع الذي يعيش فيه. آلفرد آدلر هو من قام بتنظير وتبيين هذا المفهوم في علم النفس. (فرانک، برونو:1994:ص 237)

4
العلبة
ركلها مرتين، صوت تدحرجها أزعج أذنيّ،
خاطبته ممتعضًا: هذا تصرف أطفال، ولا يليق بشيخ مثلك؛
أجابني وهو يسحقها بحذائه المهترئ:
ألا ترى أنها من صفيح؟
ووضعها في كيسه الذي يحمله على قفاه ثم تابع:
عشر علب تعادل ثمن رغيف، اليوم جمعت خمسًا وعشرين، وما زال النهار طويلًا.

الأنا الأعلی يتدخل كالبوليس ليمنع الأنا المخرّب. في القصة الشخص اللائم بعد أن أزعجهُ صوت العلبة بصورة شکوائیة یقول: «هذا تصرف أطفال، ولا يليق بشيخ مثلك»؛، لكن يتدخل الأنا الأعلی ويبدأ بتأنيبه بعد أن درک ضعف المادة هي التي جعلت الشیخ یفعل هکذا والنفس اللوامة من لسان الشیخ تأتي لإیضاح العمل: «عشر علب تعادل ثمن رغیف، الیوم جمعت خمساً وعشرین وما زال النهار طویلاً» سکوت الشخص اللائم في الحقيقه هو الأنا الأعلی الذي لا يفارق اللائم ودائماً يوبخه.
نظرة سریعة للقصة تبین مواجهة الأجیال وتقابلها: جیل قدیم (الشیخ الهرم) وجیل جدید (الشاب اللائم). والکاتب عندما یقارن بين شخصیة الشیخ وبين الشاب یرسم لنا التقابل بين هذين الجیلين: «لا یلیق بشیخ مثلک»
«عناصر الثقافة ومؤلفاتها تنتقل من الجیل القدیم إلی الجیل الجدید. ذکریات الطفولة والمراهقة والمشترکات بین الآباء والأبناء بصورة عامة تمهد الطريق لنقل القیم ومؤلفات الثقافة ولکن الواقع المرّ هو أنّ الجیلین (الوالد والمولود) یبتعدون عن الآخر حتی نشهد المواجهة بینهم». (شرفي، محمدرضا:1385:ص 134)
«الابتعاد التدریجيّ للأجیال من حیث الجغرافيّ، والعاطفيّ، والفکريّ والقیميّ یخلق وضعیة جدیدة تعرف بتمزق الأجیال». (علیخاني، علی اکبر: 1386: ص 108).
الجیل الماضي ینشد الانطباق الکامل وینکر اختلاف الأجیال وهذا یمکن أن یسبّب التمزق والمفاصلة بين الأجيال. من جهة أخری إنّ دفاع الجیل القدیم المنقطع من قیمه یؤثر سلبیا لأنّه لا یبیّن القیم بصورة واضحة للطرف المقابل. من الأسباب الأخری للتمزق، هي ظاهرة عدم التقارب اللغويّ في المستوی المعقول والملفوظ. إذا اختلفت الأمور المهمة بالنسبة للجیلین يظهر عدم التقارب اللغويّ. ومن العوامل الأخری هو النقص في سعة الصدر وفي تحمل زلات الجيل الجديدة وخطایاه». ( علیخاني، علي اکبر: 1386: ص 103)

5
رجاء
أولئك أهل القصر ...
كل فقراء الحي يدعون ليلًا ونهارًا أن ينجح ابنهم الثاني،
في العام الماضي، عندما نجح ابنهم الأول... ذبحوا خروفًا ووزعوه عليهم.

«يعتبر آدلر عقدة النقص مصدر الحالات النفسية عند الإنسان. أي إنّ الطفل والمراهق يحسّان بالحقارة فيبذلان قصاری جهدهما ليتدارکا هذا النقص والغلبة عليه» (دلخوشنواز، هاشم: ص 27).«کدموستیس، الخطيب اليونانيّ الشهير الذي تغلّب علی تلعثمه وأصبح من أشهر الخطباء». «ذهب آدلر إلی أن العوامل الجسمية والاجتماعية تکثر من الشعور بالنقص وتجعل الإنسان يميل إلی السلطة والاستيلاء».(بروین، جان ص 130) «يعتقد آدلر أن هناك علاقة بين الشعور بالنقص وبين التخيل. أغلب الکشفيات التقنية هي ردود أفعال من کانوا يشعرون بالنقص تجاه عوامل إحباطهم مثل «ارکتونیوس (من أوائل سلاطين يونان الأساطيريين) الذي کان فالجا فاخترع العربة. ومن جهة أخری إنّ کثيرا من الإبداعات الفنية البارزة بنيت علی نوع من التعويض النفسي. کان الرومانيون سادة العالم بسبب الحرمان الذي کانوا يعيشون فيه. کان يتصور حتی اليوم أن آثار الروائيين والمسرحيين والشعراء نتيجة لإلهاماتهم. لکنها في الدرجة الأولی محاولة إنسان ذاق الذل لإصلاح الظروف وإيجاد الموازنة المهددة. هذا هو مصدر هذه الحقيقة البديهية أن الألم ملهم. إذا لم يکن لحس النقص عند القاص أو الروائي سبب خاص، فأثره سيکون ذات جذبة معالجة».( شایگان فر، حمیدرضا:ص 129) ففي هذه القصة الشعب یُعانون من ألمٍ نفسي و نستطیع القول عدم الثقة بالنفس هي التي تخذل الشخص. توصل فرويد ان الكبت هو صراع بين رغبتين متضادتين، وهناك نوعين من الصراع واحد في دائرة الشعور تحكم النفس فيه لإحدى الرغبتين وترك الثانية وهو الطريق الطبيعى للرغبات المتضادة دون إضرار النفس. بينما النوع الآخر هو المرضى حيث تلجأ النفس بمجرد حدوث الصراع إلى صد وكبت إحدى الرغبتين عن الشعور دون التفكير واصدار حكم فيها، لتستقر في اللاشعور بكامل قوتها منتظرة مخرج لأنطلاق طاقتها المحبوسة، ويكون عن طريق الإعراض المرضية التي تنتاب العصابين. واتضح لفرويد أن دور الطبيب النفسانى هي كشف الرغبات المكبوتة لإعادتها إلى دائرة الشعور لكى يواجه المريض الصراع الذي فشل في حله سابقاً، ويحاول حله تحت إشراف الطبيب أي إحلال الحكم الفعلي محل الكبت اللاشعوري، وسميت تلك الطريقة التحليل النفسي.

6
خيال
كنت أرسم مدينة فاضلة على ورقة،
وقبل أن أتم الرسم، طارت شرارة من موقد جارنا فحرقتها.

أتباع آدلر قدّموا أربعة أنماط للشخصية:
1- الشخصية المنتجة والبناءة ضد الشخصية المخربة والهدّامة.
2- الشخصية الناشطة ضد الشخصية العاطلة. (أحمدیان، حمید: 1393: ص 84).
أما غير الفاعلين وغير المنتجين «فهم الذين يعملون في التواصلات والعلاقات الاجتماعية بشكل سلبي، ويفتقرون إلی الثقة بالنفس اللازمة وفي هذه الأثناء إذا تمكنوا من العمل مع الآخرين لن يحاولوا أن يخلقوا المشاكل للآخرين».( أحمدیان، حمید: 1393: ص 88).
بما أن الکاتب من اللاشعور یتحدث ومن آلامه المتواجده من أبناء قومه یحلم ویرسم مدینة فاضلة وهذه المدینة لیست علی ورق بل في الذهن المتبحّر والذهن المسؤول تجاه القومیة المعینة؛ كل شخص سلمي يحب السلام وعن طريقه يتيح لنفسه أن يتواصل ويرتبط بأقرانه حتی تكتمل اجتماعيته شيئا فشيئا لكن شرارة جاره هي التي جعلت الکاتب یتألم وهذه الشرارة في الواقع الفتنة الموجودة في المجتمع الإسلامي، فهذه القصة تشمل عالم أوسع من أن یکون علی ورقة وفي بیت أو ذهن محصور فالأدیب الذي رسم هو عالم الإسلامي والقومیة العربیة والشرارة هي الفتنة والجار هو العدو الذي نستطیع القول بأنه اسرائیل وأمیرکا.
والواقع أن طريقة الرمز ليست أسلوبا خاصا بالأحلام وإنما هي طريقة عامة في كل ما يتعلق باللاشعور ... فكم من الأناشيد الشعبية والأساطير والكلمات المأثورة والنوادر الدارجة على الألسن من رموز وكنايات تفوق ما يوجد في الأحلام.
7
تأثير
أحببتها ورفضتها أمي،
توسلت إليها، قبلت يديها، فلم تتنازل ...ولم أتنازل،
في صبيحة زواجنا، طبعت زوجتي قبلة ممزوجة بابتسامة ساحرة -كتلك التي سحرتني-
على جبين والدتي ... نزل الرذاذ وامتلأت حديقتنا ورودًا بيض وألوانًا أخرى.

"كارل غوستاف يونغ " يرى أن "فرويد" غالى كثيراً في إعطاء هذه الأهميّة الكبيرة للغريزة الجنسية، (کریمي، یوسف: 1388: ص 86) حين عدّها سبب نشأة العُصاب عند الفنّانين، والباعث الأول على الفنّ. والحقّ، أن "فرويد" يوافق أستاذه على مبدأ "اللاّشعور" بوصفه مظهراً من مظاهر الفنّ، ويسمّيه "اللاّشعور الفردي أو الشخصي" أو "الخافية الخاصّة"، ولكنّه يُضيف إليه نوعاً آخر يسمّيه "اللاّشعور الجمعيّ" أو "الخافية العامّة". ويعدّه المنبع الأساسي للأعمال الأدبية والفنيّة، والبَوْتقة التي تنصهر فيها كلّ النماذج البدائية والرّواسب القديمة، والتّراكمات الموروثة والأفكار الأولى (کریمي، یوسف: 1388: ص 89). فاللاشعور الجمعيّ، بهذا المعنى، يمثّل خبرات الماضي وتجارب الأسلاف. وهو منطلق "يونغ" في تحليل عمليّة الإبداع بصورة عامة؛ فهذه العملية، تتمّ في تصوره، باستشارة النماذج الرئيسية المتراكمة في اللاّشعور الجمعي بوساطة "اللّيبيدو" المنسحب من العالم الخارجي، والمرتدّ إلى داخل الذات، وبوساطة الأزمات الخارجية أو الاجتماعية. وهذا ما يسبّب اضطراباً نفسيّاً لدى الفنّان، فيحاول إيجاد اتزّانٍ جديدٍ لنفسه (یوفي، غلامحسین: 1366: ص 156) .ومعنى هذا، أن كل المؤثرات يجب أن تمرّ عَبْر الخافية العامّة، في حين أن العملية الإبداعية عند "فرويد" تتم مباشرةً بالتّسامي، وعِلّتها الرئيسية تكمن تحت ضغط مركّب "أوديب" أو الرّغبات الشّقيّة المكبوتة في اللاّشعور العائد إلى سلوك الفرد ذاته، لا إلى الأفكار البدائية الموروثة. وقد انتهى "يونغ" إلى ما انتهى إليه أستاذه سابقاً، وهو أن عملية الإبداع الأدبي أو الفني عمليّة معقدةٌ غامضةٌ، لا يمكن لفرضيات التحليل النفسي أن تحل لغزها بسهولةٍ، وإن كان يقترح إيجاد منهجٍ فنيّ جماليّ لتعمّقها أو العودة إلى حالة "المشاركة الصوفية" لاستكناه بعض أسرارها. (براتي سده: فرید: 1385: ص 86)
هذه وثیقة اعتراف دقیقة في نظر ناقد الأدب و المحلل النفسي، ذلک لأنها تکشف عن الأرضیة النفسیة التي یتحرک علیها الکاتب، وبالتالي تکشف عن بواعث الرؤیة الابداعیة الدفینة وتسمح بعملیة الرصد النقدي.
طرح التحليل النفسي منذ بواكيره الأولى علاقة قوية مع الأدب يمكن أن نقول أنها افتتان متبادل . وفي الواقع فإننا "إذا ما قرأنا كتابات فرويد الأولى نجد أن الممارسة التحليلية الأولى هي في جوهرها اختبار مبكر للكلام والخطاب. "لقد أعطت دراسة النصوص الأدبية للتحليل النفسي الوليد فرصة تجاوز التحليل الطبي المحض ليجعل من نفسه نظرية عامة للنفسية والصيرورة الإنسانيتين.
سعى التحليل النفسي إلى شرح وتأويل الأدب , إلا أن بعض النصوص الأدبية كانت في بعض الأحيان مصادر أو أمثلة لمفاهيم التحليل النفسي ذاتها حين " لعبت دور الوسيط بين العيادة والتنظير بغية بلورة الفرضيات الوليدة وضمانها ولتعميم الاكتشافات المميزة المحددة بالحقل الطبي .
و إذا كان التحليل النفسي هو العلاج بالكلامفان اللغة والسرد هما الأساسيات التي يقوم عليها, بمعنى أن التحليل النفسي هو تسريد نقوم بوساطته بحكي وشرح أفعالنا وكيف أن الحقائق التي نخبرها تتوافق مع ما نقوم به وكيف قمنا باختياراتنا وبدائلنا . يتعامل التحليل النفسي إذن مع اللغة ومع التأويل , إنه يقدم مقاربة هامة لهيرمينوطيقا الشك : فكرة أن هناك حوافز ومعاني تتخفى خلف معان أخرى .
إن هيرمينوطيقا الشك "مصطلح بول ريكور" ليس مقصورا على التحليل النفسي ولكنه موجود في الفكر البنيوي عموما , في فكرة أننا نتعامل ـ لكي نفسر الأفعال ـ مع المعنى المبطن وليس مع الحجج والذرائع .
يبدو الارتباط بين الأدب والتحليل النفسي وثيقا ,لأن التحليل النفسي يرى أن الأدب ,والفن عموما, يستمد جاذبيته من قدرته على التعبير عن محتوى اللاوعي بشكل مُقنَّع فضلا عن قدرته على أن يكون "حاملا" للفانتازيا وفي حالة فرويد على وجه الخصوص كان الفن تساميات مقبولة اجتماعيا للرغبة الايروتيكية.
الخاتمة:
سعت هذه الدراسة إلی الوقوف علی أبعاد نفسیة في قصص سعید مقدم، وقد توصلت إلی النتائج التالیة:
1) کان لطفولة سعید مقدم دور مهم في تشکیل تجربته، فقد تحول إلی مصدر في رسم البعد الذاتي لأبعاد نفسیة، وقد نجح من خلاله في تقدیم رؤیة نقدیة للمجتمع.
2) أتاح ظهور التشاؤم صورة محوریة في قصص سعید مقدم و کشف ملامح موقفه الفکري تجاه قضایا حیاتیة، بما یجسد عمق تناوله لموضوعه الذي تکامل في أبعاد ثلاثة: ذاتیة ووطنیة وإنسانیة.
3) قدم الکاتب مستویات تصویریة مختلفة للمجتمع، منها المباشر المفرد، والمرکب، والرمزي الإیحائي وقد ترجم هذا التعدد تطور تجربة الکاتب ونضجها.
4) أسهمت الظواهر الأسلوبیة التي اعتمد علیها الکاتب في تقدیم صورة المجتمع کالتکرار والاستفهام والنفي في خلق دلالات متجددة، جاءت متضافرة مع معطیاتها الفکریة.
5) انسجم الإطار الإیقاعي لصورة المجتمع مع البنیة الفکریة التي حملها، فکان في تموجه وحرکته صعوداً أو هبوطاً متوافقاً مع مضمون الصورة، و لم ینفصل التشکیل الکتابي للنص عن هذا الإطار حیث تآلفت طریقة کتابة القصة مع ماتحمله من دلالات، وتحول الفضاء المکاني الذي احتله النص إلی عنصر أساسي في تولید الإیحاء.

سنشرح باقي القصص في الدراسات التالية .

المصادر
• علیزاده، حمید: آدلر پیشگام روانکاوی جامعه نگر- نشر دانژه- 1383.
• دیچز، دیوید: شیوه های نقد ادبي؛ ترجمه ی غلامحسین یوسفي و محمدتقي صدقیاني- نشر علمی- 1366.
• شفتي، سعید شجاع: روانکاوي کلاسیک- نشر ققنوس1385.
• کریمي، یوسف: روان شناسی شخصیت- نشر ویرایش- 1388.
• جزایري، علیرضا: زیگموند فروید بنیانگذار روانکاوی- نشر دانژه 1387.
• ایگلتون، تری: ایده ی فرهنگ- ترجمه یس علی ادیب راد- نشر حرفه ی نویسنده 1934.
• فروید، زیگموند: تفسیر خواب- نشر مرکز 1383.
• زیگموند، فروید: روان شناسی فراموشی- نشر علم 1388.
• فروید ، زیگموند: روان شناسی توده ای و تحلیل اگو. ترجمه ی سایرا رفیعی- نشر ني- 1393.
• ولک، رنه: تاریخ نقد جدید- ترجمه ی سعید ارباب شیرانی- نشر نیلوفر 1384.
• عليخانی، اكبر: مبانی نظری هويت و بحران هويت، چ 2، انتشارات جهاد دانشگاهی تهران،1386ش.
• . شرفی، محمدرضا: جوان و بحران هويت، چ 4، انتشارات سروش، تهران، 1385ش.
• احمدیان، حمید: مناهج النقد الادبي. انتشارات سمت.1393.


صادق حسن البوغبيش - الأهواز
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف