الأخبار
قطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيراني
2024/4/18
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

رواية "الصراصير" محمد عبد الله البيتاوي بقلم: محمد الله البيتاوي

تاريخ النشر : 2014-09-20
رواية "الصراصير"
محمد الله البيتاوي
الجزء الثاني من ثلاثية "حكاية من بلدنا" يكمل فيها الكاتب واقع المجتمع الفلسطيني مع بداية الاحتلال لبقية فلسطين، فهناك شخصيات فاعلة كما هو حال "مشعل الرمة والحاج سعيد، وعادل عبد المنعم، جولييت" وقد أضاف شخصيات جديدة مثل "عصام، منذر، الشيخ سليمان، الحاج سميح، إخلاص، هالة، كاظم، سهام، مجاهد، مجدي العكاوي، خليل الراعي، أم حسين، هنية، أمين مختار، منصور العابد، الشيخ سميح، سليم المحمود، رأفت، وغيرهم، فعدد الشخصيات في "الصراصير" يكاد يتماثل مع عددها في "المهزوزون"، لكن حيوية الشخصيات في الجزء الأول كانت أكثر، فكانا نسمع بعض الفكاهة منها، وكانت تتحرك بحرية اكبر، وكأن واقع الاحتلال فرض حال جديد على الكاتب ومن ثم على شخصيات الرواية، فكانت انطوائية ـ أحيانا، وتتعامل مع الواقع بسكون جامد، كما حدث مع "الشيخ حسين" في بداية الاحتلال، ومنها من كان الاحتلال يشكل له دافعا إضافيا للعمل والحركة، كما هو الحال مع "مشعل الرمة".
وما يلفت النظر في هذا الجزء هو عدم تناول تفاصيل الأحداث الكبيرة والمهمة، فعندما تم قتل "كاظم" ذكرت عملية القتل فقط، دون تناول تفاصيل العملية، وكان الكاتب يتهرب من تناولها ، وهذا الأمر تكرر عندما مر مرورا سريعا على عملية اغتصاب "أم حسنين، هنية" من قبل "كاظم" وأيضا تم القفز على ذكر عملية التعذيب في سجون الاحتلال، دون أن يدخل في التفاصيل، علما بان التعذيب طال العديد من شخصيات الرواية الحيوية.
وهنا نجتهد ونقول، بان نفسية الكاتب الناعمة والهادئة، تنعكس على أحداث الرواية، فكانت تلك النفسية ـ في ألا وعي ـ تفرض ذاتها على الرواية مما جعله يمر مرورا عابرا على ثلاثة أحدث أساسية وحيوية في الرواية.
وما يؤكد اجتهادنا هذا هو أن الكاتب تناول آثار الاحتلال على نفسية بعض الشخصيات، مثل الشيخ حسين، وتأثير تجربة الاعتقال على "مجدي" الذي يقول "لقد تغيرت الأمور في رأس مئة وثمانين درجة...بت الآن لا أخشاهم.. ماذا يمكن أن يفعلوا بي لو كنت من رجال المقاومة؟ يزيدون الضغط! لا يهم .. استطيع أن أقول ـ وأنا واثق منك ومن نقاء سريرتك ـ إنهم قد فجروا في داخلي طاقة هائلة لكراهيتهم، وأنني الآن على استعداد لأن اطحن الحصى بأسناني" ص182، مثل هذا الكلام كان من المفترض أن يجعل الكاتب مستندا على سرد احدث التحقيق أثناء الاعتقال، ويقنع المتلقي بها من خلال وصف وتفصيل أشكال وأساليب التعذيب، وعندها فقط ينحاز المتلقي إلى الجهة التي يتعاطف معها، حيث يكون مقتنعا كم كانت قاسية ومروعة على الشخصيات، مما يبرر "لمجدي" أخذ هذا المنحى المتشدد اتجاه الاحتلال.
لكن نحن نؤكد بان هناك حالة ـ هادئة، مسالمة ـ عند الكاتب تتحكم في طريقة تناوله للأحداث، تجعله يبتعد عن التفاصيل التي تسبب له وللقارئ الانفعال، وتجعله يتشنج أو يغضب لذكر تلك التفاصيل.
هناك مجموعة من القضايا تناولها الكاتب في "الصراصير" وهي تأكيد لما جاء في الجزء الأول، فمسألة العائلة النقية أو العائلة الشريرة، العميلة، غير موجودة في قاموس الكاتب، فهو يذكرنا بأنه في كل مكان وزمان، وفي كل عائلة يوجد الخير والشر، كما أن هذا الخير والشر موجود في الشخصية الواحدة، فمرة تقوم بفعل الخير وأخرى تقوم الشر، وهذه الفكرة نعتبرها نبيلة وإنسانية، فهي تمنعنا من أن نقول العائلة كذا منحرفة، أو العائلة تلك مستقيمة، فالكاتب يدعونا لنحكم على الأفراد كأفراد فقط، وبناءا على سلوكهم الشخصي، وليس بناءا على فكرتنا عن العائلة أو الأسرة ككل، فنجد "هالة" أخت "كاظم" العميل والشهواني، مغتصب النساء، والذي لا يرى أي عيب في انتهاك حرمهن، تقف موقف مبدئي اتجاه أعمال "كاظم" المنحرفة، وتعمل بكل ما تملك لكي تمنعه من التوغل أكثر بأعماله القذرة.
ونجد "إخلاص" بنت "أمين المختار" الرجل الغني المتنفذ، تقف مع عصام وتتفهم موقفه منها، بعد أن تم رفضه من قبل والدها بطريقة مهينة، ويؤكد لنا الكاتب إن الطبيعة الإنسانية هي المعيار الذي يجب أن نحتكم إليه في حكمنا على الأفراد.
فعندما قامت "إخلاص" بعملها الوطني ومساعدة المقاتلين على التواصل مع القيادة في شرق الأردن، كانت تكسر مفهوم العائلة البرجوازية، كما كانت تكسر أيضا فكرة المرأة التي خلقت للمنزل فقط، وتكسر فكرة تحريم الاختلاط، وقول "وما اختلى رجل بامرأة إلا والشيطان ثالثهما"

الكآبة
واقع الهزيمة التي أصابت الأنظمة العربية تركت أثرها على المواطن الفلسطيني، فهو لم يكن يتوقع أن تكون تلك الأنظمة التي مارست اشد أنواع البطش والقهر بحقه، إن تنسحق بتلك السرعة، فقد كان يأمل أن تبدي بعضا من قوتها وصلابتها اتجاه العدو، لكن الهزيمة حصلت وتركت أثرا واضحا على النفوس ومن ثم على السلوك، "جلس شاردا، تلفه هالة من الكآبة، لا يرى من اخضرار الأشجار وأوراقها إلا تلك الظلال الداكنة، وغيوم تشرين، أصابتها أشعة الشمس الذابلة الذاهلة ـ ووهي تظهر من خلف البنايات في الأفق الشرقي بعقم مفاجئ. لا أمل يلوح في الأفق" ص12، الذي يميز هذا الوصف، بان الطبيعة رغم بهائها وجمالها، أخذت صورة معاكسة، صورة السواد، حتى أن الشمس لم تعد مشرقة تجمل الفضاء، بل كانت تمثل واقع البؤس والضياع وعدم الأمل، وهنا يكمن حجم المأساة التي حلت على المواطن الفلسطيني بعد الاحتلال.
ويضيف الكاتب عن حالة الكآبة التي تسيطر على شخصية "الشيخ حسين" قائلا: "لم يعد هناك طعم لأي شيء، حتى الانتظار لم يعد له أية معنى، فالحزن، الألم والقنوط تكاد تذهب بالعقول بعد أن صدعت الرؤوس، ولا سيد إلا الأسود الذي ملأ القلوب كآبة، وغلف العقول باليأس" ص12، أعتقد بان تناول حالة اليأس يمثل حجم الألم الذي وقع على الإنسان، فهو لم يفقد الوطن وحسب، بل فقد الأهل، والكرامة، والأمل، وحل اليأس، وخراب النفوس والعقول، وأمسى السواد هو الطاغي.
يعود الكاتب ليزاوج بين الطبيعة الخريفية وبين النفس المحطمة، وكأنه يرسم لنا الخريف الطبيعي والخريف الإنساني ممزوجين ومتداخلين معا، فهنا كان الإنسان موازيا للطبيعة، كلاهما يمثل حالة من الموت والاستسلام لما هو قادم، "لم تكن أفكاره في ذلك الصباح، أفضل من أحوال الطقس، لقد كانت ضبابية، بلا معالم تحدد توجهاتها، بالضبط، كتلك السحب الرمادية التشرينية الداكنة التي استطاعت الإمساك بمعظم ذيول الشمس التي كانت تصارع كي تصل إلى أديم الأرض لتكنس رطوبة الندى الذي ما زال يلمع فوق الإسفلت" ص18، الصورة المركبة والمتعددة للخريف تجعل من الصعب فك أو التخلص من وطأة الكآبة، فنجد الضباب حاضرا، والسحب التي تحجب الشمس، الندى على الأرض، كلها مشاهد تنم عن حالة الخريف الذي ينعكس تأثيره سلبيا على الإنسان، من هنا نجد الأفكار أسيرة لهذه الطبيعة، فلم تعد تقدر على التحرر من واقعها.
سلوك الإنسان ضمن الواقع السابق، لا بد أن يكون مضطربا، انفعاليا، عصبيا، "... فصفع جبهته وهو يردد لنفسه: " هاي أخرة الموال.. تصير كلما طبل واحد ترقص يا حاج.. تفه..
فانزرعت بصقته على مقدمة "الحفاية" التي كان ينتعلها" ص13، كان صاحبنا "الشيخ حسين" يعاني من حالة عصبية مزمنة، فنجده يكلم نفسه، فهو يعاني ، نفسيا وجسديا ـ فلم يقوى على إبعاد بصاقه، من هنا وقع على "الحفاية" وهذا دليل على عدم وجود نفس قوي، مما يؤكد تأثير الحالة النفسية والطبيعة على شخصية وصحة "الحاج حسين".
الواقع الفلسطيني
حالة "الحاج حسين" كانت تمثل حالة مصغرة عن الحالة الفلسطينية العامة، فالشعب بمجمله كانت يعاني من هول الهزيمة، كما أن الاحتلال لم يتوانى عن استخدم كل الطرق والوسائل التي تزيد من الوجع، فظهر لنا سليم المحمود يرد على هذا الواقع، مبينا بان الفلسطيني قادر على التخلص مما هو فيه، "يبدو أن قدرنا أن نشرب الهزائم والمصائب ما دمنا إتكاليين..." ص22، بهذا الكلام التحليلي يتقدم "سلم المحمود" ليزيل بعضا من تلك الغيوم التي ما زالت عالقة في كبد السماء، فهو يدعوا إلى تجاوز الماضي الاتكالي، والاعتماد على الذات، فلن ينقذ الفلسطيني إلا العمل بذاته ولذاته، وهنا نجد دعوة لطلاق وتجاهل الآخرين تماما.
مشاهد للمحتل
طرقة تعامل المحتل مع الشعب الفلسطيني كانت تحمل الذل والاهانة معا، فكأنه يقول للفلسطينيين، أنا السيد وأنت العبيد، "فقد "لكعهم" تحت الشمس أكثر من ساعة... ثم اعتذر عن مقابلتهم لانشغاله بأمور هامة.. لم يعتذر هو شخصيا ... لقد أرسل لهم احد الجنود لإبلاغهم بتأجيل الاجتماع به" ص36، تكسير النفوس الكبيرة في المجتمع الفلسطيني ليسهل بعد ذلك النيل من البقية العادية، فكما يقول المثل: "اضرب الرأس أولا، يهرب الجميع" وهذا ما أرادة الحاكم العسكري الإسرائيلي في مدينة نابلس، إن يهين الكبار فيها، ليسهل بعدها النيل من الصغار العاديين، وليرهب الكل.
إذا كان ذلك السلوك مع الخاصة، فكيف كان يتعامل مع المجموع العام؟ "وقانون الاحتلال الذي أصدره الحاكم العسكري، يمنع التجمعات ... المحتلون يسابقون الزمن... لا يريدون أن يدعوا أمرا للصدفة... فكل يوم يصفعوننا بأوامر عسكرية جديدة... وهم يعرفون من أين تؤكل الكتف.. فحتى لا يثيروا العالم، أعلنوا عن أحياء قانون الطوارئ البريطاني الذي كان معمولا به أيام الانتداب" ص93، قوات الاحتلال تعيد العمل بقانون الاحتلال الانجليزي، مما يعني عدم وجود قانون مدني، والحكم المطلق للحاكم العسكري الذي من حقه أن يسن القانون الذي يريد، ومن ثم إن يفعل ما يشاء وحيثما أراد.
يتحدث الكاتب عن صورة المحتل لدى الأطفال الفلسطينيين الذين يصفون المحتل : "ـ ماما اليهود بدهم يطخونا .. إشتريلي بارودة أطخهم فيها..
ـ ماما خلي بابا يضربهم.
ـ ماما ..لله بدو يوخذهم عالنار لأنهم بيخوفونا" ص111، تكمن أهمية هذه الكلمات بأنها جاءت على لسان الأطفال، فالمحتل اخذ صورة القاتل، المرعب، من هنا سيأخذ الله على النار.
يقول بيجة بان الطفل قبل سن السابعة يعتبر أباه (الفانوس السحري أو مصباح علاء الدين) الذي من خلاله يمكن أن يحقق كافة أحلامه وطلباته، من هنا نجد الأطفال يستعينون بالأب لكي يخلصهم من المحتل.


الشخصية السلبية
يقدم لنا محمد عبد الله البيتاوي مجموعة من الشخصيات السلبية، وكأنه يؤكد على مسألة واقعية وإنسانية المجتمع الفلسطيني، فهو مجتمع عادي، مجتمع واقعي، يعيش على الأرض، وليس في السماء، من هنا يوجد فيه شخصية مثل "كاظم" الذي يفكر بمنطق الرجل الشبق، الذي يريد مضاجعة كل النساء دون أية موانع، فهو يعيش في عصر السيد والجواري، الحريم،
"ـ وبعدين.. ما إتمي تقولي إخلاص إخلاص، رضت وإلا غضبت، ما في حدى يركب صهوتها غيري .. خليك واثقة من هلحكي... إخلاص للخرجة والدخلة... للمنظرة ... أما المزاج فإلو ناسوا إللي بقدروا يعدلوه.
ـ ولك الناس خارجة من حرب، والحالة طاقة معاهن .. ما فكرت شو ممكن يقولوا عنك لو عرفوا بعمايلك؟
ـ اسمعيني إمليح .. أنا حر .. أشرق ... أغرب ... أنا حر " ص47، أكثر الشخصيات سلبية كان "كاظم" فهو شخص شبق جنسيا، يتعامل مع الآخرين بسادية مطلقة، يتخابر مع الاحتلال، لا يوجد في قاموسه كلمة لا يجوز أو ممنوع أو محذور" هو الأمر الناهي، من حقه أن يمتلك أي جسدا كان، وان يفرغ فيه شهوته.

المرأة
نجزم بان عبد الله البيتاوي قدم لنا المرأة بصورة أفضل من الرجل، فنكاد لا نجد امرأة تحمل صفات سلبية مطلقة، كما هو الحال عند "كاظم" بل تعمد على إظهار مقدرتها على التكيف وتجاوز الواقع، مهما كان صعبا، كما إنها أكثر مقدرة من الرجل على حل مشاكلها، وبسرية تامة، "أم حسنين، هنية" تقدم لنا شموخ المرأة رغم حالة الانكسار التي تمر بها، "جلست أم حسنين منكمشة على حافة السرير، وهي تلملم عريها، والدموع تتدفق من عينيها المنكسرتين...
ـ هلأ إعرفت الطريق.. في كل مرة بتيجي، بتاخذي مثله.. بس المرة الجاي بدي إياك موردة أكثر.. أول مرة دايما بتكون صعبة، لكن بعدين بصير الحال غير الحال.. بدي غنج ودلع، حتى ننبسط أكثر.
ـ بدك إياني أطعمي إولادي من ثمن لحمي؟!
... ـ وعرضي إلي مسحت فيه الأرض.
... رشقته بنظرة منكسرة غلفها إزدراء، ثم وقفت متحاملة على آلامها، فسقط الدينار تحت قدميها، فداسته وهي تغادر الحجرة بخطوات متعثرة" ص44 و45، مشهد يمثل قاع الانسحاق للإنسان، فهنا المرأة الفقيرة، تم اغتصابها، المغتصب يريد أهانتها من خلال تقديم المال مقابل المتعة التي حصل عليها، ترفض ذلك، رغم حاجتها للمال، فهو مال ملوث، مال قذر، محرم، لا يجوز أن يلامس النفس النقية، حتى لو تم تدنيس الجسد وأمسى جسد ملوثا، قذرا.
كما نجد في المشهد السابق الفرق بين الشكل والمضمون، بين الجسد والروح، شكليا تم الاعتداء على شرف المرأة، تم تدنيس الجسد، وتم تحطيم نفسية المرأة، لكن لم تنكسر إرادتها، لم تفقد أملها بالقصاص من المغتصب، أهانته ووجعت له الضرب عندما رفضت أن تأخذ الدينار، بهذا كانت المرأة اقوي من الرجل، وقدر منه على التصرف الصائب والحكيم، فلم تأخذها العاطفة نحو تهويل الأمر، بل شدت على الجرح، وتحمل الألم، إلى أن قابلت المخلص "مشعل" الذي انتقم لها ولغيرها من النساء، وكذلك للشعب الذي يرفض مثل هؤلاء العملاء.
الشخصية الثانية التي يقدمها لنا عبد الله البيتاوي شخصية "إخلاص" بنت العز والغنى، الفتاة التي تتمرد على سلطة الابن، وسلطة العادة والتقاليد في المجتمع، تقترب من المحرم لكن لا تتوغل فيه، تتعرف عليه، تحصل على المتعة، تأخذ كفايتها من اللذة، ثم تتوقف، امرأة تجرب الحب الجسدي، وتتماهى مع الحب الروحي، امرأة شرقية، بروح غربية، وجسد في صراع بين اللذة والحرام، "لقد أدركت، بما لا يدع مجالا للشك، بان الحب الذي ازداد إواوه في أعماقها، قادر على أن يلون الأشياء بألوان زاهية، لم تكن تلك القبلة الأولى في حياتها ...لا ... إنها لا تنكر بان شفتيها قد تورمتا من كثر القبل التي ارتشفتها ..كانت لا تكاد تمضي عليها ساعة دون أن تداس أو تهرس فيها شفتاها، لقد كانت الشفاه التي تمضغ شفتيها مختلفة الألوان والأحجام، ولكنها الآن تدرك اختلاف الطعم والتأثير.. تدرك الفرق بين أن تكون القبلة من حبيب يتغلغل في كيانها، أو من شخص آخر لا يرى فيها إلا وعاء قادرا على إطفاء رغبة جامحة لديه" ص177، هذا الكلام قد لا يعجب البعض، ففيه التمرد على الجسد قبل التمرد على العرف أو العادة، أو حتى الدين، فهنا كانت المرأة تبدي مشاعرها اتجاه نظرتها للحب، للتقبيل، تتكلم عن الحب، عن الجسد، العلاقة بين الجسد والجسد، وبين الروح والجسد، فهي تقدم مشاعر الأنثى التي يجهلها العديد من الرجال، فهي بالنسبة للبعض ليست أكثر من وعاء للمتعة، لكنها في حقيقة الأمر، كائن بشيري، يحس، ويستمتع، ويريد حبا خالصا نقيا يمتلكه لوحده.
نظرة المجتمع للبنت أو المرأة تهتم بالشكل وتهمل الجوهر، بمعنى انه ينظر إلى "أم حسنين، هنية" بأنها قد فقدت شرفها بعد الاغتصاب، لكن الواقع يقول غير ذلك، فهي كانت شريفة وطاهرة، وتتمتع بالقوة، واستطاعت أن تعرف مع من تتكلم ليأخذ لها حقها، فقد كانت حكيمة في تعاملها مع حادثة الاغتصاب، ومن هنا تم معالجة الحادث بموضوعية وكتمان.
البنت في المجتمع العربي يكمن شرفها، فيما بين رجليها، ببكارتها، ولو فضت هذه البكارة بأي طريقة، حتى لو لم تكن بالممارسة الجنسية، أيضا يعتبرها المجتمع غير شريفة، فالشرف العربي يحدد بالبكارة وما بين رجلي الفتاة فقط، وها هي هالة تبدي امتعاضها من فكرة البكارة : " ـ لازم تعرفي إن للبت حدود... ويا خوف قلبي لا تكوني ضيعت بكارتك وأنت بتتنططي هون وهون... أبوك بدو ينجلط من إللي بسمعو عنك... ما أتعلمت من إللي صار مع بنت خالتك سهام ... هيها بايرة زي بيت الوقف" ص48، بعدما سمعنا وجهة نظر "أم كاظم"، عن البنت، وهي تعرف ما يقوم به ابنها من خروقات للعرف وللأخلاق، نجد حجم الضغط الذي يلقى على المرأة في المجتمع العربي، فهي كالزجاج إذا انكسر من المستحيل إعادة إلى وضعه السابق، هكذا هي المرأة.
وهنا نربط هذا القول بما قامت به "إخلاص" لنعلم حجم التمرد الذي تقوم به، فهي تتمرد على جسدها بتلك القبل، وتتمرد على المجتمع الذي يعتبرها ـ عورة أو حرمة ـ فهي كائن متمرد، يسعى إلى الحرية، حتى لو كانت ضريبتها العزلة والكلام الجارح، فهي تريد حريتها وتجاوز أفكار المجتمع البائدة.
العمل السري
يتناول الكاتب طبيعة العمل السري في ظل الاحتلال، والشروط التي يجب توفرها لنجاحه، فيقول عصام منبها "إخلاص" بضرورة الالتزام بما هو مطلوب فقط، " ـ هناك بعض الأمور التي لا يجب أن نسأل عنها، لان معرفتنا بها قد تؤذينا أكثر مما تفيدنا... أنا شخصيا لا أحب أن اعرف أكثر مما يجب.. فقط ، اعرف أين أضع قدمي .. ولا يهمني أن أتعرف إلى أشخاص ليس لي بهم علاقة مباشرة في العمل" ص202، هذه من بديهيات العمل السري، فالضوابط تعد أهم عناصر السلامة في العمل.
الأمثال الشعبية، العمل المسلح، الشخصية القيادية
يستخدم الكاتب العديد من الأمثال الشعبية في "الصراصير" كما هو الحال في "المهزوزن" ويشير أيضا إلى حركة "فتح" والى دورها الفعال في المقاومة، ويتحدث عن العمل المسلح وطريقة إدخال السلاح إلى الأرض المحتلة، ويشير أيضا إلى صورة الانجليزي فيقول : "فقد كان يتمتع ببرودة أعصاب الانجليز" ص68.
كما تناول الكاتب صفات الشخصية القيادة عندما تحدث عن مشعل واصفا تأثيره على الآخرين، "لقد كان أصدقاؤه يعلمون جيدا نهمه للقراءة، رغم انه لم ينهي الصف الثالث الابتدائي في المدرسة، وإجادته أكثر لتقمص الشخصيات، فيقدمون له الكثير مما يقرأون .. لقد بدأ يشعر بارتياح عميق نحوه... أحس وكأن هناك رابطا ما يربطه به" ص102، رغم ما يبده مشعل من بلاهة إلا أن قوة شخصيته تفرض احترامها على الآخرين، فالقيادة لا تعتمد على الشكل، المظهر، فالصفات الحقيقية تكمن في العمل، قوة الشخصية، وقدرتها على اتخاذ الفعل المناسب في الوقت المناسب، قدرتها على الإبداع والتصرف بحكمة وسرعة، اعتقد بان "مشعل" كان أكثر الشخصيات فاعلية وايجابية في ذات الوقت.
الطرح الطبقي
القرن الماضي وتحديد فترة في العقد الخامس والسادس والسابع كان الفكر الاشتراكي هو السيد في حركة التحرر العربية، والعديد من الكتاب والأدباء تحدثوا عن الفكر الاشتراكي والعدالة الاجتماعية، فمثل هذا الأمر كان يعد احد أهم السمات للأدب العربي في حينها، من هنا تناول الكاتب هذا الأمر، وها هو "أمين مختار" أبو "إخلاص" يتحدث مع عصام بصورة الإقطاعي الذي يملك الاقنان فيقول "ـ لم يبقى إلا أن أصاهر ابن أجير اعتدت أن القي إليه فضلات مائدتي.. صحيح إللي استحوا ماتوا" ص31، نظرة طبقية واضحة وتبين طريقة التفكير عند الطبقة البرجوازية العربية فهي لا تلقي بالا للنواحي الإنسانية، والمعيار عندها هو الوضع الاقتصادي أولا وأخيرا.
وها هي هالة أيضا تتحدث بمنطق الطبقي الذي يفرق بين الأغنياء وبقية المجتمع فتقول "لإخلاص" محاولة أن تقنعها بالقبول بأخيها "كاظم": "... أنت وكاظم من طينة وحدة... وما أظن اهلك يمكن إنهم يوافقوا على واحد زي سليم، ويرفضوا واحد مليان وشبعان مثل أخي كاظم" ص40، في الاقتباسات السابقة تم تقسيم المجتمع إلى طبقات، لم يكن ذاك من قبل الفقراء، بل من قبل الأغنياء الذي يرون أنفسهم اكبر وأعلى من بقية الناس، وكأن الكاتب يريد من المتلقي أن يقف ضد هذا اطرح أولا ثم ضد هؤلاء المتعالين على الناس ثانيا.

سلطة الأب والعائلة
العديد من الكتاب تناول صورة الأب بما يوازي سلطة النظام، على النقيض من صورة الأم التي كانت دائما تكون جميلة وزاهية فالأب في المجتمع العربي يمثل شكل من أشكال القمع، لذكرا أم لانثنى، فهو السيد المستبد، يمارس سلطته القمعية والاقتصادية في حال وجود أي مظاهر للخروج عليه، " أبي لا ينزعج من شيء مثل انزعاجه من التدخين، رغم انه كان مدخنا شرها... قبل أيام وجه أبوه عدة صفعات ألهبت وجه أخيه قدري عندما شم رائحة الدخان تخرج من فمه" ص115، بهذا الطريقة يتم تعامل الأب مع الأبناء، وصورة تتوازى وتتماثل تماما مع ما يقوم به النظام ضد أبناء الشعب، فهنا الأب يقمع ويضطهد كما يقمع ويضطهد النظام.
وانجد المشاعر اتجاه الأب تكون دائما سلبية، وأحيانا عدائية، كما هو حال مشاعر الناس اتجاه النظام، "إنه يستشعر دائما بان أباه يستتفه أمره ويقلل من شانه، إنه يراه غير جدير بالقيام بأي عمل ـ مهما كبر أو صغر ـ ربما لأنه ليس أهلا لشيء .. إنه مجبر على أن يكون كما يشاء أبيه لا كما يشاء هو... افعل هذان لولا تفعل هذا " ص118، محو شخصية الابن من قبل الأب يعد عملا عدائيا للأب، فهو بعمله هذا يلغي أي عملية تطور في المجتمع، حيث يبقى الفرد، ثم المجتمع أسير للفكرة السائدة فقط، ويمنع أي تفكير إبداعي مهما كان شكله أو مضمونه.
الكاتب يقدم لنا صورة للسلطة التي تملكها العائلة، فالأب السيد يفرض قراراته على الأبناء بهذه الطريقة : "ـ إكبرت وصرت تعرف تقول في وجهي آه ولأ ... أنا ما في حدى من أهل بيتي بقدر يخرج عن طوعي... إللي بقوله بمشي وإللي مش عاجبه، الباب بفوت جمل" ص119، وكأن الذي يخاطب ليس أبا وإنما رجل مخابرات، يتهدد ويتوعد كل من يفكر بالخروج عن الطريق التي يرسمها، فعبارة "ما حدي" تمثل السادية التي تميز كل الأنظمة القمعية، فلا فرق بين أشكال وحجم هذه الاداوات فكلها تنطلق من منظور واحد، أنا السيد والبقية عبيد.
التصوير الفني في الرواية
من خلال التصوير الأدبي والفني في الرواية يجعلنا الكاتب نتماهى مع الحدث، فهو يمهد للفكرة التي يرد، جاعلا من المتلقي يستعد للدخول إلى تفاصيل الرواية، فالصور التي يقدمها تعد جزءا حيويا من الأحداث التي يريدنا أن نعرفها، فمن خلال الصور الفنية أما أن نكون مع الحدث أو ضد، ففي بداية الرواية يتحدث عن الخريف والشمس التي تحجبها الغيوم والضباب الذي يحد من الرؤية، وكأنه بهذا الوصف يمهد للفكرة التي يريد، وهنا تكمن جمالية الأدب، فمن خلال التصوير الأدبي يتألق الكاتب ويمتع المتلقي، "جلس شاردا، تلفه هالة من الكآبة، لا يرى من اخضرار الأشجار وأوراقها إلا تلك الظلال الداكنة، وغيوم تشرين، أصابتها أشعة الشمس الذابلة الذاهلة ـ وهي تظهر من خلف البنايات في الأفق الشرقي ـ بعقم مفاجئ. لا أمل يلوح في الأفق" ص12، مثل هذه الصورة تجعل المتلقي يستمتع بما يقرأ وأيضا تجعله يتعاطف مع هذه الشخصية المكتئبة.
ولكي يجعلنا نقف ضد ما يجري يقدم لنا هذه الصورة "لقد افتقدت المدينة هدوءها وسكينتها منذ وطأت نعال المحتل شوارعها، وعاث الطيارون في سمائها، فاتنزعوا غشاء بكارة هدوئها بقسوة" ص111، بهذا الكلام المرسوم يجعلنا الكاتب نقف ضد ما يجري على الأرض، ونتعاطف مع المدينة وأهلها ضد المحتل.
رائد الحواري
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف