الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

"يافا للأبد" قراءة بقلم: أ.د. محمود يزبك

تاريخ النشر : 2014-10-02
"يافا للأبد" قراءة بقلم: أ.د. محمود يزبك
"يافا للأبد"
قراءة: أ.د. محمود يزبك – الناصرة
عمان- أسعد العزوني
صدرت في السنوات الاخيرة مجموعة لا بأس بها من الدراسات والوثائق والمذكرات وكتب الذكريات عن مدينة يافا ما قبل النكبة.  وبالاضافة لمساهمات أبناء وبنات يافا من الجيل الأول والجيل الثاني ال>ي أعقب النكبة، شارك العديد من الباحثين العرب وغير العرب في دراسة اوضاع مدينة يافا تاريخيا واجتماعيا وثقافيا وحضاريا وغيره ... ومما لا شك فيه أن هذه الاصدارات ساهمت باستحضار صورة يافا الجميلة ما قبل الشتات والنكبات.
 
و"يافا للأبد" الذي نحن بصدده أعدَه وأصدره ابن يافا، الاستاذ عدلي مسعود الدرهلَي، العاشق لترابها ولعطور بيَاراتها التي ملأت أجواء منطقة يافا بأذكى الروائح وأعطرها. وينتمي الأستاذ عدلي لواحدة من أعرق عائلات يافا والتي امتلكت العديد من البيارات في محيط المدينة وبالقرب من أسوار المدينة القديمة قبل هدمها في أواخر القرن التاسع عشر. وبالإضافة للبيارات وتجارة البرتقال التي اشتهر بها ابناء الدرهلّي كالعديد من تجار يافا، ساهمت عائلة الدرهلّي في تطوير منشآت المدينة وتقوية قاعدتها الاقتصادية. وما زال سوق الدرهلّي والذي شمل أكثر من مئة دكان وحاصل تجاري قائما وصامدا حتى يومنا هذا. ولم تفلح يد التهويد والهدم لمعالم مدينة يافا الفلسطينية بتغيير معالم هذا السوق على الرغم من تهويد اسماء شوارع المنطقة وهدم العديد من معالمها كما حدث لخان الدرهلّي الملاصق لبيت العائلة الكبير. ومن يمرّ بجانب هذا الصرح والبيت الكبير يشاهد سبيل الدرهلّي الذي جفت مياهه ومنع المستوطنون الجدد جريان خيره لمنفعة ومصلحة المارّة كما أراد الواقف ومنشيء هذا السبيل.

كما فعلت العائلة قبل نكبتها وترحيلها، يقوم عاشق يافا الحالي عدلي مسعود الدرهلّي بخدمة مسقط رأسه عن طريق المساهمة الفعلية بابقاء ذكرى يافا حيّة في وعي أبنائها خاصة ووعيّ الأمة عامة. ومن بين ما يقوم به في هذا السبيل على سبيل المثال لا الحصر، طباعة صور ورسومات ليافا ووضعها في أطر قيّمة وتوزيعها على نفقته الخاصة لعشاق يافا. كما يقوم بطباعة وتوزيع المنشورات واقتناء الكتب والمطبوعات واهدائها لمن يرغب مجانا حتى تبقى يافا تنبض بصدور أهلها وعشاقها. وحتى مصالحه التجارية وسمها باسم يافا. ومن يدخل مجمع يافا الطبي في الدوار الخامس بعمّان لا بدّ وأن يقع نظره على لوحة كبيرة وجميلة ومتقنة ومأطرة باطار رخاميّ فخم يليق بمقام يافا عند عاشقها، لتقول لكل ناظر "يافا ... عالبال" وستبقى دائما في بال الناس ما دام أبناءها يجلّونها ويذكرونها ويفعلون من أجلها كل حسب طاقته ومقدرته ومجال عمله.
 
وكتاب "يافا للابد" صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت عام 2014، ويضم ثلاثة شهادات لثلاثة من الاعلام الذين عايشوا لحظات سقوطها وهم ناصر الدين النشاشيبي الذي يسرد حكاياته مع الصحافة الفلسطينية  عشيّة النكبة ويستذكر كتاباته في صحيفة "فلسطين" وصحيفة "الدفاع". ويخبرنا النشاشيبي في "معارك البرتقال" عن قصته مع الصحافة وبانه كان في تلك الايام يكتب باسم مستعار هو "فكتور بومان"، وهو ترجمة لاسمه من العربية. كما يعتبر هذا القسم فصلا حيا لرسم الحياة الاجتماعية والثقافية والترفيه والغناء والمسرح والسينما وزيارات كبار الكتاب والفنانين من  عواصم الثقافة العربية.
وصلاح ابراهيم الناظر الذي عايش نهاية هذه المدينة بوصفها مدينة عربية فلسطينية يروي قصة "سقوط يافا"في ايدي القوات الاسرائيلية. وفي شهادته عن سقوط يافا يقدم قراءة هامة في المراسلات والحوارات التي دارت بين القيادة العسكرية المحلية مع قيادة "جيش الانقاذ" مما يجعلنا نفهم بوضوح اكبر مدى الضعف الذي واجهت به الحركة العربية القوة الصهيونية المنظمة والمدربة وذات العتاد اكثير والمتطور.
ومحمد سعيد اشكنتنا يستعرض ما جمعه من مواد تتعلق بسقوط المدينة كيف تدحرجت المأساة ويواجهنا بالحقيقة المؤلمة حول "سقوط يافا". وفي المجمل هذا كتاب هام لفهم اسرار نكبة يافا وليس فقط لدراسة تاريخ النكبة بل ربما لاستخلاص العبر للمستقبل.
وتعرضت يافا لدورات متعاقبة من المآسي بعد أن أصبحت في أواخر القرن الثامن عشر مركزا تجاريا هاما وميناءا ذات قيمة استراتيجية كبيرة توسط الشاطئ الفلسطيني وكان بوابة الداخل الفلسطيني.
في الربع الأخير من القرن التاسع عشر عانت يافا من ويلات الحروب حين قرر الشيخ ظاهر العمر الزيداني، حاكم عكا والجليل، ضمّها لملكه ليسيطر سيطرة كاملة على موانيء فلسطين كي يستأثر بتجارة وتصدير القطن الفلسطيني لأوروبا.  وخلال الصراع ما بين مصر والدولة العثمانية وحاكمها، علي بك الكبير وقائد قواته محمد ابو الذهب، وانقضاضهم على يافا، عانى أهالي يافا من مجزرة مرعبة.
ولم تمض إلا بضع سنوات بعد أن تعافت يافا من تلك المأساة حتى جاءها نابليون غازيا في طريقه لعكا. احتلها عام 1799 وأعمل بحق أهلها وبحق حاميتها مجزرة ملأت صفحات كتب التاريخ  ووثائق الأرشيف الفرنسي.
وفيما بين 1800-1804 تعرضت يافا لصراع مرير بين والي المدينة محمد باشا ابو المرق ووالي عكا أحمد باشا الجزّار. ومن جديد دفع أهالي يافا أثمانا باهظة لهذا الصراع.
ونعمت مدينة يافا بقسط من الأمن والاستقرار والراحة بعهد حاكمها محمد باشا ابو نبوت (1803-1819) الذي أعطى المدينة "قبلة الحياة".  أبو نبّوت عمّر ميناءها، جدد بناء اسوارها وقلعتها، اقام مسجدها الكبير وانشأ السبيل المحمودي داخل الاسوار وانشأ السبيل البرّاني لخدمة المسافرين على طريق القدس- يافا. ومنذ احتلال ابراهيم باشا المصري ليافا عام 1831 أخذت الكثير من اعائلات المصرية تتقاطر ليافا وتقيم من حولها "السكنات" لتتمدد المدينة في كل الاتجاهات. وجاءها المستثمرون من كل أرجاء بلاد العرب،  من دمشق وبيروت والقاهرة وتونس والمغرب. وفي عام 1889 كان القرار بهدم اسوار المدينة وردم الخندق المحيط بها. وظهر شارعها الطويل ... شارع "الحلوة" الواصل بين ساحة المدينة وحي العجمي الجديد.
وما زالت معالم حيّ العجمي وشارع الحلوة وشارع النزهة أمثلة حيّة على جمال المدينة وذوق أهلها الرفيع. ومع بداية القرن العشرين قام أهل يافا بالتبرع بسخاء لانشاء معلما حضاريا وجميلا "برج الساعة" في مركز المدينة احتفاء باليوبيل الفضي لارتقاء السلطان عبد الحميد الثاني لعرش السلطنة العثمانية.
ومنذ بداية القرن العشرين اصبحت يافا مركزا للثقافة والانفتاح الحضاري والثقافي الذي تمثل بانشاء المطابع ودور النشر وطباعة الصحف والمجلات واشهرها صحيفة فلسطين لأصحابها أبناء عائلة العيسى وصحيفة الدفاع لصاحبها عبدالله الشنطي وغيرها الكثير.


ومن مظاهر الانفتاح الحضاري للمجتمع اليافاوي لا بدّ ان نذكر الظاهرة الفريدة التي امتاز بها وهي احتفالية "موسم النبي روبين". وهذه الاحتفالية اقيمت على رمال شاطئ روبين الذي يبعد حوالي 10 كم عن المدينة. واعتاد اهالي يافا قضاء عطلة صيفية امتدت على مدار شهر كامل من اواخر آب. وبالاضافة للدعوات والصلوات التي اقامها المحتفلون في مقام النبي روبين شكلّت هذه العطلة مناسبة لعرض المسرحيات ومشاهدة الأفلام في السينما الصيفيه واستضافة اهم المطربين من العالم العربي وعروض المصارعة وسباق الخيل وغيرها. ولأهمية الموسم في حياة المجتمع وخاصة المجتمع النسوي اليافاوي اشتهر المثل الشعبي الذي رددته نساء يافا حين رددنه بتحبب تجاه الرجال "يا بتروبنّي يا بتطلقني" وعادة اجاب الزوج "كلنا الى روبين".
وفي ياف اشتهرت دور السينما واهمها سينما ومسرح الحمراء الذي ازدانت قاعاته بالمقاعد الحمراء الوتيرة. وما زالت سينما الحمراء شامخة تتوسط شارع النزهة  وليس بعيدا عنها ما زال قائما وتحت رعاية أعل يافا مسجد النزهة يعانق الجامع الكبير من جهة وجامع البحر الذي أنشأته عائلة رضوان الغزيّة في اواسط القرن السابع عشر. وحول هذه المساجد تتحلق كنيسة القديس بطرس على قمة تلة يافا وكنيسة الخضر وكنيسة الأقباط وكنيسة  الموارنة وكنيسة القديسة ضبيطة وغيرها.
وعلى الرغم من الدمار الذي الحقه الاحتلالالانتداب البريطاني بيافا خلال ثورة 1936-1939 وتدمير اجزاء كبيرة من مدينة يافا القديمة لتدخلها المدرعات البريطانية بحثا عن الثوّار، وعلى الرغم من عمليات الطرد والتطهير العرقي الممنهج الذي قامت به القوات الصهيونية عام 1948 ونكبة شعب فلسطين، تبقى معالم يافا العربية شامخة في فضاء المدينة تقول لكل من يجهل او يتجاهل "أنا يافا ... أنا فلسطين".




 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف