الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

رواية "شهاب" صافي صافي بقلم: رائد الحواري

تاريخ النشر : 2014-09-17
رواية "شهاب" صافي صافي

الجزء المكمل لرواية "المسيرة" هو رواية "شهاب"، ففي هذا العمل يتقدم بنا الكاتب نحو التعمق أكثر باتجاه الأسطورة، ويقدم لنا صورة الموكب الذي يتعلق بعودة الإله "بعل"، ويصور لنا فرح الناس والحيوانات بهذه العودة، كما نجد وصفا "لشهاب" يتماثل مع وصف "البعل"، فهو كامل الجمال، يخلب عقول النساء والرجال معا، يمثل الجسم الكامل الممتلئ حيوية وقوة الإخصاب، لا يقوم بإعمال تضر بأحد أبدا، فهو محبوب ومعشوق الجميع، كما نجد زوجته "شرخية" التي توازي الربة "عشتار/ عناة" فهي أيضا لها من مفاتن الإغراء ما يجعلها تتفوق على بقية النساء في "اليسيرة".
قبل الخوض في التفاصيل لا بد من الإشارة إلى أن رواية "اليسيرة" تناول فيها الكاتب الجغرافيا بشكل اكبر وبتفاصيل دقيقة، فقدم لنا كافة التعليلات التي تتعلق باسمها، وكيف جاءها هذا الاسم، وأيضا إعطانا تفاصيل جغرافية "اليسيرة" وأنها تتوسط بقية البلدان، فكانت الجغرافيا حاضرة وبقوة في الجزء الأول، وكان موفقا في الربط بين اسم الرواية "اليسيرة" وما يجري فيها من أحداث، وقد تحدث بإسهاب عن الزواج المقدس الذي انتشر في كافة مناطق الهلال الخصيب، عندما تحدث عن زواج الظبع وجليلة، ولكنه لم يتعدى هذا الطقس الهلالي، بمعنى لم يشر إلى أفراح عودة الإله "البعل/ تموزي" أفراح الربيع التي كانت تقام في شهر نيسان.
لكن في جزء الثاني "شهاب" يتناول الكاتب الرمز، القائد، الإله، المثل الأعلى، النقي، الجميل، الخير، فكل أحداث الرواية تتركز على هذا "الشهاب" الذي خلب العقول وتتعلق به الآمال، فهو الذي سيأتي بالخلاص من الشرور، ويثبت الحق، ويمحو الظلم، يذهب الأيام العجاف ويأتي بالخصب والنماء.
قبل الخوض في العلاقة بين الأسطورة والرواية لا بد من التذكير بان هناك وجود لفكرة انتقال الملكية / مكانة، من إله إلى آخر، كما هو الحال في الفكر الهلالي، فهناك العديد من الملاحم والأساطير التي جعلت الآلهة الأبناء يتقدمون على ألآله الإباء، كما هو الحال في ملحمة "في العلا عندما" حيث انتقلت الألوهية من "تيامات" و "ابسو" إلى الإله "مردوخ" وانتقلت بعدها إلى الإله "أشور" وفي الديانة الكنعانية انتقلت من أيل إلى الإله البعل"، وهنا استخدم "صافي صافي" عين الفكرة، عندما حول المكانة وتركيز الأحداث في اليسيرة من شخصية "الظبع" إلى شخصية "شهاب"، وكأن الصراع بين الجليل القديم والجليل الجديد ما زال حاضرا وفاعلا في جغرافية "اليسيرة" منذ أن وجد الإنسان عليها.
طبعا هذه الفكرة تخدم النص الروائي وتجعل الفكرة تأخذنا إلى أعماق التاريخ، حيث كان الصراع بين الحياة والموت، الصراع بين الإله "البعل" والإله "موت"، الصراع بين "تيامات" و"إبسو" من جهة " وبين الإله "مردوخ" وإخوته من جهة أخرى.
سنحاول المقارنة بين الصفات التي وضعها "صافي صافي" في روايته "شهاب" وبين ما جاء في الملحمة الكنعانية حول صفات الإله "البعل" الإله الغائب، الملك المريض، فهناك العديد من الأفكار التي تتحدث عن الخلل الذي يصيب الطبيعة عندما يمرض أو يغيب الإله أو الملك، وكأن هناك لحمة بين الإله أو الملك وبين الناس والطبيعة، فكل مكونات الحياة منسجمة ومتحدة في الفكر والعقيدة الكنعانية.

الغياب للعظيم ـ ملكا أو إلها ـ
يذهب "شهاب" إلى المدينة لإحضار "القوشان" الذي يثبت فيه أحقية أهل اليسيرة في الأرض، ويطول غيابه الذي يستمر لمدة ستة أيام، "غاب شهاب منذ ستة أيام دون أن يعرف أهالي اليسيرة كيف تنتهي هذه المصيبة، وها هو اليوم السابع يمر رويدا رويدا دون أن يعود" ص3، هنا الغياب يعطي الأحداث منحى مغايرا لمسار الحياة الطبيعية، ليس لناس وحسب بل لحيوانات أيضا: "شوهدت الأغنام في تلك الساعة بالذات وقد امتنعت عن أكل عشبها، وتطلعت نحو السماء داعية أو خائفة، دارت نحو الغرب وثغت، وإذا بالأبقار تفعل مثلها وتخور والحمير والأحصنة تتوقف في طريقها وهي تحمل الأثقال، وكلاب القرية تتجمع فوق المرتفعات الصخرية ويعلو صوت نباحها، والديكة تصيح بحدة، أصيب الناس بالذهول، فمنهم من أغمى عليه، ومنهم من سجد لله تعالى ظانا أن القيامة ستحل مع عصر هذا اليوم من حزيران، أصابهم الوجوم، ووقفوا مشدوهين من شيء لا يعرفونه تماما" ص3و4، هذا المشهد يذكرنا تماما بالملحمة الكنعانية "البعل" والأسطورة "كارت ملك صيدون" سنحاول هنا تقدم التصوير الذي كتبه الكنعانيون منذ ما يزيد على الثلاثة آلاف عام: "سيبكيك جبل صافون!
... الأرض عطشانة، مطر البعل جميل
مطر العلي على الحقول
كعطر على الصخور
الفلاحون رفعوا عيونهم، توقعوا سقوط المطر
فرغت كزاير الحنطة والذرة
جفت جرار الزيت، فرغت دنان الخمر" ملاحم وأساطير، أنيس فريحه، ص203
الاقتباس السابق من أسطورة "كارت" الذي ينعكس مرضه على كل ما في الطبيعة من مظاهر الحياة، وها هي البتول "عناة" تتحدث عن الطبيعة بعد غياب البعل فتقول:
"كنت أجول في الحقول الجافة
كنت أطوف في الصحاري المقفرة
صعدت كل هضبة نزلت كبد الأرض
شعرت بان نفسا فقدت
علمت أن نفسا انخطفت عن وجه الأرض" م و أ، ص145و146، إذن النص الملحمي كان حاضرا في الرواية، وهو يمثل تلك العقيدة التي ترسخت في العقل الكنعاني منذ أكثر من ثلاثة الألف عام وما زالت تلك العقيدة تأخذ مساحة في ألا وعي عند الكنعانيين.
وهنا لا بد من توضيح لهذا الاستخدام المكثف للنص الأسطوري، فهو يعطي الرواية بعدا في الأفكار والعقائد الدينية يوصلها مع تلك التي نشأت في المنطقة منذ فجر التاريخ، وهذا الأمر يجعل من أحداث الرواية تتواصل مع الأفكار التي أوجدتها الإنسان على هذا الأرض. فالأرض والإنسان في الأسطورة والرواية يعطيان فكرة الوجود المتواصل والمستمر على جغرافية "اليسيرة".
مقارنة حالة القحط واليباب الذي يحل على الأرض بعد غياب الإله، العظيم، الملك، وبين حالة عودة الحياة، الخصب، بعودة الغائب، كانت حاضرة في النص الروائي والأسطوري، فاستخدم "صافي صافي" عين الفكرة وذات التصوير، كتركيز وتأكيد منه على فكرة التواصل والاستمرار للحياة الكنعانية على ارض "اليسيرة". هناك مظهرين يواكبان عودة الغائب، الأول يتمثل في الفرح العارم الذي يصيب كل ما وجد على الأرض، بشر وحيوانات ونباتات وصخور وتراب، والثاني الاستعداد الرسمي الذي يأخذ شكل المراسم الرسمية لهذه العودة، فالاحتفال والاحتفاء بعودة الغائب لا تمر بشكل عابر بل عبر مراسم وهالة توازي المكانة والأهمية التي يمثلها هذا الغائب.
"يسمع صوت من بعيد، بعيد جدا: شهاب ... شهاب. ساد الصمت،... عاد شهاب. ارتد صدى الصوت بين الجبال والأودية، وردده الرعاة، وبات الصوت يسمع من كل الجهات حول اليسيرة،... صعد الشيخ "عبد النبي" فوق سطح علية المختار ونادى: شهاب عاد.. ثم كبر: الله اكبر" ص4، الناس بمجملهم كانوا كالطفل الذي ينتظر أباه بعد غياب طويلا، من هنا نجد ردة فعلهم كانت على هذه الشاكلة.
لكن طقوس الاحتفاء الرسمية يقوم بالإعداد لها من قبل الخاصة، ويشارك فيها العامة، فهي حدث مهم ويهم الجميع،"فإن لقاء شهاب شارك فيه الناس والحيوانات من كلاب وأغنام وأبقار وحمير ودجاج وقطط وجمال... كلما سارت الفرقة مترا ازداد عدد المشاركين، جاءوا من الحقول والجبال والأودية والسهول" ص7، موكب يتزايد بشكل مضطرد، يشارك فيه الكل، فالشخصية العائد من الغياب ليست عادية، هي عظيمة، تمثل شيء مقدس، غير بشري وبشري في ذات الوقت، يحمل الفرح والخلاص لكل شيء.
وفي النص الملحمي كان استقبال "البعل" على النحو التالي
"أخدموا الظافر البعل، كرموا راكب السحب
انحنوا أمام سيد الأرض
اعدوا له وليمة حملا مسمنا
هيئوا شرابا : دم الدالية" ص150، م و أ.

هناك أيضا تماثل بين "شهاب وشرخية" من جهة وبين "البعل وعناة" من جهة ثانية، والعلاقة بين الرجل والأنثى كانت حاضرة في كلا النصين، الملحمي والروائي، "قابلت صديقاتها، كن يركضن نحو بيتها ليبشرنها بالخبر السعيد، فإذا بها منفوشة الشعر، منكوشته، لابسة ما اتسخ من ثياب" ص5 وفي النص الملحمي كانت هذه المشاهد
"بلغ النعي مسامع عناة
راحت تفتش عنه في كل مكان
طافت الجبال، هامت على وجه العراء
خدشت وجهها، أدمت ذراعها
جرحت صدرها كما يجرح الفلاح
بالمحراث اثلام حقله
رفعت صوتها نادت: مات البعل! فمن لأهل ابن داجون؟
من للجماهير التي كانت تسير وراءه
وبعد أن ارتوت بالبكاء
بعد أن شربت دمعها خمرا
صرخت بالآلهة "شفش"
فتعينيني في رفع الظافر البعل
وعلى كاهلي ترفعينه" م و أ ص142و143
الحداد على "شهاب والبعل" من قبل "شرخية وعناة" كانت له ذات الأشكال، فهما يقومان بعين الأفعال، كلا منهما لا تلقي بالا لمظهرها، فلم يعد هناك من يتجملا له، كلاهما بلا رجل، بلا حبيب، بلا العظيم.
كما قلنا هناك العديد من المشاهد والأحداث التي تجمع بين النص الملحمي والروائي، وقد اكسبها "صافي صافي" التداخل مع الحدث الواقعي، فكان المتلقي يشعر بحيوية النص وتداخل الأسطورة مع الواقع، فعندما تحدث عن الاستقبال لشهاب قال"شاهدوا أيضا شهداء القرية الذي حاربوا زمن الأتراك وحاربوا الانجليز والمستوطنين" ص7، الكاتب لا يريدنا أن ننساق وراء الحدث الأسطوري فقط، بل يؤكد بين الفنية والأخرى بواقعية الحدث، وكأنه لا يريدنا أن نتجاهل عملية التواصل والتكامل بين أحداث الماضي الأسطوري وبين الواقع.
الجنس في النص الروائي وملحمة جلجامش
هناك تأثر يضيفه الكاتب في رواية "شهاب" عندما تناول علاقة شهاب بالنساء في المدينة، فقال "...وانساب إلى أجسادهن فلم يشبع، فانطلق نحو الثالثة والرابعة والعاشرة في نفس الليلة، فانهارت قواه، فرغ مخزونه، وأنهكت أعصابه، وتعبت عضلاته، فعاد كما ترى، لا شرب الخمر نفعه، ولا أكل اللحم مده بالقوة، ومنهم من قال انه يشبه أنسانا ضاع في الصحراء بلا زاد ولا ماء، زحف على ركبته ومرفقيه باحثا عن الحياة" ص21، هذا المشهد يقترب كثيرا من ذاك الذي حدث مع "انكيدو" بعد أن ضاجع البغي لمدة سبع أيام، الضعف كان نصيب "انكيدو" و"شهاب" بعد ممارسة الجنس لمدة غير طبيعية ولعدد مرات يفوق القدرات البشرية، الزحف إلى الركبتين كان عندهما أيضا، اكتشاف أن المرأة تقوم بدور ليس أكثر، فقدان الماضي ، الصفاء، الحالة البكرية، بعد ممارسة الجنس، الشعور بالانتقال إلى حالة جديدة بعد ممارسة الجنس، النص الملحمي جاء يصف حالة "انكيدو" كما يلي:
"ستة أيام وسبع ليال مع البغي
رأته حيوانات البرية مع ابغي
أنكرته، جفلت، نفرت عنه
فاغتم انكيدو، ضعفت قواه، تشنج جسده
إلفه فارقه، اغتم وحزن
خارت ركبتاه، قعد، لم يقوى على الركض" ص 15، م و أ، الكاتب يقدم لنا الأسطورة بطريقة انسيابية، من خلال الحدث الروائي، لكنه يجعل النص الأسطوري حاضرا، ولكن ليس بالأسلوب المباشر والصريح، هناك متطابقات ومتشابهات بين النصين، مما يجعل المتلقي يندفع إلى التفكير بالأسطورة أو الملحمة، ويجد التماثل بينهما.

فلسفة الحياة عند "شهاب"
الكاتب يقدم لنا رؤيته عن الحياة عندما تناول رؤية بطل روايته عنها فيقول "إذ أيقن أن الحياة تأتي دون إنذار وتولي بنفس السرعة، وهو لا ينكر شيئا من ميوله الطبيعية، ولا يكبح أيا من رغباته، لم يحس قط بالرغبة في الشهرة، كان يهيم في الحياة متمتعا بما فيها من مباهج" ص28، قد يتفق البعض مع رؤية الكاتب بهذه الطريقة في الحياة، وقد يختلف معها الآخرون، لكن هي طريقة حياة للإنسان الذي يريد الانسجام مع الطبيعة، ودون وجود عوائق ـ فكرية أو اجتماعية ـ تحد من تمتعه بما أعطاه الله من نعم وملذات.
ويضيف قائلا عن فلسفته "... وهذين التجويفين يجب إشباعهما لينعم الإنسان بعدها بالسعادة الكاملة، إنهما يتعلقان برغبتين هما الغذاء والجنس، هما غاية الإنسان ووسيلته في الحياة الفعلية، فالغذاء ليس فقط للقضاء على الجوع، بل أيضا من مصادر المتعة والصحة، والجنس ليس فقط من اجل الحفاظ على الجنس البشري من الفناء، بل هو أيضا من اجل المتعة والراحة النفسية" ص28، التركيز على دوافع المتعة واللذة عندما يقوم الإنسان بفعل التغذية والجنس ، يعد مصارحة مع الذات قبل الآخرين، الذين يحاولون التهرب من حقيقة ما وراء فعل التغذية والجنس، فهو في الأساس بعيد جدا عن مفهوم الواجب ـ العام ـ الذي يحاول المجتمع أن يتهرب من خلاله، وما يقال في المجتمع من أفكار حول الغذاء والجنس لا يعد أكثر من خزعبلات وتجاهل المصارحة مع الواقع.
الطعام له دور أساسي في تقوية العلاقات الاجتماعية، "في المناسبات التي تجمع الأصدقاء يكون هناك الطعام ويكون هناك الشراب ويحفف من التوتر ويسود الهدوء ويضعف من الاختلاف في وجهات النظر" ص29، إذن للطعام جوانب اجتماعية تدعم وتقوي الروابط بين الناس، فالطعام يهيئ الناس لتقبل بعضهم بعضا، ويساهم في إيجاد حالة من الانسجام فيما بينهم.
للحب أيضا وجهة نظر عند الكاتب فيقول: " الحب اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة، ... الحبيب لا يهدأ له بال إلا بحبيبه، ولا يتشاغل إلا به" ص30، فهنا وجود التجاذب بين قطبي الطبيعية ضروري لإحداث التوازن النفسي بين البشر، فلا حياة دون تلاقي النظائر، دون تفريغ الشحنات السالبة واستقبالها بتلك الموجبة.
أما بخوص الموت وعودة الإنسان إلى العناصر التي تشكل منها فيقول الكاتب : "الناس خلقوا من طين، والطين يحن لذاته بالضبط كما تحن قطرات الماء إلى نفسها" ص 31، إذن الطبيعة تتشكل من عناصر وتريد أن تضم تلك العناصر، والإنسان يعد إحدى تلك العناصر.
قبل الانتهاء من رواية "شهاب" نقول بان الفعل المناقض للطبيعة "اغتصاب" اشهاب من قبل أهل المدينة، قلب الموازين في "اليسيرة"، وجعل من الشخص العظيم المنتظر، المخلص، المختار، مجرد جيفة نتنة يجب التخلص منها، فكانت عملية اغتصابه تمثل اللعنة التي حلت عليه وعلى اليسيرة معا، ورغم القفل السريع للرواية بموت المخلص بطريقة مخزية، واشمئزاز الناس من "شهاب" وابتعادهم عنه، بعد إن كان في قمة الاحترام والتقدير، يعد نكسة للمتلقي، فقد جعلنا الكاتب نتخيل شخصية "اشهاب" كما لو أنها فعلا شخصية "البعل" الأسطورية، لكنه أنكس طموحنا، كما أنكس "شهاب" طموح أهل "اليسيرة" فجعلنا بلا معيل أو معين، وهنا ذروة المأساة.
الرواية من إصدارات اتحاد الكتاب الفلسطينيين، القدس عام 2001
رائد الحواري
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف