الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تحليل رواية الطريق لنجيب محفوظ بقلم:ابراهيم جوهر

تاريخ النشر : 2014-09-21
تحليل رواية الطريق لنجيب محفوظ بقلم:ابراهيم جوهر
نجيب محفوظ ورواية (الطريق)
رواية فلسفة الحياة والمصير والاختيار
_________________________ تحليل وقراءة: ابراهيم جوهر
هي (طريق) البحث عن السعادة والسلام والطمأنينة والرفاهية، يسلكها (صابر) مبتدئا بالاسكندرية التي لم تسعفه طرقها في العثور على مبتغاة فيقرر البحث في القاهرة. وهناك يدأب بحثا واستقصاء بلا طائل فتقترب نقوده القليلة من النفاذ وهو يقيم في فندق شعبي يتعرف فيه على (كريمة) التي تشكل امتدادا لأمه (بسيمة) التي دفنها المشيعون بعد خروجها من السجن فتقرر البوح له بسرّ أبيه فيفاجأ بأنه حيّ وأنه – كما أخبرته – من الأعيان الذي سيوفر له استمرار حياة اللهو وعدم الإنتاج والتبطل.
تسوقه الظروف بينما هو ينشر إعلانا بحثا عن أبيه (سيد سيد الرحيمي) للتعرف على (إلهام) الفتاة العصامية الواعية التي تفهم الحياة بتعقديداتها وتعمل على بناء مستقبل منشود لها فيتحابان بعدما يخبرها كاذبا بقصة اختلقها يبرر فيها وجوده وبحثه وحبه. أما (كريمة) زوجة صاحب الفندق ومالكه فإنها تفاجئه في غرفته ذات ليلة وهي تقنعه بأنه تحبه لكنها تخطط للتخلص من زوجها الهرم الذي (اشتراها) بماله ولم يوفر لها احتياجاتها الإنسانية، ليكون الزوج العجوز (خليل أبو النجا) ضحية قتل بشع بتآمر منها وتنفيذ من (صابر) الباحث عن المال والراحة والحب بمفهومه الخاص.
الظروف المحيطة تعمل ضدهما كما كانا أساسا ضحية لظروف نشأتهما وبيئتهما ومجتمعهما، فيقع (صابر) في يد الشرطة التي تنصب له شباكها وتراقبه ليجد نفسه في السجن وكأنه في رحم.
السجن هنا ذو دلالة كما الرحم الذي يسجن الإنسان قبل أن يخرج إلى الحياة، وكأن الكاتب يقارن بين حالي السجن والرحم اللذين لا يد للإنسان فيهما، فالرحم يحوي الإنسان بلا رغبة ولا اختيار، بينما السجن يحتويه باختياره الخائب بعيدا عن الصبر والصواب.
خرج (صابر) من الإسكندرية باحثا عن سعادة وسلام وطمأنينة وظل ينتظر أن تأتيه حتى وهو على أعتاب حبل المشنقة، ولم يأته أحد ينقذه ولن يأتيه.
يقول في حواره الأخير مع المحامي العجوز: "يبدو أنه لا جدوى من الاعتماد على الغير" فيجيبه المحامي: " بل هناك جدوى فيما هو معقول" فيهزّ منكبيه قائلا: "فليكن ما يكون".
يستسلم (صابر) أخيرا لقدره بلا اكتراث بعدما ضل الطريق بحثا عن أمل وخلاص معتمدا على خرافة (سيد سيد الرحيمي).
هل كان (صابر) ضحية الأم؟ أم الأب المتخلّي غير معروف مكان الإقامة؟
(بسيمة) الأم المنحرفة الساخطة التي امتهنت الرقص والدعارة والغيرة فقتلت وسجنت ثم ماتت لتضع ابنها (صابر) أمام تحديات العمل في البلطجة أو العثور على والده في القاهرة، ربما... وهي التي أحاطته برعايتها وعاطفتها فدلّلته إلى الحد الذي لم يعد معه يجيد أي عمل سوى البلطجة والقتل!
في القاهرة يجد الحب والمرأة بوجهيها؛ وجه أمه المتواصل ب (كريمة) ووجه العاطفة والعقل في (إلهام). وهو يميل إلى (إلهام) لصفاتها العاقلة علاوة على جمالها وطيبتها ، ولما وجد فيها لاحقا تشابها مع حاله، فهي بلا أب يعترف بها وتعيش في كنفه.
كلاهما بلا أب (إلهام وصابر). فهل (الأب) رمز هنا؟ لكن أباها لا يحمل اسما دالّا كما هو حال أبي صابر(سيّد سيّد الرحيمي).
وهل المرأة العاهرة رمز؟ وكذا كل شخصية من شخصيات الرواية المثقلة بالرموز والشخصيات والأحداث والمونولوج والفلاش باك....هل أراد الكاتب أن يقول: إن المجتمع هو الذي يدفع أمثال هؤلاء النسوة إلى بيع أجسادهن فهو الملام بالتالي؟
(الطريق) في رواية الطريق له أكثر من معنى ودلالة، ومثلها المرأة، والرجل، والمجتمع، والدجل...
الرؤية الفلسفية الوجودية المتسائلة بحيرة بحثا عن خلاص الإنسان ومصيره وحياته هي ما تتجلى في هذه الرواية الفلسفية ذات الأبعاد الرمزية .
الكاتب هنا يركّز على اللغة وينوّع في الأساليب ويشوّق قارئه وهو يمسك بيده وفكره وعاطفته وكأنه يقول له: هيا بنا نبحث عن مصيرنا البشري! أو السياسي! أو الديني- الاعتقادي!... أو هذه المصائر جميعها معا.
امتاز أدب نجيب محفوظ بالعمق في المضمون وفي تناول قضايا فلسفية باحثة عن حقيقة الوجود، وحقيقة التغيرات الاجتماعية والسياسية.
هل وجد (صابر) أباه ذا الاسم الدالّ (سيد سيد الرحيمي)؟
الكاتب لم ينف وجود (الأب) المقصود بالبحث، لكنه انتقد أسلوب البحث عنه، وإن أشار إلى شيء من صفاته الرحيمة في بعض شخصياته.
من هنا اكتسب أدب الكاتب بقاءه لأنه يناقش قضايا كبيرة بأساليب فنية متباينة.
(صابر) في (طريق) نجيب محفوظ لم يصبر
تبرز شخصية (صابر) بروزا لافتا في رواية الطريق. إنه الشخصية المركزية التي تدور الأحداث حولها ومعها وبها؛ إنه (الإنسان) في رمزه الكلي؛ في حياته التي جاء إليها دون إرادة منه ليستقبل واقعه بلا إرادة ولا اختيار. ثم يكون عليه أن يختار لكن الفرصة المواتية قد تضيع غالبا نتيجة تسرّع الاختيار والسعي للوصول إلى النهايات.
إنسان حائر فيه من الشر الكثير، ومن عنصر الخير القليل المرشح لينمو ويكثر لكن الواقع يحاصره فيتغلب الشر أخيرا.
(صابر) يتعجل النهايات ولا يهمه المصير المحتوم حين يسلك طريق الشر والانحراف والقتل والعبث. يحمل في داخله ومزاجه النفسي والثقافي العام ظروفه الأسرية والبيئية التي كوّنت شخصيته وفهمه العام ورؤيته للحياة والناس.
و(الأب) الغامض الغائب (سيد سيد الرحيمي) رمز الخلاص الوهمي هو خرافة؛ ليس واقعا. لن يحضر ليخلّص هذا الضائع الحائر الباحث عن خلاص خارجي لمأساته ومشكلاته. و(صابر) لم يصبر. تعجّل الوصول إلى (خلاصه) بيد عبثه وقتله فاختار القتل طريقا للحب والثروة لتنفتح أمامه طريق أخرى لم يحسب لها حسابا من عدم الراحة المنشودة التي صوّرها له خياله المريض بصحبة (كريمة) التي كانت بدورها ضحية لواقعها.
شخصيات رواية الطريق محكومة بمصائرها التي قادتها إليها ظروف البيئة والمجتمع بقوانينه الظالمة التي تبعد طريق السلام والمحبة والطمأنينة... طريق القلق والحيرة والأسئلة بلا إجابات هي طريق هذه الشخصيات، لذا كان القتل والسجن والاتهام والموت نهاية منطقية لها.
ويظل (سيد سيد الرحيمي) بعيدا يراقب هذا العالم الحائر مكتفيا بممارسة هوايته في الحب، تاركا (أبناءه) يبحثون عن مصائرهم بطرقهم الخاصة.
الشخصيات في رواية الطريق تحمل دلالات رمزية في المجتمع وإن تعدد تحليل هذه الرموز، وهذا عنصر نجاح للكاتب الذي فهم الكتابة الروائية على أنها إنارة لوعي القارئ وحث على التفكير والتغيير إضافة إلى المتعة الفنية المتحصلة من سير الحدث والتشويق والوصف. من هنا يمكن الوقوف على رمز الشحاذ ذي الصوت الشجي وهو يواصل ترديد لازمته (محمد يا حبيبي....). رجل كفيف النظر دميم الخلقة يلحّ بلا يأس طالبا الخلاص والدعم، ويحضر شخصه أو صوته حضورا ذا دلالة في وعي الكاتب. لم يكن شخصية عابرة بل هويكمل رؤية الكاتب لفهم طريق الخلاص.
(الطريق) في هذه الرواية كانت (طرقا) متعددة... وجميعها لم توصل إلى غاياتها المريحة. الطريق (طريق الحياة) تحمل يأسها وأسئلتها في انتظار سلام وطمأنينة ما زالتا غائبتين.

شخصيات (إلهام) و (صابر) و (كريمة) و (بسيمة)
(صابر) و (إلهام) كلاهما بلا أب موجود يمارس أبوته وحمايته ويشعر وجوده بالطمأنينة والسلام، لكنهما متناقضان في رؤية الحياة وفهمها ومواجهة مشكلاتها. إنهما يقفان على طرفي نقيض رغم علاقة الحب الحقيقي التي جمعت بينهما . (إلهام) تشكل النقيض الإيجابي لسلبية (صابر) ورؤيته للحياة في انتظار مخلّص يقدم إليه من العدم والفراغ.
(إلهام) تكيفت مع الواقع ولم تعد تبحث في الماضي، فما يهمها ويعنيها هو الواقع والمستقبل، فمسألة البحث عن الأب المتخلّي لا تشغلها . تحلت بالصبر ورضيت ب(صابر) بعيدا عن ماضيه حتى بعدما صدمها باعترافه لها بكذبه عليها حين أخبرها بأنه غني يبحث عن أخيه. ولم تهتم بواقع والدته المتوفاة بعد سجن وفضيحة. ظلت على حبها له رغم العيوب التي تنخر ماضيه لأن الذي يعنيها هو المستقبل لا الماضي.
أما (صابر) فهو على العكس من (إلهام) لم يتكيف مع واقعه وظل شبح فضائح الماضي يلاحقه لذا واصل بحثه عن وهم ظن أنه حقيقة. لم يبادر للعمل على تغيير واقعه بإرادة ومبادرة وصبر كما نصحته (إلهام) باتباعه والتحلي به.
(إلهام) نموذج واع للإنسان المعتمد على ذاته الذي يصنع حياته ويرسمها كما يريد بعيدا عن أي تأثيرات قادمة من الماضي أو الواقع نفسه؛ إنها النموذج الواعي الواثق من غده، على العكس من نموذج (صابر) السلبي لذا ضاع وقتل وسجن وأعدم.
أما (كريمة) فهي المرأة التي ظلمت حين تزوجت من ابن خالتها المتعطل، وظلمت مرة أخرى حين (اشتراها) باتفاق الطلاق (العم خليل أبو النجا) الذي يملك مالا ولا يستطيع القيام بدور الزوج مما سهّل لها الطريق للانتقام ربما من نفسها ومجتمعها فخططت للتخلص من (الزوج) الهرم رغم اتفاقهما على صون العلاقة وعدم الخيانة.
تبقى شخصية (بسيمة) الأم التي قتلت ورقصت وسجنت ثم ماتت بفضيحة حكى عنها المشيعون والناس، ومنحت (سرّ) الشقاء لابنها المدلل (صابر) حين أخبرته بوجود أب له غني من الأعيان وهو سيجلب له الراحة والسلام، وأنه سينقذه من الإرهاق والتعب والسؤال، وما درت أنها دفعت بابنها إلى ميدان الجريمة وهو يطارد وهما ظل يتعلق به ويمنّي نفسه بالعثور عليه ليحل له مشكلاته وأزماته .
(بسيمة) على عكس اسمها! لم تكن بسمة من نور وراحة، بل بسمة سخرية وعبث.
ومثلها في حمل أضداد معاني أسمائها بقية الشخصيات التي حملت معاني بعيدة عن دلالة الاسم، وكأني بالكاتب يريد القول: الحياة نفسها موت! فلا حياة في الحياة!
أهي أفكار عبثية! وجودية! أم أراد (نجيب محفوظ) رسم طريق أخرى للحياة تعتمد على الإنسان نفسه بإرادته وصبره.
روى الكاتب روايته هنا بأسلوب الراوي العليم المشرف على الأحداث؛ ما كان منها وما سيكون. واستخدم تقنية الفلاش باك والمونولوج الداخلي معتمدا على إبراز التناقضات الداخلية والأحاسيس والخوف البشري. وكعادته أطال الكاتب الحوار بين الشخصيات ليكشف عن مكنوناتها وثقافاتها وحكمتها أو تهوّرها، فالحوار وسيلة للكشف ، ولتطوير الحدث، وإيصال رسائل الكاتب الخفية- الرمزية.
________________ صدرت الرواية عام 1964م. ثم أعيدت طباعتها عدة مرات، ومؤخرا تم إقرارها ضمن المنهاج الدراسي في المدارس الثانوية.
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف