الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

محاولة لفهم حالة تدين الشعب المصري بقلم:مصطفى نصر

تاريخ النشر : 2014-09-22
محاولة لفهم حالة تدين الشعب المصري بقلم:مصطفى نصر
محاولة لفهم حالة تدين الشعب المصري

مصطفى نصر

    في مقتبل الشباب كنت أذهب مع أصحابي من بيتي في حي راغب باشا إلى محطة الرمل كل يوم تقريبا، فنسير في شارع النبي دانيال، وبعد خطوات معدودة؛ ندخل في زقاق ضيق خلف مكتب توزيع دار الهلال، فتواجهنا أرضا ترابية واسعة، تكونت بعد إزالة كوم الدكة الذي كان يطل من عليائه على ميدان الشهداء المشهور بـ"محطة مصر".
عدد كبير من الناس يسيرون ذاهبين إلى محطة الرمل أو عائدين منها، وشاب يرتدي قفطانا، يقرفص فوق التراب ويغمض عينيه ويهتز هزات متتابعة مرددا:
 - الله، الله.
كنتُ أتابعه في ذهابي وإيابي من محطة الرمل وهو في نفس الجلسة، متلقيا النقود التي تُرمي في حجره من بعض المارة، قلت له:
-    حرام ما تفعله، فأنت شاب مكتمل الصحة ويمكنك العمل.
ولم يعجبه حديثي فثار وغضب، واجتمع بعض المارة، فأيدني البعض وأثني على قولي، ولامني البعض ناصحا إياي بألا أتدخل فيما لا يعنيني. وإذ بأحدهم يقول لي: - أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم.
وتغير الموقف تماما، فقد انحاز الجميع للشاب الذي يتسول طوال الوقت، حتى أصدقائي انحازوا إليه. ما أن سمعوا الرجل يتلو آية من القرآن حتى انحازوا إليه وصدقوه، رغم أنه يستخدمها في غير موضعها. فالشاب المتسول كان مخطئا ولم أنس نفسي في نصحه، لكن الكثير من الشعب المصري ضعيف أمام الدين. كما أن الكثير من شعبنا مازال يؤمن بأشياء غريبة، فإذا جاء للأسرة طفل متخلف عقليا، أعتبروه وليا، واطلقوا عليه اسم شيخ، ويحكون إن أحد الفلاحين أستغل تخلف شقيقه، وادعى أن له كرامات وكسب من ورائه أموالا كثيرة، وعندما مات، أقام عليه ضريحا، وكسب منه بعد موته أكثر مما كسب في حياته.
وآخر يسكن قرية قريبة من طنطا، نذر بأنه إن أنجب بنتا سيهب نصفها إلى السيد البدوي، واستجاب الله له وأنجب بنتا، وعند زواجها، وضع في صندوق النذور في مسجد السيد البدوي نصف مهرها.
وقد قلت لزملائي في العمل:
-     إن الأجيال القادمة ستذكر محمد عبد الوهاب وقد تنسي رجلا مثل الشيخ الشعراوي.
فغضبوا مني، حتى المعتدلين اعترضوا على قولي، فالشعراوي له مكانة كبيرة في قلوب المصريين، وهم يتعاملون معه كرجل دين، بينما محمد عبد الوهاب – في نظرهم – مجرد موسيقي ومغني. وقد قصدت من قولي إن عبد الوهاب ترك كما هائلا من المقطوعات الموسيقية الرائعة، كما أنه كان واعيا وحياته تستحق الاهتمام والتقدير، بينما الشيخ الشعراوي لم يترك سوى الكلام، حتى كتبه التي صدرت عنه، نقلها البعض عن كلامه، والكلام سرعان ما يذوب  وينساه الناس.
وعندما حكيت هذه الحادثة لزوجة صديق لي معبرا عن أساي لرأي الناس، فوجئت بها تردد: استغفر الله العظيم.
فهي تري أن حديثي هذا عن الشيخ الشعراوي بهذه الطريقة؛ يعتبر ذنباً يجب أن استغفر الله من أجله.
وكان عمي يكره عبد الحليم حافظ كرهاً شديدا، فعندما ذهب للحج، تقابل مع حاج سعودي، وما أن علم بأنه مصري، حتى أبتعد عنه وصاح:
-     أنت من بلد اللي بيقول نار يا حبيبي نار؟!
واعتبر عمي أن عبد الحليم حافظ كان سببا لأن يعامله هذا السعودي بهذه الطريقة. وفوجئت في السنوات الأخيرة بحماس شديد من بعض المتأسلمين بأن الموسيقى حرام، اعتمادا إلى حديث يقول في آخر الزمان ستحل المعازف، بمعني أن المعازف محرمة، والكفرة الذين سيأتون في آخر الزمان سيحللونها، واقتنع الكثير من المصريين بهذا، خاصة عندما تأثروا بالفكر الوهابي الوارد إلينا من السعودية، فلبسوا الساعات في أياديهم اليمني، وصاموا رمضان وأفطروا في العيد على ما يحدث في السعودية، وقد حدد مفتي مصر في احدي السنوات بأن الثلاثين من رمضان هو المكمل للشهر، وعندما عدت بسيارة الشركة إلى محطة مصر، شاهدت أصحاب الجلابيب البيضاء وزوجاتهم المنتقبات وأطفالهم يتفسحون في حدائق محطة مصر، فهم غير مقتنعين برأي مفتي مصر، وولاءهم للسعودية لا لمصر.
وابتلينا بموظف منقول إلى حجرتنا الكبيرة جدا، من إدارة المشتريات بعد أن فشل في التعامل معهم، جاء لينغص علينا حياتنا، كان كالضرس المسوس، الذي ينكد على باقي الأسنان والضروس، فيأتي من بيته بوجه عابس ونظارته ولحيته الكبيرة، ينظر إلى الأرض.
وتجلس أمامه فتاة معها راديو صغير تسمعه، فما أن يسمع الأغاني المنبعثة من الراديو حتى يزوم ويتمتم في صوت خافت، وكتب الكثير من الشكاوي لرئيس الشركة في الراديوهات التي تعطل العمل، والتي كانت سببا في حوادث وكوارث ابتليت بها الشركة غضباً من الله لأننا نسمع الأغاني المحرمة.
    وعندما أعلنوا عن الاستفتاء على الإعلان الدستوري في مارس 2011، رأيت أن الحل هو أن تتأخر انتخابات مجلس الشعب والشورى والانتخابات الرئاسية، حتى تتكون عناصر جديدة قادرة على تحقيق أحلام معظم أفراد الشعب، فالموجود الآن في الشارع؛ بقايا الحزب الوطني الذين دأبوا على التقدم للانتخابات، والإخوان والسلف، وهؤلاء وحدهم الذين سيفوزون بالانتخابات، لكن ظهرت حالة التدين العجيبة للشعب المصري، فقد سرت مع صديق لي في طريقي للانتخابات، فوقف صاحب دكان في أول الشارع الذي أسكنه، لم أتحدث معه قط طوال سنوات سكنه بالشارع، واقترب منا وصافحنا وقال:
-    شكلكم رايحين تنتخبوا، خلوا بالكم، أوعوا تقولوا لا، علشان المسيحيين بيقولوا لا.
وأصبحتْ قضية، الكثير من أئمة المساجد ينصحون الناس بأن يقولوا نعم، وسار ابني مع آخر يتمني أن تستقر الأمور وأن تعود الحياة إلى ما كانت عليه، فالثورة عطلت تجارته، لذلك كان يدعو لقول " نعم" لتعود الحياة إلى هدوئها وننتهي من الفوضى والانفلات الأمني. وصافحهما رجل ملتح وقال:
-     أوعوا تكونوا قلتم لا.
 فقال الآخر مشيرا إلى ابني: ده قال لا.
فقال الرجل بتأفف: لو كنت أعلم هذا ما كنت صافحتك.
وعندما ظهرتْ النتيجة بالموافقة على الإعلان الدستوري، أعلن داعية مشهور بفرح، لقد كسبنا في غزوة الصناديق.
واعتقد أن المشاكل التي نعاني منها الآن، سببها هذا الإعلان الدستوري، وأثبت الإخوان والسلف بأنهم على دراية بنفسية الشعب المصري، فلولا هذا الإعلان الدستوري، ما فازوا بكل هذا العدد من الأصوات، وما فاز مرشح الإخوان بالرئاسة.
    ويتعامل الشعب المصري مع الدين بطريقة لا ينازعه فيها أحد، فكل فئات الشعب متدينة، مسلمين ومسيحيين. وقد تحدث السلفي عبد المنعم الشحات عبر التليفزيون، فحكى عن مرشح لم يوفق في الانتخابات الرئاسية – سافر إلى تونس، وحضر لقاءً مع العلمانيين هناك، فوقف تونسي وسب السيدة عائشة – زوجة الرسول - . فقال له مرشح الرئاسة: لو قلت هذا في مصر، لقتلوك.
سألوه: الجماعات الدينية التي تقتله؟
قال: لا، العلمانيون المصريون.
وما يشيعه بعض المتأسلمين من أن العلمانيين والليبراليين والماركسيين المصريين كفرة، قول كاذب. فبعضهم أكثر تدينا من الذين يتشدقون بالدين، ويرتزقون من إدعائه. فالأستاذ خالد محيي الدين السياسي القدير، كان ماركسيا ومتدينا في نفس الوقت، وقد كان يأتي بصفة مستمرة إلى بيت الشيخ السماك، القريب من بيتي في الإسكندرية، وكنت أتابع هذا مع زميل بيته ملاصقا لبيت الشيخ السماك. وقد حكى خالد محيي الدين عبر التليفزيون، من أن الشيخ السماك قال له:
-     أرجو أن تعمل على أن يقام لي ضريح بعد موتي.
وقال محيي الدين، بأنه تدخل لدى المسئولين حتى وافقوا على نقل رفات الشيخ إلى الضريح المقام له على ترعة المحمودية في البر القبلي، قريبا جدا من كوبري راغب باشا.
وما يشيعه المتأسلمون عن تكفير غيرهم، مرجعه، أنهم يريدون أن يحتكروا التدين لأنفسهم، فهم وحدهم المسلمون، وهم وحدهم المتدينون، وحكت الناشطة السياسية لميس جابر في لقائها مع الكابتن شوبير من أن إخواني سكندري، أشتهر بعد ثورة 25 يناير، قالت له مذيعة قناة دريم:
-    إنكم متهمون بالتجارة  بالدين؟
فقال لها في بساطة شديدة:
-    - وفيها إيه، إذا كان صاحب الدين عاجبه كده؟!
فارتبكت المذيعة من الدهشة، وسألته: تقصد الشعب؟
قال بلا خجل: لا، أقصد ربنا.
    تدين الشعب المصري ميزة وعيب في نفس الوقت، وقد تقدم أحمد لطفي السيد للانتخابات البرلمانية في بلده، وهزمة خصمه لأنه يفهم حقيقة تدين الشعب المصري، فقد أعلن للفلاحين هناك:
-     إن لطفي السيد ديمقراطي، والديمقراطية معناها أن الرجل والمرأة سواء، فمن حق المرأة أن تتزوج أربعة رجال ما دام الرجل من حقه أن يتزوج أربع نساء.
وعندما أجتمع أحمد لطفي السيد بالفلاحين سألوه:
-    أنت ديمقراطي حقا؟
قال: نعم.
فلم ينتخبوه وخسر الانتخابات.    
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف