الأخبار
نتنياهو يستفز الإمارات باقتراحها للاشتراك في إدارة غزة(هيومن رايتس ووتش): إسرائيل ترتكب جرائم حرب بذخائر أمريكيةأبو عبيدة يكشف مصير الأسير الإسرائيلي نداف بوبلابيلشاهد: سرايا القدس تسيطر على المسيرة الإسرائيلية (سكاي لارك)شاهد: حركة حماس تنشر مقطع فيديو لأسير إسرائيلي في غزةجيش الاحتلال يوسع العملية العسكرية برفح.. ويدعو سكان مناطق بشمال غزة للإخلاءمع بدء ترحيل السكان.. تصاعد التحذيرات الدولية من اجتياح رفحمجلس الحرب الإسرائيلي يُقرر المضي في عملية رفحطالع: تفاصيل مقترح وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه حماسحماس تُبلغ قطر ومصر موافقتها على مقترحهم لوقف إطلاق النارممثل عشائر المحافظات الجنوبية يحذر من خطورة اجتياح الاحتلال الإسرائيلي لمدينة رفححماس: انتهاء جولة المفاوضات الحالية ووفدنا يغادر القاهرة للتشاور مع قيادة الحركةهنية يكشف أهم شروط حركة حماس للتواصل لاتفاق مع إسرائيلمقتل أربعة جنود إسرائيليين بقصف المقاومة الفلسطينية لمعبر (كرم أبو سالم) العسكريالحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجزيرة تحت ذريعة أنها "قناة تحريضية"
2024/5/13
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قراءة في قصيدة فراشتان للشاعر الكبير أ. حماد صبح بقلم:الشاعرة ثريا نبوي

تاريخ النشر : 2014-10-03
قراءة في قصيدة (فراشتان) للشاعر الكبير أ. حماد صبح
قرأتها الشاعرة ثريا نبوي

وصغيرةٍ تجري وراء فراشةٍ * بيضاءَ زينها الإله المبدعُ
قد لمتُها مترفقاً بطفولةٍ * عند الملام دموعها تتهمَّع (1)
قلتُ : اتركيها يا بنيةُ إنها * قلبٌ يخايله الربيع الممرَع
هي مثلنا تهوى الحياة رخيةً * فيحاءَ ما فيها عدوٌ يطمع
ماذا بربك تكسبين إذا غدت * في راحتيك وقد رماها المصرع ؟
فتوقفت وتبسمت في خَفرةٍ * طهرُ البراءة في سناها يسطع
قالت : أردتُ تسلياً وتلهياً * أنا ما قصدت بأن أراها تُصرع
إني أخاف الموت مذ أبصرتُه * يغتالُ والديَ الحبيبَ وينزِع
قد كان ذلك منذ شهرٍ واحدٍ * فقلوبنا لفراقه تتفجع
_ _ _
 كانت فراشتُنا الجميلةُ قد نجت * وبدت على فرع وريقٍ تلمع
قلت : انظريها يا صغيرةُ إنها * من ريقة الأوراق نشوى ترضع !
فتبسَّمت ، ومضت فراشةَ شاعرٍ * هي من فراشات الخميلة أروعُ
1 : تتهمع : تسيل
أوجزَ شاعرُنا القديرُ فأعجز؛ آنَ وضع على الجُرحِ البَنان، مُضمِّدًا بالتفاتةِ الإنسان، وسلاسةِ البيان؛
فهزَّ الوِجدان، وأرسى قواعدَ البنيانْ.
شاعرُنا المُرهفُ يختزِنُ وجعًا إنسانيًّا تخِرُّ منه الجبال؛ يئنُّ إحساسُهُ بالمرارةِ تحت نِيرِ الظلمِ والعدوانِ على الأبرياءِ؛ بلا ذنبٍ ولا جريرةٍ سوى أنهم قُدِّرَ لهم أن يعيشوا في عالمِ الغاب ليحكمَهم قانونُه المُستَأسِدُ الشرس؛ لِتغدوَ الفصولُ كلُّها خريفًا يفترسُ ضعفَ أشجارٍ خريفيةِ المنهاج؛ حيث الذُّبولُ والسُّقوطُ لا يفترقانْ.
وهل كانت غِرناطةُ الأندلسِ الذاهبةُ إلا واحدةً من هذه الأشجار؟ وهل كانت القدسُ غِرناطةُ العصرِ، وبغدادُ الحضارةُ المُدَمَّرةُ باليورانيوم الحاقدِ الرهيب؛ وقبلها كابُل مُلتقى الأطماعِ الذي صيَّرته الحربُ المزعومةُ على الإرهاب رُكامًا من حياةٍ أسكرتها عناقيدِ القنابلِ ، ودمشقُ بُسْنةُ الشرقِ التي ما زالت تُذبَحُ منذ أكثر من ثلاث سنواتٍ بسكينٍ علويّةٍ صفويَّةِ عالميةِ النِّصال، وبيروتُ صخرةُ المجدِ التي علَّقَها خيالُ شاعرٍ بالنجم لتهويَ في بحارِ الخديعةِ والخيانةِ، والسقوطُ المُدوي لصنعاءَ قلعةِ المجدِ في بِئرِ الحُوثيينَ المذهبيّ البغيض... هل كان كل ذلك إلا تحت مظلةِ قانون الغابةِ اللئيمة الحمقاء، وبمؤازرةٍ من علقمِ العلقميينَ يُزَنِّرُهُ الدَّهاء؟؟؟
ينتقلُ بنا الشاعرُ بسرعةِ التدفُّقِ الشعريّ ومهارةِ التكثيفِ للمشهدِ؛ في محاولةٍ شديدةِ الرُّقي للعزفِ على أوتارِ وِجدانِنا كقُرَّاء؛ ليُسمِعنا ما دار بينه وبين هذه الطفلةِ الفراشةِ؛ ولا يتمهلُ ليلتقِطَ أنفاسَهُ بين السطور؛ فهو مدفوعٌ بمردود الظلمِ الساكنِ بين جوانحه، تضغطُ  اللهفةُ قبل أناملِهِ على أوتارِ القيثار!!!
فقد رأى ووصف .. ولم يفُتْهُ الثناءُ على إبداعِ الخالقِ في خِضَمِّ أمواجِ مشاعرِه؛ ونصحَ ولم يُغرِهِ دورُ الكبارِ وحكمتُهم بالتخلّي عن الرفقِ الذي ما كان في شيءٍ إلا زانَه، والترفُّقِ: كدرسٍ آخر يستوجِبُ التلقين للكبارِ آنَ يتقمَّصون أدوارَ المُعلِّمين! ولم ينسَ أن يُعطي المثَلَ في احترامِ عقولِ الصغارِ وشخصيّاتِهم حين يسلُكُ سبيلَ الإقناعِ المنطقيِّ الرَّخيم:
وصغيرةٍ تجري وراء فراشةٍ * بيضاءَ زينها الإله المبدعُ
قد لُمتُها مترفقاً بطفولةٍ * عند الملام دموعها تتهمَّع (1)
قلتُ : اتركيها يا بنيةُ إنها * قلبٌ يخايله الربيع الممرَع
هي مثلنا تهوى الحياة رخيةً * فيحاءَ ما فيها عدوٌ يطمع
ماذا بربك تكسبين إذا غدت * في راحتيك وقد رماها المذيصرع ؟
وما أجملَ الصورةَ التي بَدَت عليها الصغيرةُ بعد مُخاطبةِ عقلها وقد بدا كبيرًا، ووِجدانِها الذي مَسَّتْهُ نفحةٌ قُدسيَّةُ التأثيرِ والصفاء؛ فتجاوبَتْ وأفصحت عن نيتِها البريئةِ التي لم تُضمِرِ الأذى، وعلَّلَت ذلك بكراهيتِها للموتِ الذي (رأتهُ  يغتالُ وينزِعُ) ؛ وما أقساها من تجربةٍ للفقدِ وما أدقَّهُ من تعبيرٍ عن الفجيعة.
غير أني على استحياءٍ من شاعرنا الكبيرِ القدير أقفُ عند تعبير: منذ شهرٍ واحدٍ... لأقول:
كنتُ أتمنى لو جاء الوصفُ منذ شهرٍ قد مضى أو منذ شهرٍ بائسٍ أو فائتٍ... لماذا؟
لأننا عندما نحددُ الوقتَ بهذه الصرامة نبتغي التقليلَ من مساحةِ الزمن لغرضٍ ما فنقولُ: إنه شهرٌ واحدٌ فقط؛ لم يزِد عن ذلك وفي هذا إما تدقيقٌ أو تقليلٌ من شأنه؛ وهو ما لا يجوزُ مع الإحساسِ بأحزانِ الفقدِ التي تُشعِرُنا بأنه زمنٌ تضاعفَ وانفرطَ عِقْدُهُ لنشعُرَ بأن فقيدَنا رحل منذ شهور لا شهرٍ (واحدٍ)
وهو مجردُ إحساسٍ ساورني أثناء التلَقِّي ولم أستطع الهروب من نقلِه هنا؛ وللشاعرِ وللقراءِ الأعزاءِ ما يرَون، ولا يسعُني إلا احترام وجهاتِ نظرِكم.

فتوقفت وتبسمت في خَفرةٍ * طهرُ البراءة في سناها يسطع
قالت : أردتُ تسلياً وتلهياً * أنا ما قصدت بأن أراها تُصرع
إني أخاف الموت مذ أبصرتُه * يغتالُ والديَ الحبيبَ وينزِع
قد كان ذلك منذ شهرٍ واحدٍ* فقلوبنا لفراقه تتفجع

وها هو الشاعرُ يجني ثمارَ غرسِهِ وقد آذَنَ العزفُ الجميلُ على الانتهاء؛ ويستكمِلُ لوحتَه البديعةَ الشفيفة، ودرسَهُ العمليَّ الرائع؛ وملؤهُ الأملُ في أن تكونَ إسقاطاتُهُ المنطقيةُ في فلسفةِ السلام قد طرَّزت أفكارَنا ومشاعرَنا وأُخوَّتَنا الإنسانية.  
كانت فراشتُنا الجميلةُ قد نجت * وبدت على فرع وريقٍ تلمع
قلت : انظريها يا صغيرةُ إنها * من ريقة الأوراق نشوى ترضع !
فتبسَّمت ، ومضت فراشةَ شاعرٍ * هي من فراشات الخميلة أروعُ

وأبقى أنحني احترامًا لفيضِ إنسانيةٍ وارفةِ الظلالِ في عالمٍ من الأمانيِ الحِسانِ يرسُمُهُ هذانِ البيتان:

قلتُ : اتركيها يا بنيةُ إنها * قلبٌ يخايله الربيعُ الممرَع
هي مثلنا تهوى الحياة رخيةً * فيحاءَ ما فيها عدوٌ يطمع

شاعرَنا الشاعر: تحيةً بعبقِ الرَّيحانِ لواحدٍ من رياحينِ اللهِ في أرضِه؛ تُعطي ولا تنتظِرُ الثناءْ!
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف