إرث الغربـاء ..
قرأت يوما قولاً كان يتصدر أحد العناوين يقول : الرسائل عادة لاتذكر الموتى ......
أكتب رفضا للتسليم بها .. بمقابل إيمان مضاد بأنها تذكر وتحوى وتصل وتضمهم صورا وأشباحا ، حقيقة وأطيافا .. تصل وتحملهم ، أؤمن دون أن أكترث بالبحث منّ منا بحاجة الآخر ؟! ..
.. إلى غسان :
قدرنا ربما ياصديقى أن نحيا بوقتٍ تداخلت بهِ الاشياء بتشابك لعين ، بات من الصعب التمييز ، يحتاج منك إلى بذل جهدٍ لم يعد فى مقدور الكثيرين منّا بذله ، فأصبحنا نلجأ بإستسلام المحتضرين إلى استخدام التضاد المباشر للتمييز بين الاشياء وأستسلمنا لحقيقة مفتعلة أختزلت الألوان إلى لونين فقط فهو أما أبيضُ صارخ أو هو أسود قاتم ... وأغفلنا مئات التفاصيل ساكنة المنتصف بإصرار محو الوجود لتوفير عناء البحث والأستكشاف .. ربما كان غياب الشغف المحرك هنا على الأقل أثق انه كذلك لبعض منّا .. !
ولكنك تعلم ، الجمال ليس نقيض القبح يا .. غسان ، لم يعد كذلك .. هو عدوه الأوحد وأستثناءه
الأستثناء الذى يهزم سطو وجوده بفرض قوة ظله ،
الأستثناء الذى تصبح معه كل الأشياء مختلفة .. حتى الموت يا غسان حتى الموت جميل هو الموت ، عندما يأتى كصديق قديم ، لا يرى قبحه سوى الجبناء ، من أعتادوا الهرب من كل اللقاءات الهامة ، من عاشوا يخفون جبنهم خلف شعار ' تحيا الحياة ' !
وحدهم من يملكون شجاعة المواجهة يرون الجمال الكامن بالأشياء الذى يتوارى خلف الخوف ، وحدهم يجرؤن على أزاحة الستائر والنظر عن قرب قرب شديد ، يصافحون جمال أقدارهم بشغف كمن يعانق بريق بعينى الحبيبة .... بينما يعايش الأخرون القبح خلف ستار مسدلة .. ويهتفون بنبرة جبن صارخة ... تحيا الحياة ... !
يسقط الزيف ياغسان يسقط الزيف ...
" يوجد الحب بمقدار ما تفسح الكراهية له "
وأشتدت الكراهية وكأنها باتت لون يفعل كل ما أوتىّ من حيلّ لفرض سطوته ، البعض يحارب للنجاة محاولا الأحتفاظ بإيمانه بالحب كملاذٍ أخير ، والبعض الأخر يهرب إليه لأتساع المنافى وأمتدادها .. والجميع يجهل كينونته وربما يطوعها لما يرضى حاجته وحسبّ ...
.. يا غسان ....
الحب ليس وطن ، الحب يحتوى الوطن ، ويمتلك القوة التى تجعله قادر أن يصيره ويحميه كذلك ..الوطن إلا يحدث ذلك كله .. وأخبرك أن الحب على العكس لأبد أن يحدث معه كل ذلك لينتصر ويغلب ويساعد ويضعف ويحتضر ويموت ليحيا به أبناءه
يا غسان .. ببساطة شديدة تختصر كل التعقيد ، الحب هو الشهقة الفاصلة .. عن موت تارة وعن حياة تارة أخرى ..!
" الحياة أنتصار على الموت كذلك يقولون ، وأؤمن أنها ليست سوى هدنة معه "
... أتعرف كيف يلملّمُ المرء روحـهِ يا غسان ؟! ... لا .. ليس بجمع الأجزاء المتناثرة ، الأمر ليس بتلك السهولة ، تذكر تلك السيدة العجوز التى جمعت زهور حديقتها ثم جاء قطها ليسقط المزهرية محطماً كل شئ ، أتذكر كيف أخذت أصابعها المرتجفة تحاول عزل الورود عن الشظايا ، نظرة عينيها السابحة مابين القلق والحزن وهى تجمع الأوراق المنفطرة خشيتّ أن تتفتت ، صرختها المكتومة حين جُرحت أصابعها وهى تتمتم الزهرات أهم ، الجرحُ غداً سيبرأ .. الزهرات أهم ...... هكذا يا غسان هو الأمر ... هكذا
" خاتمة "
إلى الصديق الحاضر بما يفوق قوة غياب الموتى المُسلّم به
غسان كنفانى ..
قرأت مؤخراً تعريفا بك يستخدمون بهِ مسميات قد عشت حياتك تجاهد ليس لعدم الأعتراف بها بل لإجتزاز محاولة فرض وجودها .. أطلقوا على الأحتلال حرباً والاستعمار انشاء دولة .... وألصقوا مسوخهم بمقدمة أحد كتبك
لم أحزن لوفاتك ولكن حزنت لأنك تركت بعضا من روحك ودمائك بعالمٍ لايتسع لهم
فمن يحفظ إرث الغرباء ؟!
على روحك الرحمة والسلام وطوبى للغرباء .....
...... دعــــــاء الوقـــدى
قرأت يوما قولاً كان يتصدر أحد العناوين يقول : الرسائل عادة لاتذكر الموتى ......
أكتب رفضا للتسليم بها .. بمقابل إيمان مضاد بأنها تذكر وتحوى وتصل وتضمهم صورا وأشباحا ، حقيقة وأطيافا .. تصل وتحملهم ، أؤمن دون أن أكترث بالبحث منّ منا بحاجة الآخر ؟! ..
.. إلى غسان :
قدرنا ربما ياصديقى أن نحيا بوقتٍ تداخلت بهِ الاشياء بتشابك لعين ، بات من الصعب التمييز ، يحتاج منك إلى بذل جهدٍ لم يعد فى مقدور الكثيرين منّا بذله ، فأصبحنا نلجأ بإستسلام المحتضرين إلى استخدام التضاد المباشر للتمييز بين الاشياء وأستسلمنا لحقيقة مفتعلة أختزلت الألوان إلى لونين فقط فهو أما أبيضُ صارخ أو هو أسود قاتم ... وأغفلنا مئات التفاصيل ساكنة المنتصف بإصرار محو الوجود لتوفير عناء البحث والأستكشاف .. ربما كان غياب الشغف المحرك هنا على الأقل أثق انه كذلك لبعض منّا .. !
ولكنك تعلم ، الجمال ليس نقيض القبح يا .. غسان ، لم يعد كذلك .. هو عدوه الأوحد وأستثناءه
الأستثناء الذى يهزم سطو وجوده بفرض قوة ظله ،
الأستثناء الذى تصبح معه كل الأشياء مختلفة .. حتى الموت يا غسان حتى الموت جميل هو الموت ، عندما يأتى كصديق قديم ، لا يرى قبحه سوى الجبناء ، من أعتادوا الهرب من كل اللقاءات الهامة ، من عاشوا يخفون جبنهم خلف شعار ' تحيا الحياة ' !
وحدهم من يملكون شجاعة المواجهة يرون الجمال الكامن بالأشياء الذى يتوارى خلف الخوف ، وحدهم يجرؤن على أزاحة الستائر والنظر عن قرب قرب شديد ، يصافحون جمال أقدارهم بشغف كمن يعانق بريق بعينى الحبيبة .... بينما يعايش الأخرون القبح خلف ستار مسدلة .. ويهتفون بنبرة جبن صارخة ... تحيا الحياة ... !
يسقط الزيف ياغسان يسقط الزيف ...
" يوجد الحب بمقدار ما تفسح الكراهية له "
وأشتدت الكراهية وكأنها باتت لون يفعل كل ما أوتىّ من حيلّ لفرض سطوته ، البعض يحارب للنجاة محاولا الأحتفاظ بإيمانه بالحب كملاذٍ أخير ، والبعض الأخر يهرب إليه لأتساع المنافى وأمتدادها .. والجميع يجهل كينونته وربما يطوعها لما يرضى حاجته وحسبّ ...
.. يا غسان ....
الحب ليس وطن ، الحب يحتوى الوطن ، ويمتلك القوة التى تجعله قادر أن يصيره ويحميه كذلك ..الوطن إلا يحدث ذلك كله .. وأخبرك أن الحب على العكس لأبد أن يحدث معه كل ذلك لينتصر ويغلب ويساعد ويضعف ويحتضر ويموت ليحيا به أبناءه
يا غسان .. ببساطة شديدة تختصر كل التعقيد ، الحب هو الشهقة الفاصلة .. عن موت تارة وعن حياة تارة أخرى ..!
" الحياة أنتصار على الموت كذلك يقولون ، وأؤمن أنها ليست سوى هدنة معه "
... أتعرف كيف يلملّمُ المرء روحـهِ يا غسان ؟! ... لا .. ليس بجمع الأجزاء المتناثرة ، الأمر ليس بتلك السهولة ، تذكر تلك السيدة العجوز التى جمعت زهور حديقتها ثم جاء قطها ليسقط المزهرية محطماً كل شئ ، أتذكر كيف أخذت أصابعها المرتجفة تحاول عزل الورود عن الشظايا ، نظرة عينيها السابحة مابين القلق والحزن وهى تجمع الأوراق المنفطرة خشيتّ أن تتفتت ، صرختها المكتومة حين جُرحت أصابعها وهى تتمتم الزهرات أهم ، الجرحُ غداً سيبرأ .. الزهرات أهم ...... هكذا يا غسان هو الأمر ... هكذا
" خاتمة "
إلى الصديق الحاضر بما يفوق قوة غياب الموتى المُسلّم به
غسان كنفانى ..
قرأت مؤخراً تعريفا بك يستخدمون بهِ مسميات قد عشت حياتك تجاهد ليس لعدم الأعتراف بها بل لإجتزاز محاولة فرض وجودها .. أطلقوا على الأحتلال حرباً والاستعمار انشاء دولة .... وألصقوا مسوخهم بمقدمة أحد كتبك
لم أحزن لوفاتك ولكن حزنت لأنك تركت بعضا من روحك ودمائك بعالمٍ لايتسع لهم
فمن يحفظ إرث الغرباء ؟!
على روحك الرحمة والسلام وطوبى للغرباء .....
...... دعــــــاء الوقـــدى