الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

رواية "شارع العشاق" محمد عبد الله البيتاوي بقلم: رائد الحواري

تاريخ النشر : 2014-09-21
"شارع العشاق"
محمد عبد الله البيتاوي

الجزء الثالث والأخير من الثلاثة "حكاية من بلدنا، يكمل الكاتب حديثه عن الواقع الفلسطيني، وما قام به الاحتلال الإسرائيلي للقضاء على الروح الفلسطينية المتمردة، ما يمز هذا الجزء هو وجود كم هائل من الطرف التي يقوم بها أبطال الرواية، وكأن الحال الفلسطيني أصبح يتعامل مع واقع الاحتلال كحال، لا يمكن إلغاءه الآن، من هنا يندفع المجتمع الفلسطيني إلى القيام بشكلين لهذه المقاومة، الأولى تتمثل في المقاومة المباشرة والصريحة، والثانية ممارسة الحياة، الزواج، والعمل، والقيام بالواجبات الاجتماعية اتجاه الأسرة والعائلة، من هنا نجد حالات الزواج المتعددة التي حدثت في "شارع العشاق" فالزواج الأول بين "هالة وعصام"، والثاني بين "إخلاص وسليم المحمود، والثالث بين "عزمي مجاهد ونوال" والرابع بين "مجدي العكاوي وسمية" .
من هنا نجد محمد عبد الله البيتاوي اسهب في تناول مواقف العشق والغرام، فهناك وصف كافي لعملية الجماع، وأيضا تناول اللقاء بين العشاق بالقبل والضم والعناق، ففي هذا الجزء كان هناك توافق بين العنوان "شارع العشاق" ومضمون الرواية على النقيض من "المهزوزون والصراصير" التي لم يكن توافق ـ كامل ـ بين الاسم والمضمون، ونعتقد بان هذا الجزء كان أسهل وأمتع أجزاء الثلاثية، لما فيه من طرافة ووصف للحب وإلقاء بين المرأة والرجل، كما أن وصف العمليات الفدائية ضد الاحتلال وطرق التواصل والتنفيذ العمليات الفدائية، جعل العمل يقترب ـ بفكرته ـ من مدرسة الواقعية الاشتراكية، التي تهتم بالحديث عن البطولات والانتصارات.
تجمع الثلاثية على فكرة المقاومة الفلسطينية، إن كانت في العهد الأردني أو في الاحتلال الإسرائيلي، كما تناولت بشكل عابر المقاومة في فترة الاحتلال الانجليزي لفلسطين، فكانت تلك المقاومة تتسم بالسرية التامة لما واجهه المقاومون من تنكيل على يد السلطات التي توالت حكم فلسطين، من هنا نجد الحديث عن المخبرين ودورهم في كشف المقاومون، ففي هذا الجزء يتم الحديث عن مجموعة من العملاء الذين يتم تصفيتهم، وكما كان دور عبد الدايم النماس في حماية الثوار من خلال دوره كعميل مزدوج، وهنا يذكرنا الكاتب في أكثر من حالة، إن التعامل مع العملاء يجب أن يخضع إلى القيادة تحديدا، ولا يجوز في أي حال من الأحوال التصرف معهم بصورة فردية، لأن منهم من يقدم خدمات مهمة ومفيدة للعمل السري.
المرأة في هذا الجزء كانت كما في بقية الثلاثية، دورها فاعل ومآثر وحيوي، وهي أحيانا تتفوق على دور الرجل، فكانت "إخلاص" التي تحدت سلطة الأهل ومفهوم المجتمع عن المرأة بالذهاب إلى عمان والزواج من "سليم المحمود" رغم إصابته البالغة في معركة الكرامة، وهنا يذكرنا الكاتب بالطاقة الكبيرة التي تتجمل بها المرأة الفلسطينية، فرغم الحالة الاقتصادية الراقية التي تربت عليها "إخلاص" تحملت الوضع الاقتصادي المتواضع الذي يعيشه "سليم المحمود"، وأيضا تجلدت وصبرت لأكثر من شهر دون أن يستطيع "سليم المحمود" أن يقوم بواجبه كزوج، وكانت تتحمل وتصبر وتشجع زوجها على المحاولة إلى أن تم الأمر بمساعدة البطل المتخفي "مشعل" كما نجد "هالة" التي تواجه المخابرات الإسرائيلية بطريقة جديدة لم يعهدها احد من قبل، فبدلا من أن تكون هو التي تسأل ويجب أن تجيب، نجدها تتحول إلى السائل والمحقق هو الذي عليه أن يجيب.
أما بخصوص المجتمع الفلسطيني فكان أهم تحول في الرواية هو موقف "أبو كاظم" الذي تحول من إنسان يمثل الطبقة المتنفذة اقتصاديا والتي لا ترى في الآخرين سوى طبقة وجدت لخدمتها، إلى رجل صلب يتعامل مع المجتمع باحترام، وما كانت زيارته للحاج حسين في بيته لا تأكيد على هذا التحول الايجابي في مفهومه وسلوكه.
المرأة
المرأة في "شارع العشاق" كانت هي السيدة بلا منازع، فهي التي تمنح الهدوء والراحة والسكينة، وتخلص الرجل من همومه وما يعاني من ضغوطات اجتماعية ونفسية، وها هي "سمية" تكون البلسم الشافي لزوجها "مجدي" بعد أن أزالت عنه كابته من خلال طريقتها في التعامل معه، فهي تتفنن في استثارة مشاعر زوجها، " وها هي تستشيط غيظا لتجاهله رغبتها الملحة، وإن كانت لم تيأس منه بعد.. فانسابت يدها، تعبثان بشعر صدره ورأسه، فبدأت كوامنه تستيقظ في أعماقه.. كان يريد أن يحدثها عن همه وحزنه وآلامه، التي عاد وهو يحملها معه، بعد أن تفجرت مشاعره لذلك المنظر المؤلم الرهيب، ولكن رغبتها كانت اكبر، رغبتها فيه، أوقفت كل معنى للاحتجاج لديه، ... كانت أنفاسها تحرق أرنبة أذنه .. ولهيب جسدها يذكي النار في ظهره.. لقد كان يستجدي منها تلك الاحساسيس.. وها هي تغدقها عليه ولا يتحرك" ص8، في المشهد السابق كانت يوضح إصرار المرأة على الوصول لغايتها ـ أزلت الغم عن زوجها، وتفريغ طاقته الجنسية فيها، فهي كانت تعتبر ـ الملاطفة ـ هي الطريق الوحيد لإخراج "مجدي" مما هو فيه، كما كانت تعتبر عدم نجاحها في استثارته يمثل هزيمة لها، ويعد انتقاص لمقدرتها على جذبه لها، من هنا كان الموقف بالنسبة لها يحمل أكثر من معنى لكي تستمر في ما تبغي، وقد نجحت في النهاية، واستطلعت من خلال طريقتها الناعمة والجذابة، ومن خلال جمالها الفاتن أن تجعل "مجدي" يتوحد معها ومع جسدها.
المرأة تملك مشاعر جياشة اتجاه الرجل، فكيف السبيل للوصول إلى قلبه، وما هي الطريقة التي توصلها إليه؟ "ما افعل له أكثر مما أفعل، لكي يشعر بي؟ .. اخدمه، نعم.. أقوم بتسيير شؤون المعهد في غيابه، .. نعم.. اعد له الشاي أو القهوة عندما يشعر بحاجته لأي منهما، قبل أن يطلب ذلك.. نعم.. لا اتركه يشعر بالملل مني .. نعم.." ص15 المرأة تتعامل مع الرجل كالصياد والطريدة، تعمل بصبر وصمت، تخفي رغبتها ولوعها اتجاهه، لكن عملها يبين رغبتها في اقتناصه ووقوعه في شباكها، تقوم بكل ما يلزم، دور السكرتيرة والخادمة، تتعامل معه كممرضة، فهو بحاجة إلى عناية استثنائية، من هنا كان نتيجة عملها النجاح ووقوعه في شباكها.
مشاعر المرأة اتجاه المرأة تكون في الغالب الغيرة والحسد، ونادرا ما تكون علاقة تعاون ومحبة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالرجل، فهي تكون غيورة، حتى إن تلك المشاعر تصل إلى درجة الحسد، لكن في حالة المرأة المناضلة يكون العكس، تقدم العون والمساعدة لإتمام وإنجاح تلك العلاقة، هذا ما فعلته "جولييت" مع "عزام مجاهد ونوال" "ـ عزمي بعزك اكتير، خلي بالك منو.." ص16، جولييت المرأة التي تزوجت من ضابط امن أردني ثم تم تصفيته، من المفترض أن تكون حساسة جدا اتجاه أي علاقة بين الرجل والمرأة، بمعنى أن تلك العلاقة تجعلها تشعر بفشلها في إقامة علاقة زوجية سليمة، لكنها هنا تكون كالأم الحنونة على "نوال وعصام" وتقرب بينهم، وهذا ما يمثل تجاوز الحالة النفسية ـ والتي من المفترض أن تترك أثرا سلبيا عليها، لكنها التقدم باتجاه المستقبل متجاهلة كل الماضي بمساوئه.
المرأة المتحررة، التي تتجاوز مفهوم الواقع إلى ما تجده صائبا، المبادرة إلى الإنعتاق من مفاهيم ـ تعتبرها متخلفة، تتجاوز المجتمع، وما أصعب أن يتحدى الفرد المجتمع، فما بالنا إن كان هذا التحدي من امرأة!، والتي تكون في العادة ضحية المجتمع بنظامه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وضحية لسلطة الرجل والمجتمع ألذكوري!.
"هالة" تتحدى كل المفاهيم وتقدم على ارتداء "المني جوب" بعد أن تجاوزت رفض "عصام" الذي امتنع في البداية، ثم تجاوزت قول الناس، فكانت المبادرة والرائد في تجاوز وتحدى العرف السائد، "حاول أن يحتج على ذلك الثوب الذي تردتيه، فاتهمته بالرجعية والتخلف، وبأنها ليست الأولى التي ترتدي هذا النوع من الملابس، وأخفقت كل حججه معها وهي تقول: "مش مهم الفستان.. المهم إللي لابسه الفستان.. يعني شو افرق عن بنطلون السلب إللي إتعودنا عليه" ص31، المرأة هنا تقول بأهمية تقديم المضمون على الشكل، فهي من خلال جملتها الأخير تدعوا إلى تجاوز المظهر والاهتمام بالمضمون، الاهتمام بالجوهر، ورغم أن الخلاف قام على الشكل في الأساس، إلا أنها بذكائها استطاعت أن تقلبه إلى خلاف حول الجوهر، وهنا يبن لنا الكاتب مقدرة المرأة على التعامل مع كافة الظروف، وكيف أنها تستطيع أن تصل إلى غايتها رغم ما تواجهه من صعوبات اجتماعية.
"هالة" تحمل أفكار متطرفة، هي متحررة، كفتاة أوروبية، وتتجاوز المجتمع النابلسي المحافظ، وتطالب بسلوك متحرر بين الفتاة والشاب، "ـ لهو إنت بدك إياه يبوسك ويحسس على ظهرك وصدرك وقفاك في الشارع؟ يعني لو كان بدو، كنت ابتسمحيلوا؟
ـ شو يعني؟ ما إللي سماه شارع العشاق... والعشاق شو بعملوا ... لا يكون بحكوا بس، وبعدين بصفنوا في بعض وبسبلوا عيونهن... تسبيل العيون ما بدو إشي يرخي الجفون؟ والجفون ما إبترتخي إلا إذا إنداست الشفايف" ص62، ذروة التطرف نجدها عند "هالة" لا تفكر بالعيب مطلقا، تريد أن تتجاوز طريقة تفكير المجتمع، هناك غاية واحدة تسعى إلها، المتعة، السعادة مع خطيبها، تنحاز بشكل مطلق لرغباتها، تتجاهل كل الواقع، وهنا كانت فعلا تمثل المرأة المتمردة المتحررة، وإن كان البعض لا يتفق مع هذا الطرح.
بعد الخلاف الذي تم بين "هالة وعصام" كانت المصالحة في بيتها، في غرفتها، فكانت المصالحة متطرفة كما كانت الخصومة متطرفة، تتصرف بحرية مطلقة، تتجاهل وجود أمها في المطبخ القريب من غرفتها، وأبوها وحماها الذان ينتظران في غرفة الاستقبال، "ثم قفزت إلى السرير، وطوقت عنقه بذراعيها ... فألقته بحركة مباغتة فوق السرير ثم هوت فوقه .. وأطبقت شفتيها فوق شفتيه، لتوقف لغة الكلام لديه، وبعد برهة، خطفها الشوق والوجد منهما، لا يدري كم طالت، قال هو يرفعها من فوق صدره: ـ أنسيت أن الباب مفتوح.. و .. وفوجئ الاثنان بالأم وهي تقول:
ـ كل اشي بأوانه حلو يا أولاد.. خلو إشي لليلة العرس
ـ يا ماما .. بلاش إتكوني حماه من اليوم
ـ بس
ـ ما هو قهرني، ولازم أخذ حقي منو...
ـ بس
ـ المضروب لذيذ ... مش إمخليني اعرف أنام...
... ـ ياي.. اجيت أفلفله.. قام هو إللي فلفلني.. آه .. روحي هلأ ماما .. لأني ناوية آكله بأسناني.." ص102و103و 104، إذن "هالة" لا تحمل أفكار متطرفة ومتحررة عن المرأة وحسب، بل تسلك سلوك متطرف ومتحرر، سلوك يشعرها بالسعادة ويمنحها المتعة، فهي منسجمة بين ما تطرحه من أفكار وما تقوم به من أفعال، وهنا تكمن حالة التصالح بين أفكار المرأة وبين سلوكها.
"هالة" كانت هجومية أيضا عندما تم استدعائها للتحقيق من قبل ضابط المخابرات، فتحولت من مدانة، يوجب عليها الإجابة على أسئلة المحقق إلى دائنة، تسأل، و توجه له التهديد، "ـ أنا هون مشان تسألني أكم سؤال زي ما قلت إلا مشان أتصورني..
ـ عفوا .. أنا مش بفهم شو قلت..
ـ إمطوله شغلتك؟
ـ لا .. أنا بدور على ورقة كانت هون .. والظاهر إنه ضاء..
ـ ودخلك في حدا بدخل مكتبك غيرك؟
ـ لا..
ـ بفهم من هذا إنك متعود ع الفوضى
ـ إنت هجوميه..
ـ إنت مش لاقيلك شغله غير إنك اتبصبص علي وبس
ـ إيش يعني..
... ـ بس إنت أخوك كان إكويس معانا .. وإنت لازم إيصير معانا كمان..مشان إتصير بمركز إكبير .. أنا أرف ... إنت ما بدك فلوس .. بس كمان بهمك مركز .. إتروح أوروبا .. امريكا ... شم هوا .. شوف هفلات في تل أبيب .. في نهاريا
ـ خواجه اختصر.. أنا هلأ لا معك ولا ضدك، لكن إذا بتعيد هيك حكي، بتخليني اصير ضدك،.. إنت لازم تعرف إني أنا بنت.. والبنت في مجتمعنا للبيت وبس.. مش للحكي الفاضي إللي إنت عمال تحكي فيه..
ـ إنت بقدر يخلي مألوماتي جديد .. خداش..
ضربت هالة الطاولة بكفها ثم نهضت وهي تقول في نرفزة:
ـ الظاهر إنك ما بتستي على حالك
ـ ليش إنت بنفرز؟.
ـ لأن جنابك جايبني لهون مشان تتسلى فيني...
ـ أنا ما بدي اشغلك هون .. إنت بروح كثير لأمان .. أنا بدي أخبار من أمان.. ما بدي اخبار من هون..
ـ رشقته بنظرة حادة قبل أن تبصق على الأرض أماهما وهي تقف .. ثم قالت بصوت حاد:
ـ انا رايحة للبيت .. وإذا بدك إياني ابتيجي وبتعتقلني من هناك..
ثم اتجهت نحو الباب، فصاح بها:
ـ إنت لازم إتم قاعد حتى أنا بقول روخ..
ـ هذا الحكي بتقوله لوحده عايزتك وروحها معلقة بين إديك، مش إلي.. إلي عينك في المخابرات ظلمك.. لأنك الظاهر بدك تعليم من جديد.. ثم خرجت وصفقت الباب خلفها مما أذهل المحقق، فلم يجد ما يقوله لها " ص152 و153و154، الكاتب أرد أن يؤكد على مسألة التحرر والحرية من خلال تركيزه على شخصية "هالة" فكان تحررها وتمردها على المجتمع النابلسي، يتوازى مع تمردها على المحتل، من هنا عملت كحلقة وصل من المقاومة في نابلس وبين القيادة في عمان، وما موقفها الصلب والرافض لفكرة التعامل مع الاحتلال، إلا تأكيد على إنها كانت تمثل الثورة ـ الاجتماعية، والوطنية التحريرية معا ـ ، فلا مجال لوصفها بكلام جارح لأفكارها أو لسلوكها ـ غير المقبول اجتماعيا ـ فهي امرأة صادقة مع ذاتها، ومنسجمة بين ما تطرح من أفكار وما تقوم به من أفعال، كما أن ثورتها وتمردها مزدوج، ثورة على الأفكار الاجتماعية، وثورة على الاحتلال، من هنا يجب احترام مثل هذه المرأة.
علاقة "إخلاص" بزوجها "سليم المحمود" تمثل ثورة المرأة على وضعها الطبقي، وكما يمثل مقدرتها على التكيف مع كافة الظروف والأحوال، بنت تتجاوز سلطة الأب أولا، والعرف الاجتماعي ثانية، والمنطق ثالثا، وتقرر أن تسافر من نابلس إلى عمان للزواج من حبيبها المصاب، والذي يمكن أن يكون في إعاقة دائمة، يعد عملا خارقا بكل معنى الكلمة، فهي بحاجة إلى: الانسلاخ الكامل عن واقعها، والتعامل بطريقة تختلف كثيرا عما ألفته في بيت أبيها، "تعبك راحة حبيبي... إنت فوت لسريرك، وخليني أشوف شغلي، بلاش يزورنا حدا هلأ، ويلاقي هالفوضى.. إلا عايزهن يقولوا عني من أول يوم "ست امراية وبس" ص55، بهذا الكلام المقنع تتعامل "هالة" مع بيتها الجديد، حالة جديدة تتناقض تماما مع ما ألفته، وهنا تكمن قدرتها على التكيف أولا، والإبداع ثانيا، فهي تتصرف وكأنها في تحدي للمجتمع، تريد أن تثبت جدارتها، قدرتها على أن تكون زوجة صالحة لبيتها ولزوجها.
وها هي تقول حكمة تنفع لكل النساء: "ـ متعة ربة البيت في ترتيب منزلها مثل متعة القائد إللي بقيادة معركة ناجحة" ص56، ليس من السهل التكيف من الواقع الجديد، خاصة إذا كانت الانتقال من فوق إلى أسفل، فهنا تكون الصعوبة كبيرة، والتحدي اكبر للإنسان، فبما بالنا إن كان الإبداع والتألق في الواقع الجديد!.


الشكل والمضمون
الكاتب يتناول مجموعة أقوال وأفعال لأبطال الروية تبين أفضلية المضمون وأهميته على الشكل والمظهر، فهو يدعوا القراء إلى الأخذ والاهتمام بالجوهر والمضمون، وتجاهل الشكل، مهما بدا جميلا أو قبيحا، مقبول أو مرفوض، هناك دائما شيء أهم بكثير مما نراه، شيء يكون مخفي عنا، وعلينا التفكير به، لكي نعرف قيمته. شخصيات الرواية "مشعل الرمة" يظهر نفسه بمظهر المخبول، الدرويش، بالعامية "أهبل على بركة الله"، لكنه القائد الميداني الأهم في الميدان، كل المهام الصعبة يوكلها لنفسه، إن كانت في مواجهة المحتل، أم في حل المشاكل التنظيمية، أم حل مشاكل العناصر والأفراد في التنظيم، شخصية منسجمة مع الواقع تماما، لا تلقي بالا للشكل بتاتا، مثل للمناضل الكامل والنقي، الذي لم يتلوث بمرض المركز، يقوم بكل الأعمال التي تهم الفلسطيني، حتى أنه نجح في مهمة طبيب نفسي، وذلك عندما عالج "سليم المحمود" من عقدة الرحمة والخوف من فض بكارة "إخلاص".
وما كلام "عادل عبد الرحيم عنه إلا تأكيدا للاهتمام بمثل هؤلاء القادة الذي يخفون أنفسهم خلف ستار "عندما يختفي مشعل، كم سنة نحتاج حتى يظهر مشعل آخر، ليحترق من أجل أن يضيء الطريق لنا جميعا؟.. لك الله يا مشعل... لقد أحببتك، وفقدانك قد يحدث لي شرخا لن أقوى على معالجته" ص137، بهذا الكلام يودع "مشعل" كان يتفقد الفقراء ويقدم لهم المعونة، كان يجمع الأحباب ويصالح المتخاصمين، كان يقتص من العملاء، كان يشارك في العمليات المسلحة، وتهريب السلاح، ينقذ الجرحى ويعالجهم، ينكر ذاته في سبيل القضية، ونقول بكل صدق بان "مشعل" كان يعد البطل الخارق، بطل خارج الطبيعة الإنسانية، رغم محاولة الكاتب إظهار إنسانيته، فكل الأعمال التي قام بها كنت تؤكد إنسانية "مشعل" فقد صوره لنا هو يبكي، يغضب، يريد أن يعيش كباقي الناس، كأب يعاشر زوجته ويحس بحنان الأبوة، من هنا طالب بالاستقالة من العمل، فقد وجد نفسه مهملا لعائلته، التي تركها منذ ما يزيد عن الخمسة عشر عاما.
الشخصية الثانية التي أهملت الشكل، وكانت تصر على هذا الإهمال، شخصية الشيخ سليمان، الذي كان أيضا يقوم بدور "المهبول" فهو يكاد يكون صورة طبق الأصل عن "مشعل"، لكن بدور اقل فاعلية على ارض الواقع.
والشخصية الثالثة التي عملت على قلب نظرة المجتمع إليها كانت شخصية "مجدي العكاوي" الذي كان بملابس "الشالوستن" وشعر "الخنفس" يمثل الشاب الذي يواكب الموضة وحسب، الشاب الذي يفكر فقط بالملابس، وما يخترع ما موضة جديدة، كان يتحمل كلام الناس، حتى المقربين منه كانوا يوجهون اللوم له، لكن بعد أن يعرفوا المقصود من وراء هذا المظهر الخادع، كانوا يحترمونه، وها هو يقول ل"عزمي مجاهد" "سوف أجبرهم في الأيام القليلة القادمة كي يقولوا عني : "شاب مايص" .. تأكد من أن هذا سوف يعطيني حرية أكثر في العمل" ص13، إذن الكاتب كان يصر على الاهتمام بالمضمون على حساب الشكل.
وما هيئة "هالة" وأفكارها وسلوكها إلا تأكيد على الدعوة التي يطرحها الكاتب والتي تتمثل بالاهتمام بالجوهر.
أفكار كاملة
يقدم لنا الكاتب بعض الأفكار عن الواقع الفلسطيني خاصة وكيف إننا كفلسطينيين نشكل خطرا على البعض في منطقتنا فيقول "لأن معظم من يملكون زمام أمورنا يرون بدايتنا هي نقطة نهايتهم" ص95، واقع الفلسطيني في ظل الأنظمة العربية التي لم تتوانا عن المشاركة في المأساة التي نحن فيها.
ملاحظة: ورد في تناول الجزء الثاني "الصراصير" خطأ عندما قلنا بان "إخلاص بنت "أمين المختار" وكان من المفروض أن نقول "هالة" بنت "المخلص"
رائد الحواري
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف